بارليف... في الزهراء!
في سبعينيات القرن الماضي ، والمد الثوري على أشده ، وبعد حرب ( رمضان ) عام 73 ، والتي تولت قيدتها مصر ، وحينما كانت تفاخر اللقيطة بتحصينات خط بارليف على الضفة المقابلة للبحر الأحمر بعلمها البغيض وهو يذكر الجيش العربي الأكبر بسلسلة من الهزائم ، كانت تشحذ الهمة وتغلي نيران الثأر في قلوب الأحرار من ابناء مصر العربية .. والعرب عموما ، نعم كان مرجل الثأر يغلي على الرغبة في الانتقام والانتصار بينما كانت تدرك القيادة عظم المسؤولية الملقاة على عاتقها .
كانت تخطط وتبني وتعد العدة والعدد ، بينما ركن العدو تحت وطأة الغرور بالنصر وتحت حالة الشعور بالأمن الذي توهم انه حصل علية بما أتاحته له الانتصارات والتحالفات والتحصينات .
تمكنت الآلة العسكرية العربية بقيادة مصر من تحطيم رمز قوتهم وشعار انتصارهم ، كما تمكنوا من استرداد روح الثورة والتمرد ، ليصل العدو إلى معنى الانتصار ومعنى الهزيمة بحق .. كنا هنا نشعر بالفخر على الرغم من صغر سننا لكننا كنا نتفاعل مع الحدث وبشكل يومي .. وقد غذت ذاكرتنا الصورة الرائعة للجندي العربي المصري وهو يزرع العلم فوق تحصينات العدو في سيناء المحتلة .
تمكن الجندي العربي وهو يدك بقدمه رمزهم ويزرع علمنا العربي ، تمكن من زرع روح الثورة فينا كما تمكن من استعادة الشرف والكرامة العربية ..
بعد فترة كانت بوسترات الفيلم العربي الكبير ( بارليف ) تغطي واجهات دور السينما العربية كما غطت واجهة دار سينما الزهراء في اربد ( التي أزيلت قبل شهور لتتحول إلى ..... ) شاع الخبر في اربد المحافظة الكبيرة آنذاك كما شاع في المدينة .. أن فيلما عن تحطيم خط بارليف يعرض في دار سينما الزهراء ! ..ونظمت حفلت العرض بشكل مستمر وإضافي .. أتذكر اليوم تلك الأمسية ، والدي وأنا وأخي خالد .. وأعمامي .. وقفنا في باب السينما وكان طابور من المواطنين يقف أمام شباك التذاكر للحصول على تذكرة الدخول ..
تمكنا من الدخول عبر البوابة المعتمة ذات الضوء الخافت .. ورائحة السينما المميزة الأثيرة التي لا تزال تجترها الذاكرة كحلم جميل ... سقطت حزمة الضؤ الأثير من خلفنا على الشاشة ووقفنا كالعادة تحية للسلام الملكي قبل عرض الفيلم .. وكان هذا تقليد يضفي على العرض مهابة وجدية وطعم خاص للعرض السينمائي .. حتى بالت العرض وكأنه لا يكتمل إلا بهكذا بداية ، ليضفي طابعا وطقسا خاصا على العرض والسينما . ليكسب العرض صفة الجدية وربما الرسمية.
أصوات الدبابات والمجنزرات وصورها وكأنها تقتحم الصالة نقلتنا من اربد إلى سيناء . .. مباشرة الى ميدان المعركة .. ووجوه الجنود بسحنتهم العربية السمراء الحبيبة .. وجنود الضفادع البشرية وقواربهم المطاطية بوجوههم وملابسهم المموه المرقطة تفعل فعلها في النفوس.. والقلب مشدود إلى هناك كما العين مشدودة إلى الشاشة .. وبعض صيحات التكبير لكل انتصار على الشاشة ( حبيبتي السينما ) ..وثمة دموع وبكاء .. هي مشاعر مختلطة كانت كلها تحملنا إلى المستقبل .. الذي نرى فيه الجندي العربي وهو يزرع علم العروبة على أسوار ومآذن وأبراج ومساجد و كنائس القدس ..
وقفت الزهراء ( دار السينما ) مع الثورة والثوار ... وقفت إلى جانب الانتصار.. وصنعته لنا هنا في اربد... وشاركت في صياغة وجداننا الوطني وغذت فينا روح الانتماء .. بأفلامها التي قدمتها كما ساهمت في تشكيل خيالنا وتنمية مداركنا .. اعرف وأدرك ذلك وأنا انظر اليوم إلى أبنائنا واهتماماتهم وفكرهم أراهم وهم يمسخون تحت وطأة الحياة الاستهلاكية .. ارهم بلا هوية ..
سلام على مصر .. سلام على الجندي العربي وهو يزرع العلم .. سلام على رمضان الدين والانتصار ... سلام على الشهداء .... سلام على روح دار السينما الزهراء .. وهي تنهزم أمام جبروت الاقتصاد والحسابات المادية
ورحم الله اربد من كل شر .
التعليقات (0)