اليهود قبل تزوحهم إلى الدولة (السنية) العثمانية كانوا موزعين في أقطار العالم وكانت الجمعيات اليهودية تنظم بعض الرحلات إلى القدس ولكن دون أن يكون لهم وجود حقيقي ملموس إلا في بعض أجزاء الدولة العثمانية. وحتى البلدان التي كانوا يعيشون فيها يسكنون في أحياء معزولة تسمي (الجيتو) ( ). وهي عبارة عن أحياء ضعيفة وقذرة تستوطن فيها الأسر اليهودية توجد داخلها المعابد اليهودية وتذبح الذبائح على الشريعة التوراتية وذلك بدعوى أنهم شعب الله المختار ويعملون في مجال الصيرفة والربا مما ولد نوع من الحقد والكراهية نحو سلوكهم السياسي والاجتماعي الشاذ لذلك قامت ثورات عديدة في مختلف بلدان العالم التي كانوا يقطنونها. وكانت بداية هذه الثورة في عام 1881م اجتاحت أوربا موجة من الغضب ضد اليهودي وأصبحت حياتهم مهددة مما جعل مجموعات من اليهود تهاجر إلى العالم الجديد (أمريكا) خصوصاً بعد الحوادث التي ظهرت في النمسا وهنغاريا( ). وذلك في أعقاب خطف اليهود في بولندا طفل صغير وتم ذبحه استنزف دمه بطريقة معروفة لهم وذلك أيام عيد الفصح اليهودي صنع فطيرة أو طعام ديني معروف في الطقوس اليهودية( ). ويضاف إلى كل هذا أن اليهود كانوا معارضين للنظم الملكية السائدة في أوروبا ففي روسيا كان أكثر من 50% من المعارضين من اليهود فقد كتب القيصر نيقولاي الثاني أخر القياصرة إلى زوجته بعد حوادث 1905م "أن تسعة أعشار المشاغبين من اليهود وذلك أنصب غضب الشعب عليهم"( ). لذلك عندما بدأت الهجرة على أمريكا توجه عدد قليل منهم إلى فلسطين وكانت موجة هجرة عفوية غير منظمة وبدأت تنشأ جمعيات يهودية تؤمن احتياجات اليهود المهاجرين إلى فلسطين وروسيا تضيق على اليهود من خلال منعهم من بيع المنتوجات التي من صنع أيديهم ومنع الخريجين من التعيين في وظائف الدول ألغيت حقوق الترقية والامتيازات للعاملين منهم في وظيفة الدولة مثل المحاميين داخل المحاكم وحددت إقامتهم في القرى والمدن. وفي ذلك الوقت ظهرت كتابات (بروتوكولات حكماء بني صهيون) وحادثة بيليس، وبيليس هو شاب يهودي أتهم بجريمة قتل جاء في حيثياتها أن بيليس قتل طفل صغير قتل طقوسي وذلك في العام 1911م، واستمرت المحاكمة أكثر من عامين وخلقت رأي عام معادي لليهود.
اليهود والدولة العثمانية:
أول طلب لتوطين اليهود في فلسطين تقدم به الحاخامات إلى السلطان مراد الثاني وقد لبي السلطان طلبهم دون قيد أو شرط( ). ثم جاء السلطان بايزيد الثاني وقدم عرضاً بلجوء اليهود إلى الدولة العثمانية مما منح " السفاردزيم" أملاً في أن يجدوا في الدولة العثمانية متطلبات العيش بأمن وحرية تامة أمر السلطان أبا يزيد حكام الولايات بأن يقدموا تسهيلات لاستيطان اليهود استقبالهم بحرارة وعدم إثارة المتاعب أمامهم ولم يسمح لليهود فقط في الأراضي العثمانية بل أن السلاطين العثمانيين الأوائل ساعدوا اليهود وفي بعض الأحيان أجبروهم على الاستيطان( ). وقام الأتراك بمساعدة اليهود وتم ارسالهم إلى المدن الكبرى كالقسطنطينة أدرنة وأزمير وسلانيك وبلوانه وينغبول.
استفاد الأتراك من المركز الديني والثقافي لليهود الذين قدموا مفهوم القيادة إلى مجموعات السفاردزيم إذ أن يهود سلانيك لهم سجل طويل من المنافسة التجارية بين يهود سلانيك واليونان.
