يوميات مدينة
اسكنُ في مدينة اسمها بوخوم كانت تشتهر في السابق بمناجم الفحم الكثيرة ومداخنها الكبيرة وافرانها العالية والان تشتهر بجامعتها ودار بوخوم للاعمال التمثيلية واحد معامل شركة اوبل للسيارات وشارعه المشهور المسمى (مثلث برمودا ) الذي يضم اكثر من 200 مطعم ومشرب في شارع قريب من محطة القطار والذي يـُشكل العمود الفقري لأقتصاد المدينة، كذلك لدى المدينة فريق فاشل في لعبة كرة القدم ، اذ ما ان يرتقي لموسم كروي الى مطاف دوري الدرجة الممتازة حتى ينام في سبات لاربعة مواسم متتالية ويهبط الى دوري الدرجة الثانية ، لكن هذا لا يمنع بأن البوخوميون عموما يظلون يحبون ناديهم ويشجعون لاعبيهم ، كذلك لا يتهمون كادرالفريق عند الخسارة بالخيانة والتهاون لصالح مدينة مجاورة !. بمناسبة ذكر المدن تقع بوخوم في مقاطعة نورد راين فستفالن (مقاطعة من اصل 16 مقاطعة تمثل مجموعها جمهورية المانيا الاتحادية )بين مدينتين كبيرتين مقارنة بها اذ تجاورها شرقا مدينة دورتموند ومن الغرب يحيطها مدينة ايسن .
يقول صديقي المغربي زكريا ببساطته : ان اردت ان تقيس غنى وفقر بلديات المدن فما عليك سوى ان ترى عملها بعد هطول الثلوج في البلاد فأن رشت سيارات البلدية الملح على شوارع وارصفة المدينة مباشرة اعلم بان البلدية مكتفية ذاتيا وتملك ميزانية جيدة لحالات الطوارىء ، وبحسب منطق صديقي فانني ارى ان بوخوم غنية ونشيطة في هذا المجال ،ليس هذا فحسب بل هي تملك فكرا تجاريا رصينا ايضا كما يقول الحاسدون من اهالي دورتموند وايسن ،اذ ما ان اختيرت ايسن كعاصمة للثقافة الاوربية لسنة 2010 حتى سارعت بلدية تلك المدينة في اصلاح معالم كثيرة من مدينتها تهيئاً للحدث ومن شدة الفرح نست الطريق السريع الواصل بينها وبين بوخوم ولتعاني من شبه افلاس قبل موعد الحدث الاوربي المرتقب ، وهنا استغلت بوخوم الفرصة احسن استغلال عندما اقترحت على مدينة ايسن تجهيز واعادة تبليط وتوسيع الطريق بالمواصفات المطلوبة من ميزانية بلديتها كحسن نية بالمقابل مشاركتها بالارباح المرجوة في الفوائد التجارية التي ستنعم بها ايسن بعد هذه المناسبة !.
على غرار المثل الدارج ( عين الحسود بيها عود ) حاولت مدينة ديسبورغ القريبة ان تقلد بوخوم فشحذت الهمم في الحصول على الترخيص لاستضافة بعض الفعاليات التي تدرعلى المدينة بعض المال ،وبالفعل احتفلت المدينة بحصولها على شرف استضافة مهرجان موسيقى التانكو او ما بات يعرف بمهرجان (استعراض الحب ) بعد ان اقنع منظمي الحفل المسؤولين المحلين بدفع معونات مادية تدفع مع ارباحها بعد المهرجان رغم التوجس الكبير بسبب المشاكل المالية الكبيرة التي كانت تعانيها المدينة ، الكارثة الكبيرة التي حدثت حينما لم تسع المنطقة المهيئة للحفل من استقبال عدد المحتفلين الذي بلغ 1,4 مليون شخص مما ادى الى مقتل 20 شخصا وجرح اكثر من 500 اخرين بسبب الازدحام الشديد ، الحكومة الالمانية صدمت من هول الكارثة والشعب الالماني لم يستوعب الخبر في البداية وشكلت على الفور لجان تحقيق لمعرفة ملابسات الحادثة ، لم تمضي فترة طويلة حتى اقر المنظمون بذنبهم ،كذلك الحالة بالنسبة لرئيس بلدية المدينة ووجهت اصابع الاتهام ايضا الى قسم من الشرطة الذين لم تكن ردود افعالهم بالسرعة المطلوبة .
لم يخفي اي من المتهمين تفاصيل الخطأ الذي وقعوا فيه لأيمانهم المطلق بحيادية القضاء ، كذلك ضغطت منظمات حقوق الانسان وبعض النقابات القانونية على الحكومة لتعويض اقارب الضحايا بمبالغ مالية ضخمة لان حالات بعضهم النفسية (كما ادعوا ) لا تسمح لهم العمل مرة اخرى من الحزن والاكتئاب ، كذلك الكوابيس وحالات الارق التي تلازم ذوي واصدقاء الضحايا.!
قد يقر القارى بتفاهة المطاليب الاخيرة اذا ما قارناها بعدد الاعمال الارهابية التي حدثت في العراق منذ ذلك التاريخ اذ لوجدنها بالالاف المضاعفة ، علما اننا سمعنا بمئات اللجان التحقيقة التي شكلت دون الوصول الى جاني واحد ناهيك عن الاضرار النفسية والاجتماعية التي لحقت بالبيئة المحيطة لكل تلك الحوادث التي لم يتطرق لها احد بشكل جدي.
لا اجد ختاما انسب من كلمات نزار قباني النثرية مناجيا روح (لوركا ) في اثناءالحرب الاهلية اللبنانية في السبعينيات من القرن الماضي اذ قال : بعد مرور اكثر من اربعين سنة على الحرب الاهلية الاسبانية ،مازلت اسمع اصوات الثكالى والارامل في كل عزفة غيتار وارى في كل رقصة فلامنكو دوائر حمراء لعرس الدم.
عرس الدم : من اشهر كتابات الشاعر الاسباني لوركا الذي قـُتل ابان الحرب الاهلية الاسبانية (1936_ 1939)
صلاح حسن رفو
التعليقات (0)