اليوم الآخر وأسماؤه . للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
إن الإيمان باليوم الآخِر من أركان الإيمان . وقد ذُكر هذا الركن الجليل في آيات كثيرة جداً . قال الله تعالى : (( ولكن البِر مَن آمن بالله واليومِ الآخر )) [ البقرة: 177] . فهو من المعلوم من الدين بالضرورة . ومنكرُه كافرٌ خارج من الإسلام . فلا معنى للحياة الإنسانية دون الإيمان باليوم الآخِر الذي يُحاسَب فيه المرءُ ، فيُكافأ على حسناته ، ويُعاقَب على سيئاته .
وقد وردت أسماء متعددة لليوم الآخر تشير إلى معانيه المتضافرة :
أ _ يوم الدين :
قال الله تعالى : (( مَالِكِ يَوْمِ الدين ))[ الفاتحة : 4] .
ويوم الدين هو يوم القيامة ، حيث يُدين اللهُ تعالى عبادَه بأعمالهم ، فإن عملوا خيراً وجدوا خيراً ، وإن عملوا شراً وجدوا شراً . ويعفو اللهُ عمن يشاء ، ويُعاقب من يشاء . فهذا اليومُ العظيم يُحاسَب فيه العباد ، ولا أحد يملك الهربَ أو التحايلَ .
وقال الطبري في تفسيره ( 1/ 94) : (( ... أن لله الْمُلْك يوم الدين خالصاً دون جميع خلقه الذين كانوا قبل ذلك في الدنيا ملوكاً جبابرة ينازعونه الْمُلْك ويدافعونه الانفراد بالكبرياء والعظمة والسلطان والجبرية ، فأيقنوا بلقاء الله يوم الدين أنهم الصغرة الأذلة ، وأن له من دونهم ودون غيرهم الْمُلْك والكبرياء والعزة والبهاء )) اهـ .
وعن عبد الله بن مسعود _ رضي الله عنه _ وعن أُناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : _[ مَالِكِ يَوْمِ الدين ] ، قال : (( هو يوم الحساب )).
[رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 284 ) برقم ( 3022) وصحّحه ، ووافقه الذهبي.
وقال الحافظ في الفتح ( 8/ 156 ) : (( وللدين معانٍ أخرى منها : العادة والعمل والحُكم والحال والخُلق والطاعة والقهر والملة والشريعة والورع والسياسة ، وشواهد ذلك يطول ذِكرها )) . ].
وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( 1/ 13) : (( وفي الدين هاهنا قولان: أحدهما أنه الحساب، قاله ابن مسعود . والثاني : الجزاء ، قاله ابن عباس ، ولَمّا أقرّ اللهُ _ عز وجل _ رب العالمين أنه مالك الدنيا دَلّ بقوله : [ مَالِكِ يَوْمِ الدين ] على أنه مالك الأخرى . وقيل : إنما خُصّ يوم الدين لأنه ينفرد يومئذ بالْحُكْم في خلقه )) اهـ .
و (( الله تعالى هو المنفرد بالْمُلْك ذلك اليوم ، وبجزاء العباد وحسابهم . والدينُ الحساب ، وقيل الجزاء )) .
[شرح النووي على صحيح مسلم ( 4/ 104 ) .].
فيومُ الدين يعرف الإنسانُ فيه حقيقةَ أعماله المقبولة أو المرفوضة ، وينال المرءُ جزاءه المستحق دون ظلم . فإن وجد خيراً ، فبفضل الله تعالى وله المِنة . وإن وجد غيرَ ذلك فبعدل الله تعالى وله الْحُجة .
ب _ الآخِرة :
قال الله تعالى : (( وبالآخِرةِ هُم يُوقنون )) [ البقرة : 4] .
قال الطبري في تفسيره ( 1/ 138 ) : (( أما الآخِرةُ فإنها صفة للدار ... وإنما وُصفت بذلك لمصيرها آخرة لأولى كانت قبلها )) اهـ .
فالآخرةُ ( وقت الحصاد ) هي المرحلة المتأخرة عن الدنيا ( وقت الزراعة ) . وفي الآخرة تظهر نتيجة امتحان الدار الأولى ( الدنيا ) . وعندئذ يُكرَم المرءُ أو يُهان . فعلى المرء أن يحرص على الوصول إلى يوم القيامة وهو في كامل الاستعداد ، ذو رصيد وافر من الحسنات لئلا يخسر مصيرَه. والناس نيامٌ ، فإذا ماتوا انتبهوا . كما أنهم إذا ماتوا قامت قيامتهم .
ج _ يوم القيامة :
قال الله تعالى : (( لا أُقْسِمُ بيوم القيامة )) [ القيامة : 1] .
وهذا السياق القرآني هو قَسَمٌ بيوم القيامة . وما كان اللهُ تعالى ليُقسِم بهذا اليوم لولا مكانته السامية ، ومنزلته العظيمة . وهو يوم الحسابُ والجزاء دون إمكانية الاستئناف أو تعيين المحامين البارعين .
(( وقد اشْتُهِر في كلام العرب زيادة[ لا] قبل القَسَم لتأكيد الكلام ، كأنه من الوضوح والجلاء بحيث لا يحتاج إلى قَسَم ، وجوابُ القَسَم محذوف تقديره (( لتُبْعثن ولتُحاسبن )) )).
[صفوة التفاسير للصابوني ( 19/ 75 ) .].
وقال القرطبي في تفسيره ( 19/ 83) : (( قيل : إن ( لا ) صلة ، وجاز وقوعها في أول السورة، لأن القرآن متصل بعضه ببعض ، فهو في حُكْم كلام واحد )) اهـ .
واللهُ تعالى يُقسِم بما شاء من مخلوقاته ، وليس هذا إلا لله تعالى . أما الإنسانُ إذا أراد الحلفَ فلا يجوز أن يحلف إلا بالله تعالى ، فلا يُشرِك معه شيئاً . وحينما يُقسِم اللهُ تعالى بشيء من مخلوقاته فهذه إشارةٌ إلهية سامية على عظمة ذلك الشيء ومكانته الجليلة .
وقد سُئل ابن عباس _ رضي الله عنهما_ عن قوله تعالى: [ لا أُقْسِمُ بيوم القيامة ] ، فقال : (( يُقسِم رَبكَ بما شاء من خلقه )).
[رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 552 ) برقم ( 3877 ) وصحّحه ، ووافقه الذهبي .].
وسُمِّيَ يوم القيامة بهذا الاسم لأن الناس يقومون فيه لله _ سبحانه وتعالى _ (( يَوْمَ يقوم الناسُ لرب العالَمين )) [ المطففين : 6] . أو لأن الناس يقومون من قبورهم إلى هذا اليوم . قال الله تعالى : (( يَوْمَ يَخرجون من الأجداث سِرَاعاً )) [ المعارج : 43] .
د _ الساعة :
قال الله تعالى : (( حتى إذا جَاءتْهُم الساعةُ بَغْتةً )) [ الأنعام : 31] .
فيومُ الساعة ( القيامة ) يأتي فجأةً ، ولا يُعطي فرصةً للآخرين كي يستعدوا ، أو يُجهِّزوا أنفسهم . فعلى العاقل أن يكون مستعداً بشكل مسبق لئلا تصعقه الساعةُ قاطعةً حياته ، وعندئذ يبدأ في التحسر على تفريطه ، ويتمنى العودةَ ليُصلح ما فات . فما دام هناك وقتٌ للتحرك فينبغي اغتنامه واستغلاله في عمل الطاعات .
(( وَسُمِّيت القيامةُ بالساعة لوقوعها بغتة ، أو لسرعة حسابها ، أو على العكس لطولها ، أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق )).
[الكشاف للزمخشري ( 1/ 439 ) .].
هـ _ يوم الحسرة :
قال الله تعالى : (( وَأَنذِرهم يومَ الحسرة )) [ مريم : 39] .
قال الشوكاني في فتح القدير ( 3/ 477 ) : (( أي يوم يتحسرون جميعاً ، فالمسيء يتحسر على إساءته ، والمحسنُ على عدم استكثاره من الخير )) اهـ .
وعن أبي سعيد الخدري _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يُؤتى بالموت كهيئة كبش أملح ، فينادي منادٍ : يا أهل الجنة ، فيشرئبون وينظرون ، فيقول : هل تعرفون هذا ؟ ، فيقولون : نعم ، هذا الموت . وكلهم قد رآه . ثم ينادي : يا أهل النار ، فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا ؟ ، فيقولون : نعم ، هذا الموت . وكلهم قد رآه . فَيُذبَح . ثم يقول : يا أهل الجنة ، خلود فلا موت ، ويا أهل النار ، خلود فلا موت . ثم قرأ : (( وَأَنذِرهم يومَ الحسرة إذ قُضِيَ الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون )).
[متفق عليه.واللفظ للبخاري( 4/ 1760)برقم( 4453).ومسلم( 4/ 2188 )برقم( 2849).].
ومن خلال هذا الحديث تتضح حسرةُ الكافرين الخالدين في النار . فقد أضاعوا الفرصةَ الذهبية في الدنيا لكي ينالوا النعيم السرمدي في الآخرة ، فخسروا الدارين ، خصوصاً الآخرة . وقد أحسن اللهُ إليهم في الدنيا ، فأعطاهم العقولَ والنعمَ الجزيلة ، لكنهم أساؤوا إلى أنفسهم ، فلم يُنظِّفوا قلوبَهم لاستقبال الهداية الربانية ، فركنوا إلى الحياة الدنيا ، واطمأنوا إليها ، ولم ينظروا إلى ما ورائها .
وفي زاد المسير ( 5/ 234) : (( قال المفسرون : فهذه هي الحسرة ، إذا ذُبح الموت ، فلو مات أحد فرحاً مات أهل الجنة ، ولو مات أحد حزناً مات أهل النار )) اهـ .
والموتُ مخلوقٌ مثل الإنسان، له أجلٌ محدد . وبعد أن يدخل المؤمنون الجنةَ ، والكافرون النارَ، يُذبَح الموتُ بأمر الله تعالى ، لأن الموت حينئذ يفقد معناه . ففي الآخرة ( الدار الباقية ) لا يوجد موتٌ . إما نعيم أبدي أو جحيم أبدي . كما أن الموت هو لحظة فاصلة بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة ، حيث يُنقَل المرء من العمل إلى الحساب ، ومن الزرع إلى الحصاد ، ومن الامتحان إلى النتيجة . وبالتالي تظهرُ النتائج في الدار الآخرة ويفقد الموتُ جدوى وجوده ، وتنتهي مهمته ، فيُذبَح .
وفي صحيح البخاري ( 5/ 2402 ) : عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يدخل أحدٌ الجنةَ إلا أُرِيَ مقعده من النار لو أساء ، ليزداد شكراً ، ولا يدخل النارَ أحدٌ إلا أُرِيَ مقعده من الجنة لو أحسن ، ليكون عليه حسرة )) اهـ .
و _ المعاد :
قال الله تعالى : (( إن الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآنَ لَرَادكَ إلى مَعَاد )) [ القَصَص : 85] .
فالمعادُ هو يوم القيامة، حيث العودة لكي يُحاسَب المرءُ على أفعاله ، ويحصل الفردُ على نتيجة الامتحان الدنيوي، ويقف على مستواه الدقيق ، إما فائزاً أو خاسراً . وفي هذا اليوم العظيم تظهر الإنجازات البشرية والإخفاقات على حَد سواء . فالدنيا ليست هي نهاية المطاف ومنتهى الأحلام ، فما بعدها أجمل منها أو أسوأ منها . فالموتُ هو البداية الحقيقية للحياة ، بل إن الموت هو الحياة بعَيْنها ، وإذا لم ينتبه المرءُ إلى هذه المبدأ السامي ، فإنه الأوهام ستجرفه .
قال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 768 ) : (( أي إن الذي أوجب عليك تبليغ القرآن لرادكَ إليه ، ومعيدكَ يوم القيامة ، وسائلكَ عن أداء ما فرض عليكَ . هذا أحد الأقوال ، وهو متجه حسن )).
[قال الشوكاني في فتح القدير ( 4/ 268 ) : (( قال جمهور المفسرين : أي إلى مكة . وقال مجاهد وعكرمة والزهري والحسن : إن المعنى : لرادك إلى يوم القيامة ، وهو اختيار الزجاج )) اهـ . وفي صحيح البخاري ( 4/ 1790 ) عن ابن عباس _ رضي الله عنهما_:[ لَرَادكَ إلى مَعَاد ] ، قال : (( إلى مكة )) . اهـ . وفي رواية أن ابن عباس قال : (( إلى الموت )) { ذكرها الحافظ في الفتح ( 8/ 510 ) ، وقال : (( أخرجها ابن أبي حاتم ، وإسناده لا بأس به )) } . ].
وقال الشوكاني في فتح القدير ( 4/ 268 ) : (( يقال بيني وبينك المعاد : أي يوم القيامة ، لأن الناس يعودون فيه أحياء )) اهـ .
وتتجلى القدرةُ الإلهية غير المحدودة يومَ المعاد ، حيث يعود الناسُ أحياء بعد أن جمع اللهُ تعالى عظامهم ، وأخرجهم من قبورهم ، وأحضرهم عن بكرة أبيهم ، دون وجود أية فرصة للهرب أو الغياب أو الاختباء .
وفي صحيح مسلم ( 4/ 2087 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو : (( وأصلح لي آخرتي التي فيها مَعادي )) .
وهذا المعنى العظيم يشير إلى أهمية الدار الآخرة باعتبارها الباقية ، حيث يعود الإنسانُ إليها ليستقر فيها إلى الأبد . فيجيء الدعاءُ النبوي ليُنبه على أهمية إصلاحها بالطاعات في الدنيا ، لكي يكون المعادُ راحةً أبدية لا شقاءً دائماً .
ز _ يوم البعث :
قال الله تعالى : (( فهذا يَوْمُ البعث )) [ الروم : 56] .
إنه يوم القيامة العظيم الذي يُبعَث فيه الناسُ من قبورهم . والفاءُ في الآية القرآنية (( جواب لشرط محذوف دَل عليه الكلام مجازة : إن كُنتم مُنكِرين البعث فهذا يوم البعث )) .
[تفسير القرطبي ( 14/ 45 ) .].
والبعثُ من تجليات عدالة الخالق _ سبحانه وتعالى _ ، حيث يُبعَث الناس لكي يُحاسَبوا . فإن كان الظالِمُ قد هرب بفعلته في الدنيا ، فسوف يلاقي جزاءه العادل يوم القيامة . وإن كان المظلوم قد عاش في الدنيا منبوذاً مقهوراً فسيأخذ حقه كاملاً غير منقوص في هذا اليوم العظيم . فالدنيا ليست نهاية المطاف ، إنها عَمَلٌ ولا جَزَاء . والآخرةُ هي جزاء ولا عمل . فلا توجد أدنى فرصة لهروب الظالم ، أو ضياع حقوق المظلوم .
ح _ يوم الفَصْل :
قال الله تعالى : (( هذا يَوْمُ الفَصْل الذي كُنتم به تُكذبون ))[ الصافات : 21] .
وقال الطبري في تفسيره ( 10/ 478 ) : (( يقول تعالى ذِكْره : هذا يوم فَصْلِ الله بين خلقه بالعدل من قضائه الذي كنتم به تكذبون في الدنيا فتنكرونه )) اهـ .
ويوم القيامة يفصل اللهُ فيه بين الخلائق ، فيظهر الصادقُ من الكاذب ، والمحِق من المبطِل ، والصالح من الطالح ، والمحسن من المسيء . ويتميز فيه الحق من الباطل. فهو يوم الفصل ، وإحقاق الحق ، ودحض الباطل . وهذا يؤدي إلى بعث السكينة في قلوب المقهورين ، فهم يُدرِكون أن حقهم لن يضيع . وأيضاً يردع الظالمين ، فهو يُذكرهم أن العقوبة بانتظارهم إذا لم يتوبوا .
ط _ يوم التلاق :
قال الله تعالى : (( لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق )) [ غافر : 15] .
وهذا اليوم العظيم يلقى فيه العبدُ خالقَه ، ويتلاقى أهلُ السماء والأرض ، ويتلاقى العباد . ويلتقي الأولون بالآخرين في مشهد رهيب لا فرصة فيه للتدارك أو التعويض . فالقيامةُ لا تتكرر ، إنه فوز أبدي أو خسارة أبدية .
وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 87) : (( فإن فيه تتلاقى الأرواح والأجساد ، وأهل السماء والأرض ، أو المعبودون والعُباد ، أو الأعمال والعُمال )) اهـ .
ي _ يوم الجمع :
قال الله تعالى : (( وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع لا رَيْبَ فيه )) [ الشورى : 7] .
فهذا اليوم الذي لا شك فيه سوف يجمع اللهُ تعالى العبادَ للحساب فيُوفيهم أعمالهم كاملةً غير منقوصة بلا ظلم . وهذا المشهدُ العظيم سوف يضم كل الخلائق والأمم التي تعاقبت على الأرض . فالذين كانوا موتى صاروا أحياء في صعيد واحد ينتظرون مصيرَهم بكل قلق وترقب .
قال ابن كثير في تفسيره ( 4/ 136 ) : (( وهو يوم القيامة يجمع اللهُ الأولين والآخرين في صعيد واحد )) اهـ .
فاللهُ تعالى الذي بدأ الخلقَ لن تعجزه إعادته. فالذي خلق الإنسانَ من تراب لن يعجز عن إعادته من التراب .
وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( 7/ 274 ) : (( وتنذرهم يوم الجمع ، وهو يوم القيامة ، يجمع اللهُ فيه الأولين والآخرين ، وأهل السموات والأرضين ،[ لا رَيْبَ فيه ] أي : لا شك في هذا الجمع أنه كائن )) اهـ .
وسُمِّيَ بيوم الجمع (( لأنه مَجْمع الخلائق . وقيل : المراد جمع الأرواح بالأجساد . وقيل : جمع الظالم والمظلوم . وقيل : جمع العامل والعمل )).
[فتح القدير للشوكاني ( 4/ 749 ) .].
ك _ يوم الوعيد :
قال الله تعالى : (( ذلك يومُ الوعيد )) [ ق : 20] .
وهو يوم القيامة الذي وعد اللهُ الكفارَ به بالعذاب. وهذا اليومُ الجليل هو يوم الوعد والوعيد، ولكن خُصّ بالوعيد لتعظيمه وتهويله ، ولكي يكون ذا وقع شديد في النفوس .
ل _ الواقعة :
قال الله تعالى : (( إذا وَقَعَت الواقعةُ )) [ الواقعة : 1] .
فهذا اليوم الشديد واقع لا محالة ، وهو قريبٌ ، لأن كلَّ آتٍ قريبٌ . فلا مفر منه ، ولا توجد وسيلة للاختباء منه . فالقيامةُ قريبةٌ ، وفيها أهوال شديدة ، لا يمكن تجاوزها إلا بإذن الله تعالى .
قال الطبري في تفسيره ( 11/ 622 ) : (( إذا نزلت صيحةُ القيامة ، وذلك حين يُنفَخ في الصور لقيام الساعة )) اهـ .
وفي زاد المسير ( 8/ 130 ) : (( والمراد بها ها هنا النفخة في الصور لقيام الساعة )) اهـ .
(( وسُمِّيت واقعة لأنها تقع عن قُرب . وقيل : لكثرة ما يقع فيها من الشدائد )).
