يتفق كل المراقبين أن سؤال المشاركة في انتخابات 25 نونبر مثل هاجسا حقيقيا لكل الفرقاء السياسيين خلال الفترة الماضية. و الآن، و بعد الإعلان عن رقم45.40 في المئة كنسبة لمشاركة المغاربة في هذا الإستحقاق الإنتخابي، يبدو عموما أن الإرتياح يطبع مواقف كل الأطراف المتدخلة في العملية الإنتخابية. لكن هذه النسبة تظل رغم ذلك دون المستوى الذي ينسي الطبقة السياسية المغربية عزوف 2007.
في سنة 2007 إذن عرفت نسبة المشاركة نكسة حقيقية بعدما لم تتجاوز 37 في المئة. و منذ تلك اللحظة ظل مشكل العزوف الإنتخابي يرخي بظلاله على المشهد السياسي المغربي. و بدا واضحا أن النخبة الحزبية في حاجة إلى إعادة النظر في كثير من الممارسات التي أساءت إلى نبل الرسالة السياسية و فسحت الباب أمام استفحال ثقافة الريع. الأمر الذي أفرغ العملية الإنتخابية من محتواها و دفع بأغلبية المغاربة إلى اتخاذ قرار المقاطعة. و كانت تلك اللحظة إيذانا ببداية ظهور وعي سياسي جديد أصبح معه موقف المقاطعة خيارا مبررا بالنظر إلى استمرار كثير من مظاهر الإنحلال السياسي، سواء من خلال استفحال ظاهرة الترحال البرلماني أو من خلال دور الأحزاب و حضورها في تدبير الشأن العام من موقع المسؤولية. و هذا يعني أن ما شهده الحقل السياسي على مستوى دور الأحزاب و مكانتها في بلادنا خلال الأربع سنوات الماضية لم يكن يوحي أبدا بتجاوز النسبة الكارثية التي عرفتها انتخابات 2007. و من تم فإن الإرتفاع النسبي للإقبال على صناديق الإقتراع في تجربة 25 نونبر لا يعد مؤشرا على مصالحة بين المواطن المغربي و الإطار الحزبي، بل تدخلت فيه معطيات أخرى، تتجلى أساسا في الآمال التي تعقدها شريحة واسعة من المغاربة على التعديل الدستوري الواسع. و بالتالي جاءت مشاركة هذه الفئة كانخراط إيجابي في توفير شروط تنزيله و تطبيقه عمليا.
يمكن القول إذن من خلال القراءة الكمية لنسبة المشاركة أن المغرب تجاوز خطر تكرار سيناريو 2007. و هذا ما يبرر أجواء الإرتياح التي عبر عنها كل المهتمين بالإستحقاق الإنتخابي في بلادنا، غير أن ذلك لا يمنعنا عبر قراءة أخرى- نوعية هذه المرة – أن ننظر إلى هذه النسبة المعلنة بمنظار مختلف. فمن حيث الناحية العددية ما زال أغلب المغاربة غير منخرطين في اللعبة الإنتخابية. إذ أن التأويل القانوني لنسبة 54،60 في المئة المتبقية هو أن كل الذين لم يشاركوا في هذه الإنتخابات يصنفون في خانة المقاطعين. و هذا يعد انتصارا بشكل أو بآخر للتوجه الذي رفض المشاركة في هذه الإنتخابات، وعلى رأسه طبعا حركة 20 فبراير بمواقفها المعروفة. و إن كان مفهوم المقاطعة مشروطا بموقف سياسي قد لا نجده عند أغلبية الذين لم يدلوا بأصواتهم في استحقاق 25 نونبر. ثم إن الذين يعتبرون نسبة المشاركة التي أعلن عنها وزير الداخلية مطمئنة تحت ذريعة أن الدول الديموقراطية الكبرى تعرف نسبا مشابهة، ينسون أو يتناسون على الأرجح أن الرقم الذي نتحدث عنه هنا يرتبط بعدد المسجلين في اللوائح الإنتخابية فقط. و الحال أن أكثر من 7 ملايين مغربي غير معنيين بالمشاركة بشكل قبلي نظرا لعدم تسجيلهم في هذه اللوائح. و بلغة الأرقام نصل إلى نتيجة مفادها أن أكثر من 14 مليون مغربي بين المسجلين و غير المسجلين لم يشاركوا في هذه الإنتخابات. و تأسيسا على ذلك تفتقد النسبة الرسمية المعلنة للدقة و الموضوعية، لأنها لا تنطلق من الحجم الحقيقي للكتلة الناخبة.
لقد تجاوز المغرب امتحان 25 نونبر بما له و ما عليه. و وحدها طبيعة الممارسة السياسية التي ستفرزها هذه الإنتخابات هي التي من شأنها أن تعيد الثقة إلى المواطن، و تدفع المغاربة إلى الإنخراط الفعلي في المشاركة السياسية. و ستكون المشاورات الحزبية التي تلي هذه الإنتخابات و طبيعة التحالفات المنتظرة لتدبير المرحلة المقبلة أول اختبار لعودة هذه الثقة و تجاوز عتبة الأزمة. محمد مغوتي.26/11/2011.
التعليقات (0)