الانتخابات 2012 مدخل لتفعيل ملامح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية
عبـد الفتـاح الفاتحـي
يتهيأ المغرب خلال الانتخابات التشريعية المقبلة في 25 نونبر المقبل للدخول في فصل جديد من مراحل تطوره السياسي والديموقراطي، ويؤسس بذلك لمرحلة جديدة من تاريخه السياسي والاقتصادي والاجتماعي... وستشكل الاستحقاقات التشريعية والجماعية المقبلة مناسبة لتقوية موقفه التفاوضي من النزاع حول الصراع لا سيما بعد أن وصلت المفاوضات غير الرسمية إلى حدود 8 جولات دون تحقيق أي تقدم.
إن الجهوية الموسعة والتي تمت دسترتها في دستور المغرب الجديد لسنة 2011، والتي سيجري العمل بها بعد الانتخابات التشريعية والجماعية المقبلة تعد فضاء يستوعب كل الأصوات على تنوعها، وتفتح سبل النقاش على التدبير المحلي، والتنمية المجالية بحسب احتياجات كل جهة على حدة، وخاصة في جهة الصحراء. ذلك أن اختيار المغرب لهذا النهج قد بدا حتميا لحل النزاع في الصحراء عبر التسريع في تفعيل ملامح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، من مبدأ أن المفاوضات حول الصحراء لم تعد تشكل فيه البوليساريو الممثل الوحيد وفق ما كشف عنه التقرير الأخير لمجلس الأمن بشأن الصحراء.
ويتقوى مشروع الحكم الذاتي والجهوية المتقدمة بالإصلاحات الدستورية التي تضمنها دستور 2011، مما يعلن عن انطلاقة جديدة في التدبير السياسي المغربي وضمنه تطبيق الجهوية المتقدمة، ولا سيما في الأقاليم الصحراوية، وهو ما يضفي مصداقية أكبر على مقترح الحكم الذاتي لحل النزاع في الصحراء.
وعليه فإن انتخابات الدستور الجديد تشكل أهمية بالغة ليس على مستوى المسار الديموقراطي للمغرب، وإنما أيضا بتقوية ملامح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، وتقوية الموقف التفاوضي المغربي بشأن النزاع في الصحراء.
ولذلك فإن الانتخابات المقبلة لا يمكن فصلها عن علاقات المملكة على المستوى الداخلي كما المستوى الخارجي، وسياق الحراك الإقليمي. لأنها سترتبط حتما بتحديات المسار المغربي في تعزيز مصداقية وجدية الحكم الذاتي، ومن جهة ثانية تعد دليلا على إرساء قواعد التعايش الديموقراطي والتوجه نحو المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية.
وعليه فإنه الإستحقاقات المقبلة من شأنها ضمان شعبية لمقترح الحكم الذاتي، وتعبئة لنقلة نوعية للمغرب على درب الديموقراطية المحلية، وانتهاء عهد التخبط السياسي وانعدام الثقة بين الشعب والفعاليات السياسية. تخبط عد أحد وجوه الحراك الشعبي الذي عرفته عدة مدن صحراوية، خاصة بعد خروج المواطنين إلى مخيم "اكديم ايزيك" تنديدا بسوء تدبير الشأن العام وبالفساد المالي والسياسي والمطالبة بحقهم في السكن والتشغيل.
إن انتخاب رئيس الجهة والطريقة التي يتم بها ذلك (انتخاب مباشر أم غير مباشر) كلها محددات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ما يقوي التوجه الحقيقي للدولة نحو اللاتمركز لتدبير سياسات جهاته، ذلك أن أصوات اعتماد التصويت المباشر لانتخاب رئيس الجهة لها قوتها على صدقية الدولة في اختيارات الجهوية الموسعة بمعناها المتعارف عليه، إضافة إلى الالتزام بمضمون الجهوية الموسعة التي تقضي بـ لامركزية الدولة، وتعمل على تفويض وتفويت جل السلط إن لم نقل كلها إلى يد الجهة لتبقى كل جهة تسير شؤونها بنفسها إلا ما يتعلق بالدبلوماسية الخارجية والدفاع عن الوحدة الترابية والهوية الوطنية، حيث تجمع الدولة الواحدة مجموعة من الجهات التي تتعدد فيها الثقافات واللغات أو اللهجات في سياق دولة ذات سيادة وطنية واحدة.
ولذلك فإن المشرع المغربي عليه أن يستوعب تقديم رؤية متطورة لخيار الجهوية حين وضع النصوص التنظيمية، بما يخفف ذلك على المغرب عبء ربط المطالب الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية بالمزايدات السياسية لأتباع جبهة البوليساريو عبر إفساح المجال للفاعل السياسي في تدبير الشأن العام المحلي، وبما ينسجم والمقتضيات الدولية، خاصة رفع عبئ الورقة الحقوقية عن الدولة.
وتأتي الانتخابات التشريعية الجماعية المقبلة لتجاوز حالات فشل التدبير المحلي الحالي في الأقاليم الجنوبية، ولذلك يعلق عليها خلق فرص التنمية الذي باتت تثقل كاهل الدولة، وتزيد من أعبائها في الصحراء على المستوى الأمني. وقد أكدت عدة تقارير أن مجموعة من القلاقل الاقتصادية والاجتماعية التي نشبت بالأقاليم الجنوبية وخاصة في أحداث 1999 بمدينة العيون، لا علاقة لها في الغالب بالمطلب السياسي "تقرير المصير في الأقاليم الجنوبية" بل أنها ردة فعل طبيعي على ممارسات الإقصاء الاجتماعي في عدد من جماعات الأقاليم الجنوبية.
وينسجم هذا التحليل مع ما عبرت عنه عدة أصوات من أن الأقاليم الصحراوية إضافة إلى وضعها السياسي تستدعي إعادة النظر في طرق تدبير الشأن المحلي وفق حكامة جيدة يقوم بها الصحراويون أنفسهم، تتجاوز نهج الريع الذي كانت تعتمده الدولة في عدة قضايا ومنها توزيع الأدونات وتقديم المنح (هبات، بطائق إنعاش، سكن، وظيفة أو شغل قار)، إضافة إلى فساد مالي وتدبيري كبد المغرب هروب عدد من أفراد ساكنة الصحراء (انفصاليو الداخل) إلى الأمام بارتداء عباءة حقوق الإنسان، والمطالبة بالاستقلال والانتصار للانفصال، وتأليب الباقي على السلطات المحلية وسياسات الدولة.
كما أن قضايا البطالة والفقر والهشاشة والتهميش في الأقاليم الجنوبية صارت تفرض نفسها أكثر، وأصبحت تمثل مقدمة فتيل التظاهر في شوارع أقاليم الصحراء، وكثيرا ما استغلته الدعاية الإعلامية للجزائر والبوليساريو على أنه انتفاضة ما تسميه -التحرير والاستقلال-.
إن اعتماد المغرب على الجهوية الموسعة في الأقاليم الجنوبية سيُخْلي مسؤولية الدولة من الفساد الذي أساء إلى صورتها على المستوى المحلي والدولي، وخاصة لدى جهات لها صلة بالنزاع في الصحراء، ومن جهة أخرى سيزيح عن كاهلها تبعات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الصحراء.
إن المغرب وعبر الجهوية المتقدمة والرؤية الجديدة لتدبير الشأن العام في الأقاليم الجنوبية ينتظر منه تحييد صور الفساد السياسي وتطهير الحياة العامة في الصحراء عبر تشريعات محلية تجعل من الأقاليم الصحراوية نموذجا مثال لحجم الإصلاحات التي تنوي المملكة المغرب إرساءها. ذلك أن استمرار الاختلالات في تدبير المؤسسات والإدارات العمومية وعدد من الجماعات المحلية واستمرار نهب المال العام واقتصاد الريع ونظام الامتيازات في مجال العقار والخدمات واستغلال الملك العام، يسيء كثيرا إلى صورة المغرب. في وقت تؤكد فيه كل المؤشرات أن تدبير الشأن العام في الأقاليم الجنوبية عرف فسادا لا يقل عن نظيره في باقي المجالس والجماعات المحلية للمغرب، حتى أن المجلس الأعلى للحسابات لم يسجل أي حالات إدانة في حق رؤساء مجالس جماعات الأقاليم الجنوبية، لاعتبارات الوضع الخاص.
ولا يرتبط الفساد السياسي والمالي في هذه الأقاليم بالمنتخبين فقط بل امتد ليشمل تدبير رجالات السلطة التي أدينت بطريقة من الطرق، دون أن يسجل في حقهم أي مساءلة قضائية.
وأمام هذا الوضع فإنه لا نجاح لمشروع تنمية الأقاليم الجنوبية وفرض أحقية المغرب على الأرض، ما لم يرافق تدبير الشأن العام الجديد في إطار الجهوية المتقدمة بصرامة تفعيل بنود القانون والمراسيم المصاحبة لمشروع الجهوية.
وعليه فإن الرهانات الإستراتيجية للمغرب في تدبير الشأن العام المحلي للأقاليم الجنوبية تقتضي فرض سيادة القانون وتجاوز الاعتبارات القبلية في المنطقة، وجعل الجماعات المحلية أساس إطلاق مشاريع اقتصادية تنموية تحقق الرفاه وتجذب ما تبقى من سكان مخيمات تيندوف للالتحاق بالمغرب وكسر شوكة تفاوض البوليساريو باسمهم.
وبذلك يكون المغرب قد خطط فلسفة جديدة لتدبير النزاع مع خصوم وحدته الترابية، تقوم على أساس الارتقاء بآليات تدبير التنمية المحلية على أسس ديموقراطية محلية جديدة، تتجاوز لوبيات الفساد السياسي واستغلال النفوذ واقتصاد الريع في المنطقة.
محلل سياسي مهتم بقضية الصحراء
elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)