مواضيع اليوم

اوهام علي الوردي - 2 -

جمال الهنداوي

2009-08-19 19:36:37

0

 خصنا الاستاذ الفاضل جنبلاط الغرابي بنسخة من الجزء الثاني من بحثه القيم " اوهام علي الوردي " الذي سبق ان نقلنا عنه جزئه الاول قبل مدة قليلة لاحساسنا وقتها باهمية البحث وامكانية تطبيق بعض معطياته على واقعنا العربي المعاصر.. وهذا ما ساعد النص على  اثارة بعض الحراك الفكري والتعليق من قبل السادة المدونين والقراء الكرام..وان كان للاستاذ الغرابي حق الشكر والامتنان والتقدير لهذه البادرة ..فانه بهذا التواصل الرائع قد اظهر الحد الاعلى من اللياقة وحسن الخلق  والتسامح بسبب النقد الذي طال بعض ما ورد في الجزء الاول من قبل السادة المدونين..وبذلك فالباحث هنا يؤكد على حرصه الكبير على اعمام الحقيقة والفكر الحر..وعلى الاحترام الكبير الذي يكنه لمدونات ايلاف والسادة المدونين والقراء الكرام  ..ويتجلى ذلك برده الكريم على رسالتي باستئذانه بالنشر حيث يقول" يمكنك نشر الموضوع ونقده ,وانا احترم رايكم حتى لو كان خلاف ما ذهبت اليه " وهنا اتشرف بادراج نص البحث الذي نشكره عليه كثيرا

 

 

أوهام علي الردي -2-

جنبلاط الغرابي

اشرنا في موضوع سابق بأن المنهج الذي اعتمد عليه علي الوردي لم يكن كافياً في تحليل البنى الفوقية للمجتمع العراقي,ذلك بسبب العجز الذي تبين من خلال عدم استيعاب العنصرين الرئيسيين للمحتوى الفكري داخل مجتمعنا.فأن صراع الحضارة والبداوة ليس بالمنظومة الكافية التي يمكنها ان تخلق التيارات الفكرية والاعراف الاجتماعية بنحو عام.وهذا الصراع بالرغم من حقيقة حدوثه,فلا تمثل نتائجه اي ركيزة او خطوطاً اجتماعية لتميز اي مجتمع عن باقي اقرانه,كون المجتمع يماثل جسد الانسان من ناحية تقبل المؤثرات بالنحو الدائم والغير محدود.وما لدينا اليوم من معرفة تجاه هذه المؤثرات فهي محصورة بالاستقراء,ولا يمكن لنا حصرها كلياً لظروفها العميقة والبعيدة عن متناول الدراسات والتفسيرات.وفي بحثنا هذا سوف نبين بوضوح الخلل العلمي في هذه المنظومة بعدما تركز حديثنا السابق حول الازدواجية....
صراع الحضارة والبداوة

تنقسم نظرية الحضارة والبداوة الى جهتين,التأسيس,والصراع,وقد اعتمد الوردي في الجانب الاول على ارنولد توينبي الذي يعتقد بالعامل الجيولوجي كمؤسس رئيسي للحضارة والبداوة.اما الاخرى فكانت ضمن رؤى ابن خلدون التي حسمت الامر في تفسير المظاهر الاجتماعية من خلال الصراع المتحصل ما بين الطرفين.وقد تمثل نظرية التأسيس انطلاقة لجملة من العلماء في تحديد الاطوار الاجتماعية,الا انها ما زالت بعيدة عن خطوط الدلائل المادية ويشوبها طابع الحدس.ولا اعلم ان كان الامر تناقضاً من توينبي ام سوء اقتباس من الوردي,حيث انه يذهب الى ان السومرين لم ينحدروا من الجزيرة العربية .كتب يقول- كتاب تاريخ البشرية جزء 1 ص80-من المستبعد ان يكون السومريون قد جاءوا من بلاد العرب فليس للغتهم اية قرابة مع عائلة اللغات السامية وكل الجموع التي هاجرت من بلاد العرب الى اسيا وافريقيا كانت سامية اللغة.-واذا كان الامر كذلك او خلافه فقد اوردناه من اجل الاشارة لا من اجل الفائدة العلمية التي تدخل ضمن بحثنا.فأن موضوع تكوين الحضارة والبداوة تدور حوله نظريات عديدة يمكن حسبان قيمتها العلمية ضرباً من الحدس او الاستقراء بصور من الانطباع.اما موضوع الصراع الذي كان ركيزة الاسترشاد في نطاقات البحث الاجتماعي لدى الوردي,فقد تسلط ضوءه على المجتمع العراقي اكثر من اقرانه,وذلك لرؤيته التي صنفت العراق على انه  الساحة الكبرى التي استقبلت ارضيتها هذا الامر,بسبب القرب من الجزيرة العربية,ذلك الذي جعل المجتمع العراقي يمثل الخليط الفكري ما بين البداوة والحضارة.

ولو نلاحظ الادلة العلمية التي اعتمدها الوردي في تصنيف هذا الامر فسوف نجدها بعيدة عن الدقة وتنطلق من مقارنة الشبيه بالشبيه -كتب يقول- دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ص 312-فقد رأينا البدو في الصحراء يكرهون من يتكبر عليهم فهم ديمقراطيون تجاه رئيسهم فاذا تكبر عليهم نفروا منه وانفضوا من حوله وهذه العادة البدوية امتدت الى المدن وتأثر بها اهلها قليلاً او كثيراً فهم كالبدو يكرهون من يتكبر عليهم ولكن علاقتهم بالحكام جعلتهم يحترمون المتكبر بالرغم من كراهيتهم له-.ان التدبر بهذه الكلمات يأخذنا الى ملاحظة جملة من القضايا قد لا تكون في محل الرضا لدينا,اهمها ,الخلط  بين المظهر الاجتماعي والانفعال النفسي.

فأن كراهية المتكبر ليست مظهراً اجتماعياً يُعرف بالاكتساب,بل انما هو رد فعل نفسي وذاتي ولا يرتبط بخلفيات المجتمع الثقافية.ففي جميع المجتمعات نجد المتكبر لا يسلم من النقد والكراهية من قبل الافراد,واذا اراد اي مجتمع ان يربي جيلاً يحمل الاحترام للمتكبر فسوف تمنى هذا الارادة بالفشل,بسبب التعارض الفطري ما بين هاتين القضيتين.والشق الاخر في اعتراضنا على هذا التفسير هو اكتساب اهل المدن كراهية المتكبر من البدو.وفي الواقع ان هذه الرؤية تطرح سؤالاً علمياً يطمع بجواب دقيق,وهو,على اي حال كانت المدن قبل ان تكتسب هذه الكراهية,هل كانوا يحترمون المتكبر ويتعاطفون معه,ام كانوا لا يميزون هذه الصفة؟.

ومن المحال ان تقع هذه الرؤى داخل المجتمع كونها تتعارض مع الفطرة الانسانية كما اسلفنا.والامر الغريب ان ما يقع من تشابه ما بين المدن والقبائل البدوية يظنه الوردي اقتباساً من هذه القبائل علماً ان هناك الكثير من العادات قد تجتمع في مجتمعات متباعدة من دون اقتباس او تأثر.ففي القبائل الهندية يطلق الرجل على المراة الغريبة كلمة اختي وكذلك يحدث هذا الامر في مجتمعنا,فهل يقودنا هذا الامر الى تصنيف القضية الى انها ناتجة من تأثير واختلاط اجتماعي؟,بالتاكيد كلا,وذلك كون المجتمعات تشترك في خطوط كثيرة من ناحية التوجه النفسي او العادات,بسبب تشابه المؤثرات الطبيعة او الكونية.واعتقد ان اطلاق هذا المصطلح على المراة الغريبة يمثل دعوة للاطمئنان والثقة,وهو ينتج في الاعم الاغلب داخل البلدان التي تحكمها تقاليداً صارمة,وبذات الوقت يكون الرجل فيها معزولاً عن المراة.ومن هنا لا نستطيع ان نحكم على القضايا المتشابهة بأنها وليدة لعوامل التأثر مهما بلغت حدة التشابه.يقول علي الوردي --كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ص335 -يجب ان نعترف على اي حال بأن المدن العراقية كانت غير خالية من بعض الخصال الحميدة كروح الجيرة والتضامن العائلي وقيم الشهامة والنجدة وما اشبه وهي خصال قد ورثها اهل المدن من البداوة وحاولوا المحافظة عليها بقدر ما اتاحته لهم ظروفهم الحضرية-.

ان هذا القول يصور لنا المدى التجريدي الذي ذهب اليه الوردي في فهم ثقافة المجتمع العراقي,فنلاحظ انه يعيد جميع الصفات والاعراف الى مجتمع البداوة,جاعلاً من الثقافة البدوية مرجعاً للاسناد,ومجسداً انقلاباً للمعادلة المعروفة.فنحن نعلم بتفوق الحضارة ثقافياً على ما هو دونها,هذا الذي يجلعها موطناً للتصدير وليس للاقتباس,والرؤية التي انطلق منها الوردي كانت معاكسة لما هو معهود,حيث انه لم يترك مجالاً للبحث في صفات المجتمع العراقية الغير مكتسبة.والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال,ما هي سلوكيات المجتمع العراقي قبل التأثر بالبداوة؟.في الواقع ان الوردي لم يتناول هذا الموضوع في مؤلفاته التي خصت المجتمع العراقي,بل الاغرب من هذا تناسيه التأثير الديني بمذاهبه المتنوعة على المجتمع والصراعات مع الثقافات المجاورة كالفارسية والتركية.اما فيما يخص الخصال الحميدة والتضامن العائلي فهذه الصفات تنساق اليها اغلب المجتمعات التي تعيش في صورة طبيعية,وليست مختصة او مقتبسة من البداوة كما اراد الوردي ان يروج,وما يحصل اليوم من تفكك اسري في المجتمعات وابتعاد عن القيم الانسانية النبيلة فهو من جراء الحداثة والحياة العملية التي تنادي بالفرد وتضعه في بوتقه الانانية.واذا اردنا تبيان ما ذهبنا اليه بدلائل واقعية,فليس علينا سوى تفحص ما ارودته كتب التاريخ التي دونت القوانين المدنية والصور الادبية في ارض الرافدين,ومنها ما جاء في مسلة حمورابي,حيث يمكننا من خلالها استيحاء صورة مبسطة عن المجتمع العراقي انذاك,في كيفية التعامل والرؤية الخاصة للمحتوى الاسري.فقد جاء في المادة 59-اذا قطع رجل شجرة من بستان رجل دون علم صاحب البستان فسوف يدفع نصف مناً من الفضة,وجاء في المادة 127-اذا تسبب رجل في ان يشار بالاصبع الى كاهنة الانتيوم او سيدة متزوجة ثم لم يقم الدليل على ماقال فعليهم ان يجلدوا هذا الرجل امام القضاء ويحلقوا رأسه,وجاء في المادة 128-اذا كان رجل قد اتخذ امراة زوجة ولم يبرم عقداً معها فتلك المراة ليست زوجة شرعية,وجاء في المادة 133-اذا اسر رجل وكان في بيته الطعام الكافي فعلى زوجته ان تخافظ على عفتها مدة غياب زوجها ولا يحق لها دخول بيت رجل ثان,وجاء في المادة 142-اذا كرهت امراة زوجها وقالت لن تنالني فسوف يتثبت من وقائع حالتها من قبل ادارة بلدها فاذا كانت محترسة ولم ترتكب خطأ بينما زوجها يخرج كثيراً من البيت ويحط من شأنها فتلك المراة لن توقع عليها عقوبة ويمكنها ان تأخذ بائنتها وتذهب الى بيت والدها,وجاء في المادة 148-اذا كان رجل قد تزوج زوجة واصابها مرض خطير وعزم على الزواج من امراة ثانية فيمكنه ان يتزوج ولا يجوز له ان يطلق الزوجة المصابة بالمرض الخطير ولها ان تسكن في البيت الذي بناه ويستمر الزوج في اعالتها طالما بقيت على قيد الحياة,وجاء في المادة 195-اذا ضرب ابن اباه فسوف يقطعون يده-.ان هذه القوانين بغض النظر عن طبيعة احكامها تدلل لنا بوضوح ما كان عليه المجتمع العراقي من تضامن واحترام للحقوق,و اخص بذلك المجال الاسري.وفي الواقع ان هناك دلالات كثيرة في هذا المجال يمكننا استخلاصها من التراث,وماذهب اليه الوردي من تجريد لم يكن الا تقمصاً لشخصية فرويد,وهذا يظهر من خلال توظيفه منطلق احادي الجانب لفهم اساسيات المجتمع العراقي(الصراع),وقد اسلفنا في دراسة-مشكلتنا--بأن المجتمع لا يفهم من خلال العامل الاحادي او الثنائي,وانما تحده عوامل كثيرة تسيطر بصورة موضوعية على جميع الافراد..

الخلاصة

لا نبالغ حين نقول بأن المجتمع العراقي يحمل خصوصية تجعله ينفرد عن بقية المجتمعات,بسبب الظروف التي احاطت به من تقلبات وتنوع فكري,بالاضافة الى كونه منبعاً للديانات والحضارة. لذا لا يمكننا تصنيف ثقافته وبناه الفوقية من خلال العامل الواحد,لان هذا الامر يشكل نوعاً من الاقصاء والتحجيم لكثير من القضايا التي يتميز بها هذا المجتمع.وقد كانت نظرية (الصراع )غير جديرة في فهم المنابع الفكرية او الطبيعة الاجتماعية للمجتمع العراقي,والعلة في ذلك(المحدودية)في وقوعها والبساطة في تأثيراتها الكيفية على الفرد,وفقدانها القدرة في تفسير الظواهر الاجتماعية الماضية.اما ما ذهب اليه البعض من ان دراسة علي الوردي انطلقت من (الرباعيات) فهذا الامر ليس بصواب,ويُعتبر خلطاً بين العامل الرئيسي(الاداة) والمظهر الاجتماعي (النتيجة).مثالاً على ذلك الازدواجية, فأنها تمثل نتاجاً فكرياً لهذا الصراع وليس اداة لفهم المظاهر,كما هو الحال بالنسبة للتفكك الاسري,فهو لا يمثل الاداة العلمية للبحث,لانه يجسد نتيجة تكونت بسبب عوامل وظروف موضوعية يمكننا تسميتها بالعلل الاولية

.jaffar_ir@hotmail.com

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !