مواضيع اليوم

بأي لغة نتحدث عن الجنس؟

فرج نور

2009-12-18 00:04:23

0

 بأي لغة نتحدث عن الجنس؟
المصدر: شبكة العلوم النفسية العربية
.د. يحيى الرخاوي

في الحياة العامة تظهر مشاكل التواصل على أكثر من مستوى: من أول إشكالات الحب والخيالات التي تدور حوله، حتى مزاعم الديمقراطية (والرأي الآخر) مارين بالصراع بين الأجيال وتحديات الاختلافات الفردية مما لا مجال للاستطراد فيه بعيدا عن موضوعنا الأصلي الجنس واللغة- الجنس لغة..
ولا أعنى بداهة العربية أم الأجنبية، الفصحى أم العامية، وإنما أنا أتكلم عن الاختيار بين اللغة الصريحة المباشرة التي تسمى الأشياء بأسمائها، في مقابل اللغة المنافقة المغتربة (المسماة المحتشمة)، ناهيك عن وضع نقط في الكتابة محل ما يسمى الألفاظ الخارجة (خارجة عن ماذا بالله عليكم؟) أو إصدار أصوات مهمهمة في الخطاب الشفاهي.
إن مجرد عزوف العلم عن الحديث عن أمر مثل الجنس بلغة جنسية مباشرة هو ضد العلم، بل ويكاد يكون ضد مصداقية المتحدث، وهذا التراجع المنافق عن استعمال اللغة الصريحة، لا يسأل عنه الدين ولا الأخلاق الحميدة، فلا يوجد أصرح في الدين من فقه النكاح، ولا يوجد أصرح في التراث من المراجع التي تناولت هذا الأمر بكل جسارة، ليس فقصا في كتب مجهولة المؤلف مثل رجوع الشيخ إلى صباه، وإنما في كتب معروفة ومتداولة مثل نزهة الخاطر وقد اعتبر فوكوه أن هذا الاحتشام الزائف الذي ساد حتى طغى في القرن التاسع عشر بالمقارنة بالصراحة والمباشرة التي كانت منذ القرن السابع عشر، هو من أهم السمات التي تميز قهر العصر الفكتورى، وأحسب أننا نمر هنا في مصر، وما أشبه، بمثل هذه النكسة الدالة، وها أنذا، وعلى الرغم من كل هذه المتندمة الحذرة، إلا أنني لا أملك إلا أن أجاري النفاق الاحتشامي في حديثي اليوم، وغاية ما آمل فيه هو أن أستطيع أن أتجاوزه بأي قدر مهما ضؤل في بعض الهوامش أو الملاحق.
ومناقشة هذا التحول الذي طرأ على خطابنا بشأن الجنس هو في ذاته مفتاح ما آلت إليه وظيفة الجنس من إحاطة بالصمت (الرهيب) وخاصة بالنسبة للأطفال، أو من إنكار كامل حتى داخل حجرات النوم الشرعية، ولو أن بحثا أجرى على تواتر إطفاء الأنوار، وإغماض العيون ودلالة هذا وذاك فيما هو ممارسة جنسية، في المؤسسة الزواجية أو غيرها، لا بد أن تفيدنا إلى أي مدى ننكر على وعينا ما نفعل، ونحن ندعي تقاربنا مع الآخر، وقد تظهر لنا نتائج هذه الأبحاث أننا نمارس الجنس وكأننا لا نمارسه، أو كأننا نمارسه مع مجهول، أو وكأننا نسرقه من ورائنا (وليس فقط من ورائهم).
وثمة اقتراح ببحث آخر يستقصي ما هية اللغة التي يستعملها أطفالنا - من مختلف الطبقات والثقافات الفرعية - لتسمية الأعضاء الجنسية (البوبو، الكلمة العيب.. الخ) وسوف نكتشف كيف ننكر، أو نتنكر لكل ما هو جنسي منذ البداية.
إن تعبير أن هذا اللفظ أو ذاك "يخدش الحياء" يحتاج إلى وقفة يمكن أن تأخذ وقت المحاضرة كلها، لأنه تعبير يدل على أن النفاق عندنا قد أزاح الحياء الحقيقي، ليحل محله حياء زائف سابق التجهيز، ولا بد أن يكون هذا الحياء الزائف هش أو زجاجي القوام، وأن يكون، اللفظ الجنسي الصريح، ماسي الجوهر قادر على الخدش بمجرد أن نتلفظه، وإلا فما معنى هذا التعبير!!!!
لقد حدث انشقاق بين الكلام ومضمونه الحقيقي في هذا المجال خاصة، بين اللغة الحقيقية، والمتولدة والمباشرة وهي لغة الناس (الذين يسمون بيئه، وهي أقرب كلمة المعنى الثقافة الحقيقية) ولغة الطبقة المحتشمة (أو الملتبسة بالاحتشام) وهي اللغة التي تكاد أن تصبح "لا لغة" لتفريغها من وظيفتها الدالة، وكان نتيجة ذلك، هو ما لحق بموقفنا من الجنس، بل إن هذا الانشقاق نفسه يمكن أن يصبح دلالة على موقفنا من الجنس بقدر ما هو تدعيم لهذا الموقف وإبقاء على استمراريته.
وأورد هنا بعض مظاهر دلالات استعمال اللغة الجنسية بصورها المختلفة في حالتنا الآن:
1) أصبح الحديث عن الجنس بلغة جنسية يصنف المتحدث في موقع طبقي بذاته فهو إما في أدنى الشرائح، أو أعلاها، وإن كانت الشرائح الأعلى قد تلعب لعبة أكثر خفاء فتتحدث عن الجنس بلغة جنسية صريحة لكنها أجنبية وهو نوع من "الصراحة المستورة" (إن صح التعبير) وهي أكثر كذبا لا تجملا..
2) حلت الأفلام الجنسية محل الحديث الجنسي المباشر، (ربما كما حل التليفزيون محل الحوار الأسري).
3) أيضا حلت النكت الجنسية محل الأحاديث الجنسية (وربما محل الممارسات الجنسية).
4) أصبحت القصص المطعمة باللغة الجنسية (وليس بالخبرات الإبداعية ذات البعد الجنسي) من المحظورات أي من المطلوبات، ربما أيضا لتعوض النقص.
5) أصبح العلم، وربما التدريس، ومنه هذه المحاضرة، يدرس بلغة باردة باهتة، وكأنك تصف رائحة زهرة بعدد من معادلات على كمبيوتر ملون.
6) أصبح التراث الأكثر صراحة وجرأة ليس في المتناول أصلا.، حتى ألف ليلة وليلة، أو الأغاني، بل إن الأيدي امتدت إلى التراث المعاصر، ليس فقط بواسطة الرقابة والسلطات الرسمية، وإنما بواسطة الناشرين أنفسهم (حكاية السحار وعبد القدوس).
الخلاصة:
إن انفصال لغة الجنس عن الجنس، سواء في الحديث عنه، أو تعليمه، أو حتى ممارسته، هي من علامات انفصال الجنس نفسه عن تكاملية الوجود مع الجسد من ناحية، ومع اللغة ككيان فينومينولوجى غائر من ناحية أخرى، وعن اللغة/الكلام كوسيلة للتعبير من ناحية ثالثة.
الجنس لغة في ذاته
لن أدخل في تعريف اللغة كثيرا، لكنني سوف أكتفي بالإشارة إلى أن اللغة هي من ناحية كيان غائر جاهز منظم، لها تجليات دلالاتية تفيد في التعبير والتواصل، والجنس في ذاته وبذاته يوفي بكل ما تعنيه اللغة من تركيب ووظيفة.
ويقوم الجنس بذاته في تحقيق الحوار الواجب تفهمه لمعرفة طبيعة الصعوبات ودلالات اللقاء، على أي مستوى في السواء والمرض، وهو يستعمل كل الأدوات المتكاملة التي تحقق له فكرة الحوار فالتواصل، أو اللاتواصل، بمعنى أنه يستعمل اللغة اللفظية (أنظر قبلا) واللغة غير اللفظية من أول نظرة العين حتى رائحة العرق مارا بكل خلجات ونبضات واستجابات الجسد. ومثل أي حوار ولغة توجد إشارات نداء، وعلامات استجابة، ودلالات، وتطور اقتراب، وسياقات جدل، وتوجه نحو غاية، واستيعاب ورد، ف: نداء، وهكذا، ولا مجال لتفصيل أي من ذلك اللهم إلا من حيث موضوعنا عن توظيف الجنس للتواصل، وكيف يعبر الجنس عن نجاح أو فشل أو تجاوز أو صعوبة عمل علاقة مع آخر، ومن خبرتي أستطيع أن أزعم أنه من الممكن أن نترجم كل الصعوبات الجنسية إلى ما يقابلها في اضطرابات اللغة، فخذ مثلا العقلة (في الكلام)، وما يقابلها في الجنس من العجز عن المبادأة أصلا، وبما أن المبادأة (لا النداء) يبدأ عادة من الرجل، فإن هذه العقلة الجنسية تظهر في الرجل دون المرأة حيث تعلن العنة (العجز عن الانتصاب) ما يقابل الغفلة، في حين أن المرأة قد لا تكتشف عيها الجنسي إلا في مراحل متأخرة من الحوار (الجنسي)،.
ثم مثال أخر، وهو التهتهة، وهذا ما يصيب الرجل في الجنس أظهر، كما يصيب المرأة وإن كان بطريقة أخفى حيث تتذبذب الاستجابة حدة وفتورا، وكأن الخطاب الجنسي بعد بدايته يجد من المعوقات الداخلية والخارجية، الحقيقية والمتخيلة، ما يعرقله بانتظام وتكرار، وهكذا ودون الإطالة في تعداد أنواع أخري من الاضطرابات الجنسية وترجمتها إلي ما يقابلها من اضطرابات اللغة، دعونا نتساءل عن ما هو المضمون الذي تريد اللغة الجنسية أن تعبر عنه، أو تكونه، أو تمارسه، وبالتالي يمكن أن نتصور قصورنا لون تحقيق هذا المضمون أو نجاحنا في ذلك. وفي هذا أطرح الأمر كالتالي:
إن الجملة المفيدة التي يريد الإنسان أن يقولها بالممارسة الجنسية (بعد تجاوز اقتصارها على التكاثر) وانطلاقها إلى وظيفها الجديدة وهي التواصل إنما تقول:
"إن وجودي لا يتحقق إلا بوجودك معي. معي أقرب، أدخل، أكثر التحاما، لا ألغيك وأنا خارج، ولا أتلاشى فيك وأنا داخل، لا أختفي إذ ننوب في كيان واحد لا نعرفه من قبل، أبتعد لأكون نفسي وأتداخل لأشعر بك، بنا (برنامج الذهاب والعودة (in and out program)، أسمح لك ولا أخشى الانسحاق، وأتركك فلا أخشى اختفاؤك، حتى نتلاشى معا، فينا، لنتخلق من جديد جديدين"
ونلاحظ هنا أن هذه الجملة لم تظهر فيها اللذة لذاتها، ولكن الجملة من بدايتها لنهايتها مغلفة حتما بلذة قادرة على الدفع فالحفاظ على تحفل كل هذه المخاطرة بالتلاشي (أنظر بعد)، فإذا تمت هذه الجملة وحققت مضمونها، فإن الجنس يؤدى وظيفته التواصلية كأروع ما يكون الإبداع الذاتي فإذا صح أن الجنس قد تجاوز دوره التناسلي (التكاثري) إلى هذا الدور التواصلي الإبداعي، فإن التكاثر البشرى يمكن أن تعاد صياغته من خلال تطور نوعية الوجود البشرى، وليس مجرد الحفاظ على النوع، بمعنى أنه إذا كان التكاثر ينشأ من اندماج خليتين حتى لا يعودا كذلك إذ يتخلق منهما كائن جديد، وأن هذا يتم عن طريق رشاوى الدافع الجنسي، فإن التواصل يحقق نفس الوظيفة ولكن على مستوى الفرد نفسه، يعنى أن الممارسة الجنسية في صورتها الإبداعية المطلقة إنما تحقق هذا الامحاء فالتجدد (أنظر لاحقا: الجنس والموت والبعث)
وفي نطاق هذه الفقرة الخاصة بإيضاح المضمون الذي يمكن أن توصله لغة الجنس ينبغي التنبيه على عدة أمور:
الأول: أن هذه الجملة ليست في بؤرة الوعي بالضرورة، بل إنها غالبا ما تكون بعيدة عن دائرة الوعي أصلا.