[تفسير القرطبي ( 17/ 167 ) .].
م _ يوم التغابن :
قال الله تعالى : (( ذلك يومُ التغابُن )) [ التغابن : 9] .
الغُبن _ لغةً _ : النقص . يُقال : غَبَنَهُ ، إذا أخذ الشيءَ بدون قيمته .
فيومُ القيامة هو يوم التغابن الذي يُظهِر غُبنَ أهل النار بتركهم الإيمان ، وغُبنَ أهل الجنة بتقصيرهم في الطاعات .
أما تسميته بهذا الاسم ففيه أقوال نوجزها على الشكل التالي:
[أورد هذه الأقوال ابنُ الجوزي في زاد المسير ( 8/ 282 و283 ) .].
_ ليس من كافر إلا وله منزل في الجنة ، فيرث ذلك المؤمنُ ، فيُصاب الكافر بالغُبن .
_ غُبن أهل الجنة لأهل النار .
_ يوم غبن المظلوم الظالم ، لأن المظلوم كان في الدنيا مغبوناً ، فصار في الآخرة غابناً .
_ يظهر فيه غُبنُ الكافر بتركه للإيمان ، وغُبنُ المؤمن بتقصيره في الإحسان .
وقال القرطبي في تفسيره ( 18/ 121 ) : (( وسُمِّيَ يوم القيامة يوم التغابن ، لأنه غبن فيه أهلُ الجنة أهلَ النار ، أي أن أهل الجنة أخذوا الجنة وأخذ أهل النار النار على طريق المبادلة فوقع الغبن لأجل مبادلتهم الخير والشر والجيد بالرديء والنعيم بالعذاب ، يقال : غبنتَ فلاناً إذا بايعتَه أو شاريتَه فكان النقص عليه ، والغلبة لك ، وكذا أهل الجنة وأهل النار )) اهـ .
ن _ الحاقة :
قال الله تعالى : (( الحاقة )) [ الحاقة : 1] .
وهذا الاسم العظيم ليوم القيامة يدل على أنها حق واقع لا محالة ، ولا يقبله الشك أو الإلغاء . وفيها يتحقق الوعد والوعيد . فهي الحاقةُ ( القيامة ) التي عظّمها اللهُ تعالى في كتابه ، وجعلها إحقاقاً للحق ، وإزهاقاً للباطل .
فيوم القيامة لا يتخلف ، وسيأتي في موعده بدقة بلا تقديم أو تأخير ، فهو الحق الساطع ، والحقيقةُ الباهرة التي تنهار أمامها العقائدُ الزائغة والشكوك والوساوس . فالذين آمنوا بهذا اليوم ينبغي أن يستعدوا له ، أما الذين رفضوا الإيمان باليوم الآخر فسوف يُصعَقون حينما يباغتهم .
وقال القرطبي في تفسيره ( 18/ 224) : (( سُمِّيت بذلك لأن الأمور تحق فيها ، قاله الطبري ... وقيل : سُمِّيت حاقة لأنها تكون من غير شك ، وقيل : سُمِّيت بذلك لأنها أحقت لأقوامٍ الجنةَ وأحقّت لأقوامٍ النارَ ، وقيل : سُمِّيت بذلك لأن فيها يصير كل إنسان حقيقاً بجزاء عمله )) اهـ .
س _ القارعة :
قال الله تعالى : (( كَذبت ثمودُ وعاد بالقارعة )) [ الحاقة : 4] .
والقارعةُ اسم جليل من أسماء القيامة ، فهي تقرع القلوبَ بأهوالها . وهذا دليلٌ على الشدة البالغة والخطب الجليل . حيث ترجّ القلوبَ رجّاً عنيفاً ، فيشعرُ المرءُ كما لو كان قلبُه سيخرج من مكانه . ولا يمكن للقلب أن يَثبت في تلك اللحظات العصيبة إلا إذا كان مملوءاً بالإيمان المقترن بالعمل الصالح في الدنيا .
قال القرطبي في تفسيره ( 18/ 225 ) : (( يقال : أصابتهم قوارع الدهر ، أي أهواله وشدائده ، ونعوذ بالله من قوارع فلان ولواذعه وقوارص لسانه جمع قارصة وهي الكلمة المؤذية ، وقوارع القرآن : الآيات التي يقرؤها الإنسان إذا فزع من الجن أو الإنس نحو آية الكرسي كأنها تقرع الشيطانَ ، وقيل : القارعة مأخوذة من القرعة في رفع قوم وحط آخرين ، قاله المبرد )) .
ع _ الطامةُ الكبرى :
قال الله تعالى : (( فإذا جاءت الطامةُ الكُبرى )) [ النازعات : 34] .
فهي عظيمة الشأن شديدة الوطأة ، فتُغطِّي على كل الفظائع والمصائب ، فهي الحدثُ الرهيب الذي تصغر أمامه الأحداثُ الجسيمة . فكل الخطوب العظيمة تتلاشى أمام الطامة الكبرى التي تعم على كل الأحداث فتصبح هي الحدث الأكبر المرعب ، والشغل الشاغل للعباد . فكما أن نور الشمس يُغطِّي على نور النجوم ، فكذلك هذا الحدث الجلل يُغطِّي على ما عداه .
قال الطبري في تفسيره ( 12/ 440 ) : (( تطم على كل هائلة من الأمور ، فتغمر ما سواها بعظيم هَوْلها )) اهـ .
وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( 9/ 23و24) : (( الطامة : الحادثة التي تطم على ما سواها أي تعلو فوقه ، وفي المراد بها هاهنا ثلاثة أقوال : أحدها النفخة الثانية التي فيها البعث ، والثاني : أنها حين يقال لأهل النار : قوموا إلى النار ، والثالث : أنها حين يساق أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار )) اهـ .
ف _ الصاخة :
قال الله تعالى : (( فإذا جاءت الصاخةُ )) [ عَبَسَ : 33] .
والصاخةُ هي صيحة يوم القيامة . سُمِّيت كذلك لشدة صوتها ، فتصخ الآذانَ ، أي تجعلها عاجزةً عن السمع ( حالة الصمم ) . فهذا الصوتُ المخيف يُعطِّل الجوارحَ عن عملها ، فتصبح حاسةُ السمع كما لو أنها غير موجودة . وذلك لشدة الصدمة والضغط الهائل .
وقال القرطبي في تفسيره ( 19/ 194) : (( والصاخة : الصيحة التي تكون عنها القيامة ، وهي النفخة الثانية تصخ الأسماعَ : أي تصمها ، فلا تسمع إلا ما يُدعَى به للأحياء ، وذكر ناسٌ من المفسرين قالوا : تصيخ لها الأسماع ، من قولك : أصاخ إلى كذا : أي استمع إليه )) اهـ .
ص _ الغاشية :
قال الله تعالى : (( هل أتاكَ حديثُ الغاشية )) [ الغاشية : 1] .
والغاشيةُ هي القيامة ، تغشى الناسَ بأهوالها ، وتَعُمهم بالشدائد . وفي ذلك الموقف العصيب لن يَثْبت إلا من ثَبّته اللهُ تعالى . فهذه الشدةُ العارمة العامة التي لا تستثني أحداً تدل على هَوْل الموقف واستحالة الإفلات منه .
وقال القرطبي في تفسيره ( 20/ 26 ) : (( أي القيامة التي تغشى الخلائق بأهوالها وأفزاعها قاله أكثر المفسرين . وقال سعيد بن جبير و محمد بن كعب : ( الغاشية ) : النار تغشى وجوه الكفار ... وقيل : تغشى الخلق ، وقيل : المراد النفخة الثانية للبعث لأنها تغشى الخلائق ، وقيل : ( الغاشية ) أهل النار يغشونها ويقتحمون فيها )) اهـ .
http://www.facebook.com/abuawwad1982
التعليقات (0)