يمنح الإتحاد بين الدول العربية قوة إستراتيجية للعرب في مواجهة الأطماع الغربية، وتستعيد الأمة العربية حضارتها الإسلامية العريقة التي تستطيع أن تنافس حضارات العالم، ولكن ينبغي أن يكون الإتحاد مبني على أسس سليمة ومتينة، لأن الفشل سيكون له انعكاسات خطيرة على المشروع النهضوي العربي القائم أساساً على الوحدة العربية.
منذ أسابيع أعلنت الدبلوماسية السعودية والبحرينية عن رغبتها في إقامة اتحاد بين المملكتين، وبدأت مشاورات جادة بين الأطراف الخليجية بهذا الشأن، وكان رأي بعض الأطراف الخليجية بأن خطوة الاتحاد بين دول الخليج تحتاج إلى دراسة معمقة، والبعض الآخر بارك الخطوة أو التزم الصمت.
وهنا نطرح تساؤلات حول جدوى الاتحاد بين السعودية والبحرين…؟ وانعكاساته على المنطقة…؟
أولاً: جدوى الاتحاد البحريني السعودي
الاتحاد بين الدول هو إحدى القرارات المصيرية التي تحددها الشعوب وليس الأنظمة، وفي الحالة البحرينية فإن تصويت شعب البحرين سيكون على أساس مذهبي، وبما أن الأغلبية السكانية في البحرين يعتنقون المذهب الشيعي، فإن نتيجة التصويت معروفة سلفاً للسعوديين، ومن هنا يأتي الحراك الدبلوماسي السعودي لحسم موضوع الوحدة مع البحرين من خلال توافق ملك البحرين والسعودية.
ويهدف الاتحاد إلى تغيير معالم الخارطة المذهبية في البحرين حيث ستصبح في حال تم الاتحاد بين البلدين نسبة الشيعة 11.5% من مجموع عدد سكان البلدين، وبذلك تستطيع السعودية والبحرين تجاوز أزمة الاحتجاجات المطالبة بالتغيير في مملكة البحرين.
ثانياً: انعكاسات الاتحاد البحريني السعودي على منطقة الشرق الأوسط
بالتأكيد كما للاتحاد انعكاسات ايجابية للدولتين فإن له أيضاً انعكاسات سلبية على المنطقة برمتها، لعل من أهمها:
1- انعكاساتها على الاستقرار في السعودية والبحرين
في حال اتخذت البلدين قرار الاتحاد بشكله المعلن فإن الاضطرابات قد تندلع من جديد في كلا البلدين، وسيكون للمعالجة الأمنية السعودية والبحرينية النصيب الأكبر في وقف الاحتجاجات وبذلك نحن أمام سيناريو خطير يهدد استقرار منطقة الخليج العربي وسيؤثر على أسواق النفط في العالم، وقد يدفع إلى تدخلات عسكرية إقليمية ودولية.
2- انعكاساتها على إيران
قد تتحرك إيران في حال تمت الوحدة بين البلدين وقد تتخذ خطوات من شأنها زعزعة أمن واستقرار المنطقة، ومن السيناريوهات التي قد تذهب إليها إيران الدعم العسكري والمادي والإعلامي للحراك المتوقع في السعودية والبحرين، وربما تذهب إيران أبعد من ذلك عبر إجراء استفتاء شكلي في البحرين يطلب من الشعب البحريني وحدته مع إيران، وبذلك تذهب إيران إلى الأمم المتحدة للمطالبة باسترداد البحرين من (الاحتلال السعودي)، وهذا يؤهلها لأن تستخدم الخيار العسكري للدفاع عن أراضيها واستعادتها.
ومن انعكاسات تلك الأزمة على إيران هو مدى استغلال إسرائيل والغرب الصراع الدائر بين العرب وإيران من أجل توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية، وهذا السيناريو بدأت تعمل به إسرائيل منذ فترة، وقد تنتظر اللحظة الحاسمة لساعة الصفر، وهذا الصراع قد تتضرر منه المنطقة العربية لأن انتصار إسرائيل كارثة للعرب والمسلمين.
3- انعكاساتها على العراق
من المؤكد أن الدبلوماسية الإيرانية ستلعب على ملاعب أخرى للرد على السعودية ومن أبرز الملاعب المرشحة هي العراق، فحكومة المالكي موالية لإيران، وقد تصل لاتفاق وحدة مع إيران في إطار صفقة شاملة يحصل من خلالها إقليم كردستان على استقلاله، وهذا سينعكس سلباً على تركيا، وعلى العرب عموماً، وربما تذهب إيران إلى وحدة مع سوريا عبر نظام بشار الأسد، وهنا سيتمدد الهلال الخصيب الشيعي وسيكون له أثر سلبي على المشروع النهضوي العربي.
خلاصة القول: نتمنى من الدبلوماسية السعودية دراسة قراراتها وأن تعمل من خلال المظلة العربية وليس الخليجية، وأن تعمل مع البحرين لمعالجة مطالب الشعوب معالجة اقتصادية واجتماعية وسياسية وليس معالجة أمنية، وأن تتبنى السعودية مع الأزهر الشريف صد أي محاولات لتصدير المذهب الشيعي عبر تعزيز مكانة وفكر المذهب السني الوسطي، فالفكر لا يجابه إلا بفكر، وأيضاً احتضان الحركات الإسلامية السنية والتي ترى في السعودية أبوباً مغلقة، وترى في إيران أبواباً مفتوحة لها.
مطلوب من السعودية أيضاً تغيير استراتيجياتها وتكتيكاتها، فاستقرار المنطقة مصلحة عليا للأمة العربية التي تتطلع لاستعادة مجدها وحضارتها الإسلامية العريقة، ووقف أي جهة تحاول إعاقة هذا المشروع الكبير.
Hossam555@hotmail.com
التعليقات (0)