بعد عشر سنوات شغل خلالها الدنيا و ملأ الناس، تمكنت وحدة مكافحة الإرهاب في الجيش الأمريكي من قتل أسامة بن لادن في باكستان. و بذلك تكون الإدارة الأمريكية قد حققت إنجازا عسكريا مهما جندت له كل إمكانياتها المادية و قدراتها الحربية منذ " غزوة مانهاتن " في 11 شتنبر 2001. لكن مقتل زعيم تنظيم القاعدة - الذي يوصف في الغرب بأنه أخطر إرهابي في العالم- يفرض سؤالا أساسيا حول مستقبل التنظيم و تأثير هذا الحادث عليه.
في شتنبر 2001 قرأت الولايات المتحدة الأمريكية في سقوط برجي نيويورك ما يشير إلى سقوط العنفوان الأمريكي على يد تنظيم بدا أنه أكثر خطورة مما كان يتصوره الجميع. لذلك تجندت أقوى دولة في العالم لمحاربة هذا المارد الإرهابي بكل ما أوتيت من قوة، و بوحي من الحرب الأمريكية على الإرهاب أصبح العالم بأسره ساحة مفترضة لضربات القاعدة التي واصلت عملياتها الدموية في عدد من الدول في دوامة لغة الفعل و رد الفعل. لكن ابن لادن كان هو الهدف الأول و المعلن في الإستراتيجية الأمريكية التي فشلت عدة مرات في الوصول إليه، بالرغم من أن جميع المعلومات الإستخباراتية كانت تشير دائما إلى أن الخناق يشتد عليه في مخبئه الباكستاني... لكن هذا الفشل المتكرر في الوصول إلى رأس أسامة لم يكن ليثني الأمريكيين على المضي قدما في البحث عن ضالتهم. و في الوقت الذي فقد فيه اسم ابن لادن كثيرا من حضوره الإعلامي خلال الأشهر الأخيرة، كانت القوات الأمريكية تشتغل في صمت شديد بعيدا عن الأضواء و التناول الإعلامي. و لابد أن المحيط القريب بابن لادن نفسه فقد تركيزه و حذره المعتاد بسبب ما بدا تراخيا أمريكيا في مطاردة زعيم القاعدة. وهكذا نجحت الخطة و تمكن الأمريكيون من تحقيق الهدف الذي ظل يقض مضاجعهم مدة طويلة.
قتل أسامة بن لادن هو نصر حقيقي للإدارة الأمريكية، كما أنه عامل مركزي في رفع مؤشر شعبية الرئيس باراك أوباما. لكن قيمة هذا النصر على مستوى الحرب على الإرهاب لا تتجاوز إطارها الرمزي، ذلك أن تنظيم القاعدة ليس رهينا بشخص زعيمه المقتول، فخطر الإرهاب يتجاوز ابن لادن كثيرا. إنه ثقافة و إيديولوجية تتغذى على فهم محدد للخطاب الديني انغرس عميقا في السلوك اليومي لعدد من الأفراد الذين يحملون فكر الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تؤمن بالعنف كوسيلة لرد ما تعتبره مظالم في حق الشعوب الإسلامية المستضعفة. و قد وجد هذا الفكر قبولا لدى أغلب المسلمين الذين يربطون سلوك القاعدة بما يحدث في الشرق الأوسط و تحديدا بالدور الأمريكي في المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون و العراقيون و غيرهم. إذ لا يمكن أن ننكر شعبية ابن لادن في أوساط كثيرة من الشارع الإسلامي التي تعتبره بطلا يدافع عن الإسلام و المسلمين. لذلك فإن مقتل زعيم تنظيم القاعدة من شأنه أن يؤجج رغبة الإنتقام لدى الجماعات ذات النزعة " البنلادنية". و هذا يعني أن نهاية ابن لادن ليست بالضرورة نهاية للإرهاب، فالمرجعية التي ينتمي إليها فكر تنظيم القاعدة مازالت قائمة، والأسباب التي تتحجج بها في تبرير ممارساتها الإرهابية مازالت قائمة أيضا. فهي تنظر إلى العالم بمنظار " الإيمان و الكفر" و بذلك تضفي على أنشطتها الطابع " الجهادي " الذي يدغدغ الشعور الروحي لدى المسلمين، لكنه لا ينفصل عن أدبيات الوهابية التكفيرية التي نجحت في تقديم صورة دموية عن الدين الإسلامي مازال المسلمون عاجزين عن محوها و تصحيحها.
إن قتل أسامة بن لادن هو مجرد جولة في الحرب على الإرهاب، لذلك فإن هذا النجاح الأمريكي في القضاء على زعيم القاعدة يثبت إصرار صناع القرار السياسي في بلاد العم سام على ملاحقة التنظيم. لكنه لا يعني اقتلاعا للإرهاب من جذوره. فالإرهاب فكر قبل أن يكون عملا ميدانيا. و لابد من اجتثاث هذا الفكر من العقول و العمل على تجنب أسبابه. و مرة أخرى تحضر الولايات المتحدة كفاعل أساسي في تحقيق هذه الإمكانية عبر تغيير سياساتها الخارجية التي صنعت لها أعداء كثيرين... لكن المسؤولية الحقيقية يتحملها المسلمون أنفسهم لأنهم مدعوون إلى تقديم الصورة الحضارية عن هذا الدين حتى لا يصادر من طرف أي أحد. محمد مغوتي 02/05/2011.
التعليقات (0)