تصنف جمهورية مصر العربية بأنها دولة مركز، ولذلك فإن نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي أطاحت بالنظام الحاكم فيها، ستكون لها انعكاسات على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة على وجه الخصوص، كون قطاع غزة يرتبط ارتباطاً سياسياً وتاريخياً وجغرافياً ووجدانياً وثقافياً وحضارياً بمصر.
فالنظام السابق كان يمسك بزمام عدة ملفات تخص الشأن الفلسطيني، ومنها ملف المفاوضات مع إسرائيل، وملف المصالحة الوطنية، والتهدئة، وصفقة التبادل، وكان يتعامل مع الحركة الوطنية الفلسطينية بسياسة تعتمد على ازدواجية معايير واضحة، وتحديداً في العلاقة بين فتح وحماس.
إن التغيير السياسي في مصر سيكون له انعكاسات كبيرة على قطاع غزة، وسوف نتناول تلك الانعكاسات من خلال:
1- الانعكاسات السياسية: من المؤكد أن الأولوية التي يفكر فيها المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة في الوقت الراهن سينصب نحو السياسة الداخلية لمصر، مثل الأمن، والتحاور مع قوى المعارضة، والتحول الديمقراطي، والتعديلات الدستورية، وحالة الطوارئ، ومستقبل مجلسي الشورى والشعب، وإعادة الثقة في الاقتصاد المصري شبه المنهار، ونعتقد أن السياسة الخارجية ستكتفي فقط بإرسال تطمينات للأطراف المعنية، وهذا ما حصل في البيان الرابع للقوات المسلحة، ولكن يجب الانتباه أن واقع ما بعد الثورة سيعمل على تغيير في السياسة الخارجية ولكن بشكل متدرج وبطيء ويتم من خلال ما يلي:
أ- اتفاقية كامب ديفيد: نعتقد أن الفرصة سانحة لمصر لتغيير وقائع سياسية وعسكرية على الأرض فيما يتعلق باتفاقية كامب ديفيد، وتحديداً في نوعية التسليح وتعداد القوات العسكرية، فاليوم ترابط آليات مدرعة على الحدود وفي سيناء، وربما يدعم ذلك حالة الفلتان المستشري في محافظة شمال سيناء، وهذا سيدفع إسرائيل لأن تكون بين خيارين أحلاهما مر:
• السماح لمزيد من القوات المسلحة وبعض المعدات الثقيلة للمرابطة في سيناء وعلى الحدود، لحماية العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع مصر.
• ترك محافظة شمال سيناء مرتعاً للمهربين وتنظيمات الجهاد العالمي وهذا يهدد أمن إسرائيل بشكل مباشر.
ولذلك فإن مصير اتفاقية كامب ديفيد ستبقى، مع تغيير شبه جوهري في الوقائع على الأرض، لأن الخيار الأول سيحقق الأمن لإسرائيل ولو لفترة محدودة.
ب- اتفاقية المعابر (2005)
وهي اتفاقية وقعت بين السلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل عام 2005م، وفيها يتم تنظيم العمل بالمعابر، وخاصة معبر رفح، ولذلك مصر لم تكن جزءاً من تلك الاتفاقية، وهنا ستنعكس علاقة النظام المصري الجديد ايجاباً مع الجانب الفلسطيني المتمثل بالحكومة الفلسطينية، وسوف يتم التغيير في شكل العلاقة مع قطاع غزة، كون الحصار الذي اشتركت فيه مصر على القطاع أحد الأسباب التي دفعت الشباب المصري الثائر لإسقاط نظام مبارك.
ج- ملف المصالحة:
أعتقد أن ملف المصالحة سيكون على أجندة الحكومة المصرية التي سيأتي بها الشعب المصري من خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وأعتقد أن شكل التعامل مع الملف الفلسطيني سيختلف عن النظام السابق والذي تعامل مع الملف الفلسطيني كملف أمني، أما النظام السياسي الجديد فسيتعامل مع الملف الفلسطيني كملف سياسي، وسيتعامل مع المصالحة بما يحقق بناء نظام سياسي فلسطيني وطني، يجتمع عليه الفلسطينيون وأرى أن مؤشرات نجاح المصالحة الفلسطينية على يد الحكومة المصرية الجديدة المنتخبة كبيرة جداً.
د- ملف تبادل الأسرى:
أعتقد أن المرحلة الجديدة لمصر ستؤهلها للعب دور وطني قومي في الملفات العربية بشكل عام والفلسطينية على وجه الخصوص، ولذلك ستنجح مصر في انجاز صفقة التبادل، لأن حماس وإسرائيل سيدعمان الدور المصري الريادي، وذلك من أجل الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية التي تحقق مصالح كلا الطرفين.
ه- ملف المفاوضات مع إسرائيل:
أعتقد أن النظام المصري الجديد لن يكون أداة للضغط على الجانب الفلسطيني، وسيعمل على تبني المطالب والثوابت الفلسطيني في السر والعلن، ولكن هذا يتوقف على تركيبة وأيديولوجية السلطة الفلسطينية في رؤيتها للمتغيرات في المنطقة، وكيفية تعاطيها مع الملف السياسي.
2- الانعكاسات الاقتصادية:
من المؤكد أن سقوط النظام المصري سينعكس اقتصادياً على قطاع غزة، من حيث الشكل والمضمون، حيث يتوقع الشعب الفلسطيني من تلك الحكومة تزويد غزة بالغاز والكهرباء وإنشاء المنطقة الصناعية بين رفح المصرية والفلسطينية، وكذلك ميناء بحري فلسطيني مصري لخدمة المنطقة الصناعية والتي قد تستوعب مئات الآلاف من العمال الفلسطينيين والمصريين.
أما ملف الأنفاق مع القطاع، فأعتقد أن الحكومة المصرية بقيادة المجلس العسكري الأعلى لن تقوم في محاربة الأنفاق، بل ستقوم باستثمارها لخدمة مصالحها القومية في تغيير الواقع الأمني في سيناء، والذي تم ترتيبه وفقاً للرؤية الإسرائيلية ضمن اتفاقية كامب ديفيد.
التعليقات (0)