باتت تتردد كثيـراً:هـــــــى بلطجـــــــــة؟!
سائق يدهس مواطناً 4 مرات بالطريق الدائرى فى إطار مسلسل بلطجة سائقى الميكروباص .. سقوط محترفى إرهاب الغلابة وعددهم 69 بلطجياً فى 6 محافظات .. القبض على خمسة عاطلين حاولوا إحراق عمارة وتأديب سكانها بالمعادى.
إعادة 150 ألف فدان من أراضي الدولة وضبط 179 متهما من المعروف عنهم أعمال البلطجة.. بلطجي بشبين الكوم أوقف ضحيته في نهر الطريق وانهال عليه ضربا بالأسلحة البيضاء حتي تقطعت شرايين يديه هذه نماذج متنوعة مما نشرته الصحف عن أعمال البلطجة التي تسود حاليا الشارع المصري, ومع الأسف انتقلت العدوي إلي بعض مكاتب المصالح الحكومية, حيث اعتاد بعض الموظفين إيقاف مصاحل المواطنين حتي يحصلوا علي مقابل تأدية الخدمة, والأخطر في جميع الأحوال أن البعض بعد استفحال هذا الطاعون لا يخجلون من ترديد مقولة: هي بلطجة.
خطورة الأمر دفعت النائب محمد خليل قويطة عضو مجلس الشعب إلي تقديم اقتراح بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام لقانون العقوبات رقم58 لسنة 1937 للقضاء علي جرائم الترويع والتخويف( البلطجة) التي انتشرت ـ علي حد قوله ـ بالشارع المصري من خلال إمبراطوريات الميكروباص والتوك توك, وملوك الشوارع والعشوائيات.
واقترح النائب إضافة باب جديد لقانون العقوبات هو باب الترويع والتخويف( البلطجة) بمواد مستحدثة منها المادة375 مكرر وتنص علي: مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد واردة في نص آخر, ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو بواسطة غيره باستعراض القوة أمام شخص أو التلويح له بالعنف, أو بتهديده باستخدام القوة أو العنف معه أو مع زوجه أو أحد من أصوله أو فروعه, أو التهديد بالافتراء عليه, أو علي أي منهم بما يشينه أو بالتعرض لحرمة حياته أو حياة أي منهم الخاصة, وذلك لترويع المجني عليه أو تخويفه بإلحاق الأذي به بدنيا أو معنويا, أو هتك عرض, أو سلب ماله, أو تحصيل منفعة منه, أو التأثير في إرادته لفرض السطوة عليه أو لإرغامه علي القيام بأمر لا يلزمه به تنفيذ الأحكام أو الأوامر أو الإجراءات القضائية أو القانونية واجبة التنفيذ متي كان من شأن ذلك الفعل أو التهديد إلقاء الرعب في نفس المجني عليه, أو تكدير أمنه أو سكينته أو طمأنينته أو تعرض حياته أو سلامته للخطر, أو إلحاق الضرر بشيء من ممتلكاته أو مصالحه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو اعتباره أو بسلامة إرادته.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين إذا وقع الفعل أو التهديد من شخصين فأكثر, أو وقع باصطحاب حيوان يثير الذعر, أو يحمل سلاحا أو آلة حادة أو عصا أو أي جسم صلب أو أداة كهربائية أو مادة حارقة أو كاوية أو غازية أو مخدرة أو منومة أو أي مادة أخري ضارة أو باستعمال أي وسيلة.
وتكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات إذا وقع الفعل أو التهديد علي أنثي أو علي من لم يبلغ18 سنة ميلادية كاملة, ويقضي في جميع الأحوال بوضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها عليه, كما تضمن المشروع المادة375 مكرر( أ) وتنص علي: يضاعف كل من الحدين الأدني والأقصي للعقوبة المقررة لأي جنحة تقع بناء علي ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة السابقة, ويرفع الحد الأقصي لعقوبتي السجن والسجن المشدد إلي20 سنة لأي جناية أخري تقع بناء علي ارتكابها, وتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن إذا ارتكب جناية الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة المفضية إلي موت, المنصوص عليها في المادة236 بناء علي ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة السابقة, فإذا كانت مسبوقة بإصرار أو ترصد تكون العقوبة السجن المؤبد أو المشدد, وتكون العقوبة الإعدام إذا تقدمت الجريمة المنصوص عليها في المادة السابقة أو اقترنت أو ارتبطت بها أو تلتها جناية القتل العمد المنصوص عليها في الفقرة السابقة من المادة234, ويقضي في جميع الأحوال بوضع المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها عليه بحيث لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنوات.
وأوضح النائب محمد خليل قويطة أنه صدر بالفعل في فبرابر98 باب في قانون العقوبات بعنوان الترويع والتخويف.. البلطجة, وتضمنت المادة375 مكرر( أ) تشديد العقوبات علي هذه الجرائم إذا توافرت الظروف المنصوص عليها في هذه المادة, إلا أن أحد المتهمين الذين تمت معاقبتهم بمقتضي القانون طعن في دستوريته فقضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته بسبب إجرائي, وهو عدم عرضه علي مجلس الشوري طبقا للمادة195 من الدستور في ذلك التاريخ, أي قبل التعديل الدستوري في26 مارس2007, وأنه بعد إلغاء قانون البلطجة ألغت أحكامه وأوقفت تنفيذ عقوباته وخرج كل الذين تمت معاقبتهم بأحكامه أحرارا من السجون, وفتحت أبواب جهنم علي المجتمع, وزادت واستشرت البلطجة وترويع الناس وتخويفهم بشكل أكثر شراسة وفجورا, وانتشر العنف.
سيادة القانون
المستشار رفعت السيد رئيس محكمة جنايات القاهرة يقول: عندما يسود القانون وتفرض الدولة احترامها له ولو بالقوة إذا لزم الأمر, لابد أن يسود النظام والطمأنينة أفراد المجتمع, ولا تظهر طرق استخلاص الحقوق أو دفع الاعتداء بالوسائل الخاصة, وإنما يكون القانون هو الحكم بين الناس, أما في حالة ضعف هيبة الدولة وإعطاء القانون إجازة لابد أن تظهر في المجتمع ظواهر غير مشروعة تثير عدم الطمأنينة والانفلات, وتكثر الجرائم وتختفي الأخلاق, والبلطجة لم يعرفها الشارع المصري قديما إلا في بعض المناطق الشعبية عندما ظهر الفتوات وفرضوا سطوتهم وجبروتهم علي السكان وحصلوا منهم علي إتاوات ابتغاء حمايتهم والدفاع عنهم, وكان ذلك عندما كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي وكان الشعب المصري يقاوم الاحتلال بوسائل العنف, وكان القانون لا يجد احترام المواطن لأنه صادر عن سلطة الاحتلال ويقوم بتنفيذه العملاء له, وقد اندثر هذا النظام بحصول مصر علي استقلالها الكامل, وحمكها حكما وطنيا وإعلاء شأن القانون في المجتمع, وخضوع الدولة لسلطة القانون, وظل الأمر كذلك حتي بدايات الثورة عندما لجأت بدعوي حماية النظام من أنصار الرجعية والإقطاع والثورة المضادة إلي اتخاذ إجراءات غير مشروعة تجاه الأفراد مثل تأميم الممتلكات بغير حق, واعتقال المواطنين بدون ذنب لسنوات طويلة, ومطاردة المعارضين والتضييق عليهم, الأمر الذي أدي إلي انتشار ظاهرة العنف والإرهاب في المجتمع, وأصبحت القوة ومن يملكها هو الذي يفرض سيطرته وسلطانه علي الآخرين وانتقلت هذه الأساليب غير المشروعة من المنظمات الارهابية بعد القضاء عليها إلي الشارع فظهر العديد من الذين يمارسون البلطجة خصوصا في المناطق الشعبية التي يكاد الأمن يفتقد فيها, وأصبحت المناطق العشوائية بالذات مرتعا خصبا لهؤلاء الخارجين علي القانون فسمحوا بإنشاء مساكن علي الأراضي الزراعية وحالوا بين أجهزة الدولة وبين التصدي لهؤلاء في استفحال الأمر وانتشرت العشوائيات وساهمت السياسة من خلال المرشحين في المجالس الشعبية واكتساب أصوات هؤلاء المواطنين إلي تقنين أوضاعهم وأسباغ الشرعية علي سلوكهم ومد منازلهم العشوائية بالمرافق الرئيسية من مياه وكهرباء وصرف صحي, مما شجع الآخرين علي الاقتداء بهم فانتشرت العشوائيات التي أفرخت العديد من المجرمين الصغار الذين احترفوا عدم احترام القانون والخروج عليه وعاثوا فسادا في الأرض وأنتشرت البلطجة وأستعان الناس بهؤلاء في استخلاص حقوقهم من الآخرين أو الدفاع عنهم وذلك في غيبة أجهزة الأمن المختصة وطول اجراءات التقاضي حتي بات الناس لا يلجأون اليها.
والحل كما يراه المستشار رفعت السيد ـ واضح وصريح يكمن في عودة سيادة القانون ترفرف علي سماء الوطن تماما والتزام المواطنين بالالتجاء إلي الشرعية لحصولهم علي حقوقهم والدفاع عنها واظهار سطوة رجال الأمن ممثلي القانون في فرض الأمن والنظام وعقاب كل من تسول له نفسه الخروج علي أحكام القانون وسرعة الفصل في المنازعات ولا يكون من حاجة في المجتمع إلي هذه الظواهر التي تسيء اليه بالغ الاساءة.
سلوكيات عدوانية
من جانبه يتساءل المستشار جميل سعيد المحامي عن مسمي البلطجة ومن اخترعه وما هو مدلوله؟ مشيرا إلي أن تعبير البلطجة لا معني له ولكن نحن بصدد الحديث عن السلوكيات العدوانية التي فيما يصدر عنها من تصرف إرادي؟! يضعها تحت التقسيم العقابي سواء كان ذلك في صورة الاعتداء بالضرب محدثا إصابات أو غير محدث أو السب والقذف المعاقب عليه قانونا أو ما يتجاوز ذلك بما يضع السلوك تحت وصف الجناية, أمام الاسباب والنوازع المؤدية إلي ذلك أما اجتماعية أو اخلاقية أو مرضية, والمجتمع في غير حاجة إلي نصوص مستحدثة تضع حدا لهذه السلوكيات العدوانية ذلك أن قانون العقوبات الحالي يضم نصوصا تمكنه من التصدي لهذه السلوكيات العدوانية ردعا وزجرا, أما كيفية معالجة هذه السلوكيات فلابد أن تتضافر جهود العديد من المؤسسات في سبيل ذلك علي سبيل المثال الإعلام فيما ينشر من الاحكام الرادعة لمثل هذه السلوكيات بالإضافة إلي رسالته التنويرية والارشادية سواء من خلال برامج أو ندوات تستضيف المختصين في الافرع المختلفة الاجتماعية والدينية والقضائية والأمنية, كما يتعين ايضا أن يتضافر مع الإعلام أئمة علماء الإسلام ورجال الدين المسيحي والاساتذة في دور العلم للتوعية والارشاد.
الشخصية المصرية
هنا يلتقط الدكتور سعد الزنط ـ مدير مركز الدراسات الاستراتيجية وأخلاقيات الاتصال خيط الحديث مؤكدا ـ أن العنف ظاهرة جديدة وغير متأصلة في جذور الشخصية المصرية بل تتعارض تماما مع روافد ومصادر أخلاقيات هذا الشعب الطيب المتراكمة علي مدي آلاف السنين والتي كونت ملامح وسمات هذه الشخصية الفريدة والعميقة ويرجع أهل العلم انتشارها إلي عدة عوامل يأتي علي رأسها انهيار لغة الحوار التي حدثت بين أبناء شعبنا نتيجة مجموعة من التحولات الحادة في منظومة القيم والأخلاقيات والتي أرجعوها هي الأخري إلي مجموعة من المستحدثات الداخلية والخارجية الضاغطة علي مكونات ثقافتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتكنولوجية والأخلاقية في نفس الوقت الذي غابت فيه أو تأخرت قطارات العدالة وتفعيل القانون. كل ذلك أفرز أشكالا من العنف في معظمه لفظي وغير القليل جسدي يبدأ بالخشونة والتحرش وينتهي بالتشابك واستخدام الأسلحة, وهناك ما يمكننا أن نطلق عليه العنف السلبي المتمثل في حالات اللامبالاة والتراخي وتعطيل مصالح الآخرين والاهمال, وهي حالات في مجملها تنشيء منظومة للعنف أشد خطرا لأنها تؤدي إلي العنف المضاد الناجم عن الكراهية المتراكمة والاستعداء والاستنفار الدائمين تجاه منفذي القانون في المجتمع ولاسيما جهاز الشرطة, وأعتقد أن الفجوة التي تفصل بين المجتمع المدني والمؤسسة الأمنية تزداد مع الأيام اتساعا كمثال أكيد علي أن للعنف منظومة بدأت تتشكل قد تسهم بشكل أساسي في إعادة رسم منظومة الجريمة في مصر, والمشكلة الأخري والمهمة تلك التي يطلق عليها البعض بلطجة قطاع عام تتمثل في أن المواطن المصري يعاني بشدة عند تعامله مع أجهزة الدولة الإدارية لإنهاء مصلحة قانونية وجائزة فعندما يتقدم للموظف بطلبه وبابتسامة عريضة ويلقي عليه السلام كما علمتنا الأديان فإنه لن يرد عليه وسيظل الموظف بوجهه الخشبي, في حين أن منحه مبلغا من المال فسوف تجده ينجز حتي لو فيه بعض المخالفة.
أزمة ضمير
المحامي محمود الببلاوي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة يتفق مع الرأي السابق ويتساءل: إلي متي يظل الفساد الإداري منتشرا في الوظائف الحكومية؟ مشيرا إلي أن الموظف الذي يؤدي وظيفته ويتلقي عنها راتبا شهريا يتعامل وكأنما يؤدي خدمة خاصة للمواطن يستحق عنها المقابل منه والا تتولد العقبات والمعوقات والعراقيل في سبيل إنهاء تلك الخدمة وقد استفحل هذا الأمر في الإدارات المختلفة والذي وصل إلي حد البلطجة, ففي حالة عدم الدفع لا يستطيع المواطن إنهاء الخدمة المطلوبة, وأن الأمل في الاصلاح مازال قائما فهناك العديد من الموظفين الشرفاء الذين لا يقبلون الهدية أو الرشوة التي تأتيهم بمناسبة عملهم فمهما انتشر الفساد فلابد من وجود الشرف والأمانة ومهما عم الشر فلابد من وجود الخير.
أملاك الدولة
هناك بلطجة خطيرة ـ كما يقول مصدر أمني ـ تتمثل في التعديات علي أملاك الدولة وتسقيع الأراضي وهنا تقوم الشرطة بمواجهة هذا الفعل بالقانون وإعادة الأمور إلي وضعها الصحيح, أما البلطجة المنتشرة في الشوارع حاليا فهي كثيرة للغاية منها علي سبيل المثال ما يرتكبه بعض الباعة الجائلين من احتلال الأرصفة بصورة تعوق حركة المشاة وتعمل الشرطة جاهدة علي منع هذه الظاهرة إلا أن هؤلاء الباعة سرعان ما يعودون للشارع مرة أخري ومعظمهم من محافظات الوجه القبلي, وأنه رغم أن قانون المرور الجديد قد شدد العقوبات علي وضع السلاسل والبراميل أمام المحال لحجز الأماكن لاصحابها وأصدقائهم ومنع المواطنين من الانتظار الا انه مع الأسف هذه الظاهرة مازالت موجودة وتزداد يوما تلو الآخر, ولا يجب إغفال ما شهدته السنوات القليلة الماضية من انتشار الكافيهات واحتلالها الأرصفة بالكراسي غير عابئين بالمواطن الراغب في السير علي الرصيف والويل لمن يعترض, فهناك فترات لا يقدر عليهم سوي رجال الشرطة الذين يتحركون حال وصول أية بلاغات, والجهات المعنية تقوم بدورها في إعادة الأمور إلي وضعها الصحيح وتحقيق الانضباط ويتم إزالة التعديات علي حساب المعتدي ويتم تشميع الأماكن ورفع عدادات الكهرباء وعرض المخالفين علي النيابة, المشكلة ان البعض يلجأ للبلطجة ولا يخشون من القانون الرادع والموجود فعلا ويحتاج فقط إلي تنفيذه بصورة أكثر فاعلية ولابد من شعور الجميع بوجود رقابة صارمة مع تشديد الاجراءات المتبعة لتحقيق الانضباط في الشارع المصري الذي يعاني من السلوكيات المنحرفة لبعض المواطنين الذين اعتادوا عليها ولا يجب تحميل جهاز الشرطة وحده مواجهة جميع الظواهر السيئة ولكن يجب تضافر جهود الجهات المعنية بداية من البيت ومرورا بالمدرسة ووصولا إلي وسائل الإعلام المختلفة التي يتابعها الملايين يوميا خاصة بعد دخول الفضائيات في سباق المنافسة الإعلامية.
عن جريدة الأهرام عدد 3/5/2010م
تحقيق ـ محمد جمال الدين
التعليقات (0)