…..Fin
كم أحببت السفر وأنا طفلة صغيرة.. كنت ارقب الأفلام المصرية في السبعينيات على شاشة التلفزيون في عصر كل جمعة .. عندما كان يوم الجمعة مقدسا بالنسبة لي .. وهو اليوم الذي تجتمع فيه العائلة على مأدبة شاي العصر .. كنت انتظر بلهفة تلك الأفلام التي تنتهي في المطار حيث تصل البطلة ملوحة لحبيبها على سلم الطائرة أو تغادر مودعة حبيبها .. ثم تنغرز كلمة (Fin) كسكين في عيني وينتهي الفلم.. . وأظل طيلة يومي استمتع باستذكار أحداث الفلم.. و تبقى صورة البطلة المبتسمة بإفراط وهي تضع ا إحدى يديها على قبعتها البيضاء.. مخافة أن تطير و بالأخرى تلوح لحبيبها ... كم كنت أهيم في هذا المشهد .. وأتخيل نفسي مكان البطلة ..
كبرت.. وتحقق حلمي بالسفر متأخر جدا .. أصبح ركوب الطائرة متاحا لي .. لكن تلك الصورة البهية وأنا على سلم الطائرة احترقت وأصبحت رماد في منفضة ذكريات الطفولة ..
أصبح السفر جلادي .. والمطار ساحة لتعذيبي .. وسونار التفتيش وحشا فاغرا فمه لابتلاعي .. و حراس شركة بلاك ووتر الأمريكية المسئولة عن امن المطار آليين قساة ، حيث اشتكى الكثير من المسافرين من سوء تعاملهم مع مواطنيهم العراقيين فهم يقلدون الأمريكيين في كل شئ وحتى تعجرفهم باعتبارهم مسئولين عن ادارة بلدنا بصورة غير مباشرة.. اما طقوس التفتيش المهينة التي تمارسها الحارسات ..فهي صورة أخرى من الإذلال .. عندما تتحدى خصوصيتي كامرأة و تتلمس كل جسدي وتدس يديها في كل ثناياي .. فارتجف متقززة .. وابتسم متصنعة الموافقة ( هذا واجبكم )لان مجرد الإيحاء بالاعتراض ، يدفع بالحارسة نحو رئيسها كي تشي بمسافرة مشاكسة، وربما أتعرض للتأخير .. بواسطة استخدام حيلة تفتيش حقائبي المسكينة بشراسة متعمدة لاستفزازي .. أو دخولي في جدال لا طاقة لي به ..حتى حقائبي التي أجرها خلفي كخراف أقودهم للمذبحة .. تعاندني بمكر .. ترفض التقدم كانها خائفة من قدر ضياعها المحتمل.. أو حشرها بين حقائب بعضها أنيقة .. أو متعبة .. تتبع اصحابها الذين تعبوا و اتُعِبوا من ملاحقة مواعيد الطائرات الفوضوية.. مما اضطرني احيانا للتأخر ساعات في مطار بغداد او تأجيل الرحلة لليوم التالي والمبيت في المطار بسبب منع التجوال المبكر و تردي الحالة
الأمنية .... يقال ان الأوضاع تغيرت الان في مطار بغداد الدولي ... ربما .... فانا لم أسافر منذ مدة .. وإذا فعلت سأروي لكم المتغيرات إن وجدت ..
في وطنك أنت ذليل ... في مدينتك أنت مطارد .. خارج وطنك .. أنت متهم بالإرهاب ،او بالتسلل لطلب اللجوء ، لحين إثبات براءتك.. في سريرك أنت غريب ...والوطن الذي تسري عروقه فيك ... يجند كل من فيه كتائب تتراص لمهاجمتك .. فتقضي أيامك تتلقى قبضات تهشمك ... وركلات تسقطك... وصفعات تترك آثارها على وجهك.. دواخلك .. إنسانيتك .. وتظل تشكر الله لانك ما زلت حيا .. لانك نجوت من مطحنة التطهير الطائفي .. وحالفك الحظ ولم يكن اسمك عمر أو علي وإلا ستكون ضحية القتل على الاسم ... و افلت رأسك من مثقاب المليشيات .. لكونك تعرف أسماء الأئمة ألاثني عشر .. وا فلت من الذبح ..لأنك تقول ( دخن ) بضم الدال والخاء وليس بكسر الدال والخاء .. ولأنك وافقت على شتم الأئمة... وعليك ان تصلي صلاة الشكر كل يوم عندما تعود لبيتك.. لأنك نجوت من احتمال سقوطك شهيد أو جريح لإحدى العبوات الناسفة... أو ضحية إحدى الهجمات الانتحارية ... فيضاف صغارك الى قافلة الأيتام 5000000 .. وزوجتك إلى قافلة 8000000 مليون أرملة حسب تقرير لوزارة شؤون ن المرأة ... أي نسبة 35% نفوس العراق ا لذي تشكل نسبة النساء فيه 65% من ... وتظل تصلي لان النساء لم يفقدن خصوبتهن ..والرجال وجدوا حجة جديدة لتضاف الى قائمة مبرراتهم لتعدد الزوجات .. وتصلي ، لان الشمس ما زالت تشرق في سمائنا كي تضئ نهارنا .. وكهرباء المولدات يضئ ليلنا ، في حين بلغت ميزانية الدولة 70 مليار دولار في 2008 ، و العراق يحتاج 25 مليار دولار حتى سنة 2016 لتعزيز وتوليد الطاقة الكهربائية في تصريح لوزير الكهرباء.. وبحساب بسيط نحتاج ما يقارب 3 مليار دولا سنويا بدون سرقة أو فساد مالي .. وبالإمكان اختصار هذه المدة لضرورة تفعيل قطاع الصناعة المتوقف باعتبار أن الكهرباء من المتطلبات الأساسية للنهوض به.. وأخيرا لنصلي كي يمتد بنا العمر كي نشهد ذلك...
التعليقات (0)