مواضيع اليوم

ا لجوانب التربوية من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه

mam dawud

2009-05-02 10:21:51

0



أولاً: نص الحديث:

حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمن ابن عبدالله بن كعب بن مالك أن عبدالله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك قال كعب لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان قال كعب فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئا فأقول في نفسي أنا قادر عليه فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت فلم يقدر لي ذلك فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفه فقال معاذ بن جبل بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كعب بن مالك فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي وطفقت أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخطه غدا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك فقلت بلى إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المتخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فوالله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ثم قلت لهم هل لقي هذا معي أحد قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما قالوا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار قال فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشأم ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان فإذا فيه أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأتها وهذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال لا بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر قال كعب فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه قال لا ولكن لا يقربك قالت إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض إلي رجل فرسا وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقاني الناس فوجا فوجا يهنوني بالتوبة يقولون لتهنك توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيدالله يهرول حتى صافحني وهناني والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر فقلت يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا
كذبا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار ) إلى قوله ( وكونوا مع الصادقين ) فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد فقال تبارك وتعالى ( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم ) إلى قوله ( فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) قال كعب وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه فبذلك قال الله ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو إنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه(1).

ثانياً: الجوانب التربوية من هذه القصة:

1-أن للإنسان أن يخبر غيره عن تفريطه وتقصيره في طاعة الله ورسوله، وعن أسباب ذلك، وما آل إليه أمره، فإن في ذلك التحذير والنصيحة وبيان طرق الخير والشر، فيستفيد غيره ويتجنب أن يفعل مثل فعله، وهذا الدرس التربوي نأخذه من رواية كعب لقصة تخلفه عن غزوة تبوك (3).
2- أن المصالح تتفاوت وقد يكون بعضها أولى في التقديم من البعض، فهذا أمر ينبغي أن يتفطن له المربون دائماً، ويرعونه حق الرعاية في برامجهم التربوية (4).
3- أن الستر والكتمان إذا كان سيجر مفسدة على الآخرين، فحينئذ ينبغي أن يبين للغير حقيقة الأمر حتى يكونوا مستعدين ومتأهبين لما سيواجههم، ونأخذ هذا من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث بين للمسلمين أمرهم لأنهم سيلاقون صعوبات ومتاعب من سفر بعيد وعدو كثير وحر شديد فأخبرهم ليتأهبوا ويستعدوا (5).
4- أن المسلم ينبغي له إذا حانت له فرصة القربة والطاعة لله فعليه أن ينتهزها ولا يتردد، فالحزم كل الحزم في انتهازها والمبادرة إليها، والعجز في تأخيرها ولا سيما إذا لم يثق بقدرته وتمكنه من أسباب تحصيلها، فإن العزائم والهمم سريعة الانتقاض قلما ثبتت، والله سبحانه يعاقب من فتح له باباً من الخير فلم ينتهزه بأن يحول بين قلبه وإرادته، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه)(6)،وهذا الدرس نأخذه من قصة تردد كعب في اللحاق بالرسول صلى الله عليه وسلم، فالمؤمن ينبغي عليه أن يسير في الطريق ولا يتردد وإن طال الطريق أو رأى بعض المشاق، قال تعالى: (لو كان عرضاً قريباً أو سفراً قاصداً لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة) فكثير من الناس إذا طال عليهم الطريق بدأت تثبط عزائمهم وبدأت في نفوسهم ألوان من التردد والضعف والخور، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه مؤمن صادق أبداً (7).
5-أنه ينبغي للمربي أن يتفقد من يربيهم ، وأن يسأل عنهم ولا يهمل من تخلف عنه في بعض الأمور، وأن يذكره عند عصيانه ليراجع الطاعة ويتوب (8).
6- نجد في هذه القصة أن كعبا ًرضي الله عنه ومن بعده من الرواة لم يذكروا اسم الرجل الذي نال من كعب وقال: (حبسه برداه ونظره في عطفيه)، وفي مقابل هذا نجد أن الذي كان له موقف محمود يذكر باسمه وهو معاذ، وهكذا ينبغي على المسلم دائماً، أن لا يذكر من في ذكره إساءة بل يبهم ويشار إلى خطئه دون شخصه، أما أهل الخير فيذكرون لحفظ حقوقهم والحث على التأسي بهم، وهذا المنهج جدير بالإنسان أن يتحلى به في كل مواقفه التي يواجهها أثناء تعامله مع الناس(9).
7- أنه ينبغي على الإنسان أن يذب عن عرض أخيه المسلم، وأن يرد على الطاعن إذا غلب على ظنه أنه وهم وغلط، كما قال معاذ للذي طعن في كعب: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه
إلا خيراً (10).
8- فضيلة الصدق وأهميته، وعظم مقداره، وتعليق سعادة الدنيا والآخرة والنجاة من شرهما به، فما أنجى الله من أنجاه إلا بالصدق، ولا أهلك من أهلكه إلا بالكذب، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده أن يكونوا من الصادقين، فقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، فعلى المسلم التحلي بهذا الخلق والتمسك به حتى إن واجه في مقابلة ذلك ما واجه، فإن الصدق منجاة وإن تعب في البداية لكن العاقبة ستكون حميدة، فإن كعباً وأصحابه لما صدقوا صدقهم الله تعالى وتاب عليهم، فلابد من الصدق مع الله والصدق مع النفس والآخرين، فإن الكذب والتمويه لا يمكن أن يفيد صاحبه أبداً، فقد جاء المنافقون وكذبوا على رسول الله فكان عاقبة ذلك أن أعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه سبحانه(11).
9- إن في قول رجال بني سلمة لكعب درس عظيم، فكثيرون هم الذين يظهرون بمظهر الناصح المشفق وهم في الحقيقة يدفعون به إلى واد سحيق من الهلاك، فهم يزينون له الباطل بوصفهم الأمر له بأنها أول كذبة ولا ضير منها وسيعقبها استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم له بعد ذلك، وهذا من وسائل قرناء السوء، فعندها يجب على المسلم التنبه لمثل هذه الحيل والمداخل الشيطانية التي يبهرجها قرين السوء (12).
10- قول كعب: هل لقي هذا معي أحد؟ فقالوا: نعم، مرارة بن الربيع وهلال بن أمية، فيه أن الإنسان ينبغي له أن يرد حر المصيبة وما يواجهه من الشدائد بروح التأسي بمن لقي مثل ما لقي (13).
11- إن في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام هؤلاء الثلاثة من بين سائر من تخلف عنه دليل على صدقهم وكذب الباقين، فأراد هجر الصادقين وتأديبهم على هذا الذنب،وأما المنافقون فقد تخلفوا ولكن لم يعاقبوا، ومن هنا فإن هذه سنة الله تعالى مع عباده المؤمنين الصادقين، إذا وقع أحدهم في ذنب فإن من علامة محبة الله له أن يعجل له عقوبته، وهذا ما يوجب أن يكون الإنسان حذراً من ذنوبه مستيقظاً. وكذلك نستفيد من هذا الدرس أن المربي إذا وقع بعض من يربيهم في خطأ فإنه ينبغي عليه أن يقسو على الصالحين منهم والمتميزين ويشدد في عقوبتهم أكثر من غيرهم، وهذه هي عين الحكمة التي تقضي باللين في مكانه والشدة في مكانها (14).
12- وفي الأمر بالهجر دليل على أنه ينبغي على الإنسان أن يهجر أهل المعاصي تحقيراً وزجراً لهم، وأنه ينبغي أن يتخذ هذه العقوبة مع من فعل ما يستوجب العتب، وهذه العقوبة بها أسلوب تربوي عميق، فإن لهذا النوع من العقوبات النفسية تأثير عميق على النفوس الخيرة التي تعودت أن تعيش مع المجتمعات تألف وتؤلف، فينبغي أن يكون هجرانه دواء بحيث لا يضعف عن حصول الشفاء به، ولا يزيد في الكمية والكيفية عليه فيهلكه، إذ المراد تأديبه لا إتلافه (15).
13- وقول كعب: "حتى تنكرت لي الأرض فما هي بالتي أعرف"، يقول ابن القيم -رحمه الله-: (هذا التنكر يجده الخائف والحزين والمهموم في الأرض وفي الشجر والنبات، حتى يجده فيمن لا يعلم حاله من الناس، ويجده أيضاً المذنب العاصي بحسب جرمه، حتى في خلق زوجته وولده وخادمه ودابته، ويجده في نفسه أيضاً فتتنكر له نفسه حتى ما كأنه هو، ولا كأن أهله وأصحابه ومن يشفق عليه بالذين يعرفهم، وهذا سر من الله لا يخفى إلا على من هو ميت القلب، وعلى حسب حياة القلب يكون إدراك هذا التنكر والوحشة)، فالمؤمن الصادق هو الذي إذا وقع في المعصية أحس بالذنب وتنكرت له نفسه وأحس بالوحشة، ولا ترجع له نفسه إلا بتوبة صادقة وعمل صالح (16).
14- وفي موقف الناس من كعب رضي الله عنه وتركهم السلام عليه ومحادثته، وموقف أبي قتادة، فيه دليل على أنه ينبغي على المسلم أن يربي نفسه على امتثال أمر الله ورسوله وترك نهيهما وأن يلزمها بذلك ، فإن الناس هجروا كعباً وامتثلوا أمره حتى عندما جاء النبطي الذي يسأل عن كعب اكتفوا بالإشارة إليه تحقيقاً لمقصود الهجر، وإلا فلو قالوا: ذاك كعب بن مالك لم يكن ذلك كلاماً له، ولكن لفرط تحريهم وتمسكهم بالأمر لم يذكروه له بصريح اسمه. وكذلك في موقف أبي قتادة عندما لم يرد السلام على كعب وترك الرد على سؤاله وهو ابن عمه بل وأحب الناس إليه يبين مدى التزامه وامتثاله لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديم ذلك على الأقارب والنفس والهوى (17).
15- أعداء الإسلام يستغلون الخلاف بين المسلمين، فإذا رأوا بين المسلمين فرقة استغلوا هذا استغلالاً مشيناً، ويؤخذ هذا من قصة ملك غسان مع كعب، هذا العدو دخل إلى كعب من لحظة هجر النبي له، وهكذا هم يدخلون على المؤمنين بمجرد وقوع الخلاف بينهم، فينبغي على المسلمين أن ينتبهوا لهذا ولا يسمحوا لأعدائهم بالدخول بينهم، وأن يكونوا يداً واحدة حتى لا ينفذ أعداء الإسلام إليهم(18).
16- ومن هذه القصة -قصة ملك غسان- أيضاً يتبين لنا أن على المسلم الثبات على دين الله الصمود مهما واجهته الشدائد والمغريات، وإن هجره الناس وتركوه فإنه يكون على الحق ولو كان وحده، فإن كعباً لم يضعف إيمانه بهجر النبي والمسلمين له، ولا هو ممن تحمله الرغبة في الجاه والملك مع هجران الرسول والمؤمنين له على مفارقة دينه، ولم يكتفي برد طلب ملك غسان فقط بل أحرق الرسالة وألقى بها في التنور، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم، ثبات والتزام وصمود ، فإن ما يواجهه من الصعاب والشدائد والبلاء تظهر لبه وسره وما ينطوي عليه، فهي كالكير الذي يخرج الخبيث من الطيب (19).
17- وفي هذه القصة أيضاً درس وهو أنه على المرء أن لا يعالج الخطأ بخطأ آخر، فإن كعباً قد أخطأ بتخلفه عن الغزو، لكنه لا يتبع هذا بخيانة الأمة الإسلامية (20).
18-إن أداة المعصية عندما تكون قريبة فإنها تذكر بالمعصية وتفتح للشيطان أبواب الوسوسة والمراودة والكرة بعد الكرة، لكن التخلص من هذه الأداة يغلق كل الأبواب، وهذا ما فعله كعب وبادر إليه بأن أسرع إلى التنور فأحرق الرسالة وأحرق معها كل أمل في ارتكاب هذا الذنب (21).
19- وفي أمر الرسول لهؤلاء الثلاثة أن يعتزلوا نساءهم درس لكل مؤمن أنه في حال العبادة عليه أن يتخلى عن لذاته وعن لهواته وأن يشد المئزر ويجد ويجتهد في العبادة، وهؤلاء الثلاثة قد وقعوا في معصية فأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم باعتزال نسائهم حتى يتفرغوا للعبادة (22).
20- ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم باعتزال نساءهم إلا لما مضى لهم أربعون ليلة من الخمسين، فيه أن المرء ينبغي له أن يراعي الحاجات التي يصعب على الإنسان التخلي عنها ويضعف صبره عنها ومن باب أولى الضرورات، فمثلاً إذا أراد المربي معاقبة من أذنب فليتجنب أن يحرمه مما لا غنى له عنه، أو يضعف صبره عنه إذا حرمه مدة طويلة، وهذا من اللطف بهم والرحمة (23).
21- ينبغي على المسلم أن يحرص على شكر الله وحمده عندما تتجدد له نعمة أو تندفع عنه نقمة وأن يعود نفسه على ذلك، فبالشكر تزيد النعم. وهذا الدرس مأخوذ من سجود كعب حين سمع صوت
المبشر وكذا من تصدقه بماله، فإن الشكر يكون باللسان وبالتزود في الطاعات والأعمال الصالحة (24).
22- وفي استباق صاحب الفرس والراقي على جبل سلع ليبشرا كعباً درس، وهو أنه على المسلمين أن يحرصوا على الخير وأن يتسابقوا إليه، وأن يتنافسوا في مسرة بعضهم بعضاً (25).
23- وفي نزع كعب ثوبيه وإعطائهما للبشير دليل على أنه ينبغي على المسلم أن يكافئ من يصنع له معروفاً ، أو يسدي له خيراً، أو يبشره بما يسره، فإن إعطاء المبشرين ومكافأة صانع المعروف من مكارم الأخلاق والشيم، ومن عادة الأشراف (26).
24- وقول كعب: (فيتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنوني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك)، فيه دليل على الأخوة بين الصحابة وعمق الصلات بينهم ومحبة بعضهم لبعض ومحبة كل واحد منهم الخير لأخيه كما يحبه لنفسه وفرحهم وسرورهم لفرح بعضهم، وهكذا ينبغي أن يكون المسلمون دائماً (27).
25- على المسلم أن يحفظ جميل أخيه ولا ينساه له، كما لم ينسى كعب قيام طلحة إليه مهرولاً ومهنئاً دون غيره من المهاجرين، وهذا من حسن الخلق، فإن اللئيم هو الذي لا يحفظ المعروف لأهله(28).
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

المراجع:
1- تأملات في قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، للدكتور زيد بن عبدالكريم الزيد.
دار العاصمة - الرياض
الطبعة الأولى - 1412هـ .
2- زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم الجوزية.تحقيق: شعيب وعبد القادر الأرنؤوط.
مؤسسة الرسالة - بيروت
الطبعة الخامسة والعشرون - 1412هـ .
3- السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، للدكتور مهدي رزق الله أحمد.
مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - الرياض
الطبعة الأولى - 1412هـ .
4- غزوة تبوك، للدكتور عبدالرحمن المحمود. (شريط كاسيت)
5- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للإمام ابن حجر العسقلاني.
تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، محب الدين الخطيب.
دار المعرفة - بيروت.
6- فقه السيرة النبوية، للدكتور محمد سعيد البوطي.
دار الفكر المعاصر - بيروت
الطبعة العاشرة - 1411هـ .

المصدر:ورش العمل للإسلام




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !