اليوم الاخير ….
كنت انا وثلاثه من اصدقائي نقضي اسبوع اصطياف في احد المنتجعات الساحليه الجميله الهادئه فقد كنت في امس الحاجه الي الهدوء والاستجمام …
وفي اليوم قبل الاخير استدعي احدنا ظرف طارئ مما دفعه للسفر مبكرا يوما وتضامن معه الصديقان الأخران وقررا السفر ايضا الا أنني اعلنت العصيان عليهم والانشقاق عن الجماعه وقررت الاستمتاع باجازتي حتي اخر لحظه...
وودعت اصدقائي وعدت الي مطعم الفندق وتناولت عشائي ثم خرجت الي ساحل البحر .. سرت علي رمال الشاطئ طويلا استنشق هواء البحر العليل غير عابئ او شاعر بما حولي من اصوات تعلوا مقتربه وتخفت مبتعده لاني كنت سابح في بحر الذكريات ….
وعندما انهكني المسير عدت ادراجي وصعدت الي غرفتي واستحممت بماء بارد ثم انشدت النوم ولكن هيهات لم يستجب لي النوم علي الاطلاق طيله الليل لانني عندما فتحت صندوق الذكريات خرجت عليا كثير من الذكريات غير السعيده فظللت طيله الليل اجتر ذكرياتي تلك متنقلا بين سريري والشرفه حتي داهمتني تباشير الصباح فقررت ان انزل الي الشاطئ فارتديت ملابس البحر وخرجت الي الشاطئ واستلقيت علي الرمال وكنت وحدي علي الشاطئ في هذه الساعه المبكره من الصباح
ومع نسمات الهواء البارده في هذه الساعه وصوت المياه المتتابع رحت في سبات عميق كما لو كنت في غيبوبه …
لا ادري كم ساعه نمت ولكن اثناء غيبوبتي كنت اسمع وكأني في عالم اخر اصوات أناس وصراخ اطفال وضوضاء وصخب وكل فتره كأن احدا يناديني أو يجذبني للعوده الي هذا العالم واشياء كثيره لكن حواسي لم تستجب ولم تتنبه لكل هذا وكانها مغيبه تماما
ولكن شعرت فجأه بأن شيئا يسكب بجواري وكأنه صوت ماء لا بل يسكب فوقي لينتبه علي الفور جهازي العصبي لان قطرات المياه تلامست مع الخلايا العصبيه الطرفيه علي جلدي والتي اسرعت الي مخي لتنبهه فانتبه واستيقظ من غيبوبتي وافتح عيوني فاذا به واقف امامي....
ملاك صغير برئ تنقصه الاجنحه ليطير .. طفل برئ جميل عمره حوالي الخمس سنوات فابتسمت بتلقائيه له لكنه لم يترك لي فرصه فبادرني بالكلام بلهجه حانقه وصوت طفولي برئ....
هو : لماذا تنام هنا اليس لك بيت لتنام فيه ؟
انا : “محاولا تقليد صوته الطفولي" لا ليس لي بيت
هو : اذهب اشتري بيت ونام فيه
انا : ليس معي نقود
هو : اليس لك ماما
انا : ليس لي ماما
هو : ليس لديك بيت وليس لديك ماما .. من يعطيك النقود ويعد لك الطعام
وجاء صوتها بلهجه حاده.. دودي عيب
فنظرت الي مصدر الصوت لاجدها مستلقيه علي مقعد البحر وفي يدها كتاب تقرؤه ويختفي وجهها خلف نظاره سوداء كبيره هي ام هذا الملاك البرئ...
فاجبتها : دعيه براحته نحن رجال نتحدث سويا ….
فأومأت برأسها وكان لسان حالها يقول تحمل اذا التبعات وانكبت ثانيه علي كتابها تقرؤه
أما هذا ال دودي فقد تمنيت ان اخطفه واجري ليكون دودي انا وحدي فقط فقد بادرني بلهجه أمره قائلا
دودي : اترك هذا المكان اريد ان ابني بيتا فيه
انا : وما رأيك دودي ان نبنيه سويا
دودي : تستطيع بناء بيت
انا : نعم فانا احسن من يبني بيت
دودي : انت كاذب لانك لو تستطيع بناء بيت لكنت بنيت بيت لنفسك لتنام فيه
انا : انا استطيع بناء البيت ولكني لا املك النقود
دودي ولماذا تحتاج النقود الرمل امامك ابني بغير نقود
انا : اذا فلنبدأ البناء وكفي كلاما
وبدأنا العمل بكل همه ونشاط انا ودودي غادرنا العالم المحيط بنا وعشنا عالمنا الخاص ننقل الرمال بكل همه ونشاط ونساوي الرمال ونبني لا اعلم كم من الوقت مر لكن نحن الاثنين تصببنا عرقا من كثره العمل
وفجأه واثناء انهماكي في العمل وجدتها وقد تغلبت عليها طفولتها فنحت كتابها والقت بنفسها بجوارنا بدون اي مقدمات وكأنها كانت تتابعنا منذ البدايه وكانت تتصارع مع نفسها تريد بكل قوه ان تخلع رداء شخصيتها الجاده لكن كبرياؤها يمنعها ولكن استطاعت في النهايه ان تتغلب علي نفسها لتنزع عن نفسها كل الاقنعه وكل الجديه وتلقي بنفسها عاريه عن طفله مثلنا لتنهمك في العمل الجاد معنا بدون اي كلام او مقدمات وبين الفينه والاخري تطبع قبله علي وجه دودي كحافز له وكان دودي يسعد بقبلتها بينما انا احسده عليها.....
واستمر العمل طويلا طويلا وكأننا كنا لا نريد ان ينتهي فكنا نوسع الاسوار كلما قارب البناء علي الانتهاء....
لا ادري كم ساعه مرت وقد انهك التعب ثلاثتنا ولكن اخيرا انتهينا من بناء البيت ونظرنا الي بعضنا البعض والابتسامه تعلوا وجوهنا وفجأه انحسرت الابتسامه عن وجه دودي والقي بنفسه دون اي مقدمات فوق البيت الذي بنيناه ليدمره تماما.....
علت الدهشه وجهي ووجه امه التي بادرته بالسؤال لماذا ؟
فاجاب بوجهه الطفولي البرئ .. حتي لا يسكن صاحبي فيه سوف أأخذه معي البيت …
فاحمررت انا خجلا وتلعثمت وقلت له لو اخذتني البيت بابا يزعل منك...
فأجابني دودي... ليس لي بابا
لاجد نفسي بكل مشاعر الابوه الفياضه احضنه بقوه وتنهمر الدموع من عيوني بكيت من اعماق نفسي ومن اعماق روحي .. سنوات طوال لم تر عيوني الدموع وكأني كنت اختزنها لهذه اللحظه …..
تداركت نفسي وخجلت مما افعل ورفعت عينيا الي امه كأني اريد ان اعتذر لها فهالتني دموعها التي ابت الا ان تتضامن مع دموعي وتشاركني البكاء .. كلانا بكي لا اعرف لم وعلام ؟ بكينا وكأن جروح كنا نظنها قد التأمت مازالت تنزف دما لدي كلينا .....
مجدي المصري
التعليقات (0)