جرائم أمريكا بين نظريات الإبادة الحضارية.. وخطط التبرير
• للأستاذة عايدة العزب موسى ، مقال قيم ومتميز تحت عنوان "رسالة ترويض العبيد" .هو تقديم وتعليق ونشر لنص محاضرة ألقاها احد ملاك العبيد –وليام لنش -على أسماع "ملاك عبيد "آخرين في عام 1713 ميلادية ،يشرح فيها نظرية ترويض الإنسان –العبد –باعتباره "حيوانا" لا أكثر ولا اقل ،أو "ليتحدث عن تجربته وأسلوبه في السيطرة على العبيد في مستعمرته –بديلا لعمليات قتلهم كلما تمردوا - وما ابتدعه من أساليب وحشية وخبيثة وأفعال رهيبة لإخضاعهم "، حسب تقديم الأستاذة عايدة لهذه المحاضرة ،التي رأت كذلك انه "إذا كان ماضي البشرية يشينه ويخجله صورة العبد الإفريقي الذي اختطف وربط بالسلاسل في رحلة عذاب طويلة إلى ارض القارات الأمريكية ليخدم السيد الأبيض ويفعل به ما يشاء ،فان ما يفعله الأمريكي الأبيض الآن في بداية الألفية الثالثة بأسرى حرب أفغانستان لا يختلف كثيرا عما فعله جدوده من قبل " .
ربطت الأستاذة عايدة إذن، بين "نظرية" ترويض العبيد في بدء نشأة الولايات المتحدة وبين عمليات اختطاف أسرى أفغانستان وترحيلهم إلى معتقل جوانتناموا .وفى هذا الربط بين الحدثين (اصطياد العبيد وجلبهم –وخطف المواطنين من بلادهم وتكبيلهم بالسلاسل وسجنهم وتعذيبهم في جوانتنامو ) يمتد خيط واحد من مفاهيم الرجل الأبيض في التعامل مع الأعراق الأخرى عبر التاريخ إلى الحاضر، هو خيط مفهوم نظرية التميز والتفوق العرقي للرجل الأبيض ،والحق الذي يعطيه لنفسه باعتباره متميز عرقيا في "ترويض الأعراق الأخرى "، كما تروض الحيوانات ،وباستخدام كل أساليب القهر والقتل ،باعتبار الرجل الأبيض ،هو صاحب الحضارة المتفوقة تكنولوجيا .وفى الربط بين حدث الماضي البعيد والحاضر المعاش ،أو بين نظرية "ترويض العبد " وعمليات الاختطاف والتكبيل بالسلاسل نجد أيضا خيطا واصلا من المفاهيم "القديمة –الجديدة " في كيفية تعامل الولايات المتحدة في السيطرة على الشعوب الأخرى عبر الخوف والترهيب.فكما أوصى ملقى محاضرة ترويض العبيد ،بقتل العبد الذكر أمام العبيد الحضور –خاصة أنثى العبد نفسه وغيرها من نساء العبيد -وبفصل "العبدة" أو السيدات العبيد من تحت سيطرة وسلطة العبد الذكر أو من تحت سلطة الذكور ،ثم بالاعتماد على "العبدة" أو على نساء العبيد فيما بعد لتربية أجيال من العبيد الذكور الخاضعين المروضين -بحكم تجربتها التي شهدت فيها قوة إجرام الرجل الأبيض وجبروته وفتكه بالذكر الذي هو مصدر القوة والحماية لها– فإن ما حدث في أبي غريب وفي جوانتنامو كان على صعيد آخر ،إخافة وترويعا وترويضا للأمم والشعوب والأجيال الصاعدة –وإرهابا لها –بدرس عملي مفاده أن من يعارض سلطة وسطوة الولايات المتحدة ويتحداها ويقاومها كما كان حال العبد الذكر في الماضي الذي قاوم سلطات القهر والسخرة ،فمصيره يبدأ من الشحن كالحيوان إلى المعتقلات الأمريكية في جوانتنامو إلى التعذيب وانتهاك الكرامة المعنوية والجسدية والجنسية رجلا كان أو امرأة -على أرضه - كما كان الحال في المعتقلات بالعراق ،و إعلان عملي بان من يتمرد على سلطة الولايات المتحدة في السجن بالسلاسل سيلقى مصير، من لقوا حتفهم في قلعة جانجي بأفغانستان التي قصف فيها السجناء المقيدين بالسلاسل بالمدفعية والدبابات والطائرات داخل سجنهم ..فقتلوا جميعا وربما حراسهم الأفغان أيضا !