الثاني: إن مصاحبات الخبرات الجنسية، ومقدماتها، وبدائلها، وتجلياتها تعبر عن هذه الجملة المفيدة، في حين أن الممارسة الجنسية ذاتها قد تخلو منها (على مستوى الوعي على الأقل)، وهذا لا يدل على خلوها الحقيقي منها، وإنما يشير إلى صعوبة التحام الجسد مع الوعي في وجدان كياني لحظي بشكل مباشر ومتكرر.
الثالث: ومن ثم فإن الوعي بهذه الجملة، وخاصة إذا أصبح وعيا صريحا ماثلا، هو من أكبر معوقات الممارسة الجنسية السلسلة لكل ذلك، فإن جملا أخرى، وإن كانت تبدو هامشية، إلا أنها تقوم بوظيفة التدرج، والتيسير، حتى يحقق الجنس هدفه التواصلي الإبداعي، دون مواجهة بصعوبات بدئية، تتزايد حتما حين تطرح سلبيات المشاركين معا، ذلك أنه لكي يتحقق مضمون هذه الجملة، فإنها تحتاج إلى عمل من جانبين لا من جانب واحد، وبديهي أن مستوى الوعي بها، ومستوى التطور البشرى لكل شريك، ومستوى القدرة على تحقيقها يختلف حتما مثل كل الاختلافات الفردية، ومن ثم تقوم الدفاعات النفسية، والاحتياجات الجزئية، والأوهام الغرامية باللازم للتخفيف من وطأة هذا التحدي الصريح الصعب بكل معنى الكلمات وأورد فيما يلي بعض الجمل الجنسية الجزئية (المفيدة حتما) هي وإن تبدو لأول وهلة بعيدة عن الهدف الإبداعي التواصلي للجنس، فإنها جزء من الجدل الجنسي حتى تبدو ضرورة نافعة، شريطة ألا تحل محل الجملة الأكمل، والولاف البعث، مثلا:
1- أنا خائف أريد أن أرجع لرحم أمي.
2- أنا خائفة أريد أن أحتمي في ظل أبي.
3- هل تريدني؟ (أنت تريدني): إذن أنا موجود.
4- هل أرضيك؟ (أنا أرضيك) إذن ثمة من يحتاج وجودي، إن لي معنى .
كل هذا أمثلة لحضور "الآخر" في وعى المشارك.
وبقدر ما تكون مثل هذه الجمل التي يقولها الجنس (عادة دون ألفاظ طبعا) يمكننا إذا أحسنا الإنصات أن نستمع إلى جمل أخرى مغتربة، ومجهضة، وهي لغة تعلن بكل تجلياتها غالبية ما يمارس من جنس اغترابي (عمره قصير عادة)، ذلك لأنه مبنى على ما لا يحفظه أو يحافظ عليه، لأنه إذا كان لم يعد بنا حاجة إلى الجنس بهذه الصورة المتواترة للحفاظ على النوع، وفي نفس الوقت هو لم يزق ليقول الجملة المفيدة السالفة الذكر، فإنه يصبح فعلا ممارسة مغتربة، قهرية أحيانا، منفصلة عن الوجود الكلى، عاجزة عن تحقيق وظيفتها الجديدة أصلا.، كل ذلك يمكن رؤيته من خلال الموقف الأساسي لهذا الجنس المغترب (الذي تبرره اللذة من ناحية، والذاتوية من ناحية أخرى) وهو ينيبى على: نفي الأخر من البداية (فلا يعود إلا مسقطا لاحتياجات الذات ووسيلة لتحقيق اللذة الذاتوية)
الاغترابية التي تلغي الآخر، إذن: ثمة لغة أخرى يقولها الجنس، وهي وإن كانت ذاتية صرف، فهي لغة حتما وقد وردت. في الجزء الثاني في فقرة "سوء استعمال الجنس" لغير ما هو (لا للتكاثر ولا للتناسل)، مثلا في صورة الآخر كمذبذب (للمرأة) والآخر كوسادة إستمنائية (للرجل)
وبعض هذه الجمل الاغترابية- أنا ألتذ، بأن أستعملك منفيا...(فأبقى كما أنا)
2- أنا أسيطر عليك حتى لا يبقي غيري..... (هذا أضمن)
3- أنا ألتهمك فلا يبقى منذ شيء بعد تمتعي بلذة التهامك.... (وهكذا أضمن استمراري، متنازلا عن تطوري)
4- أنا أحتاجك حتى أشبع، على شرط أن أنساك تماما.......(فلا يهددني التلاشي فالبعث)
إلي غير ذلك من كل تباديل الحب والغرام، دون ولادة أو بعث.
