اتهمت مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتعمد تجاهل الحراك السياسي الكبير الذي تشهده مصر حاليا في أعقاب عودة المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الدكتور محمد البرادعي للقاهرة في شهر فبراير/شباط الماضي ودعوته لتغيير الدستور المصري أو على الأقل تعديل بعض مواده، خاصة المادة 76 المثيرة للجدل والتي تحدد الشروط الواجب توافرها في المترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر 2011، وتعتبرها المعارضة المصرية "عورة" لأنها "مفصلة" على مقاس نجل الرئيس المصري جمال مبارك ، حسب قولهم.
وقالت المجلة إن الولايات المتحدة ليست على استعداد لاتخاذ موقف لصالح الاصلاح الديمقراطى فى مصر، مشيرة إلى أن ممثلة وزارة الخارجية الأمريكية للديمقراطية والشؤون العالمية، ماريا اوتيرو، ستأتى للمنطقة قريبا لمناقشة قضايا المياه، والديمقراطية وحقوق الانسان جنبا الى جنب مع غيرها من القضايا والشئون العالمية فى كل بلد.
واضافت انه وفى الاسابيع التى تلت ذلك أفيد بان التمويل الذى تقدمه الولايات المتحدة لدعم الديمقراطية فى مصر سيتقلص الى النصف ، فى الوقت الذى قالت فيه الإدارة الإمريكية أنها تدرس إنشاء صندوق هبات من أصل 50 مليون دولار من حزمة مساعدات سنوية ضخمة تتلقاها من الحكومة الامريكية.
ونقلت صحيفة "الدستور" المستقلة عن المجلة، أن البرادعي تعامل في الأشهر الأخيرة من عمله بالوكالة الدولية، بشكل وثيق مع الإدارة الحالية وتحدث مع الرئيس أوباما على الهاتف عدة مرات، وذلك عندما حاولت الولايات المتحدة إطلاق حمله لإقناع إيران على الموافقة على مبادلة الوقود النووي، ورغم ذلك فإن الإدارة الامريكية إلتزمت الصمت حيال طموحات البرادعي الانتخابية المحتملة".
واشارت صحيح أنه في عهد البرادعى وقع غزو العراق وفشلت الولايات المتحدة في العثور على أسلحة الدمار الشامل ، واصبحت الوكالة الدولية بصورة متزايدة معادية للولايات المتحدة، ومع ذلك فإن قرار البرادعى فى ترشيح نفسه لرئاسة مصر، تفكيره هو وليس للولايات المتحدة، وذلك .
وقالت المجلة، انه وبعد هجمات سبتمبر/ايلول في نيويورك وواشنطن، اصبح من الواضح للكثيرين ان دور واشنطن تمثل فى دعم ما وصفته الأنظمة القمعية الموجودة في عدد من دول الشرق الأوسط ومنها مصر، كواحدة من الحلفاء العرب الرئيسين للولايات المتحدة.
كانت تقارير صحفية ذكرت في وقت سابق أن فرصة وصول البرادعي إلى كرسي الرئاسة المصرية باتت ضعيفة جدا، في أعقاب تصريحات للرئيس المصري حسني مبارك ونجله جمال مبارك، أكدا خلالها على عدم وجود أية نية لتعديل الدستور وخاصة المادة 76 المثيرة للجدل والتي تراها المعارضة المصرية عائقا أمام أي مواطن مصري مستقل للترشح في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2011.
فقد رهن مبارك ترشيح البرادعي للرئاسة بالتزامه بالدستور، وكذلك اعتبر نجله جمال أن المرشح المستقل في انتخابات الرئاسة "يمثل استثناء" في أن القاعدة هي ترشيح ممثلي الأحزاب.
ويشترط الدستور المصري لمن يرغب في الترشح لانتخابات الرئاسة ان يكون عضوا في الهيئة العليا لاحد الاحزاب قبل عام علي الاقل من الانتخابات، علي ان يكون قد مضي علي تأسيس هذا الحزب خمس سنوات.
كما يشترط أن يحصل أي مرشح مستقل للرئاسة على تأييد 250 عضواً منتخباً في مجلسي الشعب والشورى ومجالس المحافظات من بينهم 65 عضواً على الأقل في مجلس الشعب و25 عضواً في مجلس الشورى و10 أعضاء في مجالس المحافظات.
وما بين إصرار الحزب الحاكم على عدم تعديل الدستور ورفض البرادعي الانضمام إلى أي حزب، فإن فرص خوض الأخير انتخابات الرئاسة تبدو ضئيلة.
"أوباما وتوريث الحكم"
كان خبير أمريكي فى الشأن المصرى فجر الشهر الماضي مفاجأة من العيار الثقيل بكشفه النقاب عن موافقة الإدارة الأمريكية الحالية والسابقة على توريث حكم مصر، لجمال مبارك نجل الرئيس المصري والأمين العام المساعد للحزب الوطنى الحاكم وأمين لجنة السياسات، رغم أن ذلك يعد انتهاكا للقيم الأمريكية وهو ما يثير الاشمئزاز، على حد قوله.
وقال جيسون برونلى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تكساس ـ أوستن: " إن جمال مبارك حصل على مباركة آخر رئيسين لأمريكا، حيث زار واشنطن عام 2006 والتقى بالرئيس الأمريكى فى ذلك الوقت جورج بوش الابن، ثم التقى بالرئيس الحالى باراك أوباما عندما زار الأخير القاهرة، كما أن جمال مبارك يحظى بدعم الحزبين الجمهورى والديمقراطى فى واشنطن".
واضاف برونلي لصحيفة "الشروق" المستقلة: "إنه خلال عام 2006 ذهب جمال مبارك للبيت الأبيض وقابل مستشار الأمن القومى الأمريكى ونائب الرئيس ديك تشينى، وقابل سريعا الرئيس الأمريكى حينذاك جورج بوش. كذلك قابل جمال السيناتور جون كيرى، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى".
وأشار إلى أن "الرئيس مبارك لم يسمح طوال سنوات حكمه الثلاثين بظهور أى شخص يمكن أن يكون رقم 2، حتى عندما لمع نجم وزير الخارجية السابق عمرو موسى أبعده عن الحكومة".
وجاءت "قنبلة" الخبير الأمريكي بعد أيام من تأكيد مصادر بالحزب الوطني الحاكم أنّ جمال مبارك سيكون المرشح المحتمل الوحيد في حال تعذر استمرار الأب في منصبه خاصة بعد الجراحة الأخيرة التي أجريت له في ألمانيا في السادس من مارس/ آذار الماضي، وذلك رغم التأكيد المتكرر لبعض قيادات الحزب على أن الرئيس مبارك سيظل يعمل لصالح مصر حتى آخر نفس فى حياته.
كانت صحيفة "الفايننشيال تايمز" البريطانية قد ذكرت في عدد سابق لها ان جمال مبارك لا يحظى بتأييد شعبى ، فضلا عن كونه لا يرتبط بعلاقات قوية مع قادة الجيش المصري الذي جرى العرف على أن يتولى أحد قادته الرئاسة منذ قيام ثورة 23 يوليو/تموز في عام 1952.
أما صحيفة "الجارديان" البريطانية فذكرت ان جمال مبارك لن يستطيع توفير كل ما تحتاجه مصر حال وصوله للرئاسة، معتبرة أنه يمثل "كل ما هو خطأ فى السياسة والمجتمع المصرى"، وأشارت إلى أنه حصل على أعلى منصب فى الحزب الوطنى لكونه ابن رئيس الجمهورية وليس بفضل مؤهلاته كسياسى.
ولكن د.مصطفى الفقى، أحد كوادر الحزب الحاكم ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب "البرلمان"، قال في حوار سابق له مع "المصري اليوم"، حول موقف المؤسسة العسكرية في حال ترشح جمال لمنصب الرئاسة: "أعتقد أن المؤسسة العسكرية ستبارك ذلك"، ليصبح جمال مبارك أول رئيس مدنى لمصر، ولكنه ، حسب الفقي، "هو رئيس مدنى لكن ابن رئيس عسكرى وتعيينه أو اختياره جزء من الولاء لابيه أولاً، وأن اختياره أكثر طرق الاستقرار فى ظل عدم وجود نائب للرئيس وفى ظل تعدد الأسماء المطروحة".
"التغيير قادم لا محالة"
في سياق متصل، ألقى الدكتور محمد البرادعي رئيس الجمعية الوطنية للتغيير كلمة في جامعة هارفارد الأمريكية- مساء الإثنين- أمام مايقرب من مائتي أكاديمي وأستاذ جامعي، بينهم مصريين، حسث تطرق في كلمته إلى تدهور الأحوال في مصر، ومحاولات السعي لإحداث النغيير المنشود.
وقال البرادعي في كلمته: " يسعدني أن أكون معكم اليوم أخوتي وأخواتي المصريين في بوسطن و من أنحاء الولايات المتحدة لنناقش معاً :ماذا نصنع لبلدنا مصر؟ وكيف نستطيع بكل إمكانيتنا البشرية و الإقتصادية أن نحقق لبلدنا ما تستحقه و أن نكون في بلد نفخر بها من أحرار ومستقلين ويكون عندنا عدالة إجتماعية".
اضاف: "مصر في نظري تدهورت إلى حد كبير.بمعنى آخر لابد أن نكون نحن من يقرر مسير هذا البلد، نحن من يختار من يحكمنا ، أن يكون هناك تداول للسلطة، أن يكون هناك شفافية، أن تكون هناك محاسبة،أن نكون قادرين على أن تكون أولوياتنا تتفق مع إحتياجات 80 مليون مصري".
وتابع: "النتائج التي نراها أقل ما يُقال أنها نتائج محبطة، هناك 42 % من الشعب المصري يعيش تحت خط الفقر يعني أقل من دولار واحد في اليوم، مازال هناك 30% من الشعب لا يقرأ ولا يكتب، ترتيبنا حسب الأمم المتحدة من حيث مستوى الدخل والتعليم 123 ومن حيث الشفافية والفساد 70 !! كل هذه الأرقام تدل على أن الدولة لا تسير على الطريق الصحيح من حيث السياسات".
وقال البرادعي: "مازال عندنا قانون الطوارئ يحرم كل مصري من حريته الأساسية , في رايي الحل ان نعود للديمقراطية التي فقدناها عام 1952 , وعندما أُسأل عن برنامجي، أقول أنا لست مرشحاً لرئاسة الجمهورية ، ثانياً أقول أن البرنامج سيأتي كنتيجة منطقية لوجود نظام ديمقراطي معناها أن الشعب سيختار من يحكمه ،أن يكون هناك رقابة على السلطة التنفيذية ،أن يكون هناك تغيير , أن يكون هناك قضاء مستقل ،سلطة تنفيذية محدودة السلطات وليس كما هو الحال اليوم ، أن يكون هناك الإحتياجات الأساسية للمواطن".
وختم البرادعي كلامه بالقول: "أعلم أن هناك الكثير من المشاكل، ولكن نحن لدينا من الإمكانيات ما يمكننا من أن نصلح من أنفسنا و قد تقدمت بجموعة من الأفكار لتعديل الدستور المصري، هذه حركة سلمية نطالب بحقنا بطريقة سلمية متحضرة ، وردي لكل من يقول أن هناك دستور لا يجب تجاوزه : أن الحق فوق الحكومة و أن الأمة فوق الحكومة و أن النظام الحاكم يحكم نيابة عن الشعب و أدعوكم جميعاً للإشتراك في هذه الحركة السلمية فالتغيير قادم لا محالة و لكنه ليس عن طريق شخص بعينه و لكن عن طريق كل فرد فينا".
التعليقات (0)