اجحاف كبير بحق الانسان والتاريخ يقع على المواطن العربي عندما يربط الخطاب الرسمي بين سعيه للحرية وبناء تجربته الديمقراطية ورغبته بالتغيير وبين التقليد المشوه للافكار المستوردة من الآخر الغربي او الخضوع الى ارادات قوة عظمى معادية..
واجحاف اكبر واشد ايلاما ان تتبنى الانظمة مبدأ اولية الرضوخ والاستخذاء الشعبي للحاكم وكونه القاعدة التي تحرم الاتيان بما يمكن ان يعد خروجا على الحكم..واعتبار الحراك الشعبي العربي وتطلعه نحو التعددية والديمقراطية حدثا طارئا نابعا من انفتاح منفلت غير منضبط على غرب متآمر ومحاولة لمجاراة صرعات خارجية مستوردة بعيدة عن متبنيات الامة وثوابتها..
وهذا الطرح رغم كونه يمثل ثقلا واضحا على ضمير وذهنية الانسان العربي فانه لا يعدو ان يكون الا ترجمة عالية الصوت لما يحاول الاعلام الرسمي العربي ترويجه-وان على استحياء-في اجترارات لمفاهيم وصور عتيقة مكرورة مصفرة الملامح دون ابداء الرغبة في بذل اي عناء لغرض تجميلها..
ترويج معتمد ومتكئ على تركيز وافشاء لمقولات الفتنة التي تصاحب ما يقرره الشارع وما ينادي به الجمهور مما يختلف مع كلمة السلطان باعتبار ان الديمقراطية والتعددية مما يخالف ما استمرأته الامة لقرون وناتج عن عمالة واستتباع للغرب ومحاكاة مفتقرة للاصالة ومتغربة لمتبنيات ومفاهيم مستجلبة مقحمة على واقعنا المعاش وموروثنا الثقافي..
ترويج لا يعد ان يكون الا حلقة من فصل طويل وممنهج من الحيلولة بين شعوب المنطقة وتاريخها المتمثل بسلسلة من الثورات والانتفاضات والكفاح من اجل استرجاع حرية الاوطان واستقلالية القرار السياسي وانشاء الدولة المدنية المنشودة وتخليق الآليات الكفيلة باطلاق الحوار الوطني السلمي الهادف الى التعددية والحكم الرشيد..
فليس من العدل ان نفصل بين النضال من اجل الحرية وبين السعي الى بناء الدولة المدنية الحديثة وتجاهل التضحيات الجسام التي بذلت من اجلها..حيث ان جائزة الحرية الكبرى هي الديمقراطية والشعوب يجب ان لا تدفع ثمن تداخل الاولويات في مرحلة الاستقلال وتقدم اسبقية انهاء الوجود الاجنبي على شكل الدولة وشعاراتها التي اختطفت من قبل الحكم الذي له اولوياته التي قد لا تتفق بالضرورة مع طموحات وتطلعات الشعوب..
ذلك الحاكم الذي استولى على التدافع الثوري الشعبي من اجل رفع العلم الوطني وانتزاع الاعتراف بالاستقلال والسيادة واحاله الى حرمان الشعب من حقوقه السياسية وحرية التصرف بمقدراته استنادا على استمرارية التوجس الامني الذي يتغذى على عداء زائف ومنتحل للقوى الكبرى المهيمنة على القرار في المجتمع الدولي..ومسوقا لهذا التقاطع المختلق كاتهام جاهز ومعلب تجاه اي حراك شعبي يستهدف الاجابة عن التساؤل حول تساهل الحكم مع التدخل العسكري والسياسي والاقتصادي للغرب في شؤون البلاد ..وتطيره ومعاداته لاي جهد دولي يتعلق بالاصلاح والمساعدة في تحقيق الديمقراطية ودعم حقوق الانسان..
ان على الحكم ان يكون واعيا الى ان التغيير قادم لا محالة ان كان بيد القوى الشعبية الثورية او عن طريق الخارج المتذمر من تعريض امنه وسياساته ومصالحه للخطر نتيجة لسياسات الحكم الخرقاء وطبيعته الاستبدادية المتعارضة مع المنطق وحركة التاريخ ومعطيات الواقع الجديد الذي فرضته اشتراطات العولمة المعاصرة..
فما يدور في شوارع وعلى ارصفة المدن المنسية اصبح صداه يتردد في اروقة السياسة العليا للدول الكبرى نتيجة لضغوط الرأي العام المتفاعل مع آمال وتطلعات الشعوب التي قربت الثورة المعلوماتية من المسافات التي كانت تفصل بينها..
دعوة..وان كانت لا تحمل الكثير من الامل..الى ما تبقى من دوائر القرار العربية الممتنعة عن المقاربة السليمة للاحداث التي تعصف بالمنطقة الى مراجعة سليمة وجهد لبناء تصور واضح عن طبيعة العلاقات الجديدة التي تحكم الامور..وان يتم نبذ التعاطي المستنسخ المكرور للممارسات الاعلامية والامنية والسياسية التي اثبتت فشلها في رتق الهوة المتعاظمة والمتسعة باضطراد بين الحاكم والمحكوم..تلك الممارسات التي اصبحت تثير حفيظة المواطن والعالم الذي وجد نفسه في حل من الالتزام بدعم الاتظمة التي اضر بها الفساد والتعشق ما بين السلطة والمال الى الحد الذي اصبحات فيه تشكل عبئا اخلاقيا على المنظومة الدولية..
لا نتمنى ان نكون في وضع يصبح فيه الخلل واقعا عصيا على الاصلاح..والحكم –او ما تبقى منه- مطالب بالاعتراف بحق المواطن بالتمتع بخيرات وطنه وحقوقه السياسية التي قدم من اجلها الكثير..وان المقاربة المناهضة لهذا الحق لن تجدي النظام نفعا..وان التغيير ان لم تقم به الانظمة بنفسها ..فستضطر لركوبه رغما عنها..وهناك قد لا ينفعها كل الاتهامات والتخوين الذي تسفحه تجاه شعوبها..ولا التشكيك في انتماءاتها في ممارسة مخجلة لا تسمن ولا تغني من جوع..
التعليقات (0)