لن نكون ابدا مجانبين للحقيقة أذا ما أعتبرنا خطاب أوباما اللذي ألقاه ليلة الثلاثاء في الكلية العسكرية الأمريكية ، كخطاب أعلان خسارة الولايات المتحدة وحلف الأطلسي لحربهم مع القاعدة وطالبان في أفغانستان .
كان خطاب اوباما في ويست بوينت غريبا ومثيرا للسخرية في آن . فبالرغم من أن أوباما حاول بكل الطرق أقناع العالم بأن خطابه خطاب نصر ، وأن الأستراتيجية الجديدة في أفغانستان واللتي بدأت بالأعلان عن أرسال 30000 جندي الى ساحة المعركة ستكون بداية النهاية لطالبان . ألا أن كل ما جاء فيه هو شرح لخطة أنسحاب منظم أكثر منها خطة هجوم للقضاء على طالبان .
عن تقرير كتبه جويس كرم في الحياة قال " الاعلان الذي جاء في خطاب أوباما في كلية «ويست بوينت» الحربية في نيويورك فجر امس، حمل طابعاً براغماتياً وعملياً، اذ غابت عنه شعارات «الانتصار» و «إحلال الديموقراطية ونشر الحرية» والتي صاغتها ادارة سلفه جورج بوش. وبدلاً من ذلك، تضمن الخطاب شرحاً وتحليلاً مفصّلين لتبرير منطق زيادة القوات وتسليط الضوء على التهديد الأمني الذي يشكله تنظيم «القاعدة» بتحالفه مع «طالبان»، على استقرار المنطقة وأمن الولايات المتحدة والعالم" .
هذه البراغماتية والعملية اللتي وصفها جويس في تقريره تدل بوضوح على أن خطاب اوباما ليس خطاب أعلان بدأ الحسم كما حاول أن يوحي للعالم .
تتركز الخطة الأمريكية في أفغانستان على أرسال 30000 جندي أمريكي وعشرة الآف آخرين تحشدهم باقي دول حلف الأطلسي الى أفغانستان . مهمتهم بحسب وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس مواجهة النفوذ المتنامي لطالبان .
أما الجنرال ستانلي ماكريسال قائد القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان فقد قال إنه سيسعى لاستغلال الموارد الإضافية لإقناع مسلحي طالبان بأنه ليس بمقدورهم إحراز النصر، وكذلك إفساح الطريق أمام الحركة لنبذ العنف بكرامة .
ألا أن أوباما أوضح في خطابه أن المهمة القادمة للقوات هي " بدء نقل السيطرة الى القوات الأفغانية في تموز (يوليو) 2011 وبعد تدريبها من القوات الأميركية وحتى يتمكن المزيد من الأفغان من المشاركة في القتال ". أي التخلص من المستنقع الأفغاني ونقل مهمة قتال طالبان الى الأفغان أنفسهم " . وبعبارة أخرى ، أرجاع الأمور الى ما كانت عليه قبل عام 2001 .
أضافة الى الضغط على باقي الحلفاء وخاصة باكستان لبذل المزيد من الجهد لتقوم هي لوحدها بالتصدي لطالبان في نهاية المطاف ومحاولة رشوتها بدعم مادي أكبر مقابل تخليصها من هذا المستنقع . الأمر اللذي أثار حفيظة الكثير من القادة الباكستانيين كما جاء في الصحف الأمريكية(1) .
الشعور العام بأن خطاب اوباما ليلة الثلاثاء هو خطاب هروب من أفغانستان كان واضحا من سيل الأسئلة والتعليقات اللتي أنهمرت بعد الخطاب واللتي قارنت حرب أفغانستان بحرب فيتنام .
واذ رفض أوباما مقارنة الحرب في أفغانستان بحرب فيتنام، اشار الى الالتزام الدولي في هذه الحرب (43 حليفاً) والتهديد الذي تشكله «القاعدة»، ولأن حركة التمرد ليست مدعومة شعبياً بالمستوى الذي كانت عليه في هانوي في سبعينات القرن الماضي . لكن الرئيس الأميركي رسم مقاربة في المهمة العسكرية بين حرب أفغانستان وحرب العراق، وقال: «هذه التعزيزات الأميركية والدولية ستسمح لنا بالإسراع بتسليم المسؤولية إلى القوات الأفغانية وتسمح لنا بالبدء في نقل قواتنا إلى خارج أفغانستان في تموز (يوليو) 2011، تماماً كما فعلنا في العراق» نقلا عن جويس من الحياة .
وكما بدأنا هذا المقال فأن أي تحليل بسيط لكل ما جاء في خطاب اوباما والتعليقات اللتي تلته توضح بما لا يدع مجالا للشك بأن الأستراتيجية الجديدة اللتي أعلنها أوباما ليلة الثلاثاء واللتي ستكلف الولايات المتحدة وحدها 30 مليار دولار ستكون عبارة عن أرسال قوات أضافية ترفع عدد جنود حلف الأطلسي الى مئة الف جندي لتحقيق أنتصارات "تلفزيونية" هنا وهناك ومن ثم الخروج من أفغانستان بعد سنة الى سنتين بأنسحاب تدريجي لايمكن أحدا من مقارنته بالهروب من فيتنام ، تاركين الأفغان الى مصيرهم المحتوم بعد أن تخرج طالبان والقاعدة من جحورها بعد الأنسحاب . أي أن موضوع الأستراتيجية الجديدة برمته عبارة عن رفع عتب وحفض لماء الوجه اللذي أهدرته طالبان والقاعدة لا أكثر ولا أقل .
الجميع عبر عن سعادته بأستراتيجية الهروب الجديدة، بدءا من وزير الدفاع الأمريكي وقادة الدول الغربية ، وأنتهاءا بقائد القوات في افغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال اللذي صرح بعد ساعات من خطاب أوباما، قائلا "ان التعزيزات التي قرر الرئيس الأميركي إرسالها «ستحدث تغييراً كبيراً» في البلد ". هذا التغيير اللذي عبر عنه بأنه «بداية النهاية» في وصفه للمهلة التي حددها اوباما للانسحاب ووافق عليها هو، مستعيرا عبارة رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل إبان الحرب العالمية الثانية، قال فيها إنها «بداية النهاية» لثماني سنوات من الحرب. أي أن مبعث سعادة الجميع هو هذا التحديد ليوم الأنسحاب ، واللذي أنهى رعبا من حرب لا نهاية لها كان يجثم على صدر الجميع في الغرب .
أبداء الفرح بالأنسحاب من هذا الكابوس المرعب أجبر الجمهوريين في واشنطن على القول « ان تحديد موعد للأنسحاب سيزيد جرأة طالبان وسيقوِّض التأييد لحكومتي أفغانستان وباكستان» . أي أنهم يؤيدون فهمنا للموضوع على أنه أعلان هزيمة سيجعل من هجمات طالبان والقاعدة أشد وأقوى في قادم الأيام ، خاصة وأنهم يرون اليوم نتائج قتالهم للأمريكان وحلفائهم رأي العين . الأمر اللذي سيؤدي الى أعراض القبائل الأفغانية من الوقوف مع الحلفاء وقوات حكومة كرزاي خوفا من أنتقام طالبان بعد خروج هذه القوات .
ويبدوا أن أوباما كان يتوقع مثل هذا الرد من قبل الجمهوريين ، لذا فهو قد أستبق هذا الهجوم الجمهوري بهجوم أستباقي عليهم في خطاب ويست بوينت حيث أستعرض أخطاء الادارة السابقة وتحديداً بالدخول في حرب العراق وتجاهل الحرب في أفغانستان لست سنوات وعدم توفير الموارد العسكرية للقيادة هناك . واعترف أوباما بأن «الوضع في أفغانستان تراجع، وعلينا عكس الزخم ومنع حركة طالبان من إسقاط الحكومة » . وبذلك يمكن القول بأن حرب القاء مسؤولية الفشل في أفغانستان قد بدأت بين الجمهوريين والديموقراطيين من الآن .
أسئلة كثيرة تحتاج الى أجابة بعد خطاب اوباما . أهمها هو أنعكاس التصريح بالفشل والأنسحاب من أفغانستان على مسيرة المفاوضات النووية مع أيران اللتي تأكدت من أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة ليست قوة غير قابلة للأنهزام . وما هو أنعكاس كل ذلك على البلدان العربية . وعلى علاقة الشعوب العربية بأنظمتها المحمية من الغرب . وعلى مسيرة حل القضية الفلسطينية ، وغيرها من القضايا العالقة في المنطقة .
(1)
(2)
http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2009/12/091202_af_taliban_obama_tc2.shtml
(3)
http://international.daralhayat.com/internationalarticle/82464
التعليقات (0)