مع إزدياد الدور الکوردي على الصعيد الداخلي و بروزه إقليميا و دوليا، تتوجس بعضا من الدول المهتمة بالشأن العراقي من بروز هذا الدور و ماقد يتمخض عنه من تداعيات. وهذا التوجس ينعکس في طروحات و تحليلات الکثير من الکتاب الاتراک و الفرس و العرب، خصوصا حين يتحدثون عن المستقبل السياسي للکورد في المنطقة. ومن الاجحاف أن ننکر دور البعض من الکتاب العرب الذين يرون المسألة من زاوية أخرى و يرون التوجس من تعاظم الدور الکوردي نوع من الجنوح نحو التهويل لدوافع معينة. إلا أننا في ذات الوقت لانستهين بالدور السلبي الذي لعبه و يلعبه الصنف المتوجس من الکتاب ولاسيما في تأليب و تحريف الرأي العام للترک و الفرس و العرب ضد الکورد و قضيتهم العادلة. والملاحظ في الکتابات السائدة لأولئک الکتاب إنها تدور حول ثلاثة محاور أساسية تتلخص فيما يلي:
1 ـ المحور التأريخي.
2 ـ المحور القومي ـ الشوفيني.
3 ـ المحور الديني.
وإنطلاقا من المحور الاول يجزم الکتاب الساردون الذکر بأن الکورد أمة من دون تأريخ و أنهم بلا حضارة، فيما يذهب نفر آخر منهم أن الکورد في الاساس دخلاء على المنطقة وأنهم قد إستعمروا مواطنهم التي يسکنونها حاليا " بالقوة" و أجبروا الاقوام الاصلية التي کانت مستقرة فيها على" الجلاء" عنها بعد أن" فتکوا" بالقسم الاعظم منهم. ومن المفيد أن نستطرد هنا بعض الشئ و نشير الى آراء قسم من الکتاب الذين دفعهم جهلهم بالتأريخ أساسا الى الزعم بأن الکورد هم " شعب همج رعاع جبلوا على التمرد و العصيان" بل وأن آخرين لم يکتفوا بذلک وإنما إنساقوا أکثر خلف " الاحکام المزاجية" التي لا وجود لها على أرض الواقع، حين أنکروا حتى الاصل الانساني على الکورد و زعموا أنه من الجن! فهل هناک أمة على وجه الارض تعرضت الى مثل هذا الطعن و التشهير الرخيص؟ هذا إذا وضعنا جانبا محاولات مشبوهة أخرى تزعم أن الايزديين و اللور ليسوا من الکورد! ورغم قناعتنا بأن التأريخ يسطره دوما المنتصرون أو الذين يملکون زمام الامور، لکن مع ذلک فأن التأريخ بجانبيه " السلبي و الايجابي" يصنع من قبل کل الاطراف المشارکة فيه. وعندما نتحدث عن الحضارة العربية ـ الاسلامية فأننا نتحدث عن کل الاقوام و الملل التي کانت تعيش ضمن إطار تلک الحضارة وبالتالي فقد ساهمت بشکل أو باخر في عملية البناء الحضاري. ولکن ورغم کل هذا التطاول على التأريخ الکوردي فأننا نشير الى أنه کانت هناک دولا و ممالک للکورد في العصور السحيقة، نظير مملکة ميتاشي و إمبراطورية کوکتيل 2100 ق. م والامبراطورية الحيثية 1800 / 1200 ق. م والامبراطورية الميدية عام والتي قضت على الدولة الاشورية عام 595 ق. م و إستمرت حتى عام 550 ق. م. هذا الى جانب أنه کانت حکومات کوردية في العصور الاسلامية مثل:
1 ـ الحکومة الراوية 230 ـ 189 هجرية.
2 ـ الحکومة السالارية 300 ـ 420 هجرية.
3 ـ الحکومة الحسنوينية بهمدان 330 ـ 405 هجرية.
4 ـ الحکومة الدوستکية و المروانية بديار بکر 350 ـ 467 هجرية.
5 ـ الحکومة التاربکية اللور الکبير 550 ـ 827 هجرية.
6 ـ الحکومة الايوبية 567 ـ 685 هجرية.
أما فيما يتعلق بالتأريخ المعاصر و الحديث فإننا نشير الى تجربتين سياستين مريرتين للکورد هما:
1 ـ مملکة کوردستان بزعامة الشيخ محمود الحفيد عام 1918 وکانت عاصمتها مدينة السليمانية.
2 ـ جمهورية کوردستان والتي کان يرئسها الشهيد القاضي محمد عام 1946 وکانت عاصمتها مدينة مهاباد.
ومن المفيد جدا أن أهمس في آذان الذين يتکلمون عن وحدة التراب العراقي و قدسيته أن مملکة کوردستان قد تأسست قبل نشوء المملکة العراقية عام 1921، ولکن الملک محمود وقف ضد الاطماع و المشاريع البريطانية ضد المسلمين العرب ورفض القتال الى جانبهم ضد المسلمين العرب في وسط وجنوب العراق وذلک ماکان کفيلا بإنهاء الدعم البريطاني لمملکة کوردستان و نفي ملکها الشيخ محمود الحفيد بعد قتال دامي و مرير بين الجانبين. لکن أليس من المهزلة حين يتهم البعض الامة الکوردية بمعاداتها للإسلام و کونها أداة للصهاينة! والاهم من ذلک أن مجازاة و عرفان الجميل کان في عمليات الانفال و في حلبجة التي لازال رهط من الکتاب الشوفينيين يطعنون بمصداقيتها. وهنا أرى من اللازم الاشارة الى من يدعي بأن کوردستان" لغم تأريخي فوق جثة العراق الجديد" متناسيا بأن مايسمونه بشمال العراق کان کيانا سياسيا مستقلا قائما بذاته وألحق بالدولة العراقية عند نشوئها في عام،1921 وقد ضحي به " کرمال عيون" الاسلام فمن کان اللغم في الاساس؟. بيد أننا لو قبلنا زعم هذا القسم من الکتاب و سلمنا جدلا بأنه لاتأريخ و لا حضارة للکورد " وفرض المحال ليس بمحال" فهل أن ذلک يعني أن صناعة التأريخ قد توقفت و إنه لاتأريخ بعد اليوم؟ لماذا لايتحدث هؤلاء الکتاب عن تأريخ و حضارة جزيرة تيمور الشرقية" مع إحترامي البالغ لها " وکذلک الامر بالنسبة لجيبوتي و حتى الولايات المتحدة الامريکية أليس من المفروض أن لاتکون لهم دول وفق مايرتأيه هؤلاء؟ أما بالنسبة للمحور القومي ـ الشوفيني فقد إنصب جهد هذا القسم على التباکي على الوحدة الوطنية و ضرورة الوقوف ضد المؤامرات الصهيونية ـ الامبريالية التي تحاک ضد حکومات و شعوب هذه البلدان. ومن المهم جدا أن نشير الى أن هؤلاء الکتاب قد ساهموا في تعزيز ثقافة سلطوية فوقية تقدس بعض المفاهيم و تراها فوق کل الاعتبارات و لايجوز المساس بها إطلاقا، ومثل هذه الثقافة هي موجهة أساسا ضد کل القوميات الاخرى التي تعيش ضمن النطاق الجغرافي لدول مثل إيران و ترکيا و سوريا وحتى العراق أيام الحکم البائد. والسلاح الاهم بيد هؤلاء الکتاب والذي يستخدمونه ضد التطلعات القومية المشروعة للکورد " وحتى العرب و البلوش و الترکمان في إيران" هو تهمة الإرتباط بإسرائيل و أمريکا! و کأننا في کوکب آخر ولاندري شيئا عن حقيقة النفوذ الامريکي و حتى الاسرائيلي في المنطقة! وبخصوص المحور الديني فهو بحق " قميص عثمان " الذي يرفع بوجه الکورد کلما بان في الافق ماينبأ عن تحقق هدف أو مجموعة أهداف مهمة لهم وقد تم إستغلال هذا المحور أبشع إستغلال ضد الکورد ولاسيما حين يزعمون أن العرقية منافية للدين" لکنها بالنسبة للحاکمين مشروعة و ليست کذلک" لکن الدعوة لتجاهل الجانب القومي هو دعوة غير مجدية وليست واقعية بالمرة خصوصا حين يبثون ثقافة ولغة أساسية واحدة هي لغة و ثقافة القومية المتسلطة على الحکم وهذه الحقيقة معروفة تأريخيا، فاللغة السائدة مثلا في العصرين الاموي و العباسي کانتا العربية، فيما کانتا في العصرين العثماني و الصفوي هما الترکية و الفارسية. وحين يمنينا البعض من کتاب هذا المحور بالصبر حتى تطبيق " نظام حکم الاسلام " الصحيح و الواقعي (!) کي يطبق حينئذ نظام الولايات " کرد على فيدرالية أعجمية" ولکن من الذي يضمن أن الحکم الاسلامي المنشود سوف يکون بأفضل من حکم طالبان البائد في أفغانستان و الحکم الحالي في إيران وکلاهما يجمعهما رفض العرق " الاخر " هذا إذا کان هناک نظام إسلامي.
التعليقات (0)