«لو اختفتِ النساءُ من مجتمع، لاختفى السلفيون»، دعابةٌ أطلقتها طبيبةٌ مصرية فى تعليقها على مقال. دعكَ من الفانتازيا بالعبارة، وتأمّل المرارة تقطرُ من دلالتها. معروفٌ أن الإنسانَ يبتهجُ إذا ما كان محورَ الحديث لدى فئة من الناس. لكن الأمر مختلفٌ بالنسبة للمرأة مع السلفيين. المرأةُ ضجرت وكرهتْ أن تكون الموضوع «الأوحد» لأطروحات السلفيين، وشغلهم الشاغل، لأن فتاواهم جميعها تُكرّسُ فكرة واحدة، ترفضُها المرأةُ ويرفضها العقل، تقول إن المرأة «محضُ جسد»، «هيكلُ متعة بلا عقل»، «مركزُ إغواء متنقّل»! أليس فى عقولهم شاغلٌ سوى المرأة؟!
افتح التليفزيون على أى قناة فى أىّ وقت، تجد سلفىًّا يتكلم عن البكينى والشورت والشَّعر وكيف سيعلمون السائحاتِ الأدبَ والحجابَ على أرض الفضيلة، أرضنا. والشاهدُ أن الأجنبية حين ترتدى الشورت، لا تفكرُ مطلقًا فيما يفكر فيه العربُ المصابون بداء «تضخُّم الشعور بالجسد». كل ما يريده الغربىُّ، رجلاً كان أم امرأة، هو التواصلُ مع الطبيعة. أن يتفاعل جسدُه مع الشمس لأنها مصدرُ الحياة وجوهرها. تلك فلسفة العودة للطبيعة. مثلها مثل فلسفة العودة للخضراوات الطازجة والفاكهة والابتعاد عن المعلّبات المحفوظة والمسبّكات والمقليات وكل المُسرطنات التى تحتلُّ موائد العرب «الأكرمين»! السائحةُ تكشف أجزاء من جسدها لتنهل أكبر قدر من الأشعة فوق البنفسجية وفيتامين D، الذى لولاه ما امتصّتِ العظامُ الكالسيوم من الأطعمة. أما ما فى رؤوس رجالنا، العرب، حين يشاهدون تلك الأجساد، فهو محض أمراض لا تدركها النساءُ، ولا تُلزمهن أيضًا.
الخطأ فى الرأس، فأصلحوا الرؤوسَ يصلحكم الله. السيارةُ توصلنا من مكان إلى مكان. والسيارة تدهسُ طفلاً وتقتله. ليس الحلُّ فى حرق السيارة لأنها تقتل الأطفال. إنما الحلُّ فى حُسن قيادة السيارة. لهذا يأمرنا الإسلام «بغضّ البصر»، لا بوأد النساء. وإلا ففيمَ إذن مجاهدةُ النفس ومنعها من ارتكاب المعاصى؟! عليكم معالجة أمراضكم وشهوات رجالكم، بدل أن تعلّموا سواكم من أبناء الثقافات الأخرى أن يكرهوا الطبيعة مثلما كرهناها نحن وأعرضنا عنها، فأعرضتْ عنّا الطبيعةُ لنغرق فى السرطانات والفشل الكلوىّ والكبدىّ وهشاشة العظام والبدانة وأمراض القلب والجلطات والذبحات الصدرية إلى آخر القائمة الطولى من أمراض العالم الثالث الذى يلتهم الجانك فود والمحمّر والمشمّر ويقبع كسولاً أمام التليفزيون بالساعات، كارهًا المشى والسباحة والتريض والقراءة واحترام الطبيعة. واحترام «الآخر» كذلك.
من المحزن حقًّا أن ينزعج السلفيون «جداً» من مرأى شَعر المرأة دون غطاء، بينما لم نرهم ينزعجون أبدًا من مرأى طفل حافٍ يبحث فى صناديق القمامة عن كسرة خبز مع القطط والكلاب! لم نسمع منهم فتوى عن أطفال شوارع يملأون أرصفةَ مصرَ ويتناسلون أطفالاً سيصيرون بدورهم متسوّلين وخارجين عن القانون، بينما يصكُّ آذانَنا ليلَ نهار صراخٌ حول شَعر المرأة وحُرمة الكعب العالى وعورة صوتها (ماعدا فى التصويت لحزب النور)، وجواز إرضاعها الكبير وانعدام أهليتها ونقص عقلها وضرورة ضربها وزجرها لضبطها على الطريق القويم!..
يقول «ميشيل فوكو»: «إن أكثر الشعوب تحريمًا لشىء هى أكثرها هوسًا به». فهل السلفيون مهووسون بالمرأة جدًا فلا تخرج فتاواهم عن دائرتها؟! أليس من شىء فى دماغ السلفىّ سوى المرأة؟ هل يعرف السادة السلفيون كم امرأة مَعيلة فى مصر؟ كم امرأة تنفقُ على أطفالها وزوجها وأمها وأبيها؟ لماذا تُصرّون أن تقدموا للعالم صورة شوهاء عن الإسلام فتختصرونه وتُقزّمونه كأنه لم يتكلم إلا عن شعر المرأة وجسدها؟! اصمتوا قليلا لأن كلامكم يُدينكم ويُهينُ الحياة! أو اوئدوا النساءَ ليصفو لكم وجه العالم، وتستريحوا، وتريحونا!
بقلم فاطمة ناعوت
التعليقات (0)