إنها فتنة .. أفلا تعقلون !!
عدنان كامل صلاح
تندفع منطقة الشرق الأوسط بكاملها نحــو فوضى ستؤدي إلى تمزيق العديد من البلدان العربيــــة والإسلاميــة الواقــعــــة ضمن رقعة هذا المسمى ، ومنها باكستان وأفغانستان وإيران إلى جانب الدول العربية المشرقية والمغربية منها .. وقد يتذكر القارئ دراســـات مراكز الأبحاث الغربية التي تكاثرت بعد سقـوط الاتحاد السوفيتي. وانهيار التجربة الشيوعية في العالم، والتي أخذت تحذر من أن الخطر القادم على الحضارة الغربية آت من الدول الإسلامية والدين الإسلامي الذي يؤمن به ما يزيد عن البليون نسمة، في مختلف أنحاء العالم. هذه الدراسات أدت إلى قناعات لدى بعض القوى الدولية إلى أن عليها التركيز لإضعاف الخطر الإسلامي القادم .. واكتشفت هـذه القوى أن الاستفادة من الخلاف المذهبي بين المسلمين سيكون الأداة الأفضل لإضعاف ثم القضاء على هذا الخطر، كما تراه ، وعجلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك قبل ثمانية أعوام التركيز على مخاطر ما سمته بالإرهاب الإسلامي، الذي امتد إلى أوروبا وأميركا ودول أخرى، بالإضافة إلى بعض الدول الإسلامية نفسها، مثل إندونيسيا والباكستان والدول العربية. ومن المؤسف أن إيران وقعت في فخ إغراء الامتداد خارج حـدودها ، والسعي إلى استعادة مجد فارسي، بينما رأى البعض في بلاد إسلامية أخرى أن هذا الطموح الإيراني ليس سوى رغبة في استعادة مجد مذهبي شيعي عليهم مواجهته بحرب مذهبية ، يبدو أنها ستؤدي إلى خلق انقسام مذهبي إسلامي حاد لن يكون لا في صالح إيران ولا الدول الإسلامية الأخرى. فالثورة الإيرانية على شاه إيران قوبلت في الكثير من الدول العربية بالترحاب. إلا أن الحماس في الداخل الايراني دفع الخميني وبعض من حوله إلى الحديث عن تصدير الثورة، ولم يمض عام على استيلاء الملالي على السلطة في طهران حتى نشبت حرب بائسة فيما بينهم ونظام صدام حسين في العراق ، لم يجد أولئك المهددون بتصدير الثورة اليهـم سوى أن يقفوا إلى جانب العراق في حربه ضد إيران (من 1980 حتى 1988م). وعاد بعدها بعض الاستقرار إلى السياسة الخارجية الإيرانية في عهدي كل من الرئيسين هاشمي رفسنجاني ( 1989 إلى 1997 ) ومحمد خاتمي ( 1997 إلى 2005 ) بالرغم عن استمرار الخلاف الداخلي بين المتطرفين والمعتدلين، إلى أن قرر الأميريكيون غزو العراق وإسقاط صدام حسين وفتح البوابة الشرقيـة للعراق لتسهيل دخول الايرانيين اليه، وإصلاح التوازن (المذهبي) في العراق بتغليب الشيعة العراقيين، بصرف النظر عن علاقـة البعض منهم مع الإيرانيين ، لإعطاء الأغلبية العراقية الشيعية، كما قالـوا، حقهم في السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد. ولم تتمكن إيران من مقاومة السقوط في فخ العراق، وسعى المتطرفون المحافظون فيها إلى ترفيع محمود نجاد إلى موقع الرئاسة ومعه كل أولئك المتطرفين الذين اعتقدوا أن الأبواب فتحت لهم لتحقيق أحلامهم في إعادة الإمبراطورية الفارسية إلى سابق عهدها. وفجروا المخاوف في الدول العربية، وأغلبية سكانها من المسلمين السنة، من أن هناك مدا شيعيا قادما. خطر الاضطراب الداخلي في الدول العربية قائــم إذا اشتد الخلاف المذهبي ولم يفرق هؤلاء المختلفون بين أطماع دولة تحن إلى مجد فارسي، وبين مواطنيهـم من المذهب الشيعي.. والفتنة قائمة على الأبواب .. فبعض المجتمعات العربيـة السنية لم تعط الجماعات الشيعية فيها مساواة كاملة معها.. وتناست أن الأوطان حق للجميع. هذا الخلل في المجتمعات العربية يجب تصحيحه وعدم تجاهله، وهذا واجب السلطات الحاكمة، حتى لا نقع جميعنا في فــــخ الحـــــرب المذهبية التي يندفــع الإيرانيــــــون اليها بدون حساب النتائج التي يمكن أن تنعكس عليهم مستقبلا. ولن يكون في مصلحة إيران أن تعتقد أن حزب الله اللبناني مثلا أداة يمكن الاستفادة منها على المدى البعيد. فالشيعة في لبنان هـم لبنانيون أولا وأخيرا، وتمكن قادة الحزب الموالون لإيران من الاستفادة من ظروف (الحرمان) التي كان هؤلاء يعيشونها في بلادهم، والمكاسب السياسية والعسكرية التي حققوها في مواجهاتهم مع إسرائيل، لكسب ولائهم. إلا أن هؤلاء سيعودون في النهاية إلى أصولـــهـم ويقفون إلى جانب وطنهـــــم ولن يقبلوا بأن يكونوا أداة بيد دولة أخـــــرى ضد هذا الوطن ، وكذلك الأمر بالنسبة للشيعة في مختلف الدول العربية. سيأتي أوباما إلى القاهرة ليعلن من هناك إستراتيجيته الجديدة لمعالجة قضايا أميركا العالقة مع العالم الإسلامي ومحاولة حلها .. وأول باب سيطرقه هو القضية الفلسطينية.. ولم يتضح بعد كيف سيكون ذلك وما إذا كان الإسرائيليون سيسهلون الأمر عليه أم سيتلاعبون به حتى تنتهي ولايته.. وكذلك الأمر بالإيرانيين، الذين هم على علاقة ببعض الفصائل الفلسطينية التي يمكنها أن تسير في طريق الحل أو تواصل مسيرة تقسيم الفلسطينيين.. هدف أوباما هو أن يتوقف استهـداف أميركا وأن يتفرغ العرب، ومعهم العالم الإسـلامي، لما يمكنهـم أن يعملوه بأنفسهم. ومن هذا المنطلق فإن هناك واجبا، على الدول العربية والإسلامية التوجـه إليه، أولها أن يتوقف هؤلاء البعض عن مقارنة إيران بإسرائيل، والادعاء بأن إيران أكثر خطرًا على العرب من دولة إسرائيل، وأن تسعى الحكومات العربية إلى احتواء مواطنيها من المذهب الشيعي وإعطائهم حقوقهم كمواطنين عربا أولا وأخيرا، والتركيز على أن أي خطر يأتي من إيران هو سعي نحو إعادة مجد الإمبراطورية الفارسية ليس إلا.. كما أن على إيران مراجعة اندفاعها نحو الهاوية، ومعها العالم الإسلامي، وإعادة العقلاء إلى صدر الدولة، وإبعاد المتطرفين عن هذه الصدارة ولجم أصواتهم.. وعلى الإيرانيين أيضا أن يتنبهوا إلى ما يجري إغراؤهم به في كل من أفغانستان وباكستان من استخدام القبائل ذات المذهب الشيعي في محاربة القبائل ذات المذهب السني، أكانوا من طالبان أم لم يكونوا، لأن هذا لن يؤدي إلى خير لا لإيران ولا للمسلمين.. وعليهم أن يعوا أن هناك حدودا لما يمكنهم أن يصلوا اليه من نفوذ في محيطهم القريب والبعيد، وأن القوى الكبرى ، وهي قريبة جدا منهم بما فيها الصين وروسيا، لن تسمح لهم بالعودة إلى أمجاد فارس.. ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.
نقلا عن "المدينة"
التعليقات (0)