ام الرشراش ليست مصريه ..
دائما عندما أكتب عن قضايا سياسيه وخاصه القضيه الفلسطينيه تأتيني تعليقات تطلب مني إبداء الرأي حول "مصريه أم الرشراش" التي هي الآن ميناء إيلات الإسرائيلي لافته نظري إلي أن هناك أصوات عاليه تطالب بإسترداد أم الرشراش من الإسرائيليين ..
وأن هناك وطنيون مصريون وعرب شكلوا جبهات شعبيه بهدف بعث أم الرشراش بل وتصديرها للواجهه لتصبح قضيه مصر الأولي الآن بل وذهب البعض في كتاباتهم الي العصر الفرعوني تأكيدا علي مصريه أم الرشراش منذ عصر الفراعنه وحتي الآن ..
وموضوع أم الرشراش من المواضيع التي كنت أحاول أن أتجنب الحديث عنها لا عن تخاذل أو مداراه ولكن لأن المواضيع مثل هكذا لا تعرض بطريقه "لا تقربوا الصلاه" أو أن مصر الآن تسودها ثقافه الهزيمه والخنوع والإستسلام ولكن سوف أعرض الموضوع بتوضيح وتبسيط للقارئ حتي يصل الي الحقيقه المجرده ..
أم الرشراش كانت قريه صغيره للصيادين في الشمال الغربي لخليج العقبه في بدايات القرن التاسع عشر ولمجاراه الأحداث سوف نذهب أيضا الي العصر الفرعوني لكون العديد من الكتابات ذهبت الي فرعونيه أم الرشراش وبإختصار شديد ..
ففي عصور الأسرات لم تثبت حدود لمصر لفترات طويله بل كانت متغيره تبعا للفرعون الحاكم من حيث القوه أو الضعف بل ساحت تلك الحدود تماما مثلا إبان فتره احتلال الهكسوس لمصر وانتهت حقب الفراعين والأسر بإجتياح جيوش الإسكندر المقدوني لمصر ضمن الكثير من ممالك العالم وساحت معالم وحدود مصر أثناءها ..
وبعد وفاه الإسكندر وتقسيم ملكه بين قواده إستقلت مصر ثانيا تحت حكم البطالسه ثم عادت وتحولت الي إماره رومانيه بدخول الرومان مصر ضمن الإمارات الرومانيه ثم بدخول عمرو بن العاص تحولت مصر الي أحد الأمصار الإسلاميه ضمن الدوله الإسلاميه الكبري وظلت هكذا قرون طويله حتي وصلت دار الخلافه الي الأستانه ..
ويهمنا هنا أن ننوه بأنه لم تكن للأمصار حدود محدده معينه ثابته لان الإطار العام هو حدود الدوله الخارجيه مع الدول الأخري وليس الحدود بين الأمصار والتي لا يلتفت اليها أحد ..
وبهذا نستطيع القول بأن ترسيم الحدود طبقا للمعطيات التاريخيه القديمه يعد دربا من المستحيل ..
ولكن في العصر الحديث وعقب زوال الإستعمار الغربي تشكلت وتكونت كيانات الدول الحديثه الموجوده الآن علي الخارطه وتم ترسيم الحدود بواسطه دول الإستعمار وهناك الكثير من الشوائك والألغام التي وضعها الإستعمار حال ترسيم تلك الحدود حتي تكون زريعه مشاكل مستقبليه بين الجيران ولكن صدرت العديد من القرارات الأمميه بوجوب إحترام تلك الحدود أيا كانت حتي لا يلتهب العالم بالحروب الحدوديه ..
وهنا نعود ثانيا الي أم الرشراش في الفتره التي لم تكن الدول الحديثه بحدودها الحاليه قد إتضحت ونضجت معالمها وما يهمنا هو إحتلالها من اليهود فأم الرشراش كانت بها حاميه أردنيه من "إماره شرق الأردن التابعه للحجاز" آنذاك بقياده إنجليزيه وحاميه مصريه تجاورها إبان حرب العام 1948 والتي إنهزم فيها العرب وتم عقد إتفاقيه وقف إطلاق النار والهدنه بين العرب واليهود ولكن اليهود لكونهم منتصرين في الحرب ولديهم حلم توسعي في أرض فلسطين خرقوا الهدنه في عده مناطق بهدف كسب مواقع وإقرار أمر واقع وتوغلت قواتهم في الكثير من مدن وقري فلسطين وجائت أم الرشراش ضمن هذه الخروقات في 10/3/1949 عندما إنسحب القائد الإنجليزي بقواته الأردنيه "في تواطؤ واضح" عندما علم بقدوم العصابات الصهيونيه والتي دخلت أم الرشراش وأجرت بها مذبحه للحاميه المصريه بالكامل ضمن باقه كبيره من المذابح التي قامت بها تلك العصابات في طول فلسطين وعرضها وبهذا أصبح لليهود موطئ قدم علي البحر الأحمر بالإضافه الي إحتلالها لمدينتي العريش و الكونتلا و مطار الجفجافة العسكري من الأراضي المصريه ..
أما عن إتفاقيه 1906 لترسيم الحدود فقصتها كالآتي :-
في العام 1905 عندما بدأت الدولة العثمانية في تنفيذ خط سكة حديد الحجاز و التي تبدأ من مدينة معان الأردنيه و تمتد بطول 100 كم حتى صحراء النقب .. إستشعرت بريطانيا أن خط السكك الحديديه هذا سيتم إيصاله حتي قناه السويس في الوقت التي كانت تريد سياده مصريه كامله علي موانئ العقبه وطابا "المحتله بريطانيا" وبالتالي دفعت بريطانيا مصر الي إصدار الأمر لقوه شرطه مصريه من خمسة جنود يقودهم ضابط إنجليزي لاستطلاع التحركات التركية بالنقب و العقبة وهو ما تصدت له القوة التركية الموجودة بالنقب ومنعتهم من إقامة معسكر في المنطقة لكونها أرضاً عثمانية .. رداً على ذلك أرسلت الحكومة المصرية خطاباً إلى السلطان تطلب فيه وضع لجنة مصرية عثمانيه مشتركة لتعيين الحدود بين مصر و الشام "منعاً لحدوث مشاكل حدوديه من هذا النوع في المستقبل" ..
حاول الباب العالي بشتى الطرق تجنب هذه الخطوة و لكنه أذعن في النهاية تحت ضغط بريطاني كبير تضمن تلميحا عسكريا بإرسال بارجة عسكرية بريطانية إلى الخليج بعد أن إحتلت قوات تركيه طابا و الجانب الغربي من رفح وقد لجأت بريطانيا أيضاً لضغط الدول الضامنة لاتفاقية لندن 1840 و إضطرت تركيا للرضوخ في النهايه .. حيث قام السلطان العثماني بانتداب مندوبين عنه لترسيم الحدود مع اللجنة المنتدبة من قبل الخديو عباس حلمي عن الجانب المصري .. وفي نهايه الإجتماعات والمداولات تم الإتفاق علي ترسيم الحدود وتم التوقيع عليه في طابا ..
والخط الحدودي محور الإتفاق يمتد من رأس طابا جنوباً حتى رفح شمالاً بخط تم تعيينه ب91 علامة حدودية تمتد على طول خط الحدود من الشمال إلى الجنوب (أي أن العلامة واحد تقع على ساحل رفح و تمتد العلامات تصاعدياً وصولاً للعلامة 91 بطابا) .. أقر الاتفاق أيضاً أن طبيعة هذا الخط طبيعة إدارية و ليست سياسية .. ومن المهم جدا التوضيح بأن تلك الإتفاقيه جاء بها أن أم الرشراش حجازيه وليست مصريه ..
ويهمنا هنا أيضا توضيح أن نقاط التفاوض الرئيسية في تلك الإتفاقيه كانت رغبة الأتراك في الحفاظ على تواجد لهم في غرب خليج العقبة و هو ما منحه لهم الإنجليز مقابل احتفاظ الإنجليز بمناطق الآبار على طول خط الحدود وفي الاتفاق النهائي أقر الطرفان أن الالتزام بهذه الحدود يخص فقط القوات العسكرية من الجانبين .. أما أهالي المنطقة التي قسمتها الحدود الجديدة فيمكنهم العبور بحرية عبر هذه الحدود مراعاة لأهمية آبار المياه لطبيعة حياتهم و مراعاة أيضاً لعامل التصاهر و القرابة بين العائلات المقيمة على جانبي الحدود خاصة في منطقة رفح التي كانت دوماً موحدة جغرافياً و سكانياً قبل إقرار هذه الحدود وبهذا يتضح أن الأمر كله لم يكن أكثر من فصل مصر عن مصر آخر داخل حدود دوله الخلافه العثمانيه تبعا لمراعاه المصالح التركيه والبريطانيه لا أكثر ..
أما ما يخص فرمان السلطان العثماني في العام 1892 فقصته كالآتي :- في ذلك العام توفي الخديو توفيق و خلفه عباس حلمي الثاني .. كان التقليد الرسمي يقضي بوصول فرمان سلطاني من تركيا بتولية الخديو الجديد مع تعيين الحدود الجغرافية لولايته .. وهنا وجد السلطان عبد الحميد فرصته .. أصدر السلطان فرمانه بتولية عباس حلمي الثاني و عند تعيين الحد الشرقي ذكر أنه يبدأ من غرب قناة السويس على أن تكون الأراضي الواقعة شرق مدينة السويس حتى العريش ممنوحة للخديو من السلطان العثماني "أي أن السلطان يستطيع استعادتها في أي وقت” ..
قبل عباس حلمي فرمان الباب العالي بهذا الشكل لكن البريطانيين هم من أخذوا الأمر بجدية شديدة .. بل أنهم أصدروا أمراً للخديو برفض الفرمان .. وقد هدد البريطانيون السلطان العثماني بتدويل المسألة و دعوة الدول الضامنة لاتفاق لندن لمناقشة إنتهاك العثمانيين له بترسيم حدود مصرية مغايرة لتلك التي تم الاتفاق عليها مع محمد علي عام 1840 .. في النهاية رضخ السلطان العثماني و أرسل فرماناً جديداً بتولية عباس حلمي على نفس الحدود التي كانت لأسلافه .. ويجب أن ننوه أن أراضي "كل رأس خليج العقبه" كانت أرض مصريه خالصه من قبل بما فيها ميناء العقبه وقد تم ضم العقبه للأراضي الحجازيه بواسطه السلطان العثماني والتي إنتزعها من السياده المصريه وأبقي لها أم الرشراش ورأس النقب .. فهل تشمل المطالبات الآن “العقبه” بإعتبار أن هذا الفرمان السلطاني باطل ..؟؟؟ وهنا يجب أن ننوه الي أن التحكيم الدولي الذي لجأت اليه مصر في موضوع "مصريه طابا" عقب معاهده السلام مع إسرائيل طالبت مصر بأم الرشراش بإعتبارها أرض مصريه ولكن المحكمة في أثناء التحكيم في طابا أهدرت هذا الدفع كلية وأكدت أن المحددات في اتفاق 1906 المستخدمة في التصريحات المصرية البريطانية وقتها لا يحملان معنى فنيا خالصا وإنما يشيران فقط إلي وصف خط الحدود دون الإشارة إلي تعليم الحدود المنصوص عليها أيضا صراحة في اتفاق 1906 وهي السند التي كانت إسرائيل ترتكز علي أنها الاتفاقية التي وضعت أم الرشراش ضمن أرض فلسطين وبالتالي لم تستطيع إسرائيل إثبات فلسطينيه أم الرشراش والتحكيم أثبت "حجازيتها" مثل جزيرتي تيران وصنافير والتي تنازلت عنهما السعوديه رسميا في الأمم المتحده لمصر عقب حرب 1967 .. وهنا نتوقف قليلا ونتسائل .. إذا كنا نستند الي تلك الوقائع والإتفاقات التاريخيه كسند لإثبات وإستعاده الأرض المصريه لوجه الله فيجب أن لا يتوقف بحثنا فقط عند أقصي الحدود الشرقيه الشماليه عند نقطه أم الرشراش ولكن يجب أن نستعيد كل الأراضي المصريه .. ففي هذه الفتره كان ثلث ليبيا أرض مصريه والسودان بكامله تقريبا أرض مصريه بل وجزء من تشاد وهي مساحات ربما تعادل مساحه مصر كامله .. فلماذا لا نطالب بإستعاده كل الأراضي المصريه ليكون توجهنا سليم وخالص من أي شائبه أو شبهه أم أن الموضوع أو تلك الزوبعه الغرض منها توريط مصر في صراع جديد يقضي علي البقيه الباقيه منها ..؟ أمر آخر يجب الإلتفات اليه وهو وضعيه مصر في تلك الفترات التاريخيه فحمله نابليون بونابرت علي مصر أتت بالقائد محمد علي وتسببت في رفعه لتقلد "ولايه مصر" الا أنه بوفاه محمد علي كانت لمصر وضعيه إستقلاليه خاصه أو نوع من الحكم الذاتي والذي كلف مصر الكثير حال قيام مصر بالحروب بالوكاله عن الباب العالي مما أهدر ثرواتها الماديه والبشريه معا وإنتهت الأمور بالمؤامره العثمانيه مع الغرب عليه وتحطيم الأسطول المصري بالكامل في موقعه نافاران .. ثم جاء الإحتلال الإنجليزي لمصر في العام 1882 أي بعد 13 عام من إفتتاح قناه السويس بتفاهم كامل مع الدوله العثمانيه التي كانت مصر تابعه لها ومن أمصارها والتي كانت يسيل لعابها علي الإمارات الأوروبيه والروسيه فقط أما عالمها الإسلامي فلم يكن يعني لها شيئا .. ولكن اصدقاء الأمس يتحولوا الي أعداء اليوم عندما إنضمت الدوله العثمانيه الي المانيا في الحرب العالميه الأولي والتي إنتهت بنهايتها الدوله العثمانيه ومعها الخلافه الإسلاميه .. ويتوجب التوضيح بأن أول ذكر لأم رشراش تم في الوثائق الخاصة لمصلحة الحدود المصرية قد ذكر فيها استيلاء قوات الحدود المصرية علي نقطه ام الرشراش وذلك لموقعها الهام وارتفاعها عن سطح البحر ولأهميتها للأمن العام المصري في عام 1931 أي بعد 25 عام من اتفاقية ترسيم الحدود بين كل من مصر والدولة العثمانية .. وهنا نقطه أخري مهمه جدا وهي أنه بعد إحتلال اسرائيل لام الرشراش في العام 1949 لم يردع مصر عن المطالبه بها لاهميتها الإستراتيجيه سوي الوضع السيئ لمصر في ذلك الوقت و هو أن العمق المصري أصبح هدفاً سهلاً للطيران الإسرائيلي للقيام بغارات جويه علي القصور الملكيه في القاهره بهدف تحطيم الكبرياء المصري تماما وإضعاف مركزها إقليميا ودوليا كذلك أصبحت الكثير من القوات المصريه محاصره إسرائيليا وفي سبيل الفناء .. فكان التصرف الوحيد أمام مصر آنذاك هو التقدم بإلتماس وقف إطلاق النار والتوصل مع إسرائيل الي إتفاقيه “رودس” لانهاء حرب العام 1949 وبموجبه تنسحب إسرائيل من سيناء وتتوقف مصر عن المطالبه بأم الرشراش ..
"وأصبح إعتراف مصر بهذا الوضع شرعية لضم ميناء أم الرشراش لإسرائيل و بالتالي لم تعد مصر في موضع قانوني يسمح لها بالمطالبة بعودة هذا الميناء للسلطة المصرية الي الأبد" وقد قبلت مصر أن تكون هذه هي النتيجة النهائية للحرب 1949 ..
مجدي المصري
التعليقات (0)