• وفي متابعة الجرائم الأمريكية نجد كثرة من الدراسات التي تتضمن أوراقها وإحصاءاتها رصد شامل للجرائم الأمريكية في العالم –أو ضد العالم -بدءا من جرائم إبادة الهنود الحمر وحتى جرائم الإبادة الراهنة ضد المسلمين في أفغانستان والعراق والفلبين -وفلسطين -الخ ، وفى كل مكان آخر في العالم .
وهى رحلة يظهر حصرها وتجميع أرقام الذين أبيدوا فيها ،وكذا تقديم رؤية متكاملة للوقائع التي جرت من خلالها عمليات الإبادة ، ديمومة الفعل العدواني الإجرامي الأمريكي ،و كيف أن عمليات الإبادة والتطهير ليست مسالة مستحدثه في الفعل الأمريكي وإنما هي أمر أصيل في الفعل الأمريكي ،حيث الولايات المتحدة دولة قامت واستمرت وتطور جسدها العلمي والاقتصادي والتكنولوجي والعسكري على جثث من قتلوا في جرائم الإبادة والتطهير للحضارات والشعوب الأخرى حيث الإبادة والقتل لم تكن لمجرد القتل ،وإنما لنهب واستنزاف ثروات الشعوب .كما هي رحلة تظهر كيف أن كل ابتكار علمي وتكنولوجي جديد اشد فتكا عبر التاريخ العلمي ،كان أول المستخدمين له ضد البشرية هو الولايات المتحدة ،إذ لم تكن هي الدولة الأولى والوحيدة التي استخدمت سلاح الإبادة النووي الشامل ضد البشر في جريمتي هيروشيما ونجازاكي ،وإنما هي أيضا كانت الدولة التي استخدمت الأسلحة البيولوجية ضد الهنود الحمر ،فكانت ومازالت الدولة الأشد دموية وعدوانية عبر التاريخ الإنساني كله ،منذ أن بدأت تتشكل وحتى الآن أو منذ إبادة الهنود الحمر إلى العدوان على العراق .
ومن ثم فان النظر في هذا الكم الهائل من الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة ،إنما يكشف المتابع العربي لها ،أننا في البلاد العربية والإسلامية لم ندرك ،أو لم يرتق فهمنا لدورها الإجرامي عالميا وعبر التاريخ الإنساني ،إلا بعد أن كثفت جهدها في القتل والإبادة تجاه امتنا في المرحلة الأخيرة وبشكل سافر وعلني وصريح ،حيث كانت مصالحها واستراتيجياتها خلال السنوات الأبعد تاريخيا ومن ثم جرائمها في الإبادة مركزة بشكل مباشر ضد شعوب وأمم أخرى .
غير أن النظرة المتفحصة أيضا لكل هذه الأرقام ،ولكل المسيرة الدموية للولايات المتحدة عبر التاريخ الإنساني ،تجعل المتابع يدرك أيضا السبب في تحاشى البحث العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية ،تقديم آية رؤية تاريخية في مجال الدراسات السياسية والاجتماعية .فهذه الحالة الفريدة في العالم لم تحدث فقط لان الجهد والبحث العلمي الأمريكي متلهف إلى الجديد ولا لان تلك الدولة –الولايات المتحدة –هي دولة بلا عمق تاريخي وبلا حضارة ضاربة جذورها في التاريخ ليبدأ البحث العلمي باستعادة سابق تجربتها التاريخية في كل مجال ليدخل تعديله وتطويره على ما سبق الوصول إليه،ولكن أيضا لان تاريخها مليء بالجرائم المروعة التي لا تريد لها تاريخا وتوثيقا بما يكشف للعالم وللأمريكيين أنفسهم إن تاريخهم ليس إلا تاريخ إبادة للشعوب والحضارات الأخرى ،وكيف أن تقدمهم العلمي والاقتصادي قام على سلب الأمم ثرواتها العلمية والبحثية والاقتصادية.
