مواضيع اليوم

اول رواية تونسية تترجم إلى الإنجليزية قبل نشرها بالعربية طالعوا مقاطع لأول مرة

kamel riahi

2010-09-08 14:15:04

0

يصدر عن دار الساقي قريبا كتاب بعنوان أصوات عربية جديدة.

هذا الكتاب هو ثمرة الندوة التي أقامتها الجائزة العالمية للرواية العربية" لكتاب عرب شباب ،تم اختيارهم من ضمن مائة وعشرين كاتبا عربيا قدمت أعمالهم إلى الجائزة خلال العامين سنتي 2008 و2009 .

 

يتضمن "أصوات عربية جديدة" القصص وفصولا من الروايات التي كتبت ونوقشت في الندوة الأولى وأشرف عليها كاتبان مكرسان هما: اللبناني جبور دويهي،والعراقية إنعام كجه جي.

 

يتمتع دويهي وكجه جي بتجربة واسعة،وقد وصلت رواية كل منهما إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية.

 

النصوص تسبط الضوء على كفاءات إبداعية جديدة تستحق الاهتمام.

 

في تشرين الثاني نوفمبر 2009 نظمت جائزة البوكر الجائزة العالمية للرواية العربية ورشة عمل للكتابة الإبداعية شارك فيها ثمانية كتاب من مصر والسودان وتونس ولبنان والسعودية واليمن والإمارات العربية المتحدة.

 

يجمع الكتاب باللغتين العربية والانجليزية النصوص التي تمخضت عنها ورشة العمل هذه.وقد استكشفت النصوص تيمات متنوعة:من الواقعية الاجتماعية المصرية إلى حكاية صحراء دارفور ورمزية تونسية قاتمة ودراما عائلية في السعودية وقصة وطن ومنفى في صنعاء.

 

محرر الكتاب هو المترجم البريطاني الشهير بيتر كلارك وعضو مجلس أمناء جائزة البوكر وملحق أسبق في المجلس الثقافي البريطاني ترجم عديد الروايات العربية وكتب تاريخ ودراما وشعر منذ سنة 1980

 

بيتر كلارك يترجم في هذا الكتاب الفصل من رواية الغوريلا للكاتب التونسي كمال الرياحي والذي كان الكاتب المغاربي الوحيد الذي اختير للمشاركة في الندوة.وينتظر صدور الرواية هذا العام إما عن دار الساقي أو عند بلوم زبيري البريطانية وفي نفس الوقت في طبعة تونسية .

جدير بالذكر أن قسما من الرواية ترجم إلى الانجليزية وينشر في عدد خاص من مجلة بانيبال الانجليزية المختصة في ترجمة الأدب العربي وبهذا تكون رواية الغوريلا أول رواية تونسية يهتم بها المترجمون الانجليز قبل نشرها بالعربية.

كمال الرياحي هو صاحب رواية المشرط التي فازت بعدة جوائز تونسية وعربية ودولية منها الكومار الذهبي لسنة 2007 وترجمت إلى أكثر لغة . وكان المتوج الوحيد التونسي في مهرجان بيروت 39 لاختيار أفضل 39 كاتبا عربيا دون سن ال39 الذي نظمت هاي فيستفال العالمية .

 

مقطع من الرواية/

 

الغوريلا لكمال الرياحي

 

ـ1ـ

عند الساعة الواحدة بعد الظهر تقريبا. كانت الريح تدحرج علبة جعة منهوبة الروح في الشارع المقفر. سكون كبير يصل قوس بَابْ بْحَرْ ببرج الساعة العملاقة عند تقاطع شارع محمد الخامس وشارع الحبيب بورڤيبة. العاصمة الخالية يشوش سكونَها معتوهُها الشهير: رجل من ظنون يطوف بالساعة طوافه الأخير، قبل أن يأخذ في إبعاد النّاس وتحذيرهم من سمّ العقارب العالية، ثم يبدأ في رجم أعدائه بالحجارة والحديد والبيوت والأشجار والغربان والتيوس. أشياء لا يراها إلا هو، يتوهّم أنه يلتقطها من القاعدة الرخامية لساعة الفولاذ المتبرّجة كعاهر في آخر سنوات النضال. نسي الناس أيام الخطف والرعب. لم يختف رجل واحد منذ سنة أو أكثر. كان الناس ينعمون بقيلولة شهر أغسطس المقدّسة. الحرارة تعدّت الخمسين درجة وشيطان منتصف النّهار يفلي عانته من بقايا لذّة هاربة.

فجأة ذبحت أصوات سيارات الإسعاف والشرطة القيلولة النائمة فهرع الجميع ببقايا نعاسهم أو ما تيبّس عليهم من منيّهم إلى شارع الشوارع. كان الحدث هناك، عند الساعة الشاهقة. أحزمة من الشرطة تسيّج المكان. رجال "التدخّل السّريع" يختفون وراء خوذاتهم الباردة، يدفعون بعصيّهم المتفرّجين الذين هطلت بهم أبواق السيارات من كل مكان. بشرٌ بلا عدد يرفعون رؤوسهم إلى قمة السّاعة القاسية. كائن صغير بحجم الإصبع، يتراءى للجميع من بعيد، يتسلّق بسرعة الصرصور الساعة أمام دهشتهم ليعلن القيامة.

اشرأبت الأعناق نحو المتسلّق الجسور الذي انتهى إلى رأس السّاعة مُمسكا بأحد عقاربها. سحب من جيبه الخلفي قارورة. شرب ثم أفرغ ما تبقّى منها على فروة رأسه. استل حزامه الجلدي وثبّت به نفسه إلى حلقات الحديد والتفت نحو الحشود التي تكاثرت تحته مثل النّمل. حاصرتها الشّرطة المتوتّرة، ركض أعوانها في كل اتّجاه يكلّمون أجهزة اللاسلكي ويطلبون بإشارات عصبية من الرّجل العالي أن ينزل من الممنوع. بينما كان هو يغمغم بكلام تتمزّق أحشاؤه في الأجواء فلا يصل منه إلاّ فتات كبعر الأكباش. تشي حركة يده اليسرى، التي يلوّح بها يمينا وشمالا، أنه يرفض النزول. أخذت الشرطة تدفع الناس المتحلّقين مثل الخنافس حول الساعة، تحاول منع التصوير وإخراس الأصوات والهواتف المحمولة المرفوعة نحو عقارب الساعة. حركة المرور شُلّت ومحركات السيارات تنبض مثل عروق عدّاء المائة متر على خط الانطلاق.

أمرٌ خطير ما كان يحدث، فلم يجرؤ أحد على الاقتراب من الساعة منذ سنتين بعدما سقط منها أحد مشجّعي كرة القدم فرحا بفوز فريقه بكأس الجمهورية. يومها، تحوّلت مياه تلك النافورة التي تضخّ مياه الزينة تحت الساعة إلى بركة حمراء. منذ ذلك المساء أصبحت الساعة تخضع لحراسة مشدّدة, وهي التي تحتلّ موقعا خطيرا في قلب العاصمة, زيادة على ما يرويه عنها المعتوه أحيانا.

ازداد الزّحام وانتعشت الصفوف الأمامية بالسيّاح الذين تدفّقوا من الشواطئ ومن الفنادق القريبة. خفتت عصيّ أعوان الشرطة قليلا لكن توتّرهم ازداد. كانوا يركضون في كل مكان يسيّجون الأرصفة ويوسّعون من المنطقة المحظورة بينما الرّجل متمسّك بلسان العقرب في أعلى الساعة مثل وزغة.

قبل سنوات كان ينتصب في مكان هذه الساعة تمثال أخضر لبورڤيبة على حصان يرفع إحدى قدميه الأماميتين في وجوه الناظرين إلى السماء. قيل إنّه يرفعها في وجه ابن خلدون الذي زُرع تمثاله مثل الكابوس قبالته, وبطلب منه. بعد الإطاحة بحكم الراكب اقتلع التّمثال ونبتت مكانه ساعة عملاقة بجذع إسمنتي بارد، سرعان ما توالد لها صغار في كل مدينة وفي كل قرية. بينما طُوردت تماثيل الزعيم في كل أرض.

استبدلت السّاعة بأخرى سويسرية أو إنكليزية أو أمريكية، أخبار متضاربة حول جنسية الساعة الجديدة وجذعها البرونزي المزيّن على طريقة الرقش العربي. كلام بلا دليل ولا برهان عن ساعة مجهولة النسب غُرست في قلب المدينة اللاهية بأبنائها. لا أثر للزعيم الذي تمّ ترحيل تمثاله إلى "حلق الوادي" ليظل ينظر إلى البحر المرّ.

 

THE GORILLA

The Last of the Leader’s Children

by KAMEL AL-RIAHI

translated by Peter Clark, 2009

The gorilla collapsed into orphanhood, uniquely and alone. Naked like a puppy abandoned in a street. His skull sprouted crows that swooped up, consuming identities and swallowing whole worlds.

 

1- Revolt

About one o’ clock in the afternoon. The wind is busy rolling along some beer-can that had been drained of its contents in the deserted street. A massive silence links the arch of the Sea Gate with the enormous clock-tower where Muhammad V Street crosses Avenue Habib Bourguiba. The tranquillity of the deserted capital city is shattered by its well-known nutter: a suspicious man is circling the tower for the last time, before detaching him from people, warning them of the poison of the hands of passing time above. He then starts to throw stones, pieces of iron, houses, trees, crows and goats at imaginary enemies; things that are invisible to anyone else. He imagines that he is picking things up from the marble base of the clock of steel that is adorned like a whore in her last years of struggle. People are enjoying the blessed siesta of the great month of August. The temperature stands at fifty degrees, and the devil of midday clears its innermost parts from the stains of lust.

Suddenly the slumbering siesta is slaughtered by the sound of ambulances and police cars, and everyone rushes, with the traces of drowsiness and love-making on them, to the street of streets. Something is happening at the lofty clock tower. Cordons of police officers surround the place. Teams of emergency intervention forces hide behind cold helmets, and press back with sticks the onlookers at whom car horns honk from every direction. Human beings without number look up to the top of the stern clock. A small remote figure, apparently no bigger than a finger is climbing the clock-towerwith the speed of a cockroach. Everybody is amazed. He is about to announce the end of the world.

Necks strain to look at the bold climber who finally reaches the top of the clock, holding on to one of its hands. He takes a flask out of his back pocket. He has a drink and then empties what is left on his head. He removes his leather belt and secures himself with it to the iron surrounds of the clock, and turns to the crowds that have gathered below like ants. Nervous police surround the crowds. Auxiliary police run in all directions, talking into their radio sets. Gesturing nervously they ask the man up there to come down from up there; it is out of bounds. Meanwhile he mutters something the content of which is lost in the air. Only fragments of what he says fall like turds from a ram. There is a movement of his left hand and he waves right and left, indicating that he refuses to come down. The police carry on pushing back the people who are circling the tower like dung beetles. They try to ban any photography, to silence voices and to prevent mobile being focussed on the hands of the clock. Traffic comes to a standstill and the cars throb like the veins of a hundred metre sprinter.

What is happened is serious. No one has been bold enough to get near the clock since a soccer fan two years ago fell off it in a delirium of happiness after a famous team had won the Republican Cup. On that day, the water bubbling up from the fancy fountain beneath the clock turned into a pool of red blood. From that evening the clock was subject to strict surveillance: it occupied a strategic site in the heart of the capital, regardless of what fools may sometimes say about it.

مع المترجم الانجليزي بيتر كلاركيصدر عن دار الساقي قريبا كتاب بعنوان أصوات عربية جديدة.

هذا الكتاب هو ثمرة الندوة التي أقامتها الجائزة العالمية للرواية العربية" لكتاب عرب شباب ،تم اختيارهم من ضمن مائة وعشرين كاتبا عربيا قدمت أعمالهم إلى الجائزة خلال العامين سنتي 2008 و2009 .

 

يتضمن "أصوات عربية جديدة" القصص وفصولا من الروايات التي كتبت ونوقشت في الندوة الأولى وأشرف عليها كاتبان مكرسان هما: اللبناني جبور دويهي،والعراقية إنعام كجه جي.

 

يتمتع دويهي وكجه جي بتجربة واسعة،وقد وصلت رواية كل منهما إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية.

 

النصوص تسبط الضوء على كفاءات إبداعية جديدة تستحق الاهتمام.

 

في تشرين الثاني نوفمبر 2009 نظمت جائزة البوكر الجائزة العالمية للرواية العربية ورشة عمل للكتابة الإبداعية شارك فيها ثمانية كتاب من مصر والسودان وتونس ولبنان والسعودية واليمن والإمارات العربية المتحدة.

 

يجمع الكتاب باللغتين العربية والانجليزية النصوص التي تمخضت عنها ورشة العمل هذه.وقد استكشفت النصوص تيمات متنوعة:من الواقعية الاجتماعية المصرية إلى حكاية صحراء دارفور ورمزية تونسية قاتمة ودراما عائلية في السعودية وقصة وطن ومنفى في صنعاء.

 

محرر الكتاب هو المترجم البريطاني الشهير بيتر كلارك وعضو مجلس أمناء جائزة البوكر وملحق أسبق في المجلس الثقافي البريطاني ترجم عديد الروايات العربية وكتب تاريخ ودراما وشعر منذ سنة 1980

 

بيتر كلارك يترجم في هذا الكتاب الفصل من رواية الغوريلا للكاتب التونسي كمال الرياحي والذي كان الكاتب المغاربي الوحيد الذي اختير للمشاركة في الندوة.وينتظر صدور الرواية هذا العام إما عن دار الساقي أو عند بلوم زبيري البريطانية وفي نفس الوقت في طبعة تونسية .

جدير بالذكر أن قسما من الرواية ترجم إلى الانجليزية وينشر في عدد خاص من مجلة بانيبال الانجليزية المختصة في ترجمة الأدب العربي وبهذا تكون رواية الغوريلا أول رواية تونسية يهتم بها المترجمون الانجليز قبل نشرها بالعربية.

كمال الرياحي هو صاحب رواية المشرط التي فازت بعدة جوائز تونسية وعربية ودولية منها الكومار الذهبي لسنة 2007 وترجمت إلى أكثر لغة . وكان المتوج الوحيد التونسي في مهرجان بيروت 39 لاختيار أفضل 39 كاتبا عربيا دون سن ال39 الذي نظمت هاي فيستفال العالمية .

 

مقطع من الرواية/

 

الغوريلا لكمال الرياحي

 

ـ1ـ

عند الساعة الواحدة بعد الظهر تقريبا. كانت الريح تدحرج علبة جعة منهوبة الروح في الشارع المقفر. سكون كبير يصل قوس بَابْ بْحَرْ ببرج الساعة العملاقة عند تقاطع شارع محمد الخامس وشارع الحبيب بورڤيبة. العاصمة الخالية يشوش سكونَها معتوهُها الشهير: رجل من ظنون يطوف بالساعة طوافه الأخير، قبل أن يأخذ في إبعاد النّاس وتحذيرهم من سمّ العقارب العالية، ثم يبدأ في رجم أعدائه بالحجارة والحديد والبيوت والأشجار والغربان والتيوس. أشياء لا يراها إلا هو، يتوهّم أنه يلتقطها من القاعدة الرخامية لساعة الفولاذ المتبرّجة كعاهر في آخر سنوات النضال. نسي الناس أيام الخطف والرعب. لم يختف رجل واحد منذ سنة أو أكثر. كان الناس ينعمون بقيلولة شهر أغسطس المقدّسة. الحرارة تعدّت الخمسين درجة وشيطان منتصف النّهار يفلي عانته من بقايا لذّة هاربة.

فجأة ذبحت أصوات سيارات الإسعاف والشرطة القيلولة النائمة فهرع الجميع ببقايا نعاسهم أو ما تيبّس عليهم من منيّهم إلى شارع الشوارع. كان الحدث هناك، عند الساعة الشاهقة. أحزمة من الشرطة تسيّج المكان. رجال "التدخّل السّريع" يختفون وراء خوذاتهم الباردة، يدفعون بعصيّهم المتفرّجين الذين هطلت بهم أبواق السيارات من كل مكان. بشرٌ بلا عدد يرفعون رؤوسهم إلى قمة السّاعة القاسية. كائن صغير بحجم الإصبع، يتراءى للجميع من بعيد، يتسلّق بسرعة الصرصور الساعة أمام دهشتهم ليعلن القيامة.

اشرأبت الأعناق نحو المتسلّق الجسور الذي انتهى إلى رأس السّاعة مُمسكا بأحد عقاربها. سحب من جيبه الخلفي قارورة. شرب ثم أفرغ ما تبقّى منها على فروة رأسه. استل حزامه الجلدي وثبّت به نفسه إلى حلقات الحديد والتفت نحو الحشود التي تكاثرت تحته مثل النّمل. حاصرتها الشّرطة المتوتّرة، ركض أعوانها في كل اتّجاه يكلّمون أجهزة اللاسلكي ويطلبون بإشارات عصبية من الرّجل العالي أن ينزل من الممنوع. بينما كان هو يغمغم بكلام تتمزّق أحشاؤه في الأجواء فلا يصل منه إلاّ فتات كبعر الأكباش. تشي حركة يده اليسرى، التي يلوّح بها يمينا وشمالا، أنه يرفض النزول. أخذت الشرطة تدفع الناس المتحلّقين مثل الخنافس حول الساعة، تحاول منع التصوير وإخراس الأصوات والهواتف المحمولة المرفوعة نحو عقارب الساعة. حركة المرور شُلّت ومحركات السيارات تنبض مثل عروق عدّاء المائة متر على خط الانطلاق.

أمرٌ خطير ما كان يحدث، فلم يجرؤ أحد على الاقتراب من الساعة منذ سنتين بعدما سقط منها أحد مشجّعي كرة القدم فرحا بفوز فريقه بكأس الجمهورية. يومها، تحوّلت مياه تلك النافورة التي تضخّ مياه الزينة تحت الساعة إلى بركة حمراء. منذ ذلك المساء أصبحت الساعة تخضع لحراسة مشدّدة, وهي التي تحتلّ موقعا خطيرا في قلب العاصمة, زيادة على ما يرويه عنها المعتوه أحيانا.

ازداد الزّحام وانتعشت الصفوف الأمامية بالسيّاح الذين تدفّقوا من الشواطئ ومن الفنادق القريبة. خفتت عصيّ أعوان الشرطة قليلا لكن توتّرهم ازداد. كانوا يركضون في كل مكان يسيّجون الأرصفة ويوسّعون من المنطقة المحظورة بينما الرّجل متمسّك بلسان العقرب في أعلى الساعة مثل وزغة.

قبل سنوات كان ينتصب في مكان هذه الساعة تمثال أخضر لبورڤيبة على حصان يرفع إحدى قدميه الأماميتين في وجوه الناظرين إلى السماء. قيل إنّه يرفعها في وجه ابن خلدون الذي زُرع تمثاله مثل الكابوس قبالته, وبطلب منه. بعد الإطاحة بحكم الراكب اقتلع التّمثال ونبتت مكانه ساعة عملاقة بجذع إسمنتي بارد، سرعان ما توالد لها صغار في كل مدينة وفي كل قرية. بينما طُوردت تماثيل الزعيم في كل أرض.

استبدلت السّاعة بأخرى سويسرية أو إنكليزية أو أمريكية، أخبار متضاربة حول جنسية الساعة الجديدة وجذعها البرونزي المزيّن على طريقة الرقش العربي. كلام بلا دليل ولا برهان عن ساعة مجهولة النسب غُرست في قلب المدينة اللاهية بأبنائها. لا أثر للزعيم الذي تمّ ترحيل تمثاله إلى "حلق الوادي" ليظل ينظر إلى البحر المرّ.

 

THE GORILLA

The Last of the Leader’s Children

by KAMEL AL-RIAHI

translated by Peter Clark, 2009

The gorilla collapsed into orphanhood, uniquely and alone. Naked like a puppy abandoned in a street. His skull sprouted crows that swooped up, consuming identities and swallowing whole worlds.

 

1- Revolt

About one o’ clock in the afternoon. The wind is busy rolling along some beer-can that had been drained of its contents in the deserted street. A massive silence links the arch of the Sea Gate with the enormous clock-tower where Muhammad V Street crosses Avenue Habib Bourguiba. The tranquillity of the deserted capital city is shattered by its well-known nutter: a suspicious man is circling the tower for the last time, before detaching him from people, warning them of the poison of the hands of passing time above. He then starts to throw stones, pieces of iron, houses, trees, crows and goats at imaginary enemies; things that are invisible to anyone else. He imagines that he is picking things up from the marble base of the clock of steel that is adorned like a whore in her last years of struggle. People are enjoying the blessed siesta of the great month of August. The temperature stands at fifty degrees, and the devil of midday clears its innermost parts from the stains of lust.

Suddenly the slumbering siesta is slaughtered by the sound of ambulances and police cars, and everyone rushes, with the traces of drowsiness and love-making on them, to the street of streets. Something is happening at the lofty clock tower. Cordons of police officers surround the place. Teams of emergency intervention forces hide behind cold helmets, and press back with sticks the onlookers at whom car horns honk from every direction. Human beings without number look up to the top of the stern clock. A small remote figure, apparently no bigger than a finger is climbing the clock-towerwith the speed of a cockroach. Everybody is amazed. He is about to announce the end of the world.

Necks strain to look at the bold climber who finally reaches the top of the clock, holding on to one of its hands. He takes a flask out of his back pocket. He has a drink and then empties what is left on his head. He removes his leather belt and secures himself with it to the iron surrounds of the clock, and turns to the crowds that have gathered below like ants. Nervous police surround the crowds. Auxiliary police run in all directions, talking into their radio sets. Gesturing nervously they ask the man up there to come down from up there; it is out of bounds. Meanwhile he mutters something the content of which is lost in the air. Only fragments of what he says fall like turds from a ram. There is a movement of his left hand and he waves right and left, indicating that he refuses to come down. The police carry on pushing back the people who are circling the tower like dung beetles. They try to ban any photography, to silence voices and to prevent mobile being focussed on the hands of the clock. Traffic comes to a standstill and the cars throb like the veins of a hundred metre sprinter.

What is happened is serious. No one has been bold enough to get near the clock since a soccer fan two years ago fell off it in a delirium of happiness after a famous team had won the Republican Cup. On that day, the water bubbling up from the fancy fountain beneath the clock turned into a pool of red blood. From that evening the clock was subject to strict surveillance: it occupied a strategic site in the heart of the capital, regardless of what fools may sometimes say about it.

مع المترجم الانجليزي بيتر كلاركيصدر عن دار الساقي قريبا كتاب بعنوان أصوات عربية جديدة.

هذا الكتاب هو ثمرة الندوة التي أقامتها الجائزة العالمية للرواية العربية" لكتاب عرب شباب ،تم اختيارهم من ضمن مائة وعشرين كاتبا عربيا قدمت أعمالهم إلى الجائزة خلال العامين سنتي 2008 و2009 .

 

يتضمن "أصوات عربية جديدة" القصص وفصولا من الروايات التي كتبت ونوقشت في الندوة الأولى وأشرف عليها كاتبان مكرسان هما: اللبناني جبور دويهي،والعراقية إنعام كجه جي.

 

يتمتع دويهي وكجه جي بتجربة واسعة،وقد وصلت رواية كل منهما إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية.

 

النصوص تسبط الضوء على كفاءات إبداعية جديدة تستحق الاهتمام.

 

في تشرين الثاني نوفمبر 2009 نظمت جائزة البوكر الجائزة العالمية للرواية العربية ورشة عمل للكتابة الإبداعية شارك فيها ثمانية كتاب من مصر والسودان وتونس ولبنان والسعودية واليمن والإمارات العربية المتحدة.

 

يجمع الكتاب باللغتين العربية والانجليزية النصوص التي تمخضت عنها ورشة العمل هذه.وقد استكشفت النصوص تيمات متنوعة:من الواقعية الاجتماعية المصرية إلى حكاية صحراء دارفور ورمزية تونسية قاتمة ودراما عائلية في السعودية وقصة وطن ومنفى في صنعاء.

 

محرر الكتاب هو المترجم البريطاني الشهير بيتر كلارك وعضو مجلس أمناء جائزة البوكر وملحق أسبق في المجلس الثقافي البريطاني ترجم عديد الروايات العربية وكتب تاريخ ودراما وشعر منذ سنة 1980

 

بيتر كلارك يترجم في هذا الكتاب الفصل من رواية الغوريلا للكاتب التونسي كمال الرياحي والذي كان الكاتب المغاربي الوحيد الذي اختير للمشاركة في الندوة.وينتظر صدور الرواية هذا العام إما عن دار الساقي أو عند بلوم زبيري البريطانية وفي نفس الوقت في طبعة تونسية .

جدير بالذكر أن قسما من الرواية ترجم إلى الانجليزية وينشر في عدد خاص من مجلة بانيبال الانجليزية المختصة في ترجمة الأدب العربي وبهذا تكون رواية الغوريلا أول رواية تونسية يهتم بها المترجمون الانجليز قبل نشرها بالعربية.

كمال الرياحي هو صاحب رواية المشرط التي فازت بعدة جوائز تونسية وعربية ودولية منها الكومار الذهبي لسنة 2007 وترجمت إلى أكثر لغة . وكان المتوج الوحيد التونسي في مهرجان بيروت 39 لاختيار أفضل 39 كاتبا عربيا دون سن ال39 الذي نظمت هاي فيستفال العالمية .

 

مقطع من الرواية/

 

الغوريلا لكمال الرياحي

 

ـ1ـ

عند الساعة الواحدة بعد الظهر تقريبا. كانت الريح تدحرج علبة جعة منهوبة الروح في الشارع المقفر. سكون كبير يصل قوس بَابْ بْحَرْ ببرج الساعة العملاقة عند تقاطع شارع محمد الخامس وشارع الحبيب بورڤيبة. العاصمة الخالية يشوش سكونَها معتوهُها الشهير: رجل من ظنون يطوف بالساعة طوافه الأخير، قبل أن يأخذ في إبعاد النّاس وتحذيرهم من سمّ العقارب العالية، ثم يبدأ في رجم أعدائه بالحجارة والحديد والبيوت والأشجار والغربان والتيوس. أشياء لا يراها إلا هو، يتوهّم أنه يلتقطها من القاعدة الرخامية لساعة الفولاذ المتبرّجة كعاهر في آخر سنوات النضال. نسي الناس أيام الخطف والرعب. لم يختف رجل واحد منذ سنة أو أكثر. كان الناس ينعمون بقيلولة شهر أغسطس المقدّسة. الحرارة تعدّت الخمسين درجة وشيطان منتصف النّهار يفلي عانته من بقايا لذّة هاربة.

فجأة ذبحت أصوات سيارات الإسعاف والشرطة القيلولة النائمة فهرع الجميع ببقايا نعاسهم أو ما تيبّس عليهم من منيّهم إلى شارع الشوارع. كان الحدث هناك، عند الساعة الشاهقة. أحزمة من الشرطة تسيّج المكان. رجال "التدخّل السّريع" يختفون وراء خوذاتهم الباردة، يدفعون بعصيّهم المتفرّجين الذين هطلت بهم أبواق السيارات من كل مكان. بشرٌ بلا عدد يرفعون رؤوسهم إلى قمة السّاعة القاسية. كائن صغير بحجم الإصبع، يتراءى للجميع من بعيد، يتسلّق بسرعة الصرصور الساعة أمام دهشتهم ليعلن القيامة.

اشرأبت الأعناق نحو المتسلّق الجسور الذي انتهى إلى رأس السّاعة مُمسكا بأحد عقاربها. سحب من جيبه الخلفي قارورة. شرب ثم أفرغ ما تبقّى منها على فروة رأسه. استل حزامه الجلدي وثبّت به نفسه إلى حلقات الحديد والتفت نحو الحشود التي تكاثرت تحته مثل النّمل. حاصرتها الشّرطة المتوتّرة، ركض أعوانها في كل اتّجاه يكلّمون أجهزة اللاسلكي ويطلبون بإشارات عصبية من الرّجل العالي أن ينزل من الممنوع. بينما كان هو يغمغم بكلام تتمزّق أحشاؤه في الأجواء فلا يصل منه إلاّ فتات كبعر الأكباش. تشي حركة يده اليسرى، التي يلوّح بها يمينا وشمالا، أنه يرفض النزول. أخذت الشرطة تدفع الناس المتحلّقين مثل الخنافس حول الساعة، تحاول منع التصوير وإخراس الأصوات والهواتف المحمولة المرفوعة نحو عقارب الساعة. حركة المرور شُلّت ومحركات السيارات تنبض مثل عروق عدّاء المائة متر على خط الانطلاق.

أمرٌ خطير ما كان يحدث، فلم يجرؤ أحد على الاقتراب من الساعة منذ سنتين بعدما سقط منها أحد مشجّعي كرة القدم فرحا بفوز فريقه بكأس الجمهورية. يومها، تحوّلت مياه تلك النافورة التي تضخّ مياه الزينة تحت الساعة إلى بركة حمراء. منذ ذلك المساء أصبحت الساعة تخضع لحراسة مشدّدة, وهي التي تحتلّ موقعا خطيرا في قلب العاصمة, زيادة على ما يرويه عنها المعتوه أحيانا.

ازداد الزّحام وانتعشت الصفوف الأمامية بالسيّاح الذين تدفّقوا من الشواطئ ومن الفنادق القريبة. خفتت عصيّ أعوان الشرطة قليلا لكن توتّرهم ازداد. كانوا يركضون في كل مكان يسيّجون الأرصفة ويوسّعون من المنطقة المحظورة بينما الرّجل متمسّك بلسان العقرب في أعلى الساعة مثل وزغة.

قبل سنوات كان ينتصب في مكان هذه الساعة تمثال أخضر لبورڤيبة على حصان يرفع إحدى قدميه الأماميتين في وجوه الناظرين إلى السماء. قيل إنّه يرفعها في وجه ابن خلدون الذي زُرع تمثاله مثل الكابوس قبالته, وبطلب منه. بعد الإطاحة بحكم الراكب اقتلع التّمثال ونبتت مكانه ساعة عملاقة بجذع إسمنتي بارد، سرعان ما توالد لها صغار في كل مدينة وفي كل قرية. بينما طُوردت تماثيل الزعيم في كل أرض.

استبدلت السّاعة بأخرى سويسرية أو إنكليزية أو أمريكية، أخبار متضاربة حول جنسية الساعة الجديدة وجذعها البرونزي المزيّن على طريقة الرقش العربي. كلام بلا دليل ولا برهان عن ساعة مجهولة النسب غُرست في قلب المدينة اللاهية بأبنائها. لا أثر للزعيم الذي تمّ ترحيل تمثاله إلى "حلق الوادي" ليظل ينظر إلى البحر المرّ.

 

THE GORILLA

The Last of the Leader’s Children

by KAMEL AL-RIAHI

translated by Peter Clark, 2009

The gorilla collapsed into orphanhood, uniquely and alone. Naked like a puppy abandoned in a street. His skull sprouted crows that swooped up, consuming identities and swallowing whole worlds.

 

1- Revolt

About one o’ clock in the afternoon. The wind is busy rolling along some beer-can that had been drained of its contents in the deserted street. A massive silence links the arch of the Sea Gate with the enormous clock-tower where Muhammad V Street crosses Avenue Habib Bourguiba. The tranquillity of the deserted capital city is shattered by its well-known nutter: a suspicious man is circling the tower for the last time, before detaching him from people, warning them of the poison of the hands of passing time above. He then starts to throw stones, pieces of iron, houses, trees, crows and goats at imaginary enemies; things that are invisible to anyone else. He imagines that he is picking things up from the marble base of the clock of steel that is adorned like a whore in her last years of struggle. People are enjoying the blessed siesta of the great month of August. The temperature stands at fifty degrees, and the devil of midday clears its innermost parts from the stains of lust.

Suddenly the slumbering siesta is slaughtered by the sound of ambulances and police cars, and everyone rushes, with the traces of drowsiness and love-making on them, to the street of streets. Something is happening at the lofty clock tower. Cordons of police officers surround the place. Teams of emergency intervention forces hide behind cold helmets, and press back with sticks the onlookers at whom car horns honk from every direction. Human beings without number look up to the top of the stern clock. A small remote figure, apparently no bigger than a finger is climbing the clock-towerwith the speed of a cockroach. Everybody is amazed. He is about to announce the end of the world.

Necks strain to look at the bold climber who finally reaches the top of the clock, holding on to one of its hands. He takes a flask out of his back pocket. He has a drink and then empties what is left on his head. He removes his leather belt and secures himself with it to the iron surrounds of the clock, and turns to the crowds that have gathered below like ants. Nervous police surround the crowds. Auxiliary police run in all directions, talking into their radio sets. Gesturing nervously they ask the man up there to come down from up there; it is out of bounds. Meanwhile he mutters something the content of which is lost in the air. Only fragments of what he says fall like turds from a ram. There is a movement of his left hand and he waves right and left, indicating that he refuses to come down. The police carry on pushing back the people who are circling the tower like dung beetles. They try to ban any photography, to silence voices and to prevent mobile being focussed on the hands of the clock. Traffic comes to a standstill and the cars throb like the veins of a hundred metre sprinter.

What is happened is serious. No one has been bold enough to get near the clock since a soccer fan two years ago fell off it in a delirium of happiness after a famous team had won the Republican Cup. On that day, the water bubbling up from the fancy fountain beneath the clock turned into a pool of red blood. From that evening the clock was subject to strict surveillance: it occupied a strategic site in the heart of the capital, regardless of what fools may sometimes say about it.

مع المترجم الانجليزي بيتر كلاركيصدر عن دار الساقي قريبا كتاب بعنوان أصوات عربية جديدة.

هذا الكتاب هو ثمرة الندوة التي أقامتها الجائزة العالمية للرواية العربية" لكتاب عرب شباب ،تم اختيارهم من ضمن مائة وعشرين كاتبا عربيا قدمت أعمالهم إلى الجائزة خلال العامين سنتي 2008 و2009 .

 

يتضمن "أصوات عربية جديدة" القصص وفصولا من الروايات التي كتبت ونوقشت في الندوة الأولى وأشرف عليها كاتبان مكرسان هما: اللبناني جبور دويهي،والعراقية إنعام كجه جي.

 

يتمتع دويهي وكجه جي بتجربة واسعة،وقد وصلت رواية كل منهما إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية.

 

النصوص تسبط الضوء على كفاءات إبداعية جديدة تستحق الاهتمام.

 

في تشرين الثاني نوفمبر 2009 نظمت جائزة البوكر الجائزة العالمية للرواية العربية ورشة عمل للكتابة الإبداعية شارك فيها ثمانية كتاب من مصر والسودان وتونس ولبنان والسعودية واليمن والإمارات العربية المتحدة.

 

يجمع الكتاب باللغتين العربية والانجليزية النصوص التي تمخضت عنها ورشة العمل هذه.وقد استكشفت النصوص تيمات متنوعة:من الواقعية الاجتماعية المصرية إلى حكاية صحراء دارفور ورمزية تونسية قاتمة ودراما عائلية في السعودية وقصة وطن ومنفى في صنعاء.

 

محرر الكتاب هو المترجم البريطاني الشهير بيتر كلارك وعضو مجلس أمناء جائزة البوكر وملحق أسبق في المجلس الثقافي البريطاني ترجم عديد الروايات العربية وكتب تاريخ ودراما وشعر منذ سنة 1980

 

بيتر كلارك يترجم في هذا الكتاب الفصل من رواية الغوريلا للكاتب التونسي كمال الرياحي والذي كان الكاتب المغاربي الوحيد الذي اختير للمشاركة في الندوة.وينتظر صدور الرواية هذا العام إما عن دار الساقي أو عند بلوم زبيري البريطانية وفي نفس الوقت في طبعة تونسية .

جدير بالذكر أن قسما من الرواية ترجم إلى الانجليزية وينشر في عدد خاص من مجلة بانيبال الانجليزية المختصة في ترجمة الأدب العربي وبهذا تكون رواية الغوريلا أول رواية تونسية يهتم بها المترجمون الانجليز قبل نشرها بالعربية.

كمال الرياحي هو صاحب رواية المشرط التي فازت بعدة جوائز تونسية وعربية ودولية منها الكومار الذهبي لسنة 2007 وترجمت إلى أكثر لغة . وكان المتوج الوحيد التونسي في مهرجان بيروت 39 لاختيار أفضل 39 كاتبا عربيا دون سن ال39 الذي نظمت هاي فيستفال العالمية .

 

مقطع من الرواية/

 

الغوريلا لكمال الرياحي

 

ـ1ـ

عند الساعة الواحدة بعد الظهر تقريبا. كانت الريح تدحرج علبة جعة منهوبة الروح في الشارع المقفر. سكون كبير يصل قوس بَابْ بْحَرْ ببرج الساعة العملاقة عند تقاطع شارع محمد الخامس وشارع الحبيب بورڤيبة. العاصمة الخالية يشوش سكونَها معتوهُها الشهير: رجل من ظنون يطوف بالساعة طوافه الأخير، قبل أن يأخذ في إبعاد النّاس وتحذيرهم من سمّ العقارب العالية، ثم يبدأ في رجم أعدائه بالحجارة والحديد والبيوت والأشجار والغربان والتيوس. أشياء لا يراها إلا هو، يتوهّم أنه يلتقطها من القاعدة الرخامية لساعة الفولاذ المتبرّجة كعاهر في آخر سنوات النضال. نسي الناس أيام الخطف والرعب. لم يختف رجل واحد منذ سنة أو أكثر. كان الناس ينعمون بقيلولة شهر أغسطس المقدّسة. الحرارة تعدّت الخمسين درجة وشيطان منتصف النّهار يفلي عانته من بقايا لذّة هاربة.

فجأة ذبحت أصوات سيارات الإسعاف والشرطة القيلولة النائمة فهرع الجميع ببقايا نعاسهم أو ما تيبّس عليهم من منيّهم إلى شارع الشوارع. كان الحدث هناك، عند الساعة الشاهقة. أحزمة من الشرطة تسيّج المكان. رجال "التدخّل السّريع" يختفون وراء خوذاتهم الباردة، يدفعون بعصيّهم المتفرّجين الذين هطلت بهم أبواق السيارات من كل مكان. بشرٌ بلا عدد يرفعون رؤوسهم إلى قمة السّاعة القاسية. كائن صغير بحجم الإصبع، يتراءى للجميع من بعيد، يتسلّق بسرعة الصرصور الساعة أمام دهشتهم ليعلن القيامة.

اشرأبت الأعناق نحو المتسلّق الجسور الذي انتهى إلى رأس السّاعة مُمسكا بأحد عقاربها. سحب من جيبه الخلفي قارورة. شرب ثم أفرغ ما تبقّى منها على فروة رأسه. استل حزامه الجلدي وثبّت به نفسه إلى حلقات الحديد والتفت نحو الحشود التي تكاثرت تحته مثل النّمل. حاصرتها الشّرطة المتوتّرة، ركض أعوانها في كل اتّجاه يكلّمون أجهزة اللاسلكي ويطلبون بإشارات عصبية من الرّجل العالي أن ينزل من الممنوع. بينما كان هو يغمغم بكلام تتمزّق أحشاؤه في الأجواء فلا يصل منه إلاّ فتات كبعر الأكباش. تشي حركة يده اليسرى، التي يلوّح بها يمينا وشمالا، أنه يرفض النزول. أخذت الشرطة تدفع الناس المتحلّقين مثل الخنافس حول الساعة، تحاول منع التصوير وإخراس الأصوات والهواتف المحمولة المرفوعة نحو عقارب الساعة. حركة المرور شُلّت ومحركات السيارات تنبض مثل عروق عدّاء المائة متر على خط الانطلاق.

أمرٌ خطير ما كان يحدث، فلم يجرؤ أحد على الاقتراب من الساعة منذ سنتين بعدما سقط منها أحد مشجّعي كرة القدم فرحا بفوز فريقه بكأس الجمهورية. يومها، تحوّلت مياه تلك النافورة التي تضخّ مياه الزينة تحت الساعة إلى بركة حمراء. منذ ذلك المساء أصبحت الساعة تخضع لحراسة مشدّدة, وهي التي تحتلّ موقعا خطيرا في قلب العاصمة, زيادة على ما يرويه عنها المعتوه أحيانا.

ازداد الزّحام وانتعشت الصفوف الأمامية بالسيّاح الذين تدفّقوا من الشواطئ ومن الفنادق القريبة. خفتت عصيّ أعوان الشرطة قليلا لكن توتّرهم ازداد. كانوا يركضون في كل مكان يسيّجون الأرصفة ويوسّعون من المنطقة المحظورة بينما الرّجل متمسّك بلسان العقرب في أعلى الساعة مثل وزغة.

قبل سنوات كان ينتصب في مكان هذه الساعة تمثال أخضر لبورڤيبة على حصان يرفع إحدى قدميه الأماميتين في وجوه الناظرين إلى السماء. قيل إنّه يرفعها في وجه ابن خلدون الذي زُرع تمثاله مثل الكابوس قبالته, وبطلب منه. بعد الإطاحة بحكم الراكب اقتلع التّمثال ونبتت مكانه ساعة عملاقة بجذع إسمنتي بارد، سرعان ما توالد لها صغار في كل مدينة وفي كل قرية. بينما طُوردت تماثيل الزعيم في كل أرض.

استبدلت السّاعة بأخرى سويسرية أو إنكليزية أو أمريكية، أخبار متضاربة حول جنسية الساعة الجديدة وجذعها البرونزي المزيّن على طريقة الرقش العربي. كلام بلا دليل ولا برهان عن ساعة مجهولة النسب غُرست في قلب المدينة اللاهية بأبنائها. لا أثر للزعيم الذي تمّ ترحيل تمثاله إلى "حلق الوادي" ليظل ينظر إلى البحر المرّ.

 

THE GORILLA

The Last of the Leader’s Children

by KAMEL AL-RIAHI

translated by Peter Clark, 2009

The gorilla collapsed into orphanhood, uniquely and alone. Naked like a puppy abandoned in a street. His skull sprouted crows that swooped up, consuming identities and swallowing whole worlds.

 

1- Revolt

About one o’ clock in the afternoon. The wind is busy rolling along some beer-can that had been drained of its contents in the deserted street. A massive silence links the arch of the Sea Gate with the enormous clock-tower where Muhammad V Street crosses Avenue Habib Bourguiba. The tranquillity of the deserted capital city is shattered by its well-known nutter: a suspicious man is circling the tower for the last time, before detaching him from people, warning them of the poison of the hands of passing time above. He then starts to throw stones, pieces of iron, houses, trees, crows and goats at imaginary enemies; things that are invisible to anyone else. He imagines that he is picking things up from the marble base of the clock of steel that is adorned like a whore in her last years of struggle. People are enjoying the blessed siesta of the great month of August. The temperature stands at fifty degrees, and the devil of midday clears its innermost parts from the stains of lust.

Suddenly the slumbering siesta is slaughtered by the sound of ambulances and police cars, and everyone rushes, with the traces of drowsiness and love-making on them, to the street of streets. Something is happening at the lofty clock tower. Cordons of police officers surround the place. Teams of emergency intervention forces hide behind cold helmets, and press back with sticks the onlookers at whom car horns honk from every direction. Human beings without number look up to the top of the stern clock. A small remote figure, apparently no bigger than a finger is climbing the clock-towerwith the speed of a cockroach. Everybody is amazed. He is about to announce the end of the world.

Necks strain to look at the bold climber who finally reaches the top of the clock, holding on to one of its hands. He takes a flask out of his back pocket. He has a drink and then empties what is left on his head. He removes his leather belt and secures himself with it to the iron surrounds of the clock, and turns to the crowds that have gathered below like ants. Nervous police surround the crowds. Auxiliary police run in all directions, talking into their radio sets. Gesturing nervously they ask the man up there to come down from up there; it is out of bounds. Meanwhile he mutters something the content of which is lost in the air. Only fragments of what he says fall like turds from a ram. There is a movement of his left hand and he waves right and left, indicating that he refuses to come down. The police carry on pushing back the people who are circling the tower like dung beetles. They try to ban any photography, to silence voices and to prevent mobile being focussed on the hands of the clock. Traffic comes to a standstill and the cars throb like the veins of a hundred metre sprinter.

What is happened is serious. No one has been bold enough to get near the clock since a soccer fan two years ago fell off it in a delirium of happiness after a famous team had won the Republican Cup. On that day, the water bubbling up from the fancy fountain beneath the clock turned into a pool of red blood. From that evening the clock was subject to strict surveillance: it occupied a strategic site in the heart of the capital, regardless of what fools may sometimes say about it.

مع المترجم الانجليزي بيتر كلارك




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !