ليس غريبا ولاجديدا تطاول نظام طهران الدكتاتوري على السيادة العراقية..فمنذ تحرير العراق تحاول أيران بين الفينة والأخرى أبراز عضلاتها في المنطقة وتجاه العراق تحديدا..
لكن الغريب والمستهجن هو الموقف الرسمي العراقي الذي ظل يتحفظ وينفي لعدة ساعات خبر أنزال العلم العراقي ورفع علم النظام الأيراني فوق البئر النفطي الرابع في حقل الفكة منتظرا أن تنسحب القوات الأيرانية لينفي الخبر كما تعود أن يفعل في مرات سابقة لكن المفاجأة هذه المرة تمثلت بعدم أنسحاب الجنود الأيرانيين من الموقع لتضطر الحكومة العراقية بعد ذلك لأعلان الدعوة الى أجتماع طارئ لمجلس الأمن الوطني.
نحن نعرف بأن القدرات العسكرية العراقية لازالت محدودة ولازال الجيش في طور البناء ومن حق الحكومة تفضيل حل المسألة دبلوماسيا لكن هذا لا يعني أن لاتظهر الحكومة القليل من الحزم والشدة على الأقل من خلال الأجراءات الروتينية المتبعة.
مثلا كان بألأمكان أعلان حالة أنذار قصوى في صفوف قطعات الجيش في ميسان والمحافظات المجاورة لها وأرسال تعزيزات عسكرية للمدينة لأظهار أن الحكومة العراقية ستدافع عن أراضيها مهما أقتضى الأمر منها.أيضا كان يفترض بالخارجية أستدعاء سفير النظام الأيراني حال حدوث الخرق وليس أستدعاؤه في اليوم التالي للحادث مما يعطي أنطباعا خاطئا بأن الحكومة غير مهتمة بهذا التعدي.
أيضا كان يجب عن الحكومة أيقاف الحركة عبر الحدود مع أيران من خلال أغلاق المنافذ الحدودية والتحرك صوب المجتمع الدولي ومجلس الأمن فورا لعقد أجتماع طارئ يدين التعدي الأيراني على حدود العراق.
تلك الأجراءات لو أتخذت كانت ستمثل رسالة واضحة للأيرانيين كي يكفوا عن هذه الحماقة ويأخذوا علمهم وجنودهم ليعودوا الى داخل حدودهم.
علينا أن لاننسى أن العراق ورغم محدودية أمكاناته العسكرية الا أن له مجالا أكبر للمناورة من الأيرانيين أنفسهم..فأيران تخضع لضغوطات دولية وهي في عزلة عن المجتمع الدولي وهناك دول تنتظر زلة أيرانية لكي تشدد العقوبات المفروضة عليها وبالتالي فأيران وأن قامت بالتجاوز والتعدي الا أن الغباء لن يصل بنظامها الى درجة تصعيد الموقف وتأزيمه عسكريا أو سياسيا لأن تداعيات الأمر ستكون وخيمة على النظام نفسه والذي يعاني اليوم من أشتداد الضغوط الدولية عليه كما يواجه خطر التعرض لعمل عسكري في أي لحظة وفوق هذا وذاك يعاني النظام من تراجع وضعه الداخلي وأشتداد المشاكل في الشارع الأيراني لذلك ليس من المستغرب أن يقدم هذا النظام على أعمال سمتها الأولى الرعونة..فهو يرى بالتعدي الذي قام به هو محاولة للهرب من أزمته الداخلية بأشغال الناس عنها وفي نفس الوقت يحاول أن يوصل رسالة على أنه قادر على فعل مايحلو له في المنطقة كي يرعب الآخرين(حسب تصوراته القاصرة)ويحصل في نفس الأوان على مزيد من الوقت للتملص من أجراءات الشرعية الدولية حول ملفه النووي..والنظام الأيراني يستغل التردد والتخبط اللذان يميزان سياسة الرئيس الأمريكي أوباما للقيام بمثل هذه التجاوزات والأستفزازات التي لاتنتهي..حيث لم تجرؤ أيران طوال السنوات الماضية وتتعرض بشكل سافر للأراض العراقية الا الآن حيث الأتفاقية الأمنية تحد من صلاحيات الجيش الأمريكي الذي لايحق له التدخل دون طلب حكومي عراقي كما يحد من صلاحياته خوف أوباما من الأزمات السياسية..
بالطبع للنظام الأيراني أهداف أخرى من هذا التدخل لكن على الساحة العراقية تحديدا فالنظام يبعث برسالة واضحة (أضافة لكل الرسائل التي أرسلتها على مر الأعوام الست الماضية) الى الحكومة العراقية وشخص رئيس وزرائها تحديدا الذي أختار الأبتعاد (ولو بهدوء) عن صف "أصدقاء" أيران حيث يحاول النظام الأيراني حماية مصالحه في البلاد من نتائج الأنتخابات القادمة من خلال أحراج المالكي والمتحالفين معه وهز صورة كيانهم الأنتخابي (خاصة في صفوف غير المتدينين والعرب السنة) مما يرجح كفة بقاء الوضع السياسي (أن تحقق ما أرادوا) على ماهو عليه من أنقسام وتشتت خلال السنوات الأربع القادمة..وأيضا يهدف نظام الأسلام السياسي في طهران الى تخفيف الضغط على (أخوه في الدكتاتورية)نظام البعث السوري.فقد ترغب أيران في مقابل أنسحابها بتعليق المتابعة الدولية لجرائم الأرهاب في العراق أو على الأقل وضع الحكومة على المحك للتعامل مع الدولتين بصيغة واحدة (وهو ما تتجنبه الحكومة العراقية كما يبدو)..وهو ما قد يجبر الحكومة على ترك التفكير بمشروع المحكمة والتحقيق الدوليين حول جرائم الأرهاب في العراق..فنظام دمشق الحليف اليتيم لطهران في الشرق الأوسط قد لايتحمل ضغطا دوليا آخر عليه.المسألة أيضا قد تكون محاولة من الأيرانيين للضغط على الحكومة لتصفية ملف منظمة مجاهدي خلق والذي أساءت الحكومة أستخدامه منذ البداية في الضغط على أيران للحصول على مكاسب..
أيضا قد تكون تلك محاولة من نظام طهران لأرهاب الشركات النفطية العالمية ومنعها من الأستثمار في العراق خاصة أن زيادة الأنتاج النفطي العراقي في المستقبل المنظور ستهدد وبكل تأكيد سلاح النفط لدى الأيرانيين الذي يستفيدون من موقعهم في قائمة مصدري النفط لمناورة المجتمع الدولي وتهديد هذا المركز من العراق قد يعني فقدان أيران لأحد أهم أدوات الضغط التي تمتلكها اليوم..لكن في نفس الوقت سيكون هذا الأمر عاملا يصب في مصلحة الحكومة العراقية أن هي قررت أن تتخذ أجراءات حازمة لردع الأيرانيين..فأثنتين من أكبر شركات النفط الروسية قد نالتا أستثمارات نفطية في العراق وهو ماقد يسهل كسب موسكو في مجلس الأمن الدولي لأستصدار قرارات حاسمة بشأن هذا الأعتداء الأيراني والأمر مشابه بالنسبة للحكومة الصينية..وبالتالي كلتا الحكومتان لن تجازفا بفقدان موطئ قدم نفطية عملاقة من أجل بلد تعدى وتجاوز على حدود جيرانه..
يبقى أن ما يؤلم ويحزن العراقيين هو مواقف البعض من هذا العدوان...
فبرهم صالح رئيس حكومة أقليم كردستان قد وصل اليوم الى طهران على رأس وفد رسمي من أقليم كردستان..لا ادري هل نسي السيد صالح أن كردستان عراقية أم أنه نسي أن ميسان أرض عراقية؟؟
الم يكن الأجدر بحكومة الأقليم الغاء الزيارة أحتجاجا على التجاوز الأيراني أو على الأقل تأجيلها حتى تنتهي الأزمة؟؟
أيضا جلال الدين الصغير القيادي في المجلس الأعلى نسمع منه (في حديث لوكالة عراقية بعد ظهر اليوم السبت) أنه لم يتأكد بعد من هذا الخبر.
ولاندري ماذا يحتاج الشيخ كي يتأكد..فقد أكدت الحكومة العراقية والخارجية العراقية وشركة نفط الجنوب والقطعات العسكرية هناك هذا الخبر..الا أن شيخنا الصغير كما يبدو لازال ينتظر تأكيدا من الخارجية الأيرانية للخبر كي يصدق.
وموقع براثا التابع له لازال حتى اللحظة لا يحتوي على أي خبر حول الموضوع الا خبر منقول عن وكيل وزارة الداخلية ينفي الحادث وقد نفى وكيل وزارة الداخلية لأذاعة صوت العراق الحر أدلائه بأي تصريح نفي حول الحادث وتستكمل وكالة براثا الخبر بالقول أن هذا الحقل مهجور ومتنازع عليه علما أن وزارة النفط العراقية أكدت لأكثر من مرة عدم وجود حقول مشتركة مع الجانب الأيراني..
النائب عبد الهادي الحساني القيادي في حزب الدعوة- تنظيم العراق يقول أن البعض يحاول تهويل المسألة...عجبا سيدي ماذا تريد أن يحدث أكثر من أنزال علم بلادك ورفع علم دولة أخرى فوق أراضيك؟؟يتحفنا النائب بالقول أن هناك نزاعات عراقية مع عدد من دول الجوار وليس أيران وحدها...نعم كلامك صحيح لكن هذه الدول لم تقوم بما قامت به أيران أولا وثانيا أن هذه المنطقة تحديدا لم تكن منطقة أشكال حدودي والا أين كان عنها الأيرانيون منذ عام 1975 خاصة أن البئر المحتلة قد حفرت بعد هذا التاريخ؟؟
ولكي لاننسى فأن المدافع عن السيادة العراقية وصاحب المجاميع الخاصة وقائد الممهدون الجنرال مقتدى الصدر لاذ هو الآخر وأعضاء كتلته بالصمت أيضا..ولم يكلف نفسه عناء مغادرة أيران ولو لأيام قلائل أحتجاجا على ماقامت به(ربما رغبته بعدم تفويت دروسه الحوزوية!!!)..
تلك أيها الساسة كرامة بلدكم وسيادته...عار عليكم أن تفرطوا فيها..
على الحكومة العراقية التصرف بحزم وعدم التخوف من القدرات الأيرانية..وعليها في نفس الوقت أن تكون صريحة مع شعبها.التصرف الحازم قد لايكون عسكريا بالكامل لكنه سيجعلهم يفكرون الف مرة قبل أن يقدموا على مثل هذا الأمر. فكما أسلفنا لأيران نقاط قوة ولها نقاط ضعف..ونقاط الضعف الأيرانية قاتلة أن أحسنا اللعب.
أيضا على الحكومة أن لاتنسى أن السكوت عن مثل هذا الأعتداء سيشجع الأيرانيين وغيرهم من دول الجوار السئ على القيام بمثل هذه الأعتداءات مجددا ضد الأراضي العراقية..وعلينا جميعا أن نعرف ان الأيرانيين أنفسهم سيتجنبون التصعيد أن حصل..ولا اعتقد أن مغامرة صدام غابت عن أذهانهم..فرغم تفوقه العسكري على الكويت الا أن هذا لم يحميه من الهزيمة عام 1991 والدرس حسبما اعتقد ماثل في أذهان ساسة طهران...الأيرانيون لايبتغون من هذا الأعتداء أكثر من عرض قوة لايختلف كثيرا عن عروض صورايخهم الفاشلة...لكن الأمر يهمنا لأن فيه تعديا وتجاوزا على سيادتنا وأرضنا وثروتنا هذه المرة.
الرد الحكومي العراقي لازال حتى هذه اللحظة فاترا أن لم نقل هزيلا..فالسيد علي الدباغ مثلا يصر على تطمين الجانب الأيراني أن الحكومة العراقية لاتريد أي تصعيد للأزمة وكأن العراق هو من تعدى الحدود الأيرانية..والرئاسة العراقية لازالت حتى اللحظة صامتة لاتعلق رغم أنها سارعت الى تبرئة ساحة سوريا عندما اتهمتها الحكومة بدعم الأرهاب..
البرلمان لم يكلف نفسه بعقد جلسة طارئة و أصدار بيان شجب وأستدعاء لوزير الخارجية لمعرفة الخطوات اللاحقة حتى يخيل لغير المطلع أن حقل الفكة تابع الى جزر الواق واق وليس الى الأارضي العراقية..
التمادي الأيراني ماكان ليحصل لو أن الحكومات العراقية تعملت معه بجدية منذ البداية..فأيران وبعد أن تحترق ورقة من أوراقها فأنها تلجأ الى لعب ورقة أخرى ويبدو أنها اليوم أختارت اللعب المباشر وعلينا نحن أذا أن نضع حدا لأعتداءاتها المتكررة..فلكما سكتنا أكثر كلما ازداد نظام الولي الفقيه (المتدين حد سرقة نفط الآخرين) في تماديه الوقح..
التعليقات (0)