وتغلغل اليهود داخل الدولة العثمانية حتى صاروا قوة ضاربة وسيطروا على المرافق الاقتصادية، ويقول المؤرخون اليهود أن فترات عيش داخل الدولة العثمانية بأنها من فترات الرخاء بالنسبة لهم وأطلق عليها ( العصر الذهبي) ( ). وقد ساعد اليهود في الفتوحات العثمانية واستطاعوا أن يتغلغلوا في القصر عن طريق النساء، حيث قام السلطان سليم الثاني بالزواج من فتاة يهودية ( نور بانو) أنجبت له الأمير مراد الثالث وسيطر اليهود على الوزراء ورجال الدولة. بل تم أفراد نظام اجتماعي مميز أصبح(الحاخام باشي) في منصب رئيس ديني يهودي يمثل جميع اليهود في الدولة العثمانية وتقع عليه مسئولية تحديد الضرائب والمصادقة على تعيين الحاخامات المحليين واختبار الممثلين اليهود لنظام الملك العثماني ويتبع للحاخام باشي التعليم الديني الخاص باليهود والمعابد والنواحي التشريعية في الزواج والطلاق والنفقة والحقوق المدنية وتنفيذ أوامر الحكومة العثماني السياسات التي يرسمها مجلس الحاخام باشي. فالغربيون شجعوا اليهود للهجرة لفلسطين وبقية الولايات العثمانية وكانت السياسة البريطانية تقوم على تشجيع الهجرة للدولة العثمانية وجاء فيها سيكون مفيداً للسلطان دخول اليهود متشتتين إلى فلسطين بسبب الثروة وعادات النظام والصناعة التي سيحملونها معهم وهذا سيؤدي إلى زيادة موارد الدولة العثمانية ويطور التقدم فيها وأن وظيفة الحماية البريطانية سوف تساعد على منع سيطرة اليونانيين لأن اليهود يعرفون أسرار التجارة والصيرفة لذلك كان استقدامهم لهذا الغرض.
هجرة اليهود إلى الدولة العثمانية:
كانت أوروبا تعيش في القرن السادس عشر نوعاً من عدم الاستقرار السياسي حيث عاشت فترة محاكم التفتيش وأصبحت الحريات الدينية مكبوتة في أوروبا . أسبانيا كان عليها الملك فردينلند وزوجته إيزبيلا 1492م وكانوا كاثوليك متعصبين ولهما وجهات نظر تختلف مع اليهود تماماً السبب إلى رواية الكاثوليك أن اليهود هم الذين خانوا عيسي عليه السلام، فضلاً عن ممارسة اليهود التجارة وتحكمهم في الحياة الاقتصادية وقاموا بعمليات تخريب واسعة مما أثار غضب الملك وزوجته خصوصاً أن أحد الحاخامات اليهود في اسبانيا نشر كتاب(نومي نوسي) وأدعى فيه أن أفلاطون أخذ أفكاره عن سيدنا موسي عليه السلام، وأن الأفكار اليونانية مقتبسة من الفكر اليهودي، بل أن أفكار أرسطو وأفلاطون تطابق تعاليم اليعودية تماماً( ). عندها شعر رجال الدولة الأسبان والملك بخطورة الحركة الفكرية اليهودية التي تحاول أن تهود المجتمع الأسباني بدعوى العلم مما يستدعى وضع حد لخطورة هذه الطائفة، فقام الملك بدعوتهم لاعتناق المسيحية أو مغادرة أسبانية فتنصر جزء منهم وطرد حوالي 300 ألف يهودي وأقامت الملكة إيزابيلا محاكم تفتيش أثبتت على العديد من اليهود الذين تنصروا تهمة خداع الكنيسة وممارسة العقائد الموسوية سراً وتم إعدام عدد منهم( ).
وكان اليهود الذين تم طردهم هاجروا إلى البرتغال وإيطاليا والمغرب والدولة العثمانية، وكانت الهجرات إلى الدولة العثمانية في بدايتها بطيئة بسبب صعوبة المواصلات وخطورتها، وكان يطلق على اليهود القادمين من اسبانيا اسم ( المارون) ثم هاجر بعدهم يهود من ألمانيا ويهود من فرنسا ولم ينس اليهود القادمين من أسبانيا فترات الرخاء خلال عهد الحكم الإسلامي في بلاد الأندلس ( أسبانيا) لذلك توجه اليهود إلى المركز الإسلامي للدولة العثمانية وعاشوا فترات رخاء سميت في أدبهم بالعصر الذهبي( ) وقد كتب الحاخام إسحاق رسالة إلي اليهود في النصف الاول من القرن الخامس عشر جاء فيها ( أكتب إليهم هذه الرسالة وأنا أصف حالة اليهود في ألمانيا حيث الموت أفضل لهم في هذا المجال، أن أخواننا اليهود في المانيا يعانون معاناة كبيرة جراء القوانين الاستبدادية الالمانية وكذلك في فرنسا اعلن لكم ان تركيا هي الاراضي المقدسة فيها لا شئ يفتقد ويكون الجميع طيبون وعكا هي الطريق الي الاراضي المقدسة يكون مفتوحا امامكم والافضل لكم ان تتعيشوا تحت حكم المسلمين أكثر من حكم المسيحيين وهنا يعيش كل انسان بسلام اما في الاراضي المسيحية فان علي العكس من ذلك فانكم لاتتجرؤون المخاطر بلبس اطفالكم الاحمر والازرق عليه أدعوكم الي مغادرة الارض الملعونة التي انتم عليها الي الدولة العثمانية وكان اليهود قد نشروا قصيدة في صحيفة سحيرنه عام 1982م بمناسة الذكري المئوية الرابعة لوصول اليهود الي الدولة العثمانية عندما وصل هؤلاء الذين كان كل شئ بالامس يلعنهم الي استانبول بائسين عراة وسمعوا لاول مرة صوتا يقول لهم اهلا بكم من اهل الكتاب
وقد أسس اليهود المهاجرين ويهود اسلانيك مدارس تختص بتعليم ابنائهم المعارف واصول الديانة اليهودية وعرفت باسم مدارس الاليناس اليهودية وأول مدرسة هاسكوي للبنين افتتحت عام 1890م . ( ) واستطاع اليهود أن يفرضوا انفسهم علي السلطان وحاشيته باعتبار ان من بينهم أمهر الأطباء والمستشارين . الا ان اليهود داخل الدولة العثمانية وقع بينهم خلاف اذ أن الطوائف العديدة والجماعات المتطرفة والعلانيين اليهود اذ سرعان ما دب الخلاف بين العناصر اليهودية مما لفت انتباه الصحافة العثمانية في اعقاب احداث الشغب والاغتيالات الي ان تدخلت السلطة العثمانية لوقف هذه الاحداث ويلاحظ الاتي من نشاط اليهود :
1. قيامهم بمؤامرات ضد سلاطين آل عثمان فقد سمموا السلطان محمد الفاتح وعملوا علي السيطرة عليهم عبر النظام الحريم والمؤامرات الاقتصادية .
2. الصراعات بين الجماعات والطوائف اليهودية الدموية المتكررة .
3. استغلالهم ضعف الدولة العثمانية لصالح قيام الدولة العبرية من خلال التمهيد لها لشراء الارض في فلسطين وتهجير اليهود اليها .
4. استغلالهم لنظرة المسلمين للتسامح وتسللهم الي المجتمعات ومحاولة السيطرة عليها عبر الجمعيات السرية ( الماسونية ) ( تركيا الفتاة ) (الوطن) .
5. تواطئهم مع السفارات والقناصل الغربية للضغط علي سلاطين آل عثمان لنيل امتيازات لصالح اليهود .
وقد كانت السلطات قبلها السلطان عثمان بضرورية السماح لليهود أن يقدموا الشكاوي الخاصة بهم عبر القنصل البريطاني وجاء في نص الخطاب انه سيكون مفيدا للسلطان دخول اليهود الي فلسطين عبر أقطار اخري مثل أوربا وأفريقيا بسبب بثور واعادة النظام والصناعة وهذا يؤدي الي تطور ونمو موارد الامبراطورية التركية وان الحماية البريطانية تضمن منع العنف والظلم الممارس ضد اليهود خصوصا في سوريا .
التعليقات (0)