مواضيع اليوم

انفجار مراكش: عودة الهاجس الأمني.

محمد مغوتي

2011-04-29 18:44:42

0

    عندما شهدت مدينة الدار البيضاء تفجيرات 16 ماي 2003، سقطت قاعدة الإستثناء المغربي التي كانت تشير إلى الوضع الخاص لهذا البلد الذي كان يعيش حتى تلك اللحظة حالة فريدة من الأمن ليس لها مثيل في دول المنطقة، خصوصا و أن نشاط تنظيم القاعدة كان في أوجه خلال تلك الفترة. و بعد اعتداءات 16 ماي دخل المغرب مرحلة جديدة تعاملت فيها السلطات بقبضة من حديد عبر تطبيق مقاربة أمنية صارمة، و استطاعت بذلك تفكيك عدد كبير من " الخلايا الإرهابية النائمة" و تقديمها للقضاء. لكن هذا التعاطي الأمني خلق نقاشا حادا داخل الأوساط الحقوقية. و شكل موضوع المعتقلين الإسلاميين مادة للتناول الإعلامي باستمرار، و ألقى بظلال من الشك حول الوضع الحقوقي في المغرب. غير أن التحولات التي يعرفها المشهد المغربي منذ 20 فبراير منحت لبلدنا وضعا اعتباريا و متميزا . لذلك جاءت تفجيرات مقهى " أركانة " بمراكش لتبعثر كل الأوراق و تعيد سؤال الهاجس الأمني إلى الواجهة من جديد.
    التاريخ يعيد نفسه. هكذا يبدو لنا الأمر عند قراءة تفجير 28 أبريل 2011 بمنظار 16 ماي 2003، لكن انفجار " أركانة" يأتي في سياق دقيق جدا، و يجعل الأمر أكبر من أن يقارن مع ما حدث في الدار البيضاء قبل تسع سنوات. وقتها و في ظل وضع إقليمي تؤطره الحرب الأمريكية المعلنة على الإرهاب، توجهت أصابع الإتهام دون تردد إلى تنظيم القاعدة، لأن كل المؤشرات كانت تدل على بصمة هذا التنظيم في العملية... لكن ما حدث في مراكش يجعل المرء يفكر ألف مرة قبل إصدار أي حكم. و هذا ما يفسر الحذر الشديد الذي تبديه الدولة في تعاملها مع الحادث. هو عمل إرهابي بكل المقاييس و أيا كانت الجهة التي تقف وراءه. لكن هذه الجهة ستظل لغزا حقيقيا إلى أن تتقدم التحقيقات في الكشف عن أسرار العملية و تفاصيلها. و إلى ذلك الحين يظل السؤال الذي يتردد على كل لسان هو : من المستفيد من هذا الحادث؟ و من له المصلحة في زعزعة استقرار المغرب؟.
    من المؤكد أن الجهة التي دبرت هذا الحادث تعرف جيدا أن هذه الأسئلة ستظل بدون أجوبة حاسمة، لأنها اختارت بعناية شديدة توقيت العملية. فالمغرب يعرف حراكا سياسيا و اجتماعيا غير مسبوق. و قد أدى هذا الحراك إلى واقع جديد لابد أن جهات معينة لا تجد فيه مصالحها الخاصة. و هذا يعني أن كل الإحتمالات واردة في ما يتعلق بحادث التفجير الذي شهدته مراكش. و هنا تختلط علينا الوقائع لأن ربط هذا الحادث بجهة محددة أمر يجانب الصواب، خصوصا و أن العملية الإرهابية جاءت في سياق خاص بعد أيام قليلة من قرار العفو الملكي على عدد من السجناء، وكان أغلبهم من الإسلاميين، وما تلا هذا الإجراء من تجدد الجدل حول طبيعة المعاملة التي يلقاها هؤلاء السجناء في السجون المغربية. كما أنها جاءت أيضا في سياق سياسي يستعد فيه المغاربة لمرحلة جديدة يدشنها النقاش الجاري حول التعديل الدستوري، وما يرافقه من حراك شعبي حضاري و مسؤول يطالب بإسقاط الفساد و تمكين المغاربة من الحصول على الكرامة و العدالة و الحرية و شروط الديموقراطية. ثم إن تأثير الوضع الإقليمي ليس بعيدا عن الاحتمالات الممكنة. و هنا يتخذ المكان الذي استهدفه الانفجار دلالة خاصة. إذ تعتبر مراكش عاصمة للسياحة المغربية، و استهداف ساحة " جامع الفنا " تحديدا يمثل ضربة موجعة للمنتوج السياحي الذي كان مرشحا للازدهار في ظل الاستقرار الذي يعرفه المغرب مقارنة بدول الجوار، و الذي يؤهله ليصبح وجهة مفضلة للسياح الأجانب.
    تلك إذن هي السياقات التي تؤطر عملية التفجير. و في كل الحالات، فإن الذين دبروا هذه العملية لايريدون الخير لهذا البلد، و هم حتما ليسوا مستفيدين من الاستقرار الأمني و الحراك السياسي و الاجتماعي الذي يعرفه المغرب. و هم أيضا يضربون على وتر حساس يتجلى في الهاجس الأمني. لكن المطلب الذي يرفعه جميع المغاربة اليوم هو الكشف عن الجهة التي تقف وراء هذا العمل الإجرامي بكل وضوح و شفافية حتى لا يتفرق دم الضحايا الأبرياء بين القبائل، وحتى يتم تفويت الفرصة على كل من تسول له نفسه العبث بأمن المغرب و المغاربة.
         محمد مغوتي.29/04/2011.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !