مواضيع اليوم

انكسارات في عاصمة عربية

بوشعيب دواح

2010-02-26 19:05:08

0

لحظات انكسار في عاصمة عربية                                                                        بقلم :ذ. بوشعيب دواح

بشارع العاصمة الكبير، جلس الباحث على الهامش و في قلبه أمل صغير. تحت عمارة السعادة ، التقت العجوز، الباحث الذي تعرفت عليه من قبل أمام قبة الشعب حين كان يتردد عليه صباح مساء بغية ارتضاء كرامات أولياءه التي ترتدي أردية بيضاء و تتحرك خارجه كل يوم أربعاء لرؤية الشموع الشابة التي تذوب تحت أشعة الشمس الحارقة. من شرفة القبة تطل القطط السمينة فتبدو الشموع صغيرة و في تجمعات غفيرة وهي في حالة تستحق الرثاء من الضياع و التشرد. العجوز لم تعد تراه منذ أن فقدت طفلتها الصغيرة اثر موجة عمرانية خليجية أتت على مسكنها المطل على الوادي حيث ضاع حقها و سط المضاربات العقارية. العجوز منذ مدة كانت تفترش الأرض و تلتحف السماء. جلست بجانبه بحسه المرهف و شفقته المعهودة التي امتصها من ثدي ساحة النضال المقابل لقبة الشعب .أمسكت يده اليسرى و هي تعد على الأصابع عدد الأبواب التي طرقتها فدخلتها لتجد نفسها في النهاية خارجها قابضة على الفراغ .
قالت له: كنت لا أريد رخصة نقل و لا معاش عن زوجي الذي استشهد دفاعا عن كرامة الوطن. خرجت لأبحث عن البنت الوحيدة التي ضاعت مني في ظروف غامضة، حينها قالت لي :" أماه ، خليك --ابقي - هنا سأجلب لكي الماء و إن كانوا قد حرمونا حتى من السقاية التي تروي الحي بكامله" .
ذرفت العجوز دموعا وقالت :" ما من طريق سلكناها إلا و اعترضنا في وسطها سفهاء، وما من كلمة قلناها إلا و تختزن صدقا ووفاء". كل مثني من الطرق على الأبواب ، أبواب ركن المتغيبين و المختفين ، و أبواب المستشفيات و الضابطة القضائية و رجال الدرك الأسفل و الأعلى... .منذ آخر يوم و أنا لا أدق سوى باب السماء الذي فتح في قبة الولي الصالح، أزور القبة و عند رأسه أرسل رسالة عمودية إلى السماء. لا أريد سوى بنتي ربما قضت عامها العشرون إن هي بقيت على قيد الحياة.
آه كنت أزور قبة الولي الصالح و أنت كنت تزور قبة الشعب. في الصغر درسونا با، بو، بوبي... و في الكبر دخل "بوبي" و أخرجونا نحن من ديارنا .كانوا يمنعوني من النوم حتى تحت درج العمارة ،كنت أراوغ الحارس لأنام على سطحها .وأتسلق الدرج و أنا أتلو آية الكرسي . العجوز أدخلت يومها يدها في جيب جلبابها لتخرج حجارة كرانيتية .أنظر بهده قذفوني البارحة من العمارة التي تسكن فيها أختي .أريد أن آخذ حماما لكن من أين لي؟ .إنهم كانوا ينظرون لي دائما نظرات شزراء.الناس هنا يا ابني دائما يقومون بتبخيس الآخر ، لا ينظرون إلاإلى ملابسه من تحت إلى الفوق و يتجاهلون ما هو فكري و جوهري .يمارسون الإرهاب النفسي و القمع اللغوي.آه رحمتك السماء يا زوجي ،كان يضمن حمايتي من الذئاب المتربصة و من القطط السمينة.و منذ أن أستشهد ،انطفأت شمعته، ساد بيتي ظلام حالك،ضاق صدري و سكنت في قفصه العناكب و أمسيت في تيه أبدي.
آه قل لي ألا زلت أيها الباحث عن شغل تعتصم أمام قبة الشعب....كيف؟: مند سنوات و أنت تناضل؟.لا حل للملف؟! .انظر يا ابني .هنا يمكن أن تزور قبة ولي من أولياء الله الصالحين ربما يحل ملفك.و لن تجد حلا له ادا ما بقيت أمام هؤلاء الأولياء الفاسدة التي تنام في قبة الشعب.هنا الرشوة، المحسوبية والزبونية .هنا الفساد و أن تبقى هنا معناه أن تصبح فاسدا.
بعد حديث قصير ،فهم الباحث من كلامها أن البنت قد عادت لأمها بعدما لسعتها عقارب الزمن لتبتعد عن أمها و رمتها أمواج الفقر و النسيان لتجد نفسها عارية تمارس طقوس جنسية أمام كاميرات الأجانب في مدينة سياحية.جمعت مالا كثيرا و عادت للعاصمة لتلتقي أمها عبر برنامج للمختفين.بنت لأ مها رياضا في حي راقي من أرقى أحياء العاصمة. استثمرت مالها في شارع العاصمة الكبير الذي كانت تعتبر أمها
و الباحث عن شغل فيه من المتسكعين...




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !