انحراف الحوار.. وانحراف المزاج
خليل الفزيع
ثمة فرق بين استقامة الحوار وانحرافة.. ليس في ذلك جديد، وهو نوع من تفسير الماء بالماء، ومع ذلك كان لا بد من ذكر هذه الحقيقة التي يتجاهلها أصحاب الأمزجة المنحرفة، لأنهم يعتقدون أنهم كغيرهم من الناس الأسوياء، بينما هم في الحقيقة مرضى بداء يمكن تسميته انحراف المزاج، وحتى لا نظلم أحدا لابد من الاعتراف بأن هناك نوعين من انحراف المزاج أحدهما قسري وهو ما يمكن وصفه بالمرض، وثانيهما اختياري وهو ما يمكن تسميته بتصفية الحسابات باستخدام الأسلحة المسموح بها أو المحرمة دوليا، ويدخل في هذا الإطار الردح والقذف وتشويه السمعة، وهي أسلحة أشد فتكا من غيرها في الحروب التقليدية أو حتى الإلكترونية، والضرر في الحالتين لا مفر منه، لذلك قال عامة الناس في الخليج وربما في أماكن أخرى وإن لم يكن بالنص فبنفس المعنى: (جرح السيف يبرى وجرح الكلام ما له دواء) ويتساوى في ذلك الأفراد والجماعات والدول، وكان خروب "عابس والغبراء" لم تنته بعد، و(اللي ما يشتري يتفرج).
ونعود مرة أخرى إلى انحراف المزاج، لنقول بعد الاتكال على الله أن الانحراف بجميع أشكاله وألوانه ومواطن نشأته ومصادر استيراد وأسبابه ودواعيه.. موقف مرفوض جملة وتفصيلا، لعد أسباب منها أن الإنسان قد تخلى من أزمنة غابرة عن حياة الغاب، حيث القوة الغاشمة هي الفيصل في الحكم على الناس والأشياء، ووصل هذا الإنسان إلى حالة من التمدن يفترض أن تنقذه من مثل هذا التصرف حيال غيره. هذه واحد، والثانية أن الأديان السماوية حرمت الظلم، وهذا نوع من الظلم الذي يواجه به المنحرفون مزاجيا غيرهم، وأقصد المنحرفين مزاجيا بشكل اختياري، أما المرضى منهم فليس على المريض حرج، إلا أن يتعافى، أما الثالثة فهي أن هذا لسلوك يرمي غير أصحابه بشرر لا تعرف كثرة أضراره، مع الاعتذار للصديق العزيز عبد خال صاخب رواية "ترمي بشر" لاستعارتنا هذا التعبير منه، ثم إن هذا الشرر الذي لا يمكن تبريره، هو نوع من الغش في المعاملة، ومن غشنا فليس منا، ونقول انه نوع من الغش لأنه يحاول تزييف حقيقة الإنسان المجبولة على الخير والفضيلة والحب والإخاء والحوار بالحكمة والموعظة الحسنة.
وغالبا ما يؤذي انحرف المزاج في حالتيه المرضية والاختيارية إلى انحراف الحوار عن مساره الصحيح، حتى يصل هذا الحوار إلى ما يشبه القنابل المتشظية التي تصيب وبشكل عشوائي كل من تصل إليه شظاياها بأضرار فادحة، وهذا يعني أن أي حوار متوتر ومتهيج لا بد أن يكون وراءه انحراف مزاج أحد الطرفين، أما إذا كان كلا الطرفين من أصحاب الأمزجة المنحرفة فالكارثة أعظم، لأن الأضرار تصيب كل من حولهم، حتى أولئك الذي لا ناقة لهم ولا جمل في ذلك الحوار.
طبعا لا يمكن لأحد أن يطلب من منحرف المزاج أن يحاوره بعقلانية وموضوعية وهدوء، لأن هذه المعاني غير موجودة في قاموس ذلك المنحرف المزاج، ولا مجال امامك في هذه الحالة إلا أن تكون ممن إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، لتضمن لنفسك السلامة، وللسانك النجاة من الزلل، ولضميرك الراحة والاطمئنان، وقد حذر الراسخون في علم العلاقات بين البشر أن (لكل داء دواء يستطب به.. إلا الحماقة أعيت من يداويها) ومنحرف المزاح أقرب ما يكون إلى الحماقة، باعتباره لا يقدر نتائج تصرفاته، لا عليه ولا على غيره، فهو يلقي بأفكاره كجلاميد الصخور عندما تحطها السيول من أعالي الجبال كما وصف طيب الذكر امرئ القيس حصانه المكر المفر المقبل المدبر معا، وهنا لن يفيدنا إلا أن نردد مع الفنان الراحل يوسف وهبي مقولته المشهورة: يا للهول.
أقول قولي هذا.. واستغفر الله العظيم لي ولكم أيها القراء الأعزاء.
التعليقات (0)