وعلي النقيض من احتمال ظهور الصعوبات الجنسية إذا وصلت لغة الجنس الأرقى إلى الوعي، فإن الجنس الاغترابي ينجح عادة، ويستمر نجاحه كلما خفي اغترابه.
وبتعبير آخر:
إن الصعوبات الجنسية إنما تظهر وتشتد حين تكون اللغة الجنسية السليمة هي المستعملة، أي حين يكون التواصل الإبداعي هدف.
أما إذا ألغى احتمال التواصل أصلا، وأصبح الجنس مغتربا ذاتويا تماما، فإن الممارسة الجنسية تنجح عادة، وتستمر.
وإليكم بعض الإيضاحات:
(1) تظهر العثة مثلا حين يكون "الموضوع " "موضوعا"، أو ملوحا أن يكون موضوعا، أو واعدا بذلك، أو حين يشترط الشريك ذلك، وكأن العنة تقول:
أ- اختلت إسقاطاتي، فلم أغذ أستطيع أن أستعملك "موضوعا مختلفا" ليس في مقدوري أن أكذب
أو لعلها تقول:
ب- إن لذتي لا تتحقق إلا بأن أستعملك دون أن أتعزف عليك.
(2) وقد تقول المرأة بالبرود الجنسي:
أ- أعرف كذبك ولا أريد أن أشارك رغم البداية الخادعة معك
أو لعلها تقول:
ب- اكتشفت كذبي، ولم أستطع أن أتمادى فيه
(3) وسرعة القذف تقول:
أ- رجعت في كلامي، لا أحتملك كأخر، لا أطيق الاستمرار، ننهيها أحسن
أو لعلها تقول:
ب- أخاف من التلاشي. قد أموت بلا عودة، يكفي هذا
أو ربما تقول:
ج- خفت أن أدخل لا أخرج، أو أن أخرج لا تسمح لي ثانية. سلام"
اعتراضات وردود
الاعتراض:
الأغلب في الأبحاث الحديثة هو تفسير القصور الجنسي عند الرجل خاصة بخلل عضوي في الأجهزة المنوطة بالانتصاب؟ حتى قيل- مؤخرا إن نسبة القصور الناتج عن أسباب عضوية- تصل إلى 90% من حالات العنة، وهذا الزعم كان مقولة أطباء الذكورة والتناسلية قديما، لكن الحديث هو أن الأطباء النفسيين أصبحوا يوافقون عليه، ويرتاحون.
الرد:
لقد تدهورت تفسيرات الأمراض النفسية عامة وأصبحت تعزى إلى خلل كيميائي في المقام الأول (والأخير أحيانا)، وذلك حين عزف أطباء النفس عن أن يبذلوا الجهد لفهم لغة المريض، وأن يستعملوا العقاقير بشكل غائي يؤكد إسهامها في استعادة المريض قدرته علي استعمال كل مستويات دماغه في اتساق صحي، ومنذ ظهور هذا التفسير الكيميائي والعلاج العرضي للاضطرابات النفسية اختفت مقولة"إن في الجنون لعقلا!
ولنفس الأسباب التجارية والاستسهالية أصبح الأسهل على الطبيب أن يفسر القصور الجنسي بهذا الخلل أو ذاك في أجهزة الأداء، ناسيا أن المخ هو العضو الأساسي للوظيفة الجنسية.
إننا لا ننكر أن ثمة خللا كيميائيا في حالات الاضطراب النفسي، ولكن هل هو خلل مسبب أم خلل مصاحب أم خلل ناتج عن الاضطراب، هذه هي القضية
وبنفس القياس نحن لا ننكر أن ثمة عجزا وظيفيا أصاب الجهاز الطرفي المسئول عن الانتصاب في كثير من حالات العنة، ولكن هل هذا العجز هو نتيجة لانصراف الدماغ، أو إجهاض التواصل، أو استمرار عدم الاستعمال، أم أنه هو الخلل الأساسي بغض النظر عن ماذا يقول؟ لمن؟
وكما أن العقاقير المضادة للذهان تثبط المخ الأقدم، وتسمح للمخ الأحدث أن يقود وبالتالي يمكن أن يتم تصالح تكاملي بعد ذلك بين المستويات، فإن العقاقير المالئة للجهاز الجنسي الطرفي إنما تسمح للمخ الأعلى- إن شاء- أن يمارس مهمته الجنسية، سواء كانت اغترابية، أم تواصلية مبدعة، ومن ثم فإن فضل الفياجرا هو أنها تعمل بمثابة تأكيد ضمان كفاءة الجهاز الطرفي بما يتيح للجهاز المركزي أن يستعمله كيف شاء متى شاء، و يظل الجنس لغة بعد كل هذا، لأنه لو مورس الجنس بعد هذا الضخ الطرفي فإنه لا يؤدى وظيفته التواصلية اللهم إلا إذا كان قد نجح في اختراق حاجز الشيزيدية قسرا، لكن أن تقتصر العملية على الأداء الذي، فإن ما يسرى على هذه الممارسة المصنوعة من حيث تصنيفها إلى تواصل وتكامل وبعث، أو اغتراب وإجهاض ومحو للآخر هو بلا نقصان.
بل إن الخطر كل الخطر، هو أن تساعد مثل هذه الحبوب على اختزال دور الجنس من لغة للتواصل إلى أداة للتفريغ واللذة وإزالة التوتر لا أكثر، ذلك أن الانتصاب الطبيعي في حد ذاته يعلن أن المخ وافق على الاقتراب، فأرسل رسائله التي أعلنها هذا النجاح الفسيولوجي ممثلا في الانتصاب، ومن جهة تلقى المرأة، فإن هذه العملية في ذاتها هي إعلان أنها مرغوب فيها بدليل (بأمارة) هذا الانتصاب، فإذا نحن فرحنا بتجاوز هذه الخطوة، واستسهلنا استعمال الضخ الكيميائي (الفياجرا)، فإن معنى ذلك أننا نفرح بترديد صوت ببغائي كأنه الكلام، مع أنه خال من مضمون التواصل على الرغم من الإبقاء على مضمون اللذة
إذن فلا استعمال الفياجرا دورين نقيضين، أما الاستعمال الإيجابي، فهو الاستعمال المؤقت، لكسر حلقة التردد واستعادة الثقة، ومن ثم تعود اللغة السليمة تعبر عن القدرة والرغبة فالتواصل. أما الاستعمال السلبي فهو أن يحل هذا التنشيط الميكانيكي محل الاختبار التواصلي بصفة دائمة، فيصبح الكيان البشرى الذكرى مجرد مذبذب مغترب لا أكثر ولا أقل، ونفقد فرصة الإنصات الواعي والدال للغة الجنس أصلا

الجنس والدين:
علاقة الجنس التواصلي بالدين (والإيمان) علاقة وثيقة تماما، وقديما كانت الأعضاء الجنسية (خاصة القضيب) رموزا تعبد، وكان تفسير الذي قيل في ذلك هو أن هذا دليل على حرص الإنسان من قديم على التكاثر واستمرار النوع، إلا أن هذا التفسير ليس مقنعا بشكل مطلق، ذلك لأن الأولي كان تقديس الرحم (وهذا يحتاج إلي بحث خاص لمعرفة هل المسألة هي تقديس الجنس احتراما للتكاثر أم تقديس الذكورة تمييزا متحيزا لها في بعض مراحل التاريخ، إذ لو أن التقديس منشؤه الحدس البيولوجي لعلاقة الجنس بالتكاثر، لكان الأولى تقديس عضو المرأة التناسلي أو الرحم، لأنه الألزم والأهم لحفظ النوع. وسواء كان تفسير علاقة الجنس بالدين من خلال الحرص على التكاثر واستمرار النوع أو غير ذلك، فإننا نحتاج إلى تفسير مواز لعلاقة الجنس بالدين بعد أن أصبح الجنس وسيلة للتواصل وليس قاصرا على وظيفة التناسل.
