مواضيع اليوم

باميلا (قصة قصيرة)

عبدالسلام كرزيكة

2009-06-05 14:46:28

0

 

باميـــلا :

(قصة قصيـــرة)

                    - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -


الساعة تُشيرُ إلى الثالثة وعشرُ دقائق وثلاثون ثانية ، هي لحظاتٌ تمُر بسرعة على الرجل الغريب الجالس في مقهى السلام الموجود بشارع الحُرية.
إنه يومٌ صيفيٌ جميل......فالقُماش البالي،المُغطي لِمُقدمة المقهى كفيلٌ بحجب الشمس عن جِباه الزبائن....والنسمة التي تمُر من حينٍ لآخر،تبعث الرغبة في نفوسهم  للإستمرار في الجُلوس....
بالنسبةِ لـِ [ إيميل ] ، فأنفاسُهُ المُمتزجة برائحة القهوة والسجائرتجعلُهُ يغوصُ عميقاً في مُجلداتِ ذكرياته...لكن أيٍّ منها بالتحديد؟.....فأصدقاؤهُ كثيرون!...حتى إن أرقامَ هواتِفِهم تختلط عليه!!...لِدرجةِ أنه يشعُر بالذنبِ حينَ يُخرِجُ من جيبهِ أجندته للتأكد مِن رقم أحدهم،عندما يتصل به ليُشعره بأنه لا يزال وفياً لعهـد صداقتهما!..
يرتشف من فنجان القهوة ، لترتسم على شفتيه إبتسامة عريضة وساخرة!.
حتى طعم القهوة لم يعد كما كان!...فكيف للأشياء الأخرى أن تظـلّ على حالها؟!.
في هذا الوقت كان [ جون ] ، جالساً على كرسيه العريض أمام دكانتـــه
للمواد الغذائية ، هو دكانٌ معروفٌ جداً هنا بحي الحرية،لأنه قديمٌ منذ أيام
الحربِ والجوع....
تسمَّرَتْ عينـَي [ إيميل ] على باب الدكان،وعلى الزبونة الشابة بالتحديد...
إن قوامها يشبه قوامَها!....وخصلات الشعر المنثورة على ظهرها تشبه خصلاتها تماماً!..
.....  آهٍ مِن ذكرى ساذجة ، تلك التي عرفتُ فيها [ باميلا ]..فقد كانت في

قمة نشاطها وحيويتها....

أتذكر تماماً ذلك اليوم الذي رأيتُها فيهِ،وأعجبتني....ولم أعرف سر ذلك الإعجاب!...وكنتُ على إستعداد ٍلفعل أي شيءٍ لجلب إنتباهها .
كنا ـ على ما أذكر ـ في نفس الشارع ، لكن كنتُ على رصيفٍ ، وكانت هي تسير على الرصيف الآخر مع صديقةٍ لها....فما كانَ مني إلا أن قطعتُ الشارع إلى رصيفها...وعندما إقتربتُ منها،ضربتُها بِخِفةٍ على كتفها، لِتَسْقُطَ الكتب التي كانت تحملها.....

أتذكرُ جيداً ألوانَ أغلفتها وعناوينها أيضاً ..

جلَسَتْ لتجمعها ففعلتُ أنا كذلك لمساعدتها...فالتقت عيوننا وتحادثت بلغتها :

..... : كم أنتِ جميلة...!

..... : كم أنتَ وسيم...!

لأبادرَ بعدما فاتني الذهول :

-آسف..لم أكن أقصد..

لترد هي بلهجة المُسامح :

- لا بأس فلم يحدث شــــيءْ..

لم أكن لأفوت الفرصة دون معرفة المزيد عنها، فمددت يدي لها قائلا :

- إسمي [ إيميل ].. 

فصافحتني مبتسمة وهي قائلة :

- وأنا [ باميلا ]..

ـ [ باميلا ] إسمٌ جميل...

ـ شكـــــــــراً....
عرفتُ [ باميلا ]،وأحببتُ أحاديثها ، فقد كانت مثقفة جداً وتعرف قانون السلوكيات وحسن التصرف...وحكت لي مُطولا عنها وعن ديانتها المسيحية..وزيارتها كل أحد لكنيسة الغُفران.....وكم كان يشدني الفُضول لإكتشاف سر تلك الإبتهالات والأدعية الطويلة...فأصبحتُ أرافقها كل أحد إلى الكنيسة...وعندما تنصرف الحشود، نبقى لوحدنا جالسين قبالة الصليب المثبت في صدر قاعة العبادة...!
لقدأدمنتُ  مراقبة شفتيها وهي تحدثني ، والنظر إلى قوامها المفصّلِ تحت ثوب العبادة الذي ترتديه..كما أدمنتُ مراقبة خصلات شعرها المتدلية على حافة الكرسي الخشبي، وهي تتحرك بطيئة كما لو أن أيادٍ خفيةٍ تعبثُ بها....!

يأخذ نفساً عميقاً من سيجارته المُشتعلة ، لتنطق شفتاه :

-[باميلا ] رحَلَتْ ولم تترك لي سوى نغمة إسمها الجميل...وصدى أحاديثها الذى ظل يدق بداخلي كالأجراس التي تدق أعلى الكنائس... ولم تبقى لي سوى ذكريات قوامها الرشيق.....وخصلات شعرها الطويلة...!

- رحلَتْ...فجعلتني أذهبُ إلى الكنيسةِ كل أحدٍ......[ فلا أجدُها ].

تاج الديـــن : 2009




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات