مواضيع اليوم

امبراطورية فزع (قصة قصيرة)

عادل الجمال

2010-06-26 12:14:28

0

 

وقف فزع على شاطىء النيل ينظر إلى صفحة مائه ويتأمل فى مرآتها نفسه،فإذا به ضخم الجثة ،صاحب قامة مهولة
بطول مترين أو أكثر. كل يوم فى نفس الوقت تقريبا يجد فزع نفسه ذاهبا إلى نفس المكان لا إراديا ليتأمل نفسه ، وما
يلبث تأمله أن يتحول إلى حزن عميق فاسمه حقيقة يجسدها منظره وهيكلة ولو لم يكن يسمى فزعا لأطلقه الناس عليه.
الأكتئاب الذى يعانيه فزع دعاه إلى العزلة فى غرفة اجرها على طرف القرية بعيدا عن الناس بعد وفاة أمه وزواج
إخوته.
فى إحدى جلساته التأملية على النيل قرر فزع أن يتخلص من هيئته فترك القرية إلى حيث لا يعلم أحد وطال غيابه إلى
درجة أثارت شكوك الناس بأنه أنتحر غارقا فى النيل خاصة أنه حاول الانتحار قبل ذلك عدة مرات....
مرت سنوات خمس ليعود فزع ويراه الناس ماردا" بشريا مهولا" صاحب عضلات وأكتاف تكاد لا ترى وجهه منهما
بشكل أصبح أكثر أضحوكة وإثاره للنفور ولكن من يستطيع الأن أن يستهزئ بهذا المارد.
هيئة فزع الجديدة منحته الثقة بالنفس فما من أحد الأن يستطيع مجاراته فى الكلام وما من احد أيضا يستطيع ان يجعل
منه أراجوزا" كما كان الأمر من قبل......
مضت شهور وفزع حديث القرية وامتدت شهرته للقرى المجاورة إلى الحد الذى تستعين به بعض العائلات ليأخذ
بثأرها من عائلات أخرى .
أعتاد فزع على القتل وتحول إلى فزع حقيقى فغيمت سحب الاجرام على القرية حين التف حوله القتلة واللصوص
من كل مكان لينصبوه زعيما عليهم ويفرضون الإتاوات على كل شئ فى القرية من أراضى وبيوت ومواشى وأفراح
ومآتم وحفلات طهور حتى أن العمدة وخفرائه يضعون ستارا" على أعماله خوفا" من قهره وهول عقابه.
مرت على القرية أسوأ ثلاثين سنة فى تاريخها الممتد عبر ألاف السنين ، فباعوا اراضيهم ورهنوا بيوتهم ومصاغ
نساءهم وفى المقابل إمتلك فزع كل ذلك كما إمتلك أعراضهم حين بدأ بتزويج بنات القرية لأعوانه رغم أنف أوليائهن.
فى إحدى ليالى الشتاء الباردة واثناء جولة فزع الليليه وسط حراسه من كل أتجاه سكنت ساقه اليمنى عدة رصاصات من
بندقية رجل لم يمر على زفاف أبنته عدة ساعات ، ولم يجد حلاق الصحة مفرا" من قطعها بعد محاولات مضنيه لإخراج
الرصاصات دون فائدة .
استيقظ فزع من غيبوبته ليجد أعوانه ملتفين حوله غائرة عيونهم بالدموع ونهض من مرقده ليشعر بغياب رجله اليمنى
ويرتمى على الارض وينظر للسماء ليرى في زرقتها شاطئ النيل وايامه الغابرة.
لم يمر وقت طويل حتى تخلى عنه اعوانه بعد ان نهبوا كل ثروته وعندما اشتد به الجوع خرج ليتفاجئ به اهل القرية
على عكازه وحيدا دون جاه او سلطان فطاردوه واولادهم بالطوب والهتاف –يابو رجل ونصف-
لم يحتمل فزع العذاب فهجر القرية الى حيث يقطن احد اخوته واستأجر له اخوه دكانه صغيرة ليقتات من عائدها
ويعيش فيها ، الا انه فى احدى الليالى وهو فى الطريق لزيارة اخيه سقطت عيناه على دكانه صغيرة بها عامل
ينظفها فاقترب منه وضربه بعكازه وسرق الجنيهات القليلة فى الدرج.
صباح اليوم التالى اتى صاحب الدكانة المسروقة إلى شقيق فزع وذهب الاثنان معا حيث دكانة فزع وهدداه ، فقام
على عكازه مكسورا" وسلم الرجل الجنيهات المسروقة وطاب الغفران من اخيه مبررا" فعلته انه يعيش مقهورا"
يائسا لا يعرف ما يفعله او يصنعه.
إن هموم الدنيا تحملها غصبا" عنه ، حوله الناس الى جبار ثم اعادوه ضعيفا ممسوخا يسخرون من هيئته وحركاته.
الناس يهابون القوى، بهم تحولت لوحش قتلت وسرقت وسخرتهم لخدمتى عبدهم وسيدهم وملكت انفسهم.
جعلوا منى قردا" حين كنت ضعيفا ولما صرت مجرما ركـبونى انفسهم حتى ثقلت عليهم فأوقعونى فى بئر العجز
والحرمان.
فى عتمة الليل قذف فزع بنفسه أمام القطار لكنه لم يمت كما تمنى.. قطع القطار رجله اليسرى وأتى على ما كان
باقيا" من اليمنى..
تركه القطار مفترش الأرض تغطيه الدماء وعينه ما بين السماء والأرض وشاطئ النيل.

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات