أنغامٌ مصرية على وتر الإلحاد وتسييس الدين
كان الشعب المصرى ومنذ بدء التاريخ شعباً متديناً يوحِّد الخالق ويؤمن بالآخرة والحساب ولذلك فكل حياته كانت لإرضاء الخالق خوفاً من عذاب الاخرة , ولم يكن أبداً من عبدة الاصنام والتماثيل ولكنه تحت جبروت الحكام وخوفا من بطشهم كان يُنزلُ الحكام منزلة الآلهة عن خوف واستسلام بعدما لاقى صنوف العذاب من الحكام وسدنتهم ,وما كانت التماثيل التى تملأ المعابد والساحات إلا نزولا على رغبة الحاكم وبطانته وكان الحكام يتعاملون مع الشعب وبمساعدة رجال الدين وكهنة المعابد على أنهم الآلهة والشعب هم العبيد , والعجيب أن الكثير من حكام مصر القديمة كانوا يحطمون تماثيل من سبقهم من الحكام بل ويلغون تاريخهم والشعب المصرى صاحب المقولة الخالدة التى تقول (مات الملك ...عاش الملك) وهو ايضا صاحب الحكمة التى تقول ( إللى يتجوز أمي أقوله يا عمى ) والام هى مصر التى لاقت الامرين من ابنائها على مرِّ العصور....
إنّ التدين عند المصريين هو الذى جعل الشعب المصرى يأوى بنى اسرائيل ويحمى موسى من بطش فرعون ويتبعونه ودينه بل ويلاقوا الموت على يد فرعون وهم يفرون مع موسى وتابعيه , والشعب المصرى هم الذين هاجر اليهم مريم والمسيح فى رحلة مقدسة الى مصر شمالا وجنوبا حتى دخل الى المسيحية كل الشعب المصرى بل كانت الكنيسة المصرية هى الرافد الاول لجل احكام الدين المسيحى فى العالم , وكذلك كان الشعب المصرى هم من اوائل المؤيدين للاسلام ويشهد التاريخ أن الاسلام دخل الى مصر بمساعدة المصريين وان الأزهر الشريف هو اكبر منارات الاسلام والدعوة للاسلام فى العالم اجمع , وهكذا هى مصر وشعبها دائماً ما تكون مع حقيقة التوحيد والعبادة الخالصة للخالق .إن التاريخ ليشهد أن الشعب المصرى كان صاحب تدينِ وسطى غير متطرف ولا يميل الى العنف سواء كان فى اليهودية او المسيحية او الاسلام , وأن الشعب المصرى كان يحمل السلاح للدفاع عن أرضه ضد الغزاة ولم يكن ابدا من الذين يدعون الى الدين بالسلاح او القوة , وهو سمةٌ لمصر وشعبها على مر العصور والتاريخ خير شاهد.
إن ظاهرة الالحاد فى مصر ظاهرة حديثة ولكنها منتشرة كالنار فى الهشيم , وكى نصل الى اسباب تلك الظاهرة , نعود الى ما بعد منتصف الستينات فى مصر وخصوصا بعد نكسة عام 1967 عندما انهار الحلم الناصرى وتفاجأ المصرييون بهزيمة يونيو 67 فكان ان التجأ كل المصريين الى الدين كملجأ اخير من الضياع , فدخل المصريون مسلمون ومسيحيون الى قوقعة التدين ولكن للاسف الى قوقعة التدين السياسى ’ أى تسييس الدين إسلاما ومسيحية , وبدأ النسيج المصرى يتفكك وتدخله الانقسامات وبدأ المنتفعون من الجانبين وخصوصا رجال الدين اصحاب الافكار الغريبة والاراء الاغرب فى الضرب على وتر التعصب الاعمى وبدأ نهر الدماء يسيل بين المصريين مسلمين ومسيحيين , ودعَّم هذا التوجه تسلط فئة المنتفعين بالدين من رجال الدين هنا وهناك وقابل هذا التوجه كم ٌمن الظلم والعنف واجه به الحكام اهل التدين سواء كانوا منتفعين بالدين او متديين صدقا وحالا وهكذا اصبح الحال فى مصر بين تسييس الدين وبين العنف باسم الدين من الجانبين المتديين والحكام واهل السلطة , وهنا وجد الالحاد ارضا خصبة للنشوء والانتشار والسبب هو الجهل والتعصب من الناس والتسلط والعنف من السلطة والحكام , والدين برىءٌ من الاثنين , ومع تفاهة الثقافة وادمان الغيبيات والعجز عن التوافق مع التقدم العلمى السريع انتشر الجهل والحمق وتسيَّد الساحة دعاة اقل ما يوصفون انهم فقهاء الجهل فنشروا فكرا متخلفا لا يُسمنُ ولا يغنى من جوع , فانتشر الالحاد وخصوصا بين الشبا ب وطبعا كان الوضع الاقتصادى المزرى هو احد اهم اساب انتشار الالحاد فالشاب الذى يرى مستقبله ضائع ولا امل له فى حياة كريمة فلا يملك إلا ان يثور ضد السلطة وينقلب على الحكام فما كان منه إلا ان انقلب على سلطة الدين وحكام الدين وهم رجال الدين وعلماؤه الذين لم يكونوا مستعدين لتلك المعركة العقلية إلا بسلاح الغيبيات والتكفير للمعارضين فما زادوهم إلا إلحادا وبعدا عن الدين ......
إن الطريق الى مواجهة الالحاد لا يكون إلا بالاعتراف بخطئنا جميعا ولا يكون إلا بالفكر والقبول بالاخر ثم بعد ذلك نقوم بثورة فكرية فنغربل كل ما علق بتراثنا الدينى من اكاذيب وخرافات وبعد ذلك يقوم العلماء بالاتفاق على فقه لا تسييس فيه ولا منافع , فقه يقوم على التوحيد الخالص للخالق وعلى ضوء المتغيرات الكونية والعلمية فيتواكب معها, فكرٌ يأخذ حكمة الحكم ولا يلتصق بنص هنا او فهم هناك , والله غالبٌ على أمرهِ ولكنَّ اكثر الناس لا يعلمون.مره ولكن اكثر الناس لا يعلمون .
التعليقات (0)