مواضيع اليوم

باب الحب الإلهي

أبوعبدالله السني

2011-06-01 05:36:22

0

- الحب الإلهي:
إن غاية ما يسعى إليه العبد من عبادته وتقربه إلى الله أن يخلع عليه المعبود الكريم خِلعة المحبة، ويكتبه في ديوان الأحباب، ومن تم فليس بينه وبين الملك حجاب والله على كل شيء قدير، إنه هو الملك الوهاب.

قال الله تعالى: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ .

فذرني ممن يُنكر أو يُغرب في عطاء الله وقدرته، ولا يستسيغ قول الكريم عز وجل في الحديث القدسي الجليل:

"من عادى لى وَلِيًّا فقد آذَنْتُهُ بالحرب وما تقرب إلىَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يُبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها وإن سألنى لأعطينه وإن استعاذنى لأعيذنه وما ترددت عن شىء أنا فاعله ترددى عن قبض نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته" [1].  

فهذا الحديث يبيّن أن الكرامة الكبرى، والنعمة العظمى نيل رضى الله، والفوز بالحب الإلهي، ومن حاز هذا الفضل العظيم، والخير العميم، فإنه ولي الله الذي يحب الله من أحبه ويعادي من عاداه.

ولا يمكن الوصول إلى هذه المنزلة العظيمة "منزلة الحب الإلهي" إلا إذا توفرت ثلاث مراحل في السلوك:

المرحلة الأولى: محبة ولي الله.

المرحلةالثانية: التقرب إلى الله بأحبِّ القُرَب و هي الفرائض.

المرحلة الثالثة: التقرب بالنَّافلة.

ووقوفا مع المرحلة الأولى نقول أنها باب السلوك إلى الله، لايمكن أن نشرع في العمل الجوارحي التقربي بالفرض ثم النافلة إلا إذا دخلنا من الباب، والباب محبة أولياء الله عز وجل وتجنب معاداتهم، وإلا فالمحصود من الإنكار عليهم وإساءة الأدب معهم كره من الله وحرب. (أي أن من قام بالفرائض والنوافل ،ولكنه يعادي أولياء الله فالنتيجة هي مقت الله تعالى ،فلذا قدم هذا المطلب قبل المطلب الثاني )

2- باب السلوك:
باب السلوك إلى الحب الإلهي هو باب الحديث القدسي: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب" ، ولأهمية هذا الباب سمى العلماء الحديث كله "حديث الولي".

ذلك أن محبة الولي أمر إلهي لا تدفعه القلوب السليمة، ولا تقاومه الفطر النقية، هو من المعروف الذي حث الله عليه، معروف من طريق روحاني هو معبر القلوب إلى الله، والرابط بينها وبين عالم "ألست بربكم".

روى البخاري في صحيحه تحت عنوان [باب المِقة من الله].

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض" .

فهي محبة موصولة من عند الله عز وجل، جعل الله محبة جبريل والملائكة بابها السمائي، فلا ينال عبد المحبة من الناس في الأرض إلاّ إذا كان هذا الإجماع عليه في السماء.

وجبريل عليه الصلاة والسلام هو رسول الوحي من الله إلى أنبيائه ورسله، وهو رسول كل أمر روحي إلى عباده الصالحين. وكما أنه سبب ممتد في الرسالات، فهو كذلك سبب ممتد في الولاية، وفي هذه باق إلى يوم القيامة رغم توقف وحي الرسالة.

إن التعبير بـ"من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب" عوض التعبير بـ"من والى لي وليا فقد أحببته" تنبيه حكيم إلى أن الأصل هو محبة الولي لا معاداته، وأن المعروف الفطري -كما سلف ذكره- هو موالاة أولياء الله الذين شهدت السماء بمحبتهم، وبموجب ذلك المنشور السمائي وُضع لهم القبول في الأرض.

فالمحبة للولي معروفة ومن تم كان التنبيه على المنكر الدخيل: "من عادى لي وليا".

وكأن في الأمر إنذار هو إذا لم تُوفق لمحبة ذلك الولي فلا تعاديه ولا تزدريه ففي ذلك الحجاب وصدُّ الباب.

3- تأصيل قرآني:
إن ما جاء في الحديث مؤكد لأصل قرآني بينه الله عز وجل في سورة البقرة، أخبر الله عن عداوته لليهود بسبب معاداتهم لباب السلوك السمائي سيدنا جبريل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

أخرج أحمد والترمذي والنسائي عن بن عباس رضي الله عنهما قال: "أقبلت يهود إلى رسول الله فقالوا: يا أبا القاسم، إنا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي، فذكر الحديث..، وفيه: أنهم سألوه عما حرم إسرائيل على نفسه، و عن علامة النبي، وعن الرعد وصوته، وكيف تذكر المرأة وتؤنث، حتى سألوه عمن يأتيه بخبر السماء فقالوا: فأخبرنا عن صاحبك، قال صلى الله عليه وسلم: "جبريل" قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدوّنا، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان خيرا." .

فأنزل الله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)﴾
هؤلاء الأشقياء المحرومون بمعاداتهم لجبريل عادوا الموكب النوراني كله، واستحقوا اللعنة والغضب الإلهي ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ .

قال الحافظ بن كثير: "وقد روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب" . ولهذا غضب الله لجبريل على من عاداه، فقال: ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي: مِنَ الكتب المتقدمة ﴿ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: هدى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنة، وليس ذلك إلا للمؤمنين[2].

وجب التنبه إلى هذه الآيات فهي أصل عظيم في التأكيد على احترام الصحبة وتقدير هذه السلسلة النورانية، وتعظيم أولياء الله، وكفى اليهود لعنة و ضلالا أنهم عادوا الباب السمائي، وكل من عادى باب السلوك الأرضي كان له في سلوك اليهود شعبة.

كيف يعادون جبريل وهو الروح الأمين، تنزّل به الله على قلب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؟ وذلك ليتفرّع من ذلك القلب شريعة القرآن ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ وحقيقة الإحسان ﴿ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ .انتهى

بقلم الأستاذ :عبدالقادر الزهراوي جزاه الله خيراً .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات