لا يمكن للشعب التونسي بمكوناته أن يختلف حول مفهوم التمدرس والتعلم في الجامعة باعتباره حقا معرفيا واجتماعيا لكل طالب نجح في امتحان الباكالوريا وأراد ان يتم تعليمه العالي. قلت لا يختلف اثنان بقدر ما نختلف حول طريقة التعاطي مع مسألة لباس النقاب والتحجج بأنه غير لائق داخل الحرم الجامعي وأن الإدارة بشتى تلاوينها رفضت قطعيا هذا اللباس ورأت فيه تعديا حقيقيا على مسار التعلم والتكوين في مؤسسة " مهمتها إعداد النخبة إلى الحياة الديمقراطية والمسؤولة".
ولست أضيف شيئا حين أكتب هذه الأسطر إلى قضية افتعلتها وسائل الإعلام بكل آلياتها وتجندت لها الوسائط الاتصالية الالكترونية لتضخم المسألة وتزيد في الوضع الاجتماعي ارتباكا ولعلني أشير هنا إلى أن القضية كانت سياسية وبفعل قوى تنحاز إلى الحداثة وقد أعلنها صراحة أن اليسار التونسي باعتبار سيطرته على أجهزة الدولة في القطاعين التربية والتعليم العالي والثقافة وربما نزيد الرياضة أيضا.
فالمكونات المدنية والاجتماعية والسياسية وحتى الثقافية اليسارية لم تأنس ان تتحول مسألة طالبة دخلت المؤسسة الجامعية مرتدية النقاب من قضية شخصية كان يمكن للإدارة أن تختزلها في إجراء بسيط /فترة امتحانات/ أن تكشف وجهها ومن ثمة تنتهي المسألة إجرائيا في انتظار أن تحسم سلطة الإشراف والحكومة المسألة برمتها أي أن تجيز اللباس أو أن تمنعه بحجة القانون والديمقراطية والأمن .. فالأمر ليس هكذا ببساطة الأجراء الإداري وإنما هو قرار فردي من عميد الكلية ومرره إلى المجلس العلمي لكلية الآداب بمنوبة الذي رفض جملة وتفصيلا النظر في مسألة ليست من مشمولاته الإدارية باعتبار أن قرار المنع يكون أمرا ترتيبيا يصدره الوزير المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي أو بأمر من رئيس الحكومة أو سلطة علوية وليست لإدارة الكلية الحجة الإدارية الممكنة لإصدار قرار او تبنيه طبقا للنظام الداخلي للكلية كما قيل...
الشعب في الشارع واليسار في الساحة واليمين في المشربة والنقاب في الجامعة... ويستمر الاعتصام وتعطل مصالح الدولة لأن في تعطل الجامعة توقف طبيعي للحياة في المجتمع الذي يريد ترميم جراحاته وأن يتقدم إلى الصفر ليس إلا...
لهذا أرى أن مسألة الحرية الشخصية في اللباس وطرحها مغلوط أساسا لأن النقاب زي دخيل علينا ويقع الترويج له بالفضائيات المنتشرة في سمائنا التي علينا أن نصفيها وأن نجعلها متفتحة ومتبصرة بروح الحياة.
قرار سياسي يساري من داخل الجامعة تتحمل وزره المجموعة الوطنية بإهدار المال وتعطل الدراسة والتكوين في مؤسسة جامعية لها تاريخ ومشهود لها بمصداقية التعلم والتكوين فيها ولا يعقل أن يتم نشر قرار منع النقاب بهذه السهولة الإدارية في مؤسسة نراها تابعة لسلطة وزارة التعليم العالي وتخضع آليا في مسارها إلى ميزانية الدولة أي أنها مؤسسة من مؤسسات الدولة فلا يعقل أن نمنع النقاب في مؤسسات عمومية أخرى بقرار انفرادي دون الرجوع إلى سلطة الإشراف أو الحكومة لأنها الجهة الوحيدة التي يمكن أن تصدر القوانين والأوامر الترتيبية وما على المؤسسات إلا أن تلتزم بتنفيذها وتطبيقها فليست الإدارة معنية سوى بتطبيق سياسة الدولة وتنفيذها ومن لم يعجبه يمكنه استشارة أولى الأمر أو الاستقالة أو الخروج إلى الشارع كباقي أفراد الشعب....
إن الإدارة على علويتها في المؤسسة لا يمكنها إصدار قرار المنع أو الإلزام بعمل وسلوك ما دون الرجوع إلى مدونة سلوك مشتركة تكون نتاج حوار وديمقراطية فاعلة بين كل الأطراف المتعاملين معها. هذا لا يعني أني أدافع عن المنقبات بقدر دفاعي عن استقلالية القرار السيادي للإدارة في ظل مؤسسة تحترم مسار لدولة وهيبتها.
التعليقات (0)