بعد أن استمعت البارحة إلى خطاب الرئيس الأمريكي لدى زيارته اندونيسيا واستقباله من قبل رئيسها، وهو يتشدق كما فعل من قبلها في القاهرة، بالحديث عن عدم التضارب بين الغرب والإسلام، وما تلاها من زيارته لأحد مساجدها، إلا وانتابني شعور أعادني إلى قصة الثعلب الذي ظهر بمظهر الصلاح، وطلب الديوك ليجتمع بهم، ويضع القواعد التي ستنظم حياتهم جميعاً، في ظل هذا الناسك المتعبد الجديد، راودتني أسئلة ألحت كثيراً في خاطري: من سمح لهذا القاتل بالحديث عن التسامح والعدل، وجيوشه تعصف بالبلاد الإسلامية تلو الأخرى، وتذيق المسلمين كل أنواع البطش والقهر والتنكيل؟! من سمح لرئيس أكبر دول للإرهاب في العالم أن يتكلم ومن داخل أراضي إسلامية عن العدل وهم ألد أعداء الحرية، ومن أكثر المجرمين استعبادا للشعوب؟! من سمح لهذا القاتل أن يتحدث عن الإسلام ودماء المسلمين ما زالت تقطر وأعراضهم تنتهك؟! وخلصت إلى مدى الهوان والذل والمهانة التي بتنا فيها كمسلمين، حتى قبل أن أحاول أن أجد أجوبة لهذه الأسئلة الحائرة.
والغريب أنه في الوقت الذي يتشدق به هذا الرئيس عن التسامح والعدل، نرى الشعبين المسلمين العراقي والأفغاني ، ما زالت تجري بحقهم جرائم لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل، وتسلم العراق إلى أذناب إيران، ومخابراتها، في الوقت الذي تدعي أنها ألد أعداء أمريكا، على طبق من ذهب، وهم أصحاب فرق الموت والقتل على الهوية، والسجون السرية ومرتكبي الجرائم التي كشف عنها موقع ويكليكس، يشاركهم في هذا أسيادهم الإرهابيون الأمريكان، حتى أن جرائم قتل المسلمين في كلا البلدين باتت ماثلة على كل جدار من جدران بيوتات الشعبين المسلمين، فكم من الجرائم ارتكبت ولا زالت ترتكب وكم من الأعراض انتهكت ولا زالت تنتهك، وكم من الفضائح أظهرت للعالم حقيقة ما يجري بحق المسلمين داخل السجون وخارجها، وما فضائح أبو غريب وغونتنامو عنا ببعيد، وما فضائح فرق الموت والسجون السرية في العراق كذلك عنا ببعيد، فما يجري أمور تقشعر لها الأبدان هولاً، وبمجرد دخول السجين إلى أحد هذه السجون إلا ويتم تعريته من ملابسه، ويحبس داخل زنازين ضيقة كالقبر لعدة أيام، وتقيد يديه وتطمش عينه، ولا يسمح له إلا التبول ولثواني فقط وأمام جنود الغزاة، ويهدد بإحضار زوجته أو أخواته واغتصابهم إذا لم يعترف بما يريدون له أن يعترف به، فيخرج على التلفاز ويعترف بأمور لا علم له بها أبداً. هذا بالإضافة إلى عمليات التعذيب التي تمارس وبشكل علني وآخر سري بحق المعتقلين، وذلك كما كشف عنه الدايني من فظائع وجرائم فرق الموت التابعة لميليشيات الحكومة العراقية العميلة وسجونهم السرية، وكما كشفت عنه وزيرة حقوق الإنسان العراقية من سجون سرية في الشهر الرابع من هذه السنة، والكثير غيرها والتي كان آخرها الوثائق التي أظهرها موقع ويكليكس.
كما حدثني أحد السجناء عن كيفية معاملة المعتقلين داخل تلك السجون، وكيف يتم نقل المعتقلين من سجن إلى آخر، بعد أن يتم تعريتهم من جديد، ويعطوا ملابس جديدة، وتقيد أيديهم وأرجلهم، وتوضع على أعينهم نظارة سوداء، دون مراعاة في هذا لمريض أو كبير في العمر، أو مجنون أو أعمى، أو عاجز لا يستطيع الحركة، والغزاة يسوقونهم كالخراف ويسبونهم بأقذر العبارات وأحطها، وسط قسوتهم في محاولة دفعهم إلى الحركة وهو يرسفون في الأغلال، ويضيف هذا السجين السابق: " بالرغم من أن المنظر مؤلم وقاسي، إلا أنه كان يزرع في قلوبنا مزيداً من اليقين والإيمان، ومزيداً من الحقد على المحتلين، ويؤكد لأعيننا الحقيقة الواضحة الجلية، التي تثبت صدق الله عز وجل في كل آن وحين، وهي: أنه من المستحيل أن يصبح الباطل حقاً، مهما ادعى أصحاب الباطل، ومهما حاولوا أن يظهروا بمظهر النسك والتعبد".
وما الفضائح التي نشرها موقع ويكليكس عن جرائم دولة الإرهاب وأذنابهم من الخونة والإيرانيين إلا أكبر دليل على وحشيتهم، وأنهم قتلة مجرمون مهما حاولوا أن يدعو الطهر والبراءة، ومهما تمظهروا بالنسك والزهد.
ورغم كل هذه الفضائح فإن القتلة ما زالوا مطلقي اليد، ولم نسمع عن أحد منهم يقدم للمحاكمة كمجرم حرب، لما ارتكبوا من جرائم بحق الشعوب المسلمة، وما يتبجح به هؤلاء عن أحاديث العدالة والتسامح والديمقراطية ليست سوى أكاذيب وادعاءات يفندها الواقع، وإنما تطبق شريعة غابهم بحق الضعيف، بينما يبقى القوي يسرح ويسفك الدماء، وينتهك الأعراض، بدون أن يحاسبه أحد، ولذلك كان من المؤلم بمكان أن يخرج علينا اوباما، وهو يتشدق بالحديث عن الحرية والتسامح، وادعاء الطهر والنقاء، فمن سمح لهذا القاتل أن يتحدث وبكل وقاحة غير من سلطهم الله تعالى علينا؟! ومن غيرهم يستقبل هذا الثعلب بكل ذل وخنوع، ومن غيرهم يحاول أن يجعل من الباطل حقاً؟! ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد، وهو فاضحهم ومخزيهم، وفيهم يقول تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" المائدة51.
وهذا هو حال الكفرة والمنافقين في كل آن وحين، مهما حاولوا أن يدعوا أنهم أصحاب حق إلا أنهم يظهرون على حقيقتهم للعالم اجمع ، وينكشف حقدهم وتتضح أكاذيبهم، يقول تعالى: " مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" آل عمران179، ويقول تعالى: "قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ" المائدة100، ويقول تعالى: "لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" الانفال37، وأما أصحاب الحق وأهله الحقيقيون فهم أينما وجدوا تراهم لا يذكرون إلا بالثناء الحسن، ولا يفعلون إلا ما أمروا به، ولا يجتنبوا إلا ما نهوا عنه، يضعون نصب أعينهم الحق أينما دار وكيفما اتجه، وفي رسول الله لنا أسوءة حسنة، وهو القائل:" .. لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" وبمثل هذا كان عليه الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، رضي الله عنهم أجمعين، حتى أن علياً – رضي الله تعالى – عنه وهو الخليفة وأمير المؤمنين، ينزل أمام القاضي ليحكم بينه وبين يهودي ادعى أن الدرع الذي مع أمير المؤمنين له، وكانت هذه الحادثة سبباً في دخول اليهودي الإسلام.
واذكر كذلك الفرنسيين اللذين أسرا على يد المجاهدين في العراق سنة 2004م، وبقوا محجوزين لديهم عدة أشهر، إلى أن تم إطلاق سراحهم، وقامت الجزيرة بإجراء مقابلة معهم، أكدوا من خلال هذا البرنامج أنهم عوملوا أحسن معاملة، وهذه هي أخلاق المسلمين الحق بالرغم من عمليات التشويه التي تلحق بهم، من قبل أعداء الإسلام في كل مكان، بينما سيبقى الباطل باطلاً ومعاملة أهل الكفر والنفاق للمسلمين هي هي، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ويقول تعالى: " مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ" فاطر10، مخطئ من ظن يوماً أن لاوباما ديناً.
التعليقات (0)