تخريج حديث: "كنت أوّل الانبياء في الخلق وآخرهم في البعث"
وبيان صحّته،وفيه ردّ على من حكم عليه بالبطلان والوضع:
أخرج الطبري في تفسيره (20/ 213) من طريق يزيد، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة
وأخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 149) من طريق عبد الوهاب بن عطاء
عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
ومن طريق أبي هلال عن قتادة
وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 80) من طريق أبي أُسَامَةَ، عَنِ سَعيد بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} [الأحزاب: 7] قَالَ: بُدِئَ بِي فِي الْخَيْرِ , وَكُنْتُ آخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ.
وفي رواية الطبري قال قتادة: وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "كُنْتُ أوَّلَ الأنْبِياءِ فِي الخَلْقِ، وآخِرَهُمْ فِي البَعْثِ"
وفي رواية ابن سعد قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
كنت أوّل النّاس في الخلق وآخرَهم في البعث.
معناه: أوّل الخلق في عالم الأرواح
قلت: رواه عن قتادة سعيد بن أبي عروبة وهو أثبت النّاس في قتادة كما قال يحيي بن معين، وتابعه أبو هلال الرّاسبي كما عند ابن سعد وهو صدوق علق له البخاري،وشيبان بن عبد الرحمن الحافظ عنه كما ذكره ابن كثير في البداية (2/393) ثلاثتهم رووه عن قتادة مرسلا، وخالف في ذلك سعيد بن بشير وخليد بن دعلج فروياه عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولا وهو منكر،لأنهما ضعيفان،لذلك قال ابن كثير في المرسل: وهذا أثبت وأصحّ والله أعلم.
قلت:وهو كما قال،والمرسل اسناده صحيح
والموصول أخرجه أبو نعيم في كتابه دلائل النبوة كما في البداية والنهاية (2/ 393) والبغوي في تفسيره - (ج 67 / ص 6) والحسن بن سفيان في مسنده كما في سبل الهدى والرشاد - (ج 1 / ص 136) وأبو نعيم في الدلائل (1 / 6) والثعالبي في التفسير (3 / 93 / 1) وابن سيد الناس في عيون الأثر - (ج 2 / ص 9)والديلمي قي الفردوس بمأثور الخطاب (ج3/ص 282) من طريق ابن لال كما في الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس لابن حجر - مخطوط (ن) (ص: 2660)وابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (ج3/ص373) وتمام في الفوائد (ج2/ص15) والطبراني في مسند الشاميين (ج4/ص34) وابن أبي حاتم في التفسير كما في تفسير ابن كثير (ج3/ص470) من طريق سعيد بن بشير وخليد بن دعلج عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت أوّل النّبيين في الخلق وآخرهم في البعث" فبُدِئَ به قبلهم. قال قتادة: وذلك قول الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } [الأحزاب/7]،فبدأ به صلى الله عليه وسلم قبلهم. {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} عهداً شديداً على الوفاء بما حُمِّلُوا.
المحفوظ أنّه مرسل بسند صحيح وهوصحيح لغيره وله خمس شواهد:
الشاهد الاول من حديث أبي هريرة:
فأخرجه الطبري في تفسيره (ج 24 / ص 366-377)وفي تهذيب الآثار (ج1/ص441) والبيهقي في دلائل النبوة - (ج 1 / ص 443) وابن أبي حاتم في التفسير(7/2309) والبزار في مسنده (1/44) كما في كشف الأستار وابن بطة في الإبانة الكبرى - (ج 5 / ص 236) والخلال في السنة (1/ 187) من طرق عن عِيسَى بن عَبْد الله التميمي يَعْنِي أبا جعفر الرازي، عَنِ الرَّبِيعِ بن أنس البكرى، عَنِ ابى العالية أو غيره، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تعالى:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام}فذكر الحديث ، أعني حديث الإسراء حتى بلغ إلى قوله:قال الله تعالى لي -أي ليلة الإسراء-:وجعلتك أوَّلَ النَّبيين خَلْقًا، وآخِرَهُمْ بَعْثًا .... وَجَعَلْتُكَ فَاتِحًا وَخَاتِمًا.
ثم قال الخلال:قال الفضل ، : قال لي أحمد : أوليس أوّل النّبيين خلقا ، يعني {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح} ، فبدأ به.
قلت: اسناده حسن لو لا التردد من أبي جعفر عمن رواه،وعليه فالحديث حسن ويعتضد بالمرسل الصحيح،ومنه تعرف بطلان قول من حكم عليه بالوضع.
الشاهد الثاني من حديث عمر:
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه - (ج 6 / ص 112)و أبو داود في مراسيله - (ج 2 / ص 21)و البيهقي في شعب الإيمان - (ج 11 / ص 194) عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إنما بعثت فاتحا وخاتما.
الشاهد الثالث من حديث أبي بن كعب:
أخرجه ابن أبي عاصم في الأوائل (ص: 153) قال:حدثنا عبدة بن عبد الله ، ثنا زيد بن الحباب ، عن حسين بن واقد ، ثنا الربيع ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، في قوله تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا أوّلهم ، ثم نوح ، ثم الأوّل فالأوّل »
وهذا إسناده حسن
الشاهد الرابع من حديث أبي هريرة:
أخرجه المخلّص في فوائده (ق 248/ب) وأبو العباس الّسّرّاج في فوائده(ق 200/أ) ومن طريقه البيهقي في الدلائل (5/483) وابن عساكر في التاريخ كما في مختصر ابن منظور (2/111) وابن أبي عاصم في الأوائل (5) وأبو محمد المخلدي في "الفوائد" (264/2) من طريق حَبَّان بْن هِلَالٍ : ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ : حَدَّثَني عُبَيْدُ اللَّهِ ابْنُ عُمَرَ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: " لمّا خلق الله تعالى آدم عليه السّلام خبّره ببنيه فجعل يرى الأنبياء عليهم السلام وفضائل بعضهم على بعض فرأى نورا ساطعا في أسفلهم فقال: يا ربّ من هذا ؟ قال: هذا ابنك أحمد هو الأوّل وهو الاخر وهو أوّل شافع.
وفي هذا الحديث دلالة على أنّ الأوّليّة المذكورة في الحدبث أوّلية مطلقة وهي غير أوّلية الشّفاعة وفي رواية: "الأوّل" مُعرّفة وهي للإستغراق، وبها نجيب عمّا صحّ: " أنّ أوّل ما خلق الله الماء ثُمَّ العرش"، وفي أحاديث أخرى: أنّ أوّل ما خلق الله القلم، فهي أوّلية نسبيّة.
وفي رواية المخلص: هو أوّلٌ، وهو آخِرٌ، وهو أوّلُ مُشفَّعٍ
وهذا اسناده حسن ورجاله ثقات،لو لا مبارك بن فضالة فهو يدلس تدليس التسوية،وعليه فهو حسن بما قبله وبما بعده.
الشاهد الخامس من حديث أنس بن مالك:
أخرج ابن جرير في تهذيب الآثار (ج1/ص410) والضياء في الأحاديث المختارة (ج6/ص259) والخِلعي في فوائده (1/131) وابن عساكر في التاريخ(3/501) والحافظ البيهقي في دلائل النبوة (1/417) من طرق عن ابن وهب، قال: ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن أنس بن مالك قال: لمَّا أتى جبريل بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فكأنها صرَّت أذنيها، فقال جبريل عليه السلام: مَهْ يا بُراق والله ما ركبَك مثلُه، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو بعجوز على جنب الطريق، فقال: ما هذه يا جبريل؟ قال: سر يا محمد، فسار ما شاء أن يسير، فإذا شىء يدعوه مُتنَحيًّا عن الطَّريق: هَلُمَّ يا محمد، قال له جبريل: سر يا محمد، فسار ما شاء الله أن يسير، قال: لَقِيَهُ خلقٌ من الخَلْق فقال أحدهم: [السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَوَّلُ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا آخِرُ ] وَالسَّلَامُ عليك يا حاشر، فقال له جبريل اردد السَّلام يا محمد، قال: فردَّ السَّلامَ، ثمُّ لَقَيُه الثَّانى فقال له مثل مقالة الأوَّل، ثم لَقيَهُ الثَّالث فقال له مثل مقالة الأوَّلين حتى انتهى إلى بيت المقدس....الحديث"
اسناده صحيح ورجاله كلهم ثقات، وقد صححه الضياء المقدسي في المختارة.
وعليه قد ثبت لك،إن كنت من أهل الدراية بالاسناد:أن الحبيب صلى الله عليه وسلّم أولّ خلق الله في عالم الارواح.
وجمع تخريج الحديث ابن كثير في تفسيره ج: 3 ص: 470
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة الدمشقي حدثنا محمد بن بكار حدثنا سعيد بن بشير حدثني قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث فبدأ بي قبلهم
سعيد بن بشير فيه ضعف
وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به مرسلا وهو أشبه
ورواه بعضهم عن قتادة موقوفا والله أعلم
قلت قوله عن سعيد بن بشير فيه ضعف أي يسير وهو مختلف فيه كما في التهذيب وقال عنه الذهبي في الكاشف
سعيد بن بشير البصري الحافظ نزل دمشق عن قتادة والزهري وعنه ...قال البخاري يتكلمون في حفظه وهو يحتمل وقال دحيم ثقة كان مشيختنا يوثقونه
وقال في المقاصد رواه أبو نعيم في الدلائل وابن أبي حاتم في تفسيره وابن لال ومن طريقه الديلمي عن أبي هريرة مرفوعا
أقول ووجدت لحديث أبي هريرة المرفوع شاهد يتقوى به ففي مجمع الزوائد ج: 1 ص: 71 وفي حديث الإسراء عن سيدنا أبي هريرة أن الله تعالى قال لنبيه:
وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا
قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله موثقون إلا أن الربيع بن أنس قال عن أبي العالية أو غيره فتابعيه مجهول
أي في حالة كونه غير أبي عالية
وقد أخرجه الطبري في تفسيره ج: 15 ص: 6
حدثني علي بن سهل قال ثنا حجاج قال أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية الرياحي عن أبي هريرة أو غيره شك أبو جعفر في قول الله عز وجل سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير قال جاء جبرائيل إلى النبي
وفيه: وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا وأولهم من يقضى له
وذكر البيهقي دلائل2/396 أن الحاكم أبا عبد الله رواه عن إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني عن جده عن إبراهيم بن حمزة الزبيري عن حاتم بن إسماعيل حدثني عيسى بن ماهان يعني أبا جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره
أي هكذا بغير شك
باب فضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أبوالقاسم نبي الرحمة عليه السلام
أخبرني محمد بن الحسن أن الفضل حدثهم قال قرأت على أبي عبدالله أبو النضر قال ثنا أبو جعفر الرازي فذكر حديث الأسدي قال وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا وأولهم مقضيا له فذكر الحديث
قال الفضل قال لي أحمد أول النبيين يعني خلقا وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح فبدأ به
أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني قال قلت لإسحاق يعني ابن راهويه حديث ميسرة الفجر قال قلت يا رسول الله متى كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد
ما معناه قال قبل أن تنفخ فيه الروح وقد خلق
قلت وحديث ميسرة المشار إليه قال الحافظ ابن حجر في الإصابة إسناده قوي
وقال المناوي:
كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث بأن جعله الله حقيقة تقصر عقولنا عن معرفتها وأفاض عليها وصف النبوة من ذلك الوقت ثم لما انتهى الزمان بالاسم الباطن في حقه إلى وجود جسمه وارتباط الروح به انتقل حكم الزمان إلى الاسم الظاهر فظهر بكليته جسما وروحا وأما قول الحجة المراد بالخلق التقدير لا الايجاد فإنه قبل ولادته لم يكن موجودا فتعقبه السبكي بأنه لو كان كذلك لم يختص
وقال
كنت نبيا لم يقل كنت إنسانا ولا كنت موجودا إشارة إلى أن نبوته كانت موجودة في أول خلق الزمان في عالم الغيب دون عالم الشهادة فلما انتهى الزمان بالاسم الباطن إلى وجود جسمه وارتباط الروح به انتقل حكم الزمان في جريانه إلى الاسم الظاهر فظهر بذاته جسما وروحا فكان الحكم له باطنا أو في كل ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل ثم صار الحكم له ظاهرا فنسخ كل شرع أبرزه الاسم الباطن بحكم الاسم الظاهر لبيان اختلاف حكم الاسمين وإن كان الشرع واحدا وآدم بين الروح والجسد يعني أنه تعالى أخبره بمرتبته وهو روح قبل إيجاد الأجسام الإنسانية كما أخذ الميثاق على بني آدم قبل إيجاد أجسامهم
ذكره ابن عربي
ومنه أخذ بعضهم قوله لما أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم كان محمد أول من قال بلى ولهذا صار متقدما على الأنبياء وهو آخر من يبعث فإن قيل حقيقة آدم في هذا الهيكل المخلوق من طين المنفوخ فيه الروح فمجموع الروح والجسد هو المسمى بآدم فما معنى وآدم بين الروح والجسد فالجواب أنه مجاز عما قبل تمام خلقته قريبا منه كما يقال فلان بين الصحة والمرض أي حالة تقرب من كل
منهما
التعليقات (0)