التعليم معناه التقويم، وسميت وزارة التربية والتعليم بهذا الاسم لأنها عنيت بتربية الطفل أولاً، وتنشئته على الفضيلة، وحسن الخلق، وحب الآخرين، وبذل العطاء، وحب الوطن، وتأتي ثانياً مرحلة تعليمه ومحو أميته، لينفع بذلك وطنه ومن حوله.
كنا قديماً نحترم المعلم، ونجلّه، ونتعامل معه على أنه مثلنا الأعلى، حتى إذا قابلناه خارج المدرسة نقف له لنصافحه، ونحاول مساعدته في أي شيء أراده، لأننا نحبه ونعتبره في منزلة والدنا، وذلك لأن ديننا الإسلامي الحنيف حثنا على احترامه وتوقيره وإكرامه، لأن فضله علينا كبير.
في بعض الأحيان يكون المعلم سبباً في إفشال الطفل وتنشئته على الرذيلة وسوء الأخلاق، وحب المال، والحقد على المجتمع، لأن الطفل منذ نعومة أظفاره، وفي بداية تعامله مع الآخرين، يفاجأ بالمعلم سيئ السمعة، عديم الأخلاق، قليل الخبرة، كل همه جمع المال، وفي أول لقاء له مع تلاميذه يعرض عليهم أن يأخذوا درساً خصوصياً عنده، ومن وافقه قربه إليه، ومن رفض لسوء حالته المادية أقصاه عنه، وجعله منبوذاً بين زملائه، ويتعمد إهانته، ليجبره على ذلك مكرهاً.
بعض المعلمين جعلوا من المدرسة مكاناً للحب والعشق، لا مكاناً للعمل والكسب الحلال، ونسوا أنهم قدوة لتلاميذهم، ويجب عليهم احترام مشاعرهم، وقد رأيت في إحدى المدارس معلماً حديث التخرج يخلو بزميلته في الفصل الدراسي، بعيداً عن أعين التلاميذ، إلا تلميذاً واحداً أمره بالوقوف على باب الفصل ليمنع زملاءه من الدخول عليهم ورؤيتهم وهم يتبادلون الكلمات الحميمية.
في بعض الأحيان يكون المعلم غير مؤهل نفسياً للتعامل مع الأطفال، لأنه غير حاصل على دورات تدريبية كافية تؤهله لذلك، فيتعامل معهم بقسوة وعنف، ودائماً ما يكشر في وجوههم، ظناً منه بأنه بذلك يخفيهم ويجبرهم على احترامه، مما يجعلهم يكرونه ويكرهون مادته.
بعض المعلمين يريد أن يستعرض أمام زملائه بأنه قوي، وهو في حقيقة الأمر ضعيف الشخصية وليس عنده «كاريزما»، فيقوم بضرب تلاميذه بقسوة ووحشية، وقد رأيت هذا بأم عيني، عندما قمت بزيارة إلى إحدى المدارس، وأثناء جلوسي مع أحد المعلمين، إذ به ينادي على أحد التلاميذ ويوسعه ضرباً، بحجة أنه بذلك يجبر باقي تلاميذ الفصل على الصمت. وعندما سألته عن سوء صنيعه، أخبرني بأنه يقوم بهذا العمل يومياً، وفي كل فصل يدخله، ليجبر التلاميذ على السكوت.
رغم أن العقاب البدني مجرّم قانوناً، إلا أن بعض المعلمين مازالوا يتعاملون به، ظناً منهم بأنه الطريق الصحيح للتعليم، ولا يمر شهر إلا ونسمع عن حالة انتهاك جديدة تحدث مع أبنائنا.
ليس ببعيدٍ عنا واقعة إقدام معلمة الأقصر (جنوب مصر) على قص شعر تلميذتين عندما رفضا ارتداء الحجاب، ظناً منها بأنها بذلك تطبق حكم الشارع الحكيم، وهي في حقيقة الأمر خالفته، لأنها ليست قاضية أو جهة منفذة للأحكام، ولو كانت ملتزمة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لعلمت أن الإسلام يدعو إلى اللين والرحمة، وينهى عن الغلظة والفظاظة.
لم ينته مسلسل تعديات المعلمين على التلاميذ عند هذا الحد، بل إن وسائل الإعلام طالعتنا مؤخراً بمشكلة غريبة عن مجتمعنا، وهي إقدام إحدى المعلمات بمحافظة الإسكندرية (شمال مصر) بإجبار تلاميذها على مسح حذائها، عقاباً لهم، لعدم أدائهم الواجب المدرسي.
لم أقصد بكلامي هذا إهانة المعلمين، أو التقليل من شأنهم، فهم إخواننا وأعزاء على قلوبنا، لكني أنتقد المسيء منهم، وأحثه على احترام عقول أبنائنا، وأداء واجبه نحوهم على الوجه الأكمل، دون استنزافهم مادياً، لأننا وقفنا مع المعلمين أثناء احتجاجهم وناصرناهم عندما طالبوا بحقوقهم المشروعة، ومن حقنا عليهم أن يقوموا بواجبهم تجاه أبنائنا، ليذكروهم بالخير، ويضعوهم تاجاً على رؤوسهم.
محمد أحمد عزوز
كاتب وناشط سياسي مصري
التعليقات (0)