• والقضية الأولى التي نطرحها في هذه الدراسة ،هي قضية تقع بين مسالة وجود نظرية للإبادة والإرهاب والتخويف اعتمدت في بداية وصول المستعمرين إلى الأرض الجديدة لمحو إنسان كان يسكن الأرض التي أقيمت عليها الولايات المتحدة –الهنود الحمر –والتي امتدت بخيط طويل عبر التاريخ كما تظهر الأرقام والإحصاءات عن الجرائم الأمريكية ،ضد البشرية والإنسانية والتي تواصلت فيما بعد الاستقلال والتوحد وحتى جرائم الإبادة في العراق وأفغانستان وبين مسالة وجود "نظرية لترويض العبيد عند بداية "النهضة "الأمريكية على جثث ودماء وجهود الأفارقة الذين تم اصطيادهم مثل الحيوانات من الغابات والمنازل وبين شرائهم في الأسواق وهى قضية تمتد عبر خيط طويل في التاريخ حتى نصل إلى عمليات القبض والاعتقال والترحيل للأفغان والعرب من أفغانستان إلى معسكر جونتنامو مقيدين بالسلاسل.أو هي بالإجمال قضية وجود مفهوم نظري ،يرى فيه الأمريكي أن من حقه إبادة الشعوب الأخرى ،واسترقاقها وتخويفها وإرهابها ،باعتباره "رجلا ابيض " متفوق حضاريا على الآخرين .
• والقضية الثانية التي نطرحها في هذه الدراسة هي كيف إن كل هذه الجرائم قد جرى ارتكابها –سواء جرائم الإبادة أو جرائم الاسترقاق والاستعباد -تحت غطاء كثيف من نظريات إعلامية تجعل العالم يشهد كل هذه الحالة العدوانية والإجرامية غير المسبوقة عبر التاريخ الإنساني كله وكأنه لا يرى شيئا، وكيف أن هذه النظريات الإعلامية جعلت بعض من العالم - حتى من الذين عانوا من نفس الجرائم -يقف مؤيداً لجرائم الإبادة هذه تجاه الآخرين و كيف أن هذه النظريات جعلت العالم لا يقاوم هذه الجرائم ويتصدى لها.وهى قضية تتناول كيف أن وجود نظرية ومفاهيم للإبادة والاستعباد ،وان القيام بارتكاب اعتي واشد الجرائم دموية في تاريخ البشرية ،لا يعنى أبدا التبجح بتلك الجرائم ،وإنما هو يعنى وبنفس القدرة على ارتكاب الجرائم ،توافر اله إعلامية كاذبة ومخادعة للتغطية على تلك الجرائم ،وتصويرها على أنها "أعمال إنسانية متحضرة " ضد همج ،أو بدائيين –كما كان الحال في الزمن القديم –أو ضد أناس يقفون ضد المبادئ الإنسانية ،من إرهابيين وديكتاتوريين أو حتى معادين لحقوق المرأة والطفل وضد التماثيل الأثرية في العالم .
أولا :نظريات ومفاهيم تبرير الإبادة الحضارية والاستعباد:
في المرحلة الأخيرة ،وضمن حالة من تجاوز أنماط البحث العلمي المنبثقة عن مفاهيم الفكر الغربي التي سادت في المنطقة العربية ،وسط الباحثين والدارسين والمثقفين لزمن طويل ،وكذلك في إطار البحث عن الهوية الفكرية الأصلية والأصيلة للأمة العربية والإسلامية ومحاولة مراجعة المفاهيم الغربية السائدة ،بدأت تظهر بعض الكتابات العربية والإسلامية المتميزة لم تنبهوا إلى ضرورة مراجعة المفاهيم الغربية السائدة-وكأنها الحقيقة العلمية المجردة - وضرورة تقديم رؤية مستقلة عنها ومغايرة لها أو هم تنبهوا إلى ضرورة تقديم رؤية مخالفة للرؤى التي تشكلت واستقرت في أذهاننا وتفكيرنا وكتاباتنا ،خلال الغزو الثقافي الغربي الذي بدا منذ مطلع القرن الثامن عشر وتواصل مسيطرا ،حتى أصبح بحكم التقادم وإعادة توليد الأفكار من نفس المفاهيم وكأنه الحقيقة ،بينما المفاهيم التي ينطلق منها ليست إلا مفاهيم غربية استعمارية تستهدف خداعنا وتبرير استعمار الغرب لنا ومن ثم فان الدراسات المنتجة وفق هذه المفاهيم لم تكن سوى دراسات تكثف رؤية الغرب لنا لا رؤيتنا لأنفسنا .بدأت هذه الكتابات تتحدث عن أن أسباب "تقديم الفكر الغربي لرؤى مفاهيمية تقوم على تقسيم الإنسانية إلى "عالم متحضر وآخر بدائي " -والتي يجرى التعامل معها في الفكر المنتج في بلادنا باعتبارها مفاهيم كلية أو حقيقية أو إنسانية عامة –لم تكن سوى محاولة غربية لتأسيس مفاهيم ،تقدم تبريرا من "المتحضر " لاستعمار واستعباد "البدائي " وبلاده وتحت غطاء من أن على المتحضر دورا وجهدا ل "جعل البدائي متحضرا" .كما بدأت كتابات أخرى ترى أن تلك التقسيمات لم تكن فقط ،انحيازا لمعيار التحضر والتمدن في الحضارة الغربية -،أي تغليبا لفكرة التقدم التكنولوجي على جوانب الحضارة الأخرى ،أو اتخاذا للتقدم التكنولوجي معيارا للحضارة والتحضر وليس القيم الإنسانية والدينية والاجتماعية والسلوكية الخ - وإنما كانت من الأساس :تنظيرا " –مصدرا لنا -للقبول بالاستعمار أو مفاهيم نظرية وبناء معرفي جرى ترويجه ، داخل البلدان المستعمرة لكي ترى في استعمار بلادها عملا نبيلا وجرى ترويجها في داخل البلدان الغربية نفسها أو بين مواطنيها ،لإظهار مدى نبل هؤلاء المستعمرين ومدى رقى رسالتهم في استعمار الشعوب ،كما هي كانت تشكيلا لمفاهيم ونظريات عامة ،تبيح "قتل المتحضر للبدائي" ،باعتبار أن قيمة "البدائي " قيمة تقترب من قيمة "الهمجي " ،بينما قيمة حياة المتحضر هي عنوان الحياة الإنسانية والبقاء والتطور.
لقد كان هذا المفهوم –مثلا – هو المفهوم الأساس ،الذي وبناءً عليه تم إنهاء حضارة الهنود الحمر وإنسانها ،باعتبارها حضارة بدائية متخلفة ،وباعتبار إنسانها بدائيا متخلفا، وهى نظريات اقتربت من فكرة "القتل الرحيم " للمرضى الميئوس من شفائهم ،كان هذا المفهوم هو الأساس الذي اعتمد لإبادة أكثر من 100 مليون من الهنود – أصحاب البلاد الأصليين – الذين تم قتلهم أو تعذيبهم ،باعتبار أن هؤلاء بشر بدائيين لا قيمة لقتلهم وأبادتهم وإبادة حضارتهم ،في سبيل بناء الحضارة الأرقى ،كما جرى التركيز بالمقابل على جهود الرجل الأبيض بالقول بان الولايات المتحدة دولة قامت على جهود المستوطنين البيض وكان القتل والإبادة عمل من أعمال التنمية .
لكننا إذا أدرنا عقولنا عن هذا المفهوم الخاص بالتحضر والهمجي أو عن المضمون المقدم لهذا المفهوم - المعيار الغربي لمفهوم التحضر والهمجية أو البدائية -نجد أن الأراضي التي تم استيلاء المستوطنين البيض عليها لم تكن سوى أراض زاخرة بحضارة من نمط آخر ، كانت محروثة ومزروعة من قبل الهنود الحمر أنفسهم ،وأن المستوطنين لم يكونوا سوى غزاة , ولصوص وقطاع طرق بنوا رفاهيتهم على جثث عشرات الملايين من المعذبين الزنج والهنود.
وحول ذلك المعنى بقول الأستاذ منير العكش الباحث في علوم الإنسانيات في كتابه – أمريكا والإبادات الجماعية - أن الإمبراطورية الأمريكية قامت على الدماء وبنيت على جماجم البشر ، فقد أبادت هذه الإمبراطورية الدموية 112 مليون إنسان (بينهم 18.5 مليون هندي أبيدوا ودمرت قراهم ومدنهم ) ينتمون إلى أكثر من 400 أمة وشعب - ووصفت أمريكا هذه الإبادات بأنها أضرار هامشية لنشر الحضارة – وخاضت أمريكا في إبادة كل هؤلاء البشر وفق المعلوم والموثق 93 حرباً جرثومية شاملة وتفصيل هذه الحروب أورده الكاتب الأمريكي هنرى دوبينز في كتابه "أرقامهم التي هزلت " THE NEMBER BECAM THINNED : NATIVE AMERICAN POPULATION في الجزء الخاص بأنواع الحروب الجرثومية التي أبيد بها الهنود الحمر بـ 41 حرباً بالجدري ، و4 بالطاعون ، 17 بالحصبة ، و10 بالأنفلونزا ، و25 بالسل والديفتريا والتيفوس والكوليرا . وقد كان لهذه الحروب الجرثومية آثاراً وبائية شاملة اجتاحت المنطقة من فلوريدا في الجنوب الشرقي إلى أرغون في الشمال الغربي ، بل إن جماعات وشعوب وصلتها الأوبئة أبيدت بها قبل أن ترى وجهة الإنسان الأمريكي الأبيض .ثم يمضى فيجسد نماذج عملية للعلاقة بين المفهوم والسلوك الإجرامي تحت يافطة التحضر فيشير إلى تباهى الأمريكان بهذه الوحشية والدموية فهاهو وليم برادفورد حاكم مستعمرة " بليتموت " يقول " إن نشر هذه الأوبئة بين الهنود عمل يدخل السرور والبهجة على قلب الله ، ويفرحه أن تزور هؤلاء الهنود وأنت تحمل إليهم الأمراض والموت ، وهكذا يموت 950 هندي من كل ألف ، وينتن بعضهم فوق الأرض دون أن يجد من يدفنه إنه على المؤمنين أن يشكروا الله على فضله هذا ونعمته " . والطبيب الأمريكي الأبيض ، أشهر أطباء عصره ، لاحظ في عام 1855 قائلاً " إن إبادة لهنود الحمر هو الحل الضروري للحيلولة دون تلوث العرق الأبيض وأن اصطيادهم اصطياد الوحوش في الغابات مهمة أخلاقية لازمة لكي يبقى الإنسان الأبيض فعلاً على صورة الله " .
ويجذب السياق نفسه " فرانسيس ياركين " أشهر مؤرخ أمريكي في عصره فيقول ( أن الهندي نفسه في الواقع هو المسؤول عن الدمار الذي لحق به لأنه لم يتعلم الحضارة ولابد له من الزوال ... والأمر يستأهل ).كما يشير إلى أن الرئيس أندره جاكسون الذي تزين صورته ورقة العشرين دولار من عشاق التمثيل بالجثث وكان يأمر بحساب عدد قتلاه بإحصاء أنوفهم المجدوعة وآذانهم المضمومة ، وقد رعى بنفسه حفلة التمثيل بالجثث لـ 800 هندي يتقدمهم الزعيم "مسكوجى" ، وقام بهذه المذبحة القائد الأمريكي جون شفنغنتون وهو من أعظم أبطال التاريخ الأمريكي وهناك الآن أكثر من مدينة وموقع تاريخي تخليداً لذكره ولشعاره الشهير (اقتلوا الهنود واسلخوا جلودهم ، لا تتركوا صغيراً أو كبيراً ، فالقمل لا يفقس إلا من بيوض القمل "
لقد كان هذا المفهوم هو الأساس ،الذي جاءت به مصلحة السيطرة على الأرض كاستعمار استيطاني ،كان يتطلب حدوثه أو تحققه إبادة السكان.
لكن هذا المفهوم ،جرى استبداله بمفهوم آخر ،بعد استقرار هذا الاستعمار الاستيطاني ،وبعد أن أصبحت حاجة هذا المشروع تتطلب التحول من "الإبادة " إلى السخرة تحت ضغط "الحاجة " إلى عمالة منتجة في الأراضي التي تم الاستيلاء عليها من أصحابها ،حيث لم تعد الإبادة هي ما يحقق المصلحة أو هكذا كان ضروريا بحكم المصلحة استبدال مفهوم ونظرية الإبادة للشخص الهمجي المتوحش ،بمفهوم جديد حول المتحضر وغير المتحضر ليسمح للمتحضر باسترقاق غير المتحضر والمتخلف . أو هكذا كما كان مفهوم المتحضر والهمجي هو المفهوم الأساس الذي قدم للآخرين- مع جوانب أخرى تتعلق بالعبودية والعبيد -للترويج والتبرير لاصطياد مواطنين من إفريقيا كما تصطاد الحيوانات في إفريقيا وربطهم بالحبال والجنازير ،ووضعهم في سفن لترحيلهم إلى أسواق البيع والعمل ،فقد كان نفس المفهوم هو الأساس الذي قدم تبريرا لقتل الهنود الحمر وابادة حضارتهم.
غير أن المفاهيم التي على أساسها جرت الإبادة وكذا المفاهيم التي جرى على أساسها الاستعباد في بداية التاريخ ،لم تنته أو تسقط من قائمة المفاهيم الأمريكية بمضامينها المتعددة .
ففي كل الممارسات الأمريكية يوجد هذا المزيج بين الإبادة والاستعباد والاسترقاق .
فقد ظل مفهوم الاسترقاق أو مكنونه الرئيس ممثلا في تفوق الجنس الأبيض على ما عداه في داخل المجتمع الأمريكي بصورة صريحة ،وهو أن تغير تدريجيا إلى نحو ما إلا انه يظل داخل مفاهيم القيادة والقرار الأمريكي ،ومن ثم وجدناه حاضرا للاستدعاء فيما جرى في أفغانستان .
وكذلك ظل مفهوم الإبادة القائم على حق الرجل الأبيض في إبادة أبناء الحضارات الأخرى ،حاضرا طوال الوقت للاستدعاء في آية لحظة من مخزون القيم الأمريكية .وهو ما ظهر في قصف هيروشيما ونجازاكي بالسلاح النووي وفى قصف فيتنام بالأسلحة الكيماوية وفى الحرب الكورية وهكذا طوال التاريخ الأمريكي في العدوان والإبادة ،إلى أن ظهر بجلاء في العدوان على أفغانستان والعراق من خلال استخدام اليورانيوم المنضب ومن خلال أنماط القنابل وأنماط القذائف والصواريخ وكثافتها حتى وصل من أبيد من العراقيين وحدهم 100 ألف قتيل.
وإذا انتقلنا إلى أوضاعنا في الشرق الإسلامي فقد كانت هناك مفاهيم مشابهة خلال مرحلة الغزو الاستعماري (خلال القرنين الثامن والتاسع عشر وحتى الآن ) ،التي جرى على أساسها غزو بلدان الشرق الإسلامي -الذي نال من التشويه المفاهيمية ما لم ينله أي مكان أو مكون عقيدي ومفاهيمي آخر –ولكن وفق نظرة أخرى ،إذ جرى الترويج لمفاهيم تعتبر الإسلام والمسلمين رمز الهمجية (من خلال التركيز على فكرة القتل للإنسان بالسيف إلى ذبح الحيوان فدية )،والاستبداد ( من خلال أطريحات الاستبداد الشرقي أو الاستبداد التركي أو من خلال تصوير الإسلام على أنه نقيض للتقدم والحرية والحكم الديموقراطي الخ )،والتخلف وعدم التحضر الإنساني ( من خلال تشويه النظريات والمفاهيم الإسلامية فيما يتعلق بحقوق المرأة ) وهو تشويه بدا بالحملات على المرأة الشرقية من خلال مفهوم "حريم الشرق " الذي من خلاله تم تشويه المرأة المسلمة، سواء من خلال تنميط صورتها بجعل صورة " حريم السلطان وجواريه " هي الصورة النمطية للمرأة المسلمة ،أو بجعل صورة المرأة المسلمة عموما مقرونة ومستدعاه عند الكلام أو الحوار حول المرأة المسلمة ،ومر عبر التركيز على مظاهر البذخ لدى السلاطين والحكام .
كانت تلك هي المفاهيم التي على أساسها حضر هؤلاء المتحضرين إلى بلادنا لجعلها متحضرة ولإخراج الشرق الإسلامي من الاستبداد ،ويال الزمن لا يتغير ،فتحت عنوان أن الإسلام دين همجي وتحت عنوان أننا لسنا متحضرين على المستوى الديموقراطي جاؤوا اليوم ليرتكبوا المذابح في العراق وأفغانستان وفلسطين .فبعد أن جرى اتهام طالبان بأنهم أناس من القرون الوسطى وهمجيون يدمرون التراث والتاريخ (تمثال بوذا –قضايا المرأة ) وجرى اتهام الشعوب الإسلامية بالتخلف ،بل جرى الإسلام بالتخلف والدموية وان أتباعه يعبدون الحجر .ولا نزيد فما قيل معروف .
التعليقات (0)