وفي هذا أطرح الفروض التالية التي تحتاج إلى تقص خاص ومراجعة:
أولا: إن في الدين امتداد في الكون، وفي الجنس امتداد للأخر في الآخر
ثانيا: إن في الدين خضوع لله، وفي الجنس خضوع للشريك، والأهم خضوع لما يمثله اللقاء، وما يعد به البعث الجديد
ثالثا: إن في التصوف ذوبان (تلاش) في المطلق، وإن في الجنس تلاش في الآخر
رابعا: إن في الدين تأكيد علي العلاقة بالآخرين (الناس، الجماعة، الغير)، والجنس لا يكون بشريا تواصليا إلا إذا كان ممتدا في الآخرين
الجنس والحب:
أين يقع ما يسمى الحب في هذه الممارسة الجنسية التي أسميناها الجنس التواصلي الإبداعي؟
إن الحب، وعلى الرغم مما طرأ عليه من تشكيلات وتنويعات (على اللحن الأساسي) ما زال يشغل أغلب الناس وهما أو حقيقة، وهو يتجلى في الحياة الواقعية بقدر ما يتجلى في الخيال والإبداع، وتصانيف الحب وتجلياته من الاتساع والاختلاف بحيث يمكن أن نكتشف من خلالها أنها محاولات لإنكار صعوبات التواصل البشرى كما أشرنا إليها سالفا في كل من المتن والملحقات (الملحق (3) خاصة).
وتناول الحب هنا، لذاته كأنه تناول لمسألة التواصل البشرى الذي نبهنا من البداية أنها ليست موضوع هذه المحاضرة تحديدا، ومن ثم نكتفي بالإشارة إلى عناوين متواضعة عن علاقة الحب (بأي معنى كان) بالجنس علي الوجه التالي
(1) الحب ليس تساميا عن الجنس، ولا هو شرط لممارسة الجنس
(2) الحب من مقدمات الجنس (دائما) لكن الجنس لا يظهر صريحا إلا في ظروف واقع يسمح بدلك
(3) الحب لا يرتقى بالجنس، وإن كان الجنس التواصلي يحقق بدايات وعمق غاية الحب (التلاشي معا للبعث جديدن معا)، فهو الذي يرتقى بالحب
(4) الحب الخاص جدا (الامتلاكي عادة) هو احتياج مشروع، لكنه ليس هو الأرقى تواصلا وإبداعا
(5) القدرة على الحب (دون تمييز عادة) هي الأكثر اقترابا من التواصل الجنسي الأرقى، بالمقارنة باحتكارية الحب التي تصبح أقرب للصفقات الاجتماعية المشروعة
(6) الحب، بالتعريف الأحدث (الرعاية والمسئولية وتحمل الاختلاف والاستمرارية) هو أيضا أقرب إلى تحقيق الإبداع الممكن (بالجنس أو بدونه حسب الضرورات المحيطة).
(7) الفصل بين الحب والجنس هو فصل تنظيمي تاريخي نسبي وليس فصلا مشروعا واردا كبديل مناسب للمستوى الأرقى للوجود البشرى
(8) الجنس بغير حب إما أن يكون اغترابا لذيذا مؤقتا، أو أن يكون قد احتوي الحب تكاملا حتى لم يعد يمكن التمييز بينهما
تحياتي
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات