عون الربيعي
لعلّ الظروف الصعبة التي مرت بالبلاد بعد سقوط نظام صدام, أسهمت في تخلف قطاع الزراعة حيث فتحت الحدود أمام المنتجات الزراعية لتحل محل المنتج المحلي الذي عانى من عدم تكافئ المنافسة فضلا عن قلة الاهتمام وشحة المياه, كما شكلت هجرة الفلاحين والمزارعين من الأرياف الى المدن معضلة اخرى , فالزراعة لم تعد تغطي احتياجات العاملين فيها كما أن غلاء البذور والأسمدة كانت أسبابا إضافية وأساسية تدفع باتجاه تراجع وتخلف هذا القطاع، واليوم ونحن نستقرى سبب التخلف الزراعي حتى مع مبادرة الحكومة الزراعية , لابد أن نقف عند معاناة الفلاحين وهم شريحة واسعة, حيث يواجهون تحديات كبيرة في تسويق محاصيلهم من الحنطة والشعير ,فالمراكز التسويقية والسايلوات بعيدة عن أراضيهم وهو ما يكلفهم مبالغ كبيرة في نقلها وإيصالها لهذه المراكز، مع الازدحام والطوابير الطويلة التي تجعلهم ينتظرون أياما لتسليم محاصيلهم, كما ان هناك عقبة أخرى تقف أمام الفلاح هي عملية فحص العينة المأخوذة وتصنيفها لتحديد سعر الشراء بحسب الجودة ونوع المحصول , بالإضافة الى امتناع مراكز التسويق عن شراء المحاصيل خارج الخطة الزراعية المقرة للفلاح, فإذا استطاع أن يزرع كمية اكبر فان المراكز لا تشتريها منه وتتقيد بالخطة المقررة له, لتستغل بعض النفوس الضعيفة الفرصة وتصادر جهوده فتشتريها بأثمان بخسة حيث تقوم هذه الثلة الفاسدة وبالتنسيق مع بعض موظفي مراكز التسويق بإيصالها الى هذه المراكز وبيعه بأسعار كبيرة قياسا لسعر الشراء, فيأتي الربح لهؤلاء الوسطاء ويحرم منه الفلاح الذي بذل كل هذه الجهود , فضلا عن عمليات الابتزاز في مراكز التسويق والسايلوت , حيث يطالبون بدفع رشى مقابل رفع التصنيف حتى لا تحسب المحاصيل من درجة متدنية أو ترفض , وهذا غيض من فيض مما هو واقعي وموجود في المراكز والسايلوات, يتخم من خلاله الموظفين الحكوميين على حساب فلاح بسيط عمل بكد لتأمين قوت عياله وسد نفقات الزراعة وتسديد القروض للدولة .
لقد دعا مختصون الى معالجات وآليات ربما تسهم بحل هذه الإشكاليات وتغلق الباب بوجه الفاسدين والمفسدين , وهي قابله للتطبيق أن صدقت النوايا وليست نظريات للاستهلاك او التنظير الفارغ, وتتضمن العمل على استلام جميع المحاصيل بأنواعها مع الابقاء على التصنيف ومستويات الجودة و تفعيل السيطرة النوعية مع جعل رقابة على هذه المحطات حتى لا تكون سببا في ابتزاز الفلاحين , كما ينبغي لحل مسألة الزحام تكثيف العمل في السايلوات وجعله لثلاث وجبات عمل أو أربعة على مدار اليوم خلال فترة التسويق التي لا تتعدى شهرا واحدا , ولابد أيضا من استلام المحاصيل المنتجة من خارج الخطة الزراعية المقررة للفلاح ووضع ضوابط لمنع المفسدين من استغلالهم , فضلا عن الانتباه الى أن تعطيل المبالغ وأثمان المحاصيل يضر بالفلاح , لذا يكون لزاما على الدولة ان تحضر مسبقا هذه المبالغ وتهيئة المصارف بشكل مدروس لصرف مستحقاتهم التي يؤدي تأخيرها الى احراج الفلاح فلا يتمكن من مواصلة العمل خلال الموسم الصيفي ,وهذا أضرار بمصالحه ,ومن اجل أنجاح هذه الآلية لابد من تفعيل الدور الرقابي للمفتشين العامين في الوزارات المختصة واللجان الزراعية في مجالس المحافظات لضمان حقوق هذه الشريحة وحمايتها من اصحاب النفوس المريضة التي تعتاش على عرقهم وتصادر جهدهم لتحقيق مصالحها عبر الكسب الحرام وغير المشروع.
التعليقات (0)