ايران في مفترق الطرق.
في الفاتح من فبراير سنة 1979، عاد " آية الله الخميني " من منفاه الباريسي الى طهران، لتشكل تلك العودة بداية قيام " دولة ايران الاسلامية "على أنقاض نظام الشاه. وكانت تلك المناسبة أحد أكبر الأحداث التاريخية التي عرفها العالم في النصف الثاني من القرن العشرين...وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة منذ اندلاع الثورة الاسلامية التي تزعمها الخميني في ايران، يبدو أن كثيرا من المعطيات قد تغيرت. وباتت الثورة التي سالت من أجلها دماء الآلاف من الايرانيين موضع مساومة بين أطياف المشهد السياسي في بلاد فارس.
ان اسم الخميني لم يكن نكرة قبل الثورة، فقد كان من أكبر المعارضين للنظام الايراني. واستغل أخطاء الشاه الذي ارتمى في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية ليِؤلب الشعب ضده. وقد اتخذ من العاطفة الدينية للايرانيين ورقة رابحة في مناهضته للشاه. وهكذا سطع نجم الخميني بشكل لافت في احتفالات عاشوراء سنة 1963، عندما دعا الايرانيين الى الاضراب والتظاهر ضد سياسات الدولة الايرانية التي تخالف الشريعة الاسلامية. وقد كانت تلك الدعوة بالون اختبار حقيقي للشاه من جهة و لشخص الخميني نفسه من جهة ثانية. الا أن النجاح كان حليف آية الله. حيث لبى الايرانيون نداء الزعيم الروحي بشكل كبير. وكانت الحصيلة ثقيلة، حيث أسفر تدخل قوات الأمن عن مقتل مئات من المتظاهرين. وألقي القبض على الخميني الذي حكم عليه بالنفي الى تركيا، وانتقل الى العراق و سوريا ليستقر في فرنسا. ومن هناك عاد الى ايران، بعد خمسة عشر عاما في المنفى، ليتزعم ثورة جديدة ستنتهي باعلان قيام " جمهورية ايران الاسلامية ".
لقد كان الخميني صاحب شخصية كاريزمية قوية، حيث كان له وقع السحر في نفوس الايرانيين الذين بلغ بهم اليأس حد التشبث بأية بارقة أمل تلوح في الأفق. و قد كانت هذه البارقة متجسدة في الخميني بروحه الثورية و قدرته العالية على حشد الناس... وبين الأمس واليوم يبدو أن تلك الكاريزما التي من المفروض توفرها عند الزعماء هي ما يفتقده نظام ولاية الفقيه في ايران.. اذ لم يتمكن أي أحد من كبار رجال الدولة الايرانية من ملئ الفراغ الروحي والسياسي الذي خلفه رحيل الخميني سنة 1989. وبالرغم من استمرار نفس آليات السلطة التي نظر لها صانع الثورة الاسلامية سنة 1979، فان كثيرا من الحضور الوازن الذي كان يفرضه الخميني في وجدان الشعب الايراني، أصبح مفتقدا اليوم، وخصوصا عند مرشد الثورة (وهو الحاكم الفعلي) علي خامنائي، وكذا رئيس الدولة محمود أحمدي نجاد. وقد ظهر ذلك جليا في مظاهرات الصيف الايراني الساخن التي أعقبت اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية. حيث بدا زمام السيطرة خارجا تماما من يد المرشد والرئيس اللذين لم تنجح دعواتهما المتكررة بالوعد والوعيد في اطفاء جذوة الغضب في شوارع ايران. وأصبح النظام السياسي الايراني مهددا بجدية بالغة. وهكذا عادت لغة المحاكمات و الاعتقالات من جديد الى الواجهة في بلد عاش- خلال ثلاثين سنة من عمر الثورة- نوعا من الالتفاف الداخلي على ثوابت الجمهورية الاسلامية، باستثناء بعض التشويش الذي يصدر بين الفينة والأخرى من منظمة " مجاهدي خلق " التي لم يكن لها أي تأثير يذكر...
من المؤكد أن المستقبل القريب سيعرف تصعيدا في حدة التشويش على النظام الايراني، خصوصا وأن صقور الدولة الاسلامية نجحوا في صنع عدد كبير من الأعداء تتقدمهم الولايات المتحدة الأمريكية، ويزيد البرنامج النووي الايراني من كيمياء العداء الدولي لايران. كما أن استمرار الايرانيين في برنامج تصدير الثورة أدى الى توتير العلاقات بين بلاد فارس ومحيطها الاسلامي، وخصوصا عند دول الجوار ذات المذهب السني...ولكي تخرج ايران من عزلتها الدولية و مشاكلها الداخلية، يبدو أن الأوان قد آن لظهور شخصية كاريزمية جديدة يقع حولها اجماع غالبية الايرانيين حتى حين.
محمد مغوتي.02/02/2010.
التعليقات (0)