من الواضح جدا، اننا نعيش اليوم في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، مرحلة تشبه الى حد كبير، فترة العصور الوسطى في اوروبا، عندما سيطرت الكنيسة ورجال الدين على السلطة وعلى مصائر الشعوب وأقدارها، ومارست كافة أشكال الاضطهاد من قتل، وقمع لحرية الفكر والتعبير وتحريم نقد الفكر الديني، وبيع صكوك الغفران التي تؤهل الانسان لدخول الجنة!
اليوم، وفي القرن الحادي والعشرين، وفي ظل التطور العلمي والتكنولوجي، و تطورالاكتشافات الطبية.. الا اننا ما زلنا نعيش عصر ما قبل التاريخ. الغرب يرسل العلماء لاستكشاف الفضاء واجراء الأبحاث العلمية، بينما انبرى رجال الدين عندنا يمارسون التجارة بالسماء وبإسم الدين ، ويقررون من هم سكان الفردوس ومن هم وقود جهنم! و قد صادروا او ورثوا دور الاكليروس الكنسي.. يهدرون الدم، يصدرون احكام القتل والرجم والجلد لمن يخالفهم الرأي.. الشيخ يوسف القرضاوي،مثلا، اصدر امرا" فتوى" بقتل الرئيس السابق معمر القذافي. وفتوى أخرى برجم الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمفاوضته الاسرائيليين!! علما ان زعماء الحرب الاسرائيليين الذين خاضوا الحرب ضد غزة، قد زاروا ومرحبا بهم في بلد إقامته، وقد استقبلوا بحميمية واعجاب في قناة الجزيرة، كما نقلت وسائل الاعلام وحيث الصور أظهرت لنا ذلك، ومع ذلك صمت شيخنا ولم تسعفه القريحة لإصدار فتوى بهذا الخصوص أو ان الوحي خانه هذه المرة!! كما حرّم سماحته زيارة العرب لفلسطين بحجة أنها تحت الاحتلال. فقد نصب نفسه وكيلا لله على الارض، يهب الحياة لمن يشاء، ويحرمها عمن يشاء.
أعطى رجال الدين أولئك أنفسهم، ولا أعني كلهم، ولكن البعض منهم، حق التدخل في السياسة، وتفاصيل حياة الناس اليومية، وسمحوا لأنفسهم الدخول الى غرف النوم، وطريقة ممارسة الجنس! يرجمون ويجلدون النساء بتهمة الزنا الذي يبيحونه لأنفسهم حتى مع الغلمان و الاطفال!
اوروبا بدأت نهضتها، عندما تخلصت من سيطرة الكنيسة، وحصرت مهمة الاكليروس بالشؤون الدينية والوعظ داخل الكنيسة، بمعنى انها فصلت الدين عن الدولة. وقد كان الثمن غاليا من الدم والدموع والآلام. وكان من ثمرات هذه الصحوة، بناء ثقافة حقوق الانسان، وحرية الفكر والتعبير والحرية الفردية والديمقراطية، وهي قيم انسانية عظيمة بلا شك.
لكن محنة أوروبا اليوم، تكمن في خطرين يهددان حرية التعبير هذه. أولا: فزاعة اللاسامية، التي جعلت نقد السياسة الاسرائيلية، تابوها محرما. وأصبحت تهمة اللاسامية سيفا مسلطا على رقاب الكتاب والمفكرين وحتى السياسيين الأوروبيين، والأمثلة على ذلك كثيرة. والى الحد الذي دفع بعض الدول الاوروبية الى سنّ قانون يجيز اعتقال ومحاكمة المتهمين باللاسامية.وبات أهون ألف مرة ان ننقد الدين والله والانبياء ولكن ليس السياسة الاسرائيلية!
الخطر الثاني يكمن بالاصولية الاسلامية، وليس الاسلام كدين، و التي تحرم نقد الفكر الديني في مجتمعاتنا وفي اوروبا، وحتى نقد قضية الحجاب والنقاب وحقوق المرأة.. والأمثلة على ذلك كثيرة ايضا، من الاغتيالات ومحاولات الاغتيال وهدر الدم، الى مظاهرات تستعمل العنف في اوروبا...
وتبرز هنا ديلما المتنورين والمثقفين العرب في النرويج وفي الغرب عامة، حيث يواجهون بالنقد ليس من الاسلاميين فقط، بل من بعض المؤسسات و الشخصيات النرويجية والاوروبية، و الذين يتهموننا بالعنصرية حينا، وفي ممالأة المجتمع الغربي حينا اخر.
وخطورة هذه النخبة، هي انها تدعم التخلف والجهل والإنغلاق في مجتمعاتنا، تحت شعار الحرية الفردية وبحجة احترام تقاليد وثقافة الاخر المختلف عنها. وهم بالتالي لا يريدون لهم التطور والتنوير، والاستفادة من وجودهم في مجتمعات متقدمة ومتطورة وذلك ايضا تحت شعار الحرية الفردية وحرية التعبير، وبالتالي فإنهم يستعملون هذه القيم النبيلة، للحفاظ على تخلف الآخرين.. موقفهم هذا ليس الا كلمة حق يراد بها باطل!
سؤالي لمنتقدينا من اصحابنا النرويجيين والاوروبيين هو: لو عادت الصحوة الدينية وتسلط رجال الدين مع مستلزمات تلك العودة من قمع فكري وتكميم افواه و.... ماذا سيكون موقفهم بشكل خاص، وموقف المثقفين من النرويجيين والاوروبيين جميعهم؟ هل سيعتبرونها حرية تعبير أو ديمقراطية؟
إن نقد المثقفين والمتنورين لهذه الاصولية الرجعية، انما يهدف الى الاصلاح والتطور والمساهمة في بناء الثقافة الانسانية، ودولة المواطنة التي تصون كرامة الأفراد، و حتى تكون لنا اسهامات في المكتشفات والاختراعات، بعد أن اصبحنا خارج التاريخ منذ زمن طويل! فنحن أمة مستهلكة تعيش على ما يقدمه الغرب لنا من تسهيلات حياتية يومية الى الطب والتكنولوجية والاكتشافات، دون ان يكون لنا اي دور غير الاستهلاك، بل اننا نلعن الغرب ليلا ونهارا سرا وجهارا!! وبالطبع نحن نميّز بين المسلمين وبين الاسلاميين أو المتأسلمين من اصحاب الفتاوى الغريبة التي تسيء الى الدين وتعمل على تنفير الناس منه. فهذه هي الطبقة المأجورة الهدّامة لكل القيم الجميلة في الاسلام.
لكن الخطر الأكبر الان يكمن في الرضى الغربي أو التناغم الغربي مع تلك الأصوليات، التي تريد العودة بنا الى ما قبل 1500 سنة! تلك الأصولية التي دمّر الغرب، تحت شعار محاربتها ومحاربة "إرهابها"، اكثر من بلد عربي اسلامي من العراق الى افغانستان. ونشر الفوضى والخراب في اكثر من بلد عربي.. لا ندافع عن الانظمة الدكتاتورية التي كانت مدعومة من الغرب، والتي هي ايضا ساهمت في نشر الجهل والتخلف والفقر والامية بين شعوبها، ويجري العمل الان على استبدال العميل المنتهي الصلاحية، بعميل أكثر تأثيرا وسطوة على الشارع العربي والاسلامي.
وفي ظل هذا " التحالف" الغربي/ الاصولي، قد يقمع ويكتم كل صوت منّا يطالب بالنهضة والتطور ونقد سلبيات مجتمعنا وظاهرة التطرف الديني والمذهبي وما يستتيعه من تكفير وهدر الدماء، لأن المطلوب الان أن نغرق في تفاصيل تاريخية، عفى زمانها، والانكباب على دراسة العلوم الدينية والفقهية والفتاوى، التي تنحصر في الجنس و جسد المرأة.. وترك العلوم والطب والاكتشافات للغرب، لأن العقل العربي غير مؤهل لها!!
ان التقارب الأصولي/ الغربي، ليس شيكا على بياض، وليس انطلاقا من القيم الانسانية، انه زمن المصالح المشتركة.. و ان كنا لا ندري ماذا وراء الأكمة! وان كنت أخمّن، ان مصالح الاصوليين هي الوصول الى السلطة واقامة الخلافة الاسلامية. والغرب كل ما يطمح اليه هو ثروات بلادنا، مقابل ثراء الطبقة الدينية الحاكمة، ولتذهب الشعوب الى الجحيم، او ان نصيبها في الاخرة! ثم تفتيت المنطقة ونشر الفوضى التي تزيد من ضعف شعوب المنطقة وتقسيمها طائفيا وعرقيا الى دويلات او امارات غارقة في نبش الماضي، واستعادة الخلافات حول موضوع الخلافة وأحقيتها! وذلك لأسباب سياسية تتعلق بمستقبل وأمن الدولة العبرية.
إن التهاون الغربي في انتهاك حرية الفكر والتعبير وكل القيم الجميلة والانسانية، بتحالفه مع الاصوليات الدينية اليهودية والاسلامية، سيقود بلا شك الى قمع وكتم الغرب لكل صوت عربي او اسلامي متنور، يريد خلع عباءة الماضي، ويكون الغرب قد تحوّل الى بيجماليون العصر، و شارك بدوره في دمار ثقافته!
واسمح لنفسي بالتفكير بصوت عال: ألا نتوقع يوما، تتحالف فيه الاصولية اليهودية والاصولية الاسلامية، وتكون الثقافة الاوروبية هي الفريسة والضحية؟؟ ولم لا؟ اليسوا شعوبا تنتمي لذات العرق السامي وأبناء عمومة؟؟؟
الاخوان المسلمون في مصر قد تعهدوا منذ البداية بالحفاظ على كل الاتفاقيات الدولية، وبضمنها اتفاقية كامب ديفيد ومتفرعاتها لطمأنة الاسرائيليين.. المجلس الانتقالي الليبي بدوره، اعلن منذ البداية، ان لا مشكلة له مع اسرائيل... وفي تونس تتسارع وتيرة التطبيع مع اسرائيل، هذا في الدول التي غزاها "الربيع" العربي.. ناهيك عن سائر الدول العربية التي لم تعد تخفي علاقاتها مع الدولة العبرية، تحت يافطة التعاون الاقتصادي او التجاري او الاجتماعي... ولم تعد تلك الدول بحاجة لتمرير العلاقات من خلف الكواليس، فقد سقطت اوراق التوت التي كانت تخفي بعضا من عوراتهم! فهذه المملكة العربية
السعودية وهي اكبر دولة اسلامية، ومهد الرسالة النبوية، وكذلك دولة قطر بثقلها المالي، قد اندمجتا في المشروع الجديد المرسوم للشرق الاوسط، وهو المشروع الصهيوني الامريكي.
قد يعتبر البعض هذا الكلام إن هو الا ضرب من الجنون!! لكن من حقي ان أخمّن وافكر بحرية قبل ان نفقد تلك الحرية، في بلاد الحريات ايضا!
التعليقات (0)