فترة البحث عن صفاته كمسيح
ولكن تبشير أو كرازة يسوع بقرب مملكة الرب دعت اليهود للبحث عن صفة يسوع ان كان هو المسيح المنتظر أم لا.
وهذا البحث يمكن ان نجعله مرحلة أخرى ومتميزة عن مرحلة العلاقة الهادئة والقبول بيسوع كنبي أو كرجل يُعلم الشريعة ويدعو للعمل بها, وان كانت هذه المراحل لا تتسم بتميز زمني محدد فهي متداخلة الا انه يمكن ان نلحظها من خلال النصوص التي كتبت في الأناجيل الأربعة.
فلننتقل للحديث عن هذه المرحلة كما ذكرتها الأناجيل وهي محاولة هؤلاء التأكد من صفة يسوع باعتباره المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم, لنرى ان نجحت الأناجيل في إثبات ان يسوع هو المسيح المنتظر لليهود, ولا أقول الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد, لأنهم لم يسمعوا بها خلال وجود يسوع معهم.
ان رؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة وهم في علاقتهم الهادئة مع يسوع كانوا يسعون للكشف عن صفة يسوع باعتباره المسيح الموعود الذي ينقذهم من الاضطهاد الذي يعيشون فيه والذي سيحكم العالم كله ويقيم مملكة الرب ويكونون هم سادة العالم إلى الأبد كما جاء في بعض نصوص العهد القديم.
وهنا لا بد من التذكير ببعض تلك النصوص:
1- كنتُ أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان,
أتى وجاء إلى قديم الأيام فقرّبوه قدّامه,
فأعطي سلطاناً ومجداً ومملكة لتتعبد له كل شعوب الأرض والأمم والألسنة, سلطانه سلطانٌ ابديّ ما لن يزول,
ومملكته ما لن ينقرض. ( دانيال7/13-14)
2- ألان تتجيشين يا بنت الجيوش قد أقام علينا مترسة,
يضربون قاضي إسرائيل بقضيب على خده ,
وأما أنت يا بيت لحم افراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل,
لذلك يسلمهم إلي حينما تكون قد ولدت والدة,
ثم ترجع بقية أخوته إلى بني إسرائيل,
ويقف ويرعى بقدرة الرب بعظمة اسم الرب إلهه ويثبتون, لأنه يتعظّم إلى أقاصي الأرض. (ميخا5/1-4)
3- ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم الكلمة الصالحة التي تكلمت بها إلى بيت إسرائيل والى بيت يهوذا,
في تلك الأيام وفي ذلك الزمان أُنبتُ لداؤد غصن البِرّ,
فيُجري عدلاً وبرّاً في الأرض, في تلك الأيام يخلص يهوذا وتسكن أورشليم آمنة, وهذا ما تتسمّى به الرب بِرَّنا,
لأنه هكذا قال الرب,
لا ينقطع لداؤد إنسان يجلس على كرسي بيت إسرائيل,
ولا ينقطع للكهنة اللاويين إنسان من أمامي يُصعِدُ محرقة ويحرق تقدمة ويهيئ ذبيحة كل الأيام. (ارميا33/14-18)
4- ويخرج قضيب من جذع يسّى, وينبت غصن من أصوله,
ويحل عليه روح الرب, روح الحكمة والفهم,
روح المشورة والقوة, روح المعرفة ومخافة الرب, ولذته تكون مخافة الرب, فلا يقضي بحسب نظر عينيه, ولا يحكم بحسب سمع أُذنيه, بل يقضي بالعدل للمساكين, ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض,
ويضرب الأرض بقضيب فمه, ويميت المنافق بنفخة شفتيه,
ويكون البر منطقة متنيه, والأمانة على حقويه,
........................
لان الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر,
ويكون في ذلك اليوم ان أصل يسّى القائم راية للشعوب,
إياه تطلب الأُمم ويكون محلّه مجداً,
ويكون في ذلك اليوم ان السيد يعيد يده ثانية ليقتني بقية شعبه التي بقيت من أشور, ومن مصر,
....................
ويرفع راية للأمم ويجمع منفيي إسرائيل ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض,
فيزول حسد أفرايم وينقرض المضايقون من يهوذا,
أفرايم لا يحسد يهوذا ويهوذا لا يضايق افرايم,
وينقضّان على أكتاف الفلسطينيين غَرباً وينهبون بني المشرق معاً,
يكون على ادوم وموآب امتداد يدهما وبنو عمّون في طاعتهما,
ويبيد الرب لسان بحر مصر,
ويهزّ يده على النهر بقوة ريحه ويضربه الى سبع سواق ويجيز فيها بالأحذية,
وتكون سكّة لبقية شعبه التي بقيت في أشور,
كما كان لإسرائيل يوم صعوده من ارض مصر. (اشعياء11/1-16)
هذه النصوص وغيرها هي التي يستند إليها اليهود عموماً ورؤساء الكهنة والفريسيون والكتبة خصوصاً في انتظار الرجل الذي سيرسله الرب لإنقاذهم!
فظهور يسوع وتبشيره أو كرازته بقرب مملكة الرب باعتباره المسيح المنتظر متسلحاً ببعض المعجزات لا يجعل هذا الادعاء حقيقة لأن كل المعجزات التي كان يقوم بها يسوع سواء أخفاها أو أعلنها بدءاً من إحياء الموتى وانتهاء بشفاء امرأة بها نزف لا تعني انه هو الرجل المنتظر الذي سيخلصهم من الاضطهاد الذي يعيشون فيه منذ مئات السنين لان كثيراً من أنبيائهم كانوا يقومون بمعجزات مثل معجزات يسوع أو أعظم منها ولم تجعلهم يدّعون أنهم المسيح المنتظر لان ذاك الرجل له صفات معينة كما في النصوص السابقة, فالمعجزات وحدها ليست كافية في إثبات ان من يقوم بها هو الرجل المنتظر أو بتعبير أدق المسيح المنتظر, فالرجل المنتظر أو المسيح المنتظر يحمل صفات المُلك والحُكم والقوة كما تقول النصوص السابقة.
لهذا قاموا بعدة محاولات وبعدة أشكال للتحقق من ان يسوع هو المسيح الذي بشرت به أسفار العهد القديم, فالادعاء فقط لا يجعل الأمر حقيقة وخاصة أنهم تحت سيطرة روما وأي خطأ في الحسابات سيكلفهم غالياً لأنهم يعلمون ان من يعارض سلطة روما فان ولاتهم يخلطون دمائهم بذبائحهم كما فعل بيلاطس بالجليليين, وهذه المحاولات أخذت أشكال عدة.
أولها الطلب منه أن يريهم آية:
- فخرج الفريسيون وابتدئوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه, فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية,
الحق أقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية. (مرقس8/11-12)
في هذا النص نجد ان الفريسيين طلبوا منه آية كي يطمئنوا انه هو المسيح المنتظر وهو من أبسط حقوقهم على من يطلب منهم ان يؤمنوا انه الانسان الذي بشرت به أسفار العهد القديم, وهو مطلب كل انسان يسعى للايمان بيسوع, لا بل ان الكنائس تتسابق في ذكر المعجزات التي عملها يسوع للتأكيد على ان يسوع هو المسيح وعلى قوانين ايمان الكنائس, إلا أننا نرى يسوع هنا يجيب هؤلاء كما كتب مرقس: فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية!
ثم يكمل مرقس نقل كلام يسوع فيقول الحق أقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية!
هذا الجواب وبعيداً عن مناقشة تنهد يسوع الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد, هو يحتاج منا الى تنهد أذ كيف يطلب يسوع الايمان من اليهود انه هو المسيح المنتظر دون أي دليل أو آية!
على الرغم من هذا الجواب الحاسم الذي يقول انه لن يعطي آية فإن استمرار تبشيره بقرب مملكة الرب بين اليهود وعمل معجزات مختلفة, وان كان هو لم يعتبرها كافية كدليل أو آية وهم لم يعتبروها, ورغبة اليهود بالخلاص من سيطرة الرومان دفعهم لسؤاله مرة ثانية والطلب منه آية:
- حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين يا معلم نريد ان نرى منك آية, فأجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية الا آية يونان النبي لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال.
(متّى12/38-40)
- وفيما كان الجموع مزدحمين ابتدأ يقول هذا الجيل شرير,
يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي,
لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل. (لوقا11/29-30)
هذه الآية عند حساب المدة التي مكث فيها يسوع في القبر نجد انها خاطئة وغير صحيحة, اذ ان الاناجيل تذكر انه دفن مساء ليلة السبت وأمضى تلك الليلة في القبر ويوم السبت وليلة الأحد وقبل بزوغ شمس يوم الأحد كان قد قام من القبر, فنخرج بحصيلة تقل عن المدة التي حددها بقوله انه سيمكث ثلاثة أيام وثلاث ليال, اذ انه لم يمكث في القبر سوى يوم وليلتان وهو ما تعلمه الكنائس المختلفة, ولكن ما يهم هنا ليس هذا الاختلاف بين أقواله, ولكن جوابه للفريسيين عن طلبهم آية كي يثبت لهم انه المسيح المنتظر, فهم طلبوا منه آية تدعوهم للإيمان بأنه هو المسيح وهو يجيبهم بأية يونان الذي بقي في بطن الحوت!
ما وجه الشبه بينه وبين يونان, ان يونان لم يكن المسيح المنتظر الذي يخلصهم من أعدائهم ولا خلص أهل نينوى وجعلهم يحكمون العالم, ما كان يونان بالنسبة لأهل نينوى سوى نبي دعاهم للإيمان بالرب فاستجابوا له, وأما يسوع فالأناجيل تقدمه بصفته المسيح المنتظر, وليتهم توقفوا عند هذا الحد بل قالوا انه ابن الإله ولم يكتفوا بهذا حتى قالوا انه احد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد والذين استطاع اليهود في نهاية الأمر من تعليقهم على الصليب جميعاً أو احدهم بحسب قوانين إيمان الكنائس المختلفة!
وتتكرر محاولات رؤساء الكهنة والفريسيون والكتبة في الكشف عن حقيقة يسوع الذي يقول عن نفسه انه المسيح الذي يخلصهم من اضطهاد الرومان, فهم كانوا يعيشون حلم الخلاص من الاضطهاد منذ مئات السنين, فلماذا لا يكون يسوع هو المسيح المخلص, فسألوه مرة ثالثة:
- وجاء إليه الفريسيون والصدوقيون ليجربوه فسألوه ان يريهم آية من السماء,
فأجاب وقال لهم اذا كان المساء قلتم صحو لان السماء محمرة وفي الصباح اليوم شتاء لان السماء محمرة بعبوسة,
يا مراءون تعرفون ان تميزوا وجه السماء وأما علامات الأزمنة فلا تستطيعون, جيل شرير فاسق يلتمس آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي, ثم تركهم ومضى. (متّى16/1-4)
في هذا النص يقول يسوع ان علامات الأزمنة تدل على انه هو المسيح المنتظر, ولكن لو تساءلنا الآن بعد أكثر من عشرين قرناً على ولادته ولم يظهر خلاصه لا لليهود ولا لغيرهم هل كانت حقاً تلك الأزمنة تدل عليه؟
وهل اليهود الآن سيؤمنون انه هو المسيح المخلص الذي تظهر علامات الأزمنة انه هو المسيح, أم انهم سيتأكدون ان موقف أسلافهم بعدم الإيمان بيسوع كان حقاً, وانه لم يكن الإنسان الذي بشرت به أسفار العهد القديم لان ذاك عندما يأتي فان مُلكه لا يكون له نهاية, وان يسوع لم يملك في حياته ساعة واحدة فما دونها وانه كان خاضعاً لقيصر دافعاً الجزية لولاته, هارباً من أتباعه عندما حاولوا ان يجعلوه ملكاً؟!
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا6/15)
ولكن لرغبة اليهود عامة وزعمائهم خاصة بالتخلص من اضطهاد الرومان جعلهم يستمرون في محاولاتهم تلك كما في النص التالي:
- فأجاب اليهود وقالوا له أية آية تُرينا حتى تفعل هذا,
أجاب يسوع وقال لهم انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أُقيمه,
فقال اليهود في ست وأربعين سنة بُني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تُقيمه. (يوحنا2/18-19)
في هذا النص نقرأ ان يسوع يجيب اليهود الذين طلبوا منه آية بالطلب منهم ان ينقضوا الهيكل وهو سيقوم بإعادة بنائه في ثلاثة أيام!
وهذا الجواب من غرائب الأجوبة التي يتوقع إنسان سماعها من الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد, إذ كيف يطلب هذا الاقنوم من اليهود ان ينقضوا الهيكل ومن ثم سيقوم هو ببنائه في ثلاثة أيام!
لماذا ليس في يوم واحد؟ أو في ساعة؟ أو في لحظة؟
ولماذا لا يقوم يسوع نفسه بنقض الهيكل وإعادة بنائه وحده؟
ما الذي يمنعه من نقض الهيكل بنفسه؟
والأغرب من هذا الجواب هو تعقيب يوحنا كاتب الإنجيل إذ قال:
- وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده,
فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه انه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع.
(يوحنا2/21-22)
أقول ان هذا الكلام ليس صحيحاً بالمطلق, اذ ان قول اليهود ليسوع ان الهيكل تمّ بنائه في ست وأربعين سنة يدل على ان الحديث لا يقصد به هيكل يسوع.
كما ان جسد الانسان لا ينقض في ثلاثة أيام.
والأهم من هذا هو ان يسوع كما تذكر الأناجيل كان من أهم أدلته على خروجه من القبر بجسده الأصلي هو احتجاجه بوجود الجروح التي أصابته أثناء عملية الصلب وقوله للتلاميذ ان الروح لا تكون مجروحة, لا بل انه طلب من توما التلميذ الذي شك به ان يضع أصابعه ويده في الجروح ليتأكد من انه قام بجسده الذي دفن فيه, مما يدل على ان هيكل يسوع لم ينقض في القبر, كما ان يسوع كما نعلم لم يلبث ثلاثة أيام في القبر, وهذا كله بحسب الأناجيل.
ولكن تلك المحاولات لم تتوقف واستمر اليهود وزعمائهم في البحث عن حقيقة يسوع.
- فقالوا له فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك, ماذا تعمل,
آبائنا أكلوا المنّ في البرية كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا,
فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء, بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي,
.......
إنا هو خبز الحياة,
أبائكم أكلوا المنّ في البرية وماتوا,
هذا هو الخبز النازل نزل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت,
أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء إن أكل احد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد,
..............
من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه,
...........
ليس كما أكل ابائكم المنّ وماتوا,
من يأكل هذا الخبز فانه يحيا الى الأبد. (يوحنا6/32-58)
في هذا النص يطلب اليهود من يسوع ان يصنع لهم آية كي يؤمنوا به انه هو المسيح المنتظر وذكروه بآية موسى أعظم أنبياء العهد القديم الذي انزل الرب عليهم في زمانه المنّ وظلوا طوال أربعين سنة يأكلون منها دون الحاجة الى بذل أي جهد في البحث عن الطعام, وأظن ان اليهود بهذا التذكير كانوا يريدون ان يطمئنوا الى انهم لن يُتركوا بلا مأوى ولا طعام في حالة ايمانهم بيسوع واعلان الثورة على الرومان حتى يتم لهم النصر عليهم وحكم العالم كما فهموا من أسفار العهد القديم.
ولكن يسوع بدلاً من ان يعطيهم آية تريهم أنهم اذا آمنوا به فإنهم سيكونون في مأمن من الجوع إذا قاموا بالثورة على الرومان, وجدوه يقلل من شأن موسى ومعجزاته, ويقول لهم انه هو خبز الحياة, وان من يأكل جسده ويشرب دمه فانه لن يموت, ويحيا إلى الأبد!
وهذا القول بالنسبة لليهود لا يسمن ولا يغني من جوع!
فهم يريدون التأكد من انه هو المسيح الذي سيحارب العالم وفي النهاية يحكمه, بما فيها الإمبراطورية الرومانية, وهو يقول لهم انهم ان أكلوا جسده وشربوا دمه فإنهم سيحيون إلى الابد!
ولست أدري لماذا لم يكتب لنا يوحنا أو غيره من كتبة الأناجيل قصة عن محاولة لليهود لأكل جسد يسوع وشرب دمه بعد أن صلبوه كي يحيوا إلى الأبد؟!
- فكان اليهود يتذمرون عليه لأنه قال أنا هو الخبز الذي نزل من السماء. (يوحنا6/41)
- فخاصم اليهود بعضهم بعضاً قائلين كيف يقدر هذا ان يعطينا جسده لنأكله. (يوحنا6/52)
وان كانت الكنائس, أو بعضها, تقوم بهذا العمل وتعتبره من أسرارها وتسميه سر التناول أو الافخارستيا وذلك بأكل خبز وشرب نبيذ وتقول انهما ببعض الصلوات والطقوس يتحولان الى جسد يسوع ودمه, ولكن للأسف فانهم يموتون كما يموت اليهود ولا يحيون الى الابد كما كتب يوحنا على لسان يسوع ان من أكل جسده وشرب دمه فانه لن يموت ويحيا الى الابد!
ثم وهم يسعون في الكشف عن هذه الحقيقة ذهبوا وسألوا يوحنا المعمدان مرة ثانية:
- وحدثت مباحثة من تلاميذ يوحنا مع يهود من جهة التطهير, فجاءوا الى يوحنا وقالوا له يا معلم هو ذا الذي كان معك في عبر الاردن الذي انت قد شهدت له هو يعمد والجميع يأتون إليه,
أجاب يوحنا وقال لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئاً إن لم يكن قد أُعطي من السماء, انتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت اني لست أنا المسيح, بل اني مرسل أمامه. (يوحنا3/25-28)
هذه الفقرات جزء من نص طويل تحدثت عنه بالتفصيل سابقاً وما يهم هنا هو ان اليهود وخاصة زعمائهم كانوا يحاولون بشتى الطرق معرفة ان كان يسوع هو المسيح أم لا, وهنا نرى أنهم ذهبوا إلى يوحنا المعمدان وبدئوا يحاورونه لمعرفة حقيقة يسوع, ولكنهم لم يقتنعوا بكلام يوحنا المعمدان الذي كتبه عنه يوحنا كاتب الإنجيل لأن الأناجيل الأخرى تذكر أن يوحنا المعمدان كان في السجن عندما بدأ يسوع يكرز أو يبشر!!!!!
وبعد هذا نجد أن اليهود لم يعودوا يسألون يسوع عن الآيات التي يستطيع ان يظهرها للدلالة على انه المسيح المنتظر لأنه لن يجيب طلباتهم!
فلجئوا الى البحث عن صفات المسيح الذي تذكره أسفار العهد القديم التي يتمتع بها يسوع لعل ان تظهر تلك الصفات فيه فيؤمنوا به ويتخلصوا من كل الاضطهاد الذي كانوا يتعرضون له تحت الحكم الروماني وخاصة انهم كانوا يشاهدون الولاة الرومانيين يخلطون دماء إخوتهم بذبائحهم كما فعل بيلاطس وكما ذكرت الأناجيل.
وقبل الخوض في الموضوع أود الإشارة إلى أنني لم أُرتب هذه المحاولات بحسب الترتيب الزمني, وذلك لان الاناجيل لا تتفق في الترتيب الزمني للأحداث التي تسجلها, كما ان بعض هذه المحاولات توجد في بعض الاناجيل ولا توجد في أُخرى لهذا اقتضى التنويه.
أول تلك المحاولات بحسب ترتيبي الشخصي هي التأكد من ان يسوع يسعى لمحاربة الإمبراطورية الرومانية لأنه إذا كان هو المسيح المنتظر فانه سيحكم العالم وبالتالي فانه سيحكم الإمبراطورية الرومانية وهي لن تستسلم له بسهوله فيجب ان يكون مستعداً لمنع الجزية عنها تهيئة لليهود كي يحاربوا كما في النصوص التالية:
- قل لنا ماذا تظن, أيجوز ان تعطى جزية لقيصر أم لا,
قال لهم أروني معاملة الجزية, فقدموا له ديناراً,
فقال لهم لمن هذه الصورة,
قالوا له لقيصر,
فقال لهم اعطوا اذاّ ما لقيصر لقيصر, وما للرب للرب . (متّى22/17-21)
- أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا, نعطي أم لا نعطي,
قال لهم لماذا تجربونني,
وقال لهم أعطوا ما لقيصر لقيصر وما للرب للرب. (مرقس12/14-17)
- أيجوز لنا أن نعطي الجزية لقيصر أم لا,
فشعر بمكرهم وقال لهم لماذا تجربونني,
اروني ديناراً, لمن الصورة والكتابة,
فأجابوا وقالوا لقيصر,
فقال لهم أعