السيرة الذاتية للشاعر |
- شهدت مدينة الدوحة - عاصمة دولة قطر ميلاد محمد بن خليفة العطية سنة 1962.
تجربتي مع الشعر بقلم: محمد بن خليفة العطية «الشعر ديوان العرب».. هذا ما كان، ولكن أياً كانت المكانة التي اصبح شعرنا العربي يحتلها الآن، في خضم حياتنا الحاضرة، بما فيها من تقلبات وتعقيدات، وبما تحمله في ثناياها من ملهيات، فإني أعترف بأني قد أحببت هذا الفن الجميل منذ الصغر، وما زلت على العهد. كنت أحس بمتعة، لا تضاهيها متعة، حين أستمع إلى الشعر، لكني لم أكن استطيع ان أتبين سر هذه المتعة، وهل هي كامنة في الموسيقى ام في الصورة ام في التكثيف الذي يلخص موقفا من الحياة او تجربة من تجارب الانسان، ومثلما يحاول الطفل الذي يحبو أن يقف على قدميه لكي يمشي، وقد يشجعه الكبار الذين يراقبون محاولاته أو يضحكون إذا ما تعثرت الخطوات، فكذلك كانت بداياتي مع الشعر، حيث كتبت ومزقت، ثم كتبت دون ان أمزق ما كتبت، وكان هناك بالطبع من يشجع ومن يضحك مما كنت احاوله، لكني ادركت، بصورة مبهمة في البداية، انه يتحتم عليَّ لكي أكون شاعرا أن يكون لي صوت، وأن يكون هذا الصوت خاصا بي، وليس مجرد صدى لصوت ساحر أحببته، فأردت أن أقلده أو أن آتي بمثله. أن يكون لي صوت.. هذا ما أحببت، ولكن كيف يتحقق لي ما أريد؟ بمقدور الطفل أن يبكي وأن يصرخ لكي يحصل على لعبة يتلهى بها، لكن الانسان لا يستطيع أن يصدر قرارا فجائيا بأنه يريد أن يكون شاعرا، فيتحقق له بالمجان ما يريد، إذ لابد لهذا الانسان أن يتحول إلى سباح ماهر، بإمكانه أن يغوص في الأعماق، ليكتشف أسرار جمال كل لؤلؤة يستخرجها، ويبدو الأمر أكثر صعوبة حين يكون الانسان الذي يريد أن يكون شاعرا إنسانا عربيا، لأن عليه -في هذه الحالة- أن يتعرف على تراث شعري عريق، خلَّفه الأجداد والآباء على امتداد قرون من الزمان. الرحلة ابتدأت، والخطوة مع الشعر اصبحت خطوات، قطعتُها بالجهد والإصرار، وكأني أردد خلالها قول المتنبي العظيم: وإذا كانت النفوس كباراً تعبتْ في مرادها الأجسامُ على امتداد سنوات الرحلة، نشرت قصائد عديدة في الجرائد والمجلات التي تصدر في قطر وخارجها، وشاركت في ملتقيات أدبية وأمسيات شعرية، كما أصدرت ديوانين، أولهما بعنوان «مرآة الروح» سنة 1989، اما ثانيهما الذي تأخرت طويلا في اصداره، فهو بعنوان «ذاكرة بلا ابواب» وقد صدر سنة 2002، وكان همي الذي يشغلني عبر هذه المسارات والمنعطفات أن اطلق صوتي الخاص، وأن اتعرف على ما استطعت أن أحققه وما لم أستطع، وهذا لا يتأتى إلا بالمواجهة مع الآخر -المتلقي، مستمعاً كان أو قارئا. وبكل تأكيد، فإني استفدت كثيرا من المواجهة، حيث تعرفت على ملاحظات وانطباعات متقاربة أو متباعدة، وايجابية أو سلبية، وكنت أحرص بصورة أكبر على التعرف على ما هو سلبي من تلك الملاحظات والانطباعات، وأن أظل -في نفس الوقت- متورطا مع كتابة القصيدة، وهو تورط لذيذ يستشعره المبدع أيا كان، لكني لم اهتم كثيرا أو قليلا بعملية «التنظير» للشعر، أو برسم ملامح من تجربتي معه، ولم يكن مقصدي من هذا أن «انام ملء جفوني عن شواردها» وانما ان يتركز الجهد، كل الجهد، على الإبداع ذاته، طالما ان تفاعلي مع الشعر لم يتوقف، وطالما ان الرحلة مستمرة، واذا كنت قد قطعت خطوات، فإن الطريق طويل، وهذا ما يتطلب يقظة وحماسة متجددتين. أصدقاء كثيرون، من الشعراء والنقاد، على حد سواء، أخذوا يحثونني على أن أسجل رحلتي مع الشعر، ومن ناحيتي فإني كنت أؤكد لهم أن الرحلة معه لم تتوقف، ولهذا فإني أفضل أن أندمج مع الفن، بدلا من أن ألجأ إلى التنظير. والحقيقة أن كتابة الشاعر عن تجربته الشعرية لم تكن ظاهرة ملموسة قبل بدايات حركة الشعر الحر، حيث كتب كثيرون من الرواد الكبار لهذ الحركة تجاربهم أو ملامح منها، وقد مزج بعضهم بين التجربة الشعرية والسيرة الذاتية، لكي يرصد من خلال هذا المزج أوجه التلاقي والتشابك بين التجربة والسيرة، ولابد أن أشير في هذا السياق إلى نزار قباني في «قصتي مع الشعر» وإلى صلاح عبدالصبور في «حياتي في الشعر» وإلى عبدالوهاب البياتي وآخرين كثيرن، وإذا كان لكل شاعر من هؤلاء الشعراء الكبار هدف من وراء تسجيل تجربته الشعرية، فإن أطرف هدف، هو هذا الذي حدده نزار قباني، حيث قال: «أريد أن أكتب قصتي مع الشعر قبل أن يكتبها أحد غيري.. اريد ان اكشف الستائر عن نفسي بنفسي، قبل أن يقصَّّني النقاد ويفصلوني على هواهم». يبدو أني سأختلف الآن مع نزار قباني، هذا الشاعر الكبير الذي احبه، لاني سأترك النقاد يفصِّلونني على هواهم، لكي اظل انا مع القصيدة وليس مع سواها، ولا بد أن أقر بأني قد استفدت كثيرا مما كتبه الذين تناولوا قصائدي وتجربتي الشعرية، واذكر من هؤلاء الناقد الكبير الدكتور ماهر حسن فهمي والناقد الكبير الدكتور محمد عبدالرحيم كافود، وكذلك الشاعر والناقد الدكتور سليم سعيد، والشاعر الناقد حسن توفيق، والشاعرة الناقدة عزة رشاد. كتب الدكتور ماهر حسن فهمي عن «مرآة الروح»- ديواني الأول، يقول: «يكشف هذا الديوان عن اعماق هذا الشاعر الشاب، المفعمة بالأسى، لأن المرحلة العمرية التي يمر بها تتسم بالرومانسية التي تعبر عن هذا الحزن الحائر أو تلك الحيرة الحزينة»... وهذا بالطبع ملمح من الملامح التي استشفها الناقد الكبير الراحل في ثنايا مقال مطول، نشر في جريدة «[» القطرية -عدد 24 مارس سنة 1990، أما الدكتور محمد عبدالرحيم كافود فانه كتت بحثا أكاديميا مستفيضا، نشره أولا في «حولية كلية الانسانيات والعلوم الاجتماعية» بجامعة قطر سنة 1990، ثم أدرجه فصلا كاملاً من فصول كتابه «دراسات في الشعر العربي المعاصر في الخليج». يرى الدكتور محمد عبدالرحيم كافود ان التجربة الشعرية عندي «.. رغم بزوغها من رحم الواقع المرفوض لدى الشاعر، إلا انها تسمو على الواقع بغاياتها النبيلة الخيرة، فرؤية الشاعر رؤية مسؤولة، تتمثل دائما واقعا يحمل الحق والخير والعدالة، فالشاعر أو الفنان الحق هو بأني الحياة الجديدة ومنقذ لمجتمعه من السقوط والتردي، حيث أن الشاعر يتعمق احساسه في هذا الواقع، فيدرك أبعاده وخفاياه..» أما الشاعر الناقد حسن توفيق، فإنه كتب عن ديواني الثاني «ذاكرة بلا ابواب» حيث قال: «ان قصائد هذا الديوان تؤكد ان صاحبه عاشق للشعر بمختلف اطيافه، وهكذا تتلاقى في سماوات روحه قصائد امرىء القيس وطرفة بن العبد مع قصائد المتنبي واحمد شوقي ومحمد مهدي الجواهري وابراهيم ناجي، وصولا الى قصائد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبالصبور، فالمهم عند محمد بن خليفة العطية ان يكون الشعر شعرا بكل معنى الكلمة، من هذا المنطلق فان صاحب «ذاكرة بلا ابواب» لا يتعصب لشكل شعري ضد سواه، حيث يترك الحرية كاملة لتجربته الانسانية لكي تتشكل موسيقيا في الاطار الذي يتسق معها ويتوافق، وهكذا تتجاور قصائد الشعر الحر مع القصائد ذات النهج المتوارث، وكأنها تتحاور فيما بينها، وتنعم بحسن الجوار..». إذا كنت قد تركت المجال للنقاد لكي «يفصلُّوني على هواهم»- وفقا لتعبير نزار قباني، فلا بد لي الآن أن أغامر، وأن أتحدث عن نفسي بنفسي، وعن تجربتي الشعرية كما أراها، وأقتطف هنا بعض ما كنت قد قلتُه في حوار صحفي، أجرته مع جريدة «[» القطرية عقب صدور ديواني الثاني، وهو حوار منشور بتاريخ 8 ابريل سنة 2003، بعنوان «ليست عندي طقوس معينة في كتابة القصيدة». في معرض اجابتي على سؤال يتعلق بالولوج إلى فضاء القصيدة، قلت: اكون غير صادق لو قلت أن هناك طقوسا معينة، أنا من النوع الذي أتأثر تماما بمقولة الفعل ورد الفعل، وهو ما يغلب على شعري، خاصة في القضايا السياسية.. هناك رصد لوقائع معينة، كان لها الأثر السلبي أو الايجابي على الظرف في ذلك الوقت، وأحيانا أجد نفسي في خلوة، ربما تكون فيها الهواجس مطلقة، فأجد ذلك الترنيم القادم من بعيد، بأهازيج القوافل القديمة، وذلك الحادي الذي لا تميز صوته الا بعد قليل حين يصل إليك، وتصل اليك نظراته ويشنف أذنك بذلك الهزيج، وهذه هي القصيدة التي اجدها. في بعض اللحظات حينما أخلو إلى نفسي أكون غافلا عن بيئة الشعر، وبعيدا عن التفكير بالشعر، فإذا بالقصيدة قد تهبط هبوط القوافل، فأجدني اكتب القصيدة وأنا أهزج بها، فهذه هي روحانية القصيدة ومبدأها عندي، ولا أجد في تلك الحالة أجمل من تلك اللحظة، لحظة كتابة القصيدة. القصيدة تختار نفسها ووقتها وشكلها.. ربما يكون هذاعيبا عندي، لكنني أجدها لحظات صدق مع نفسي، لأنه ربما يختلف الواقع الذي يفرض نفسه على الأديب أو المثقف أو السياسي.. انا لست من اهل السياسة، ولكن ربما يتشكل عندي رد فعل شعري ازاء ما يحيط بي من فعل سياسي. أود أيضا أن أشير إلى أن الروح الحديثة في القصيدة هي روح الشاعر، وأن أحتفظت القصيدة بشكلها القديم، واقول اخيرا ان الشاعر -أي شاعر- لا يولد من فراغ، لأنه ينتمي إلى مكان وزمان محددين، وفيما يتعلق بي فإني ابن مخلص لبيئتي العربية الاسلامية في هذا الزمان الذي تحاول العولمة أن تجرف في طريقها هوية الانسان وخصوصية بيئته وثقافته وتراثه. أعود إلى ما بدأت به، فألخص تجربتي الشعرية قائلا: أن يكون لي صوت خاص في زحام الأصوات..هذا ما أحببت أن أحققه، لكي أدافع بهذا الصوت عن ذاتي وثقافتي وتراثي ضد كل ما يتهددها كلها، ولكي أتطلع إلى عالم أفضل لبني قومي وللإنسانية جمعاء. |
التعليقات (0)