عندما تصرخ النخبة في مصر فإن صراخها يتجاوز حدود مصر الجغرافية، ليصل إلى شتى أنحاء المعمورة نظراً لمركز ومكانة ودور مصر في المنطقة، فبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير شهدت مصر انقسامات حادة بين القوى الثورية التي شاركت بالثورة، ولعبت الدولة العميقة دوراً بارزاً في تعزيز حالة الانقسام، فبدأت عملية اصطفاف واسعة بين القوى السياسية المصرية، حيث توحدت التيارات اليسارية والعلمانية والليبرالية في جبهة واحدة أطلق عليها جبهة الإنقاذ الوطني، في المقابل توحدت تيارات الإسلام السياسي للدفاع عن الشرعية الدستورية والقانونية، وساهم الإعلام المصري- (إعلام رجالات الأعمال وجماعات المصالح)- في تأجيج الصراع من خلال إبراز نخبة جديدة تعمل على الالتفاف على خيارات الشعب المصري، وتشويه صورة النظام الحاكم في مصر، وإظهار الصراع بأنه صراع بين قوى مدنية وقوى دينية، وهو توصيف غير صحيح ولا يمت للواقع بصلة، لأن كل الأحزاب السياسية في مصر هي أحزاب مدنية حتى وإن كانت تتبع لقوى الإسلام السياسي، وبدأت أولى فصول الصراع على الهيئة التأسيسية للدستور المصري، وحاولت جبهة الإنقاذ الوطني إفشال الدستور عبر الخروج للشارع، وبدأت بعض الماكينات الإعلامية بالتحريض على الدستور وعلى جماعة الإخوان المسلمين، وبعد أن فشلت التيارات الليبرالية والعلمانية في الاحتكام للشارع، عادوا واحتكموا للصندوق فكانت النتيجة الساحقة والمفاجئة للجميع، هي موافقة الشعب المصري على الدستور بنسبة 63.8%، وبذلك تكون جمهورية مصر العربية قد تربعت على عرش دول العالم التي صوتت بأعلى نسبة بنعم للدستور، حيث سجلت ايطاليا نسبة 61% وهي الأكبر في تاريخ الاستفتاءات.
وهذا يطرح تساؤلاً حول أسباب فشل التيارات العلمانية والليبرالية في الوصول إلى المواطن المصري، على الرغم من امتلاكهم مزايا لا توجد لدى تيارات الإسلام السياسي…؟
من يراقب المشهد المصري من خارج حدود مصر الجغرافية يلاحظ الفرق الواسع والهائل بين إمكانات التيارات الليبرالية والعلمانية من حيث موارد المال، والإعلام (رجالات الأعمال من الفلول نموذجاً)، ومن حيث التجربة في إدارة الحكم (عمرو موسى نموذجاً)، والانفتاح على الغرب (عمرو حمزاوي نموذجاً)، والتجارب في العمل مع المنظمات الدولية (محمد البرادعي نموذجاً)، والعزف على وتر التاريخ والكاريزما (حمدين صباحي نموذجاً)، وبين تيارات الإسلام السياسي، والتي تحصل على مواردها المالية من تكافل أعضائها والمنتسبين إليها، ومن خلال المشاريع الاقتصادية التي تديرها، والتي يذهب ريعها للفقراء والأيتام داخل القرى والنجوع والأرياف، ونجد شيوخها يلتحمون مع شرائح المجتمع المختلفة في الشوارع والمساجد، وتعمل مؤسساتها منذ عشرات السنين على دعم وتعزيز صمود الشعب على أرضه، ومن هنا نقرأ نتائج العملية الديمقراطية في مصر، والتي يتصدر الإسلاميون في كل مرة نتائجها، سواء التي جرت على التعديل الدستوري في مارس/2011م، وكذلك انتخابات مجلسي الشعب والشورى، والرئاسة وأخيراً التصويت على الدستور الجديد، ولذلك فإن الفارق الكبير بين القوى العلمانية والليبرالية والتي تلقى نخبها صعوبات في إيصال رسائلها للمواطن المصري، مقارنة مع قوى الإسلام السياسي، لأن القوى الليبرالية والعلمانية صاحبة صوت عال ومحترفة إعلام ولكنها ضعيفة على الأرض، أما قوى الإسلام السياسي فهي محترفة أفعال لا أقوال، وهي تعمل على الأرض، وتحتك بالمواطن الذي منحها وسيمنحها ثقته في أي عملية ديمقراطية قادمة في حال استمرت في هذا النهج المعطاء.
Hossam555@hotmail.com
التعليقات (0)