" نأمل أن يكون المسؤولون الروس واعين. وألا يتركوا الايرانيين يضعونهم في المرتبة ذاتها مع أعدائهم التاريخيين ". بهذه الكلمات خاطب الرئيس الايراني " محمود أحمدي نجاد " صناع القرار في موسكو في كلمة ألقاها بمدينة " كرمان " الايرانية يوم 26 ماي 2010. . وتأتي هذه اللهجة التصعيدية في الخطاب الايراني بعد موافقة روسيا على مشروع قرار أمريكي ينتظر عرضه أمام مجلس الأمن بشأن فرض عقوبات جديدة على ايران في سياق لعبة شد الحبل في الملف النووي الايراني.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي ظلت العلاقات الروسية الايرانية في مستوى جيد. وكانت روسيا تتعامل باستمرار مع الملف النووي الايراني بكثير من المرونة والحذر من أجل الحفاظ على علاقتها مع طهران من جهة، ومن أجل لعب دورها الاقليمي والدولي بشكل فاعل من جهة ثانية. غير أن تطورات مسار الأزمة النووية كشفت عن نوع من التذبذب في الموقف الروسي. لذلك فان الرئيس " نجاد " يقرأ في التناغم الروسي مع الرغبة الأمريكية في حصار ايران نوعا من التراجع في موقف ورثة " الاتحاد السوفياتي " الذين فقدوا القدرة على صياغة قرار لا يخضع للارادة الأمريكية. وهكذا يحاول الرئيس الايراني تذكير الروس بالعداء التاريخي بينهم وبين الولايات المتحدة الأمريكية. وهو بذلك يدعو روسيا الى موقف مناهض للسياسات الأمريكية من منطلق هذا العداء التاريخي، الذي يعود بنا الى متاهات الحرب الباردة وصراع المعسكرين الشرقي والغربي.
روسيا تدرك جيدا قيمة الورقة الايرانية في لعبة التجاذبات السياسية. وهي قيمة لا ترتبط بعمق العلاقات بين القياصرة والفرس، بل بالمصالح القومية للأمة الروسية بالدرجة الأولى. ويبدو أن " أحمدي نجاد " قد نسي أن " لا وجود في السياسة لأعداء دائمين و لا لأصدقاء دائمين ". وهو عندما يشن هذا الهجوم على موسكو قد ينجح في لملمة الموقف الروسي جزئيا بالنظر الى ما تقتضيه الأعراف الديبلوماسية الدولية، ولكنه لن ينجح في خرق التوافق الدولي بشأن التهديد الذي يمثله ملف ايران النووي. اذ أن روسيا بالرغم من مواقفها المعتدلة والتي تميل الى تغليب لغة الحوار، لا يمكن أن تقبل على المستوى الجيوستراتيجي بدولة نووية على مرمى حجر منه حدودها الترابية خصوصا وأن المشاريع السياسية في ايران تغلب عليها النزعة الدينية التي أصبحت منذ بداية القرن الحالي موضوعا يؤرق العالم.
ان الغطاء الروسي لايران، والذي يبدو أنه بدأ ينسحب تدريجيا، لم يكن من أجل سواد أعين " ملالي " بلاد فارس بل هو موقف تمليه المرحلة السياسية. ومن هنا ينبغي أن يدرك الايرانيون أنهم ورقة تفاوضية يلوح بها " الكرملين " في الوقت المناسب خصوصا فيما يتعلق بالنقطة الخلافية الأساسية مع " واشنطن " في موضوع منصات اطلاق الصواريخ التي تمضي الولايات المتحدة الأمريكية قدما في انشائها شمال " بولندا "، وهي الخطوة التي ظلت روسيا تعتبرها موجهة ضدها ومهددة لأمنها القومي. لذلك فان المصالح القومية لروسيا تقتضي أن يكون ملف الصواريخ الأمريكية أهم محور في أجندتها السياسية. ولا بد أن صناع القرار الأمريكي يستحضرون بهذا الشأن الملف النووي الايراني كموضوع للمساومة. وخطاب الرئيس الايراني الغاضب من الدور الروسي يأتي في سياق شعور ايران بتضييق الخناق عليها بالرغم من اسراعها مؤخرا الى توقيع الاتفاق الثلاثي مع تركيا والبرازيل حول تبادل اليورانيوم الايراني المنخفض التخصيب على الأراضي التركية. وهي الخطوة التي لم تكن كافية لتمكين ايران من زرع الشقاق والتصدع في الموقف الغربي من ملفها النووي.
يبدو " أحمدي نجاد " في لهجته الغاضبة من روسيا مثل شاعر ملحمي يحاول التغني بأمجاد الماضي من أجل استنهاض همم "الدب الروسي" لمواجهة غطرسة " العم سام "، لكن للسياسة أحكامها وللقومية شعاراتها.
محمد مغوتي.28/05/2010.
التعليقات (0)