مواضيع اليوم

اوراق من المهجر 6

salah ravo

2013-11-15 23:38:26

0

سياسة الاعتذار والاعتراف بالخطأ


استغربَ العالم برمته في الاول من ايلول سنة 1939 عندما غزا هتلر بجيشه الجارة الشرقية له ( بولندا ) واحتل اجزاء كبيرة منها ليضمها الى دولته لتحقيق حلمه التوسعي الذي سطرَ له في كتابه (كفاحي ) وكانت هذه من البوادرالاولى لنشوب الحرب العالمية الثانية وانهيار المانيا بعدها بستة سنوات وتقسيمها بين دول الحلفاء (الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي ). حالة استغراب العالم هذه تكررت في الثاني من آب سنة 1990 عندما دخل صدام بجيشه الى الكويت ليعلنها مدينة تابعة لجمهورية العراق وكانت هذه ايضا البادرة الاولى لتخندق ثلاثة وثلاثين دولة لضرب صدام وجيشه وارجاع شعبه الى عصر ما قبل الصناعة كما هدد وزير الخارجية الامريكي انذاك جيمس بيكر .
لم تقف المانيا مكتوفة الايدي بعد الدمار الذي حل بها بل سارعت قبل تأنيب الاخرين الى مراجعة نفسها وايجاد الحلول العملية الناجعة للخروج من المأساة وعمل كل الجهود الممكنة لاعادة الحياة الى وضعها الطبيعي ووافق السياسيون الالمان على معاهدات مع الحلفاء من منطق الطرف الخاسر في الحرب اعتبرت مخجلة حينها على امل استرجاع الصناعة والزراعة والتجارة الى سكة العمل وما كان "مشروع مارشال " الا الصفقة الرئيسية لاعادة عجلة الحياة الى طبيعتها رغم سيئات المشروع الكثيرة والمهينة بعيون الالمان .
لم تمر اكثر من عشرة سنوات حتى استعادت المانيا دورها الريادي في اوربا وسميت بالوحش الاقتصادي او المعجزة الاقتصادية لبراعة وزير اقتصادها "ايرهات " والذي اصبح فيما بعد مستشار المانيا، اذ اصبح المدخورالاقتصادي الالماني كبيرا وعملة المارك الالمانية تضاعفت الى اعلى معدلاتها مقارنة مع الدولار، لكن كل ذلك لم يغري المانيا في مراجعة اخطائها واولها الاعتذار لليهود وتعويضهم بسبب تداعيات المحرقة " الهلكوست " التي قام بها هتلر ، اذ قال المستشار الالماني " اديناور" جملته الشهيرة سنة 1952" تعويض ما لايـُعوض " بصرف اكثر من750 مليون دولار في مؤتمر لوكسمبورغ مع مستحقات اخرى لدولة اسرائيل حسب العقد المبرم ، وفي سنة 1975 ذهب المستشار الالماني " شميت " الى بولندا طالبا  الصفح عن اخطاء الماضي والتي تسببت في حدوث شروخا كبيرة وعميقة بين الجارتين .
الان حينما يعبر المرء بسيارته من المانيا الى بولندا او اي بلد مجاور اخر لالمانيا لا يعرف بانه دخل الى حدود دولة اخرى الا بوصول رسالة الى بريد هاتفه الخلوي لتخبره بوجود خدمتها في هذه الدولة ايضا او قد يتعرف على الفارق بملاحظة بسيطة في رقع الطرق الخارجية وترقيمها .
بالمقابل لوعاينا النظر اليوم في المشهد العراقي تحديدا واخترنا مثالا طفلا متسربا من المدرسة ويبيع المرطبات في الشوارع "وما اكثرهم " كعينة اختبار وطلبنا منه اعتذارا شفويا لدولة الكويت سيخبرنا بان كبريائه لا يسمح له بالاعتذار لدولة صغيرة بحجم الكويت وهو ابن سلالة بابل واجداده اكتشفوا العجلة وجده حمورابي الذي سن اول قانون في التاريخ واهله اصحاب اول لغة وحضارة والحقيقة ان هذا الطفل والالاف من امثاله في هذا البلد لا يجيدون القراءة والكتابة !!.
نزعة التكبر المتمثلة بالطفل موجودة في العراقيين بغالبيتهم الساحقة من اكبر مثقفهم الى ابسط عامل ، والا كيف نفسر وجود اكثر من الف مقبرة جماعية في العراق دون وجود جاني واحد سوى العدد المتمثل بالوزراء والقياديين الذي لا يتجاوزون المئة شخصا وكأن افراد الجيش العراقي كانوا مجموعة من الملائكة ، كيف نفسر قصف القرى الكوردية بالكيمياوي بواسطة الطائرات العراقية ولم نرى طيارا واحدا اعترف يوما بوجود هكذا سيناريو او وجود ذنب عليه ، كيف نفسر ترحيل الاف القرى الكوردية وتعريبها فيما بعد دون اعتراف شخصا واحد من اهاليها بالمخطط المرجو ودوره فيه؟ علما ان الاغلبية المشاركة انذاك تسرح وتمرح في تنظيماتهم الحزبية الجديدة !. كيف سنقنع الاجيال القادمة بتعرض العراقيين للتعذيب في "نكرة السلمان "و السجون العراقية الاخرى لسنوات عديدة على ايدي اخوانهم دون اعترف واحد لشرطي او ضابط وطلبه المغفرة وكأن السـُجان والقضاة والمسؤولين كانوا من جزر الواق واق؟! على من سنوجه التهمة بأنفلة العوائل العزل من الاطفال والنساء ولم يتقدم مستشار سرايا واحد " افواج الدفاع الوطني " او جحشا واحدا كما يطلق بالعامية للمحكمة الجنائية في بغداد في جريمة الانفال بصفة شاهد حتى بعدما ان اعفى عنهم بقرار من حكومة الاقليم تفاديا لاراقة الدماء ؟
ان الاعفاء عن الجرائم الشنيعة لاتعني بتاتا موازة تلك الشريحة بعامة الناس ، بل لدرجة انهم تطاولوا وحصلوا على نفس مراتبهم السابقة بمسميات جديدة واصبحوا كالاخطبوطات يسيطرون على مصائر الناس وسبل عيشهم دون اي خجل او واعز اخلاقي وما وجودهم بمنزلات اجتماعية مهمة وبمناصب اغلبها متقدمة في واقع الاحزاب العراقية الحاكمة " الكوردية التي تهمني على وجه الخصوص " الا مثالا صارخا وفاضحا على ان البلاد واحزابها الحاكمة لا يمكن ان تتصالح مع ابنائها الى ان تصادق شعاراتها في احلال الحق والاعتذار لأبنائها ومن ثم البدء بالاعتذار للدول التي اضرتها سياسات الحكومات السابقة.
كل خوفي ان يتوب احد الجحوش على يد مقالتي ويعترف بذنوبه امام الملىء لنرى بعد فترة وجيزة وقد اصبح مسؤولا حزبيا مرموقا !!

• السرايا _ مصطلح اطلق في زمن عبد الحميد الثاني وسمي السرايا الحميدية ولم تكن مرتبطة بالجهاز العسكري الرسمي والفكرة هي محاربة طموحات الاقوام والملل من قبل وجهائها بدعم مادي من قبل الدولة ,تكررت التسمية مع نشوء الدولة العراقية وترسخت مفاهيمها في زمن البعث بعد سنة 1968




صلاح حسن رفو




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !