دخل على غير عادته إلى المطبخ، فوجد زوجته كعادتها تعمل بجد ونشاط. مسكها من ذراعها وأخبرها انه يريدها لشيء هام! سارا إلى غرفتهما بثبات. نظر إليها، فوجدها منتظرة كلامه، وهي تعلم ماذا سيقول: كعادته، إما سينتقد شيئاً لا يعجبه في المنزل، أو سينتقد أهلها ورأصدقاءها.
وبدأ الكلام. سألها: هل انت سعيدة معي؟
دهشت للسؤال كثيراً! ركزت نظرها إليه مذهولة وابتسمت بسخرية: ما سبب السؤال؟
كرر السؤال عليها ولكن هذه المرة بإلحاح أكثر: هل أنت سعيدة معي؟
سكتت لبرهة وأخذت نفساً عميقاً وقالت: الحمد لله
الحمد لله؟
لم يرتح لكلامها. فهم أنها تخفي شيئاً، فأعاد عليها السؤال، ولكن بصيغه أخرى: هل أنت نادم على زواجك مني؟
سكتت مرة أخرى. وتوجهت نحوه بنظرها قائلة: ما سبب السؤال بعد عشرين عاماً على الزواج؟!
فرد عليها: لقد اكتشفت بعد عشرين عاماً من الزواج أنني كنت ظالماً.
اندهشت وقالت: وما سبب الاكتشاف؟
فرد عليها: منذ عشرين سنة لم أسالك كيف حالك!
تزداد دهشتها وتسأله: ما الذي ذكرك الآن؟
يسكت قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً، ويقول: لقد قابلت اليوم، بالصدفة، خالتي، وكانت معها ابنتها الكبرى. وكالعادة سألتهم عن أحوالهم، وسألوني هم عن إخوتي، فرددت: بخير. ففاجأتني خالتي وقالت لي: وما أدراك أنهم بخير؟ أهم قالوا لك؟
فتعجبت، وتعجبت ابنتها، ولكني رددت عليها قائلا: لا يوجد ما يتعسهم.
فقالت: "طول عمرك سطحي" - ليس كل ما لا تراه غير موجود! فالله لا نراه، ولكنه موجود. لا تحكم على الشيء من الخارج.
فسكت وشعرت بالإحراج. فبادرت ابنة خالتي بالسؤال عن أحوالي وعنك، فرددت عليها: بخير. وسكت لحظتها، فقد وجدت خالتي تنظر إلي وكأنها تريد أن تعيد علي السؤال: هل سألتها لتحكم أنها بخير؟ فأدركت في تلك اللحظة أنني طوال عشرين سنة، هي عمر زواجنا، لم أسألك كيف حالك! وكنت أكتفي بسكوتك كعلامة على رضاك.
فسكتت قليلا ثم قالت: جيد أن جاءك من يذكرك!
فقال لها: كم مرة سببت لك الألم.
تنظر إليه بعيون مليئة بالكلام، ولكنها تظل صامتة.
فيقول غاضباً: أرجوك تكلمي. لماذا لا تتكلمي؟ أطلبي. أشتكِ. أليس هذا هو حقك؟ أهو ضعف؟ أم كبرياء؟ وأي كرامة في سكوتك على الذل والمهانة؟
يتأسف لها عن كل كلمة، عن كل جرح، عن كل ألم سببه لها دون أن يدري.
واتفقا على أمرين اثنين:
الأول: أن لا تكرر مسألة سكوتها عن حقها.
والثانية: أن يسألها عن حالها بين الحين والآخر.
وحنت رأسها بحزن.. نظر إليها وكأنه يرى فيها لأول مرة امرأة تشعر وتحب وتتألم...
التعليقات (0)