مواضيع اليوم

ايهما اكثر انساً .. العزاء ام الزواج ..!

صالح الموسى

2012-02-17 11:29:21

0

العزاء ام الزواج .. ايهما اكثر أنساً ..!


 
كانت رائحة معجون الاسنان تتصاعد، عندما همس صديقي خالد في اذني قائلا : لماذا الناس في العزاء بشوشين ومفرطين في تجاوز حدود اللياقه المألوفه ..! قلت : هذا عرف يا عزيزي ..من اجل الترويح عن اهل الميت قال : اه .. مادام الامر كذلك .. اجل كيف السوق اليوم ..؟ فاجبته بصوت منخفض ومبحوح : اخضر وحجم التداول اعلى من المعدل .. قال وهو يكظم استياءه : سمعت ان صاحب سمو ملكي مراهق يضارب في السوق قلت : إذن هذا لم يعد سوقا بل طاولة قمار ..! طيب اين هئية سوق المال ؟ ثم استدار بكامل جسده نحوي وقال : حبيبي يقول لك ان هئية سوق المال فتحت المجال للمضاربين، من اجل تحريك السوق ..! خلني ساكت بس.. فسكت انا واخذت اتامل باسترخاء في لوحه جداريه ضخمه امامي،للفنان ديفيد روبيرت، الوانها باهته بسكوتيه، عباره عن منظر لقافله جمال في طور سيناء، بينما كان احد ابناء المتوفى يجلس على كنب تحت اللوحه، فعرفت انه الكبير منهم عندما لاحظت انه يمسك بريموت التلفزيون .. ! كان يقلب القنوات ثم يتوقف لمتابعة حريم السلطان في قناة دبي، ويسترسل في الحديث عن ساهر ولا يبدو عليه اثار السهر او الحزن ..! في حضنه جريدة الشرق الاوسط التي فيها اعلان العزاء في الصفحه الاخيره، وبجانبه اخيه الاصغر والاكثر تأثرا منه، قد شبّك اصابع يديه بين ركبتيه، ومط شفتيه قليلا، وبدا كطفل على وشك ان يبكي .. المعزون يتوافدون باستمرار، بينما يقتصر الدعاء للميت على الوهلة الاولى اثناء السلام، ثم يتلاشا ليحل بدلا منه حس الدعابه او الحديث عن الغبار وشح الامطار .. دخل رجل دين وقور لم يعبه به احد، ربما لكونه فقيرا، فدعوته للجلوس بيني وبين خالد، فبعد ان جلس ابتسم لي وشكرني معبرا عن ذلك بان ضغط على ركبتي، فعرفته بنفسي فقال : انا طالب علم شنقيطي على مذهب الامام مالك، اسكن في المدينه، وكنت على علاقه خاصه مع المتوفى، ثم زحف وجلس على طرف الكنب، وانحنى قليلا الى الامام وقال مخاطبا ابناء المتوفى بدعاء طويل : احسن الله عزاءكم وغفر لميتكم وجبر مصيبتكم .. والناس تردد امين بعد كل دعاء .. ختم الدعاء بالايه الكريمه .. يا ايتها النفس المطمئنه ارجعي الى ربك راضية مرضيه فادخلي في عبادي وادخلي جنتي .. صدق الله العظيم ..إن لله ما اخذ وله ما اعطى وكل شيء عنده باجل مسمى .. وفي الاخير اثنى على الميت وذكر محاسنه .. حينها حل صمت في المجلس، وعاش الناس لحظات مع هيبة الموت، وما إن سكت الشيخ حتى عاد الناس الى ما كانوا عليه، من انس ودردشه، وايضا عاد القهوجيه ذوي البشره السوداء، بالصديريات المطرزه بخيوط الزري، يطوفون علينا بالقهوه في دلال الرسلان، واطباق الشوكلا من باتشي .. سمعت نغمة واتس اب ففتحت الرساله : صالح صدقني .. العزاء اكثر أنساً ومرحا من الزواج .. نظرت الى الامام فبادرني صديقي سعد، الذي ارسل الرساله بابتسامه مفاجئه وضربة رمش .. فارسلت له رد : يعني ما لك نيه تروح الزواج بعد قليل ؟ فرد على الفور : مالي ومال النكد .. الزواج واجب حمله ثقيل! فجأه هرع معظم الناس الى الخارج، يتقدمهم ابناء المتوفى، ثم عادوا الينا من بين ابخرة العود، يتقدمهم رجل طويل سبعيني قيل انه شخصيه هامه جدا في الرياض، فجلس في صدر المكان بعد ان التقطت له عدة صور من قبل وكالات الانباء والصحافه، ثم التفت وهو ممسك بفنجان القهوه الى الابن الاكبر وقال : كم كان عمر المرحوم فاجاب : اربعه وسبعون .. ثم نط واحد ملقوف في طرف المجلس، وقال بصوت عال وهو ينظر الى الشخصيه الهامه بنصف عين : الحمد لله مادام وصل الى هذا العمر بركه وشيبي الانسان بعد .. فامتعض وجهه فتظاهر بالنظر الى الساعه ثم غادر على الفور. قام رجل بدين بدانة ثراء قد صار له ذقنين تحت السكسوكه من فرط السمنه، وابلغ الابن الاكبر بانه سوف يتكفل بواجب العشاء غدا لجميع المعزيين . ثم قام رجل اخر لا اعرفه ودعانا للتوجه الى العشاء، سألت عن هذا الرجل فتبين انه من الشركه المنظمه لمراسم العزاء ..! اي انه قد اصبح لدينا صناعه جديده، هي خدمة مراسم العزاء كما هو الحال في الغرب ..! دخلنا على العشاء، واذا بطاوله تتسع الى 60 شخص، عليها اشهى المؤكولات، مكتوب على الصحون (شيرتون) اختفى القهوجيه السعوديون، وحل محلهم ندلاء فليبينيون، يترأسهم عربي امرد وجهه يروم بالفساد ..! جلس الرجل البدين بجانبي فلاحظت ان يده مغطاه بالشامات، وفي معصمه ساعه باتيك فيليب مرصعه بالالماص، ابتسم لي وقال كم نزل وزنك من كيلو ؟ قلت 12 كيلو خلال 7 شهور قال: اكيد استخدمت نظام اتكين للحميه ؟قلت: لا لم استخدم اي نظام حميه، فقط قللت كمية الاكل، وابتعدت عن الدسم والسكر، وقللت من النشويات مع مزاولة الرياضه قال : انا مشكلتي ان السمنه الي معي سببها الغدد .. ! قلت معظمكم تتهمون الغدد وتبرؤن افواهكم .. ضحك وقال : فيك من خفة دم والدك .. شكرته ثم نسف غترته فاستقر طرفها في المرق .. لم يكترث واستمر ياكل بنهم .. يبدو ان هناك جاذبيه بين غترة فيرساتشي المكويه ومرقة الحاشي .! الحلى كان 6 انواع ولكن لم يذق احدا غير كريم كريميل . بعد العشاء نظرت الى الساعه فاكتشفت انني مكثت ساعتين وان الوقت قد مر بسرعه وعلي ان اتوجه الى مناسبة الزواج ، خرجت وانا امشي على جنب محاولا العبور بين زحمة الشباب الواقفين كمجموعات عند البوابه، البعض منهم كان يتعلك وبيده مسبحه، والاخر يدخن وبيده جوال، اما نغمات رسائل الجوال فلم تكن تتوقف. ثم ركبت السياره ولم اكترث بالعلكه التي علقت بحذائي .! في طريقي مررت على بوابة النساء، فوجدت سيارات فارهه بسائقين ذوي سحنه داكنه واسنان بيضاء تلمع امام ضوء طابلون السياره، فخرج مجموعه من النساء من احدى السيارات، فلفحتني العطورات بل طوحتني وذكرتني بليلة زواجي .. شعور غريب ان يتذكر الانسان زواجه في مناسبة عزاء .! فتصاعد بداخلي شعور مفاده .. ان المرأه اذا ارادت شيء سوف تحصل عليه لا محاله .! توجهت الى الزواج فرأيت فريق العرضه وقد اختير لهم مكانا منزويا، كالعاده العرضه ايقاعها بطيء وممل، قصائدهم مكرره واصواتهم اقرب الى اصوات الذين ينادون في سوق الحراج. تجاوزتهم مسرعا اتجاه المدخل الذي لم يكن عنده سوى عدد قليل من الشباب، اما المدعوين فكان صوتهم داخل القصر مشتتا وخافتا كالطنين، الضيوف متوشحين المشالح السوداء، رسميون جامدون يعبثون في جوالاتهم وكأن على رؤسهم الطير ..! يتكلمون في موضوعات كالحوادث والسياسه وزحمة الرياض .. معظمهم انصرف ولم ينتظر العشاء .. ارسلت رسالة واتس اب الى صديقي : لو جاء ابناء المتوفى الى هنا وذهب العريس واهله الى هناك لكان افضل .. قال : ههههه لماذا .. ؟ لم يكن هناك من يواسي العريس واهله ..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !