مواضيع اليوم

ايران على شفاه حفره من النار,,,,,

احمدجاسم الشمري

2010-01-05 23:34:11

0

لم تعد المظاهرات التي تجتاح الشارع الايراني مجرد تذمر من عمليات التزوير التي صاحبة الانتخابات الايرانية، وليس مجرّد احتجاجات على ما تبع العملية الانتخابية من شكوك حول مصداقيتها. فشعوب الشرق عامة ومنها الشعب الإيراني لم يزل بعيدا عن وعي ديمقراطي وحقوقي يدفعه إلى الشارع للمطالبة بإصلاحات شكلية وغير عميقة داخل النظام الديني الحاكم في طهران. ومن ذا الذي يستطيع أن يصدق أن عملية التزوير طالت 14 مليون صوت .
ما يدفع الإيرانيين إلى الشارع ليس سوى أزمة خانقة ومستفحلة في دولة الولي الفقيه، عملت إيران جاهدة على تصديرها للخارج باختلاق أزمات إقليمية في العراق أو لبنان أو قضية برنامجها النووي التي أضحت أطول من صاحب الظلّ الطويل.
ما يؤخذ بعين الاعتبار أن المتظاهرين رموا بكلام المرشد الأعلى عرض الحائط وبالتالي فهم يخالفون أوامر الإمام الفقيه الذي تحيط به هالة من القداسة والتعظيم و إليه ترجع آخر القرارات في الجمهورية الإسلامية .
هذه الوضعيّة أشبه بحالة عصيان مدني يعبر عن سخط شعبي على سيطرة المؤسسة الدينية ونظرية ولاية الفقيه على دواليب الحكم في إيران و إقصاء مباشر لسلطة الشعب وحقه في تقرير مصيره .
والسؤال المطروح ما الذي حرّك هذا التمرد؟ تؤكد التقارير الدولية أنّ حالة من القمع والقهر وكبت الحريات داخل المجتمع الإيراني من إغلاق صحف ومطاردة للمثقفين والحقوقيين ومحاكمات سياسية تنتهي أغلبها بالإعدام ففي عام 1996 أحصت منظمة العفو الدولية 110 حالة إعدام سجين سياسي. وفي شهر نوفمبر من نفس العام نفد حكم الإعدام في 137 معارض آخر. هذا إضافة إلى المشاكل التي تعيشها المرأة في إيران وحالة الاحتقان النفسي المتولدة عن ذلك.
وما يطرح بقوة أيضا هي مشكلة الأقليات العرقية من أكراد وعرب وآدريين حيث يعاملون على أنهم مواطنون من درجة ثانية أو ثالثة إضافة إلى الأقليات الدينية مثل البهائية واليهودية والمسيحية والزرادشتية الذين يعاملون دون الأغلبية الشيعية المقدرة بـ89 بالمائة وخاصة الطائفة السنية التي لا تملك مساجدا في أكبر المدن الإيرانية مثل أصفهان وشيراز وطهران .ولا تتمتع هذه الطائفة بتمثيل في البرلمان يتناسب مع حجمها المقدر بـ14 مليون نسمة، هذا إضافة إلى المشاكل الاقتصادية المسلّطة على إيران جراء برنامجها النووي. وتوتّر علاقتها بالغرب الذي دفع بها إلى برنامج تسلح ضخم أجهد ميزانية البلاد لتتفاقم البطالة والمشاكل الاقتصادية والسياسية . .
إن هذه المشاكل في إيران هي التي ولدت كبتا نفسيا اتجه نحو التظاهر والاحتجاج على طبيعة الدولة ونظامها السياسي لتكون محاولة إصلاح جدري داخل إيران يوحي ببوادر تغيير في العقود القادمة، لأن المشاكل المطروحة في الجمهورية الإسلامية لم تعد تحتمل التأجيل عبر فتح سجالات مع الغرب باعتماد حرب الخطابات بغرض المحافظة على موقف عام يجمّع الشعب حوله وفق مقولة مواجهة العدوّ الخارجي.
لقد بدأ المجتمع الإيراني يجتاز الخطوط الحمراء المرسومة له تاريخيا من قبل حكم الفقيه بعد أن أنجبت الثورة جيلها الثاني الرافض للقيم الجامدة والطامح إلى إنتاج قيم تتماشى مع التحوّلات الدولية وتفتح للشعب الإيراني المتحيّز على طاقة مجتمعية وممكنات هامة أبواب العبور إلى تواصل حضاري وثقافي في مستوى ندّي مع بقيّة البلدان والمجتمعات المتطوّرة.
السؤال الذي يربك المؤسسة الدينية والسياسية في إيران عقب الأحداث الأخيرة وأثناءها هو الخوف عن مستقبل ولاية الفقيه وسلطته الرمزية. وهو السؤال الذي يجبر المؤسسة الجمهورية على استعمال القوّة لإعادة موازين القوى إلى وضعها ما قبل الانتخابات. ولكن هل يكفي رصاص الحرس الثوري لينهي حالة التمرّد الثقافي والحراك السياسي الذي أدّى إلى تصديع المشهد الموحي بالتماسك؟
من مركز اهتمام إعلامي دولي بقضية التسلّح تمرّ إيران مباشرة إلى مركز اهتمام أكبر بقضيّة موقف الشارع من نتائج الانتخابات. فهل سينكسر ذلك الجدار الذي طوّقت به الثورة شعبها في مشروع لتقويته وجعله سيدا إقليميا وبوّابة لها شروطها في السياسة والاقتصاد الدولي التي يحاول أن يمليها على الغرب؟ أم هل سيتمّ فرض المنطق الدولي داخل أسوار الثورة ليصبح للغرب الغاضب من حكم نجاد تأثيره عبر جزء كبير من الشعب الإيراني الذي يبدو أنّه أصبح يتقاطع مع الغرب في عديد النقاط والتصورات والسياسات؟
النزيف الإيراني يواجه مفترقا لطريقين تؤدّي الأولى إلى نوع من الانهيار الذي قد يدخل الشارع في فوضى تدوم سنوات طويلة. فيما تؤدّي الثانية إلى ضرورة ملحّة لإنجاز مراجعات على مستوى السياسة الداخلية والقيام بإصلاحات تحريرية تساعد على تهدئة الوضع وتضمن الحدّ المطلوب من الحراك الفكري والثقافي والحريات الشخصية والعامة على المستوى الداخلي وتغيير لهجة التعامل مع غرب معتدّ بقوته العسكرية سرعان ما يلجأ إلى سياسة العزل والمحاصرة والتجويع.
فالمعروف عن الأطراف الدولية القوية أن سياستها في تغيير الأنظمة التي لا تتوافق مع مصالحها تمرّ عبر تجويع شعوب هذه الأنظمة وبث حالة من التشتّت داخلها.
هذه مخلّفات معركة تحرّر داخلية وشروط سياسة دولية تجعل من الحرّية بشكل عام سلاحا ذو حدّين ومن لا يتقن استعماله قد يجرح نفسه ويذبح شعبه عبر الدخول في أتون صراعات عرقية ومذهبية وطائفية لا تتوقّف.
المطروح على إيران يتعلّق بالشعب الإيراني ومطالبه أما المطروح أمريكيا فيتعلّق بالإدارة الأمريكية ومصالحها وأزماتها واحتياطها النفطي وأسواقها الجديدة. وبين هذا وذاك لابدّ من قراءة هادئة ورصينة للمطلوب من النظام الإيراني إنجازه تجاه شعبه ,فهو على شفاه الحفره .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !