عبد الدائم السلامي
قد يذهبُ البعضُ إلى القولِ إنّ إقدامَ البريطانيِّ جورج غالاوي على قيادةِ قافلةٍ إنسانيّةٍ إلى غزّة المحاصَرة يدخل في بابِ تمعُّشِه السياسيّ من الأزماتِ العربيّةِ وتسويقِ صورةٍ له لامعةٍ لدى شعوبِنا المهزومةِ التي ما تزال تعيش على ذكرى صلاح الدّين وتسجيلِ أهدافٍ في شباكِ تاريخِه الشخصيِّ على حِسابِ نُخَبِنا من المفكِّرين والساسةِ والمناضِلين عامّةً. وقد يقول البعضُ الآخرُ إنّ غالاوي ليسَ إلاّ الوجهَ اللامعَ للسياسةِ الغربيّة الذي يُخفي وجْهًا لها قبيحًا نُلْفيه في ممارساتِها الشنيعةِ في المنطقتيْن العربيّةِ والإسلاميّةِ. هذا جائزٌ، ولكن...
هل ثمّةَ من الوطنيّين العربِ الغيورين على قوميتِهم أرضًا وتراثًا وتاريخًا وثرواتٍ مَنْ تجرّأَ على مخالفةِ السياساتِ الرسميّةِ وتحمّلَ مسؤوليتَه التاريخيّةَ والحضاريّةَ ورمى بنفسِه في خضمِّ معارِكِ الناسِ من أجلِ البقاءِ دون مذلّةٍ؟ هل فكّرَ الساسةُ العربُ وأصحابُ الأحزابِ التحرُّريّةِ في ما سَيكتُبُ عنهم تاريخُ شعوبِهم، فباعوا مناصِبَهم وهبّوا إلى ميدانِ الحياةِ الكريمةِ يرسمون فيه لوحةً من الشهامةِ والنّجدةِ والانتصارِ على الخوفِ؟ يبدو أنّ مثلَ هذه الأسئلةَ لا تحتاجُ إجاباتٍ بقدرِ ما تحتاجُ النَّفْيَ الصريحَ. وهو ما يجعل من السيد غالاوي، هذا الذي عُرِفَ بمواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية والذي كان وراءِ إقامة التوأمة بين مدينة داندي ونابلس الفلسطينيّةِ ودفعَ بالمجلس البلدي في موطنِه إلى رفع العلم الفلسطيني عام 1980 على دار البلدية، وهي أول مرة في الغرب يرتفع فيها العلم الفلسطيني على مبنى عام، رجلاً كألفٍ من رجالاتِ وطنِنا العربيِّ، لا بل ويمنحُه وسامَ الكونيّةِ وما فيها من قِيَمٍ إنسانيّةٍ كان العرب سبّاقين إلى إرسائِها بين الشعوبِ، ثمّ سرعان ما تخلّوا عنها لفائدةِ مصالحهم الشخصيّةِ.
لقد فعلَها جورج غالاوي! نعم، فعلها غالاوي وتحدّى سياساتِ حكومتِه والحكومةِ المصريّة وتابعيها في تضييقِ الخناقِ على سكّان قِطاعِ غزّةَ، وتحدّى إسرائيلَ، وتحدّى خوفَنا منها. هل يكون غالاوي بفعلِه هذا مُعَلِّمًا لنا يهدينا سبيلَ الانتصارِ على صمتِنا؟ ألا تخجلُ النّخبُ العربيّةُ، هذي التي ترفع شعارَ المُعارضة وتدّعي الدّفاع عن حرّيات الناسِ، من نفسِها ومن سكينتِها ومن موتِها البطيء في سِلاَلِ مُهمَلاتِ التاريخِ؟ كيف يمكنُ أن نستفيدَ من "رُجولة" غالاوي لنُعيدَ إلينا توازُنَنا النفسيَّ ومنه نعيدُ إلينا ما كان لأجدادِنا من قدرةٍ على تجاوز الضعفِ والهزيمةِ وتحويلِهما إلى فُرَصٍ للنَّصْرِ؟ قد يكون السيد غالاوي مُمثِّلاً سياسيًّا يلعبُ دورًا ثوريًّا في مسرحِ أحداثِنا المأساويّةِ، وقد يكون ابنًا عاقًّا لثقافةِ الغربِ الاستعماريّةِ الساعيةِ إلى أكلِ الآخرين بالباطلِ والسكوتِ عن حقوقِهم، ولكنّه فعلَ ما كان واجِبًا على كلّ شريفٍ من شرفاءِ هذه الأمّة أن يفعلَه. فمتى يكون للعربِ رِجالٌ أبطالٌ؟.
Alarab Online. © All rights reserved.
|
التعليقات (0)