مواضيع اليوم

بالأمس رأيت رؤيا

فارس ماجدي

2010-09-22 08:08:53

0

 بالأمس رأيت رؤيا

 

قال لي صديق ذات مرة وهو يسرد لي رؤيا رأها .. لا أعرف كيف رأها ولماذا رأها واي أمس كان قد رأها .. قال :

.. رأيت أني سلطان ولي شعب عربي.....  

بلأمس رأيت رؤيا... بعد أن أترعت في قلبي كأسين من  عبير الليل وبعد أن توضأت بنور القمر وصليت ركعتين بين كوكبين ...

رأيت أني سلطان ولي شعب .. وما أجمل أن تكون سلطانا ولك شعب عربي لك تاريخ عربي ، ولسان عربي ، وعقل عربي ، ونبي عربي ، وإله عربي ...

  ما أجمل شعبي وما أروع شعبي .. وما اصدق شعبي عندما يكون عربيا

شعبي مطيع جدا ..شعبي لا يغضب ولا يرفض ولا يفرح ولا يبكي ولا يحزن، شعبي لا يصنع الزنادقة ولا المحتجين ولا الرافضين ولا الخوارج، شعبي لا يصنع العصاة .. شعبي عندما يصنع، يصنع المطيعين يصنع الهاتفين بإسمي المباركين لكل  أخطائي وخطاي .. يبارك حتى الغبار الذي يتطاير من وقع خطاي .. شعبي اذا غضب فهو لا يغضب  إلاغضبا ذاتيا لتلك الأسباب الذاتية الصغيرة التي تغضب لها الحشرات .. لا يغضب شعبي غضبا عقليا أو  أخلاقيا أو كونيا أو حضاريا، أي لا يغضب غضبا إنسانيا ، ذلك ما يجعل من شعبي استثناء إنسانيا ..

لا يا شعبي  لا ترتقي لا تصعد حتى لا تصاب اصابات خطيرة بهذه العدوى بهذا النوع من الغضب أنت يا شعبي تخاف الصعود وتهاب أن ترقي .. فلتظل هكذا يا شعبي العربي المجيد .. يا صاحب الرسالة الخالدة والقيم الثابتة والتاريخ المجيد .. بل شعبي إياك أن أن ترفض أو أن تغضب أياك أن تتناقض أو تنكر،  إياك أن تقاوم أو تحتج .. هكذا فالتبقى بدون احتجاج أو مقاومة أو رفض أو خصومة إنك متوحد في مستوى كبرياء الإنسان في مستوى ضآلة الكون في محاجر عينيك وآهات أنفاسك  .. أو لا ترى الى الشمس كيف تبدو صغيرة جدا في عينيك .. أولا ترى النجوم كيف تولي هاربة مذعورة عندما تحق بها  ...  

رأيت أني واقف على منبر من نور يحمله ملكان أو شيطانان لا أدري.. وأنا أخاطب النجوم والأفلاك والحشرات والذباب وقد اصطفت جموع شعبي  .. فرأيتها فرصة مواتية أذن لأحدث شعوب العالم   عن صفة واحدة من صفات شعبي وأسلوب واحد من أساليب شعبي في شجاعته... لن أتحدث عن كل شجاعته.. فذلك ما لا يقوى الكون على احتماله ، و سأصاب بعذاب الضمير وعتاب النفس وتأثمهما و شعور بالذنب وبالعدوان على الآخرين ..  وأنا لا أريد أن أعتدي على أحد .. من هذه الشعوب المسكينة  .. ذلك أن  هؤلاء ليسوا متحضرين كحضارة شعبي وليسوا على مستوى واحد من مستويات شجاعة شعبي العظيم ..

ثم لا أريد أن أكون قاسيا فأصيب كبرياء الشعوب الأخرى وأصيب شجاعتها واعتزازها بنفسها وأنا أتحدث عن شعبي .. عن بطولات شعبي وامجاده وتاريخة الذي لا يطاوله تاريخ وحكمته التي لا تدنو منها حكمة .. إن شعبي عظيم أفرادا وجماعات عظيم لأنه شجاع ،وشجاع لأنه عظيم ،وعظيم وشجاع لأنني أنا سلطانه  والحاكم بأمره .. لأني أنا من خلقت شعبي أنا من يطعمه ويسقيه ويكسيه .. أنا من يحيه ويميته أنا من يحزنه ويفرحه .. أنا البسمة في شفاه أطفاله والفرح في جباه شيوخه .. أنا أمله ورجاؤه وعافيته ودواؤه .. أنا سكينته ووقاره وعزه ومجده أنا ماضيه وحاضره ومستقبله .. أنا .. أنا .......

 

وفي الوقت الذي كنت ألقي خطبتي العصماء في جموع شعبي  .. جاء يسعي من بعيد رجل تبدو عليه سمات النباهة والعقل   .. تقدم الصفوف .. وقال سيدي ومولاي لطالما أردت أن ألتقيك أن أسمع صوتك عن قرب ،أن أرى طلة وجهك البهية ،فأنا المسبح بحمدك عن بعد وعن قرب .. سيدي أنت لا تعرفني ،أنا من تلك الشعوب الأخرى تحسد شعبك عليك وتحسدك على شعبك  .. ولقد سئمت جبن هذه الشعوب  وخورها وانقيادها وضعفها وذلها وتأخرها ، وهزيمتها الحضارية ،  جئت لك هاتفا بإسمك ملحفا إليك بكل الإيمان أن تقبلني واحدا من شعبك أعيش في ظلال مجدك  وفي أرداء ظلك، أتنفس الهواء الذي يمرح في قلبك فأنت سليل المجد وظل الحقيقة لأنك ظل الله ..

قلت يا هذا قد قبلناك، وما قبلناك ..لأنا رأينا فيك نباهة وشجاعة   .. ولذا فأنت الأن  مواطن في شعبي ويجب أن تلتزم بما يلتزم به شعبي من أخلاق وقيم ..

 لذا إحذر جدا أن تكون صادقا أو مفكرا أو متسائلا أو ذكيا أو نظيفا أو تقيا أو متدينا بضميرك أو باقتناعك أو من داخلك أو بعقلك، أو أن تكون محدقا في أي شيء ولأي شيء أو إلى أي أفق ، أو أن تكون مصليا في غير مسجد السلطان أو أن تستمع الى غير خطبة السلطان أو راويا الى غير حديث السلطان أو مفسرا غير خطبة السلطان بغير لغة السلطان وتفاسير السلطان وحركات السلطان ... بل واحذر أن تكون في يدك مسبحة غير مسبحة السلطان أو نسخة من الكتاب المقدس مطبوعة في غير الطبعة التي في يد السلطان ، أو أن يكون أي معنى من معانيك ليس لأحد من معاني السلطان .. نعم إني أحذرك أن تكون مؤمنا أو متدينا بصدق ووفاء والتزام .. حيث لا شيء يخشى ويعاقب في بلاد الإيمان والتدين مثل الايمان والتدين عندما يكونا صادقين أو لو كانا كذلك وهل يمكن أن يكونا كذلك ... نعم ....

 واحذر أن تكون نسخة إنسانية مخالفة أو مغايرة لجثث أسلافك وآبائك وسلاطينك وخلفائك وأنبيائك وكهانك الذين ترويهم لك روايتك القديمة .. القديمة جدا .. رواية من قبورك القديمة وعن قبورك القديمة .. إن كل حياتك يجب أن تكون ابدا رواية عن القبور .. إن كل مجدك يجب أن يكون مجد القبور إن كل مجدك يجب أن يكون رواية عن أقدم القبور فأمجادك تسكن القبور وتصنعها القبور .. ولذلك يجب أن تصير قبرا وتظل قبرا مهما بدوت في صورة إنسان أو حسبت أنك إنسان ....

ثم إحذر أن تكون رافضا أو محتجا أو ناقدا أو غاضبا غضبا عقليا أو أخلاقيا أو فكريا أو إنسانا أو أن تكون شجاعا .. إن هذه الأخيرة هي الزندقة الكبرى التي لا أغفرها لشعبي .. أعظم الزندقات لدي أن تكون شجاعا في أي معنى من معانيك .. احذر حتى أن تكون شجاعا حتى في عينيك أو في نظراتك ولا حتى في أذنيك أو في إصغاءك ..حتى ولا في صوتك هاتفا أو مصليا أو مادحا لنا .. حتى ولا في إرتجافات قلبك ولا آهاتك وأناتك ولا في كل تضرعاتك .. 

أنت مواطن في شعبي ولا بد يسرك أنك مواطن في شعبي .. اذن احذر أن تكون شيئا من ذلك .. أن يكون فيك شئيا من الخطايا والخطيئات أو أن يكون فيك شيئا من زندقة وكفر .. أو أن يكون لديك سؤال .. يجب أن لا تسأل فالسؤال لدي جريمة كبرى .. إنه مجرد إحتمال أن تتهم بالسؤال  هو خيانة عظمى ..

واحذر من التفكير وإذا كان لا بد أن تفكر فليكن تفكيرك أن لا تفكر .. أن تفكر يعني أن تستخدم عقلك وأن تستخدم عقلك يعني أنك إنسان .. ويعني أنك إنسان فأنت ضد شعبي .. وشعبي لا يمت للإنسان بصلة

عليك أن لا تقترف أية خطية من هذه الخطيا التي ذكرت على عجل لك بعضها .. وإلا فأسهل أساليب عقابك التي سيوقعها بك شعبي أنه سيرفضك كل الرفض بكل إيمانه وتقواه، وبكل ولاءه لسلاطينه وكهانه وأنبيائه وقبوره وتاريخه .. وبكل ولائه لهزائمه ..سيرفضك لأنه لا نموذج للشجاعة لديه .. وسيحولك الى حشرة أو ذبابة  تخجل منك الحشرات والذباب ..  إنك اذا سألت أو فكرت أو تدبرت أو علمت أو رفضت أو احتججت سيهابك سيخافك شعبي .. لذلك لن يضع أسمك في سجلات الموتى .. اسمك في سجلات الموتى يعني أنك مررت من هنا يعني أن اسمك سينطق..

اسمع أيها المواطن الجديد في شعبي .. إن شجاعة شعبي لتجد لك كل الغفران لو أنك اغتصبت عفة الشمس بالإكراه، لكنها لا تجد لك غفران أو إحتمال غفران لو أنك عرفت انسانا قد بقي في جبهته بقية لم تأكلها الحشرات التي عملها أن تأكل كل الجباه في كل الوجوه .. إن من أساليب شعبي أن يركع وأن يسجد تحت قدمي .. لقد علمته وعلمه التاريخ  كيف يموت.. كيف يموت رهبة وخوفا ... إن شعبي اذا رأك عاجزا أن تتحول الى مقبرة كئيبة يتجمع فيها كل ما في التاريخ الكئيب من أوثان وغباوات واهانات وأوثان وأكاذيب ومن تحطيم لكل ما في الإنسان من احتمالات الطموح والكبرياء .. سيحولك هو الى ذلك القبر .. فكيف بك اذا ما فكرت بأن تعصي أو فكرت بالعصيان ...

وجوه شعبي يا بني مساحة لا تنبت فيها الجباه ولا العيون ولا الكبرياء ولا الغضب .. وجوه شعبي صحراء أبدية لا ينبت فيها إنسان .. وجوه شعبي ليست وجوها وعيونهم ليست عيونا وجباههم ليست جباها .. وعقولهم ليست عقولا .. لذلك شعبي شجاع جدا ،

إن معجزة شعبي أنه لا يتفاوت في أي شيء وهو متساوي في كل شيء في معانيه وأفكاره وأحجامه وصفاته وطاعته وأخلاقه وسلوكه، في عيونه وآذانه في آهاته وبكائه ،في ألمه وحزنه، في ذله وخوفه .. في رفضه أنه يرفض الرفض .. وفي عقله أنه يرفض العقل .. ..

لهذا لا بقية من غضب في شعبي ......

 

فزعت من نومي وأنا ألعن نفسي على هذه الرؤية الغريبة العجيبة ... وتذكرت أني كنت في زمان ما وفي مناخ ما وفي لحظة ما قبر من تلك القبور التاريخية ... تذكرت أني سألت يوما، أنني فكرت يوما ،أنني حدقت يوما، أنني سمعت يوماـ أنني رفضت يوما .. رفضت أن أكون قبرا أن أكون تاريخا أن أكون لغة ..  أن أكون حشرة أو ذبابا أن أكون شيئا لا شيء .. تذكرت ذلك ففزعت ...

قلت له: تلك أضغاث أحلام  ولست بتأويل الاحلام من العارفين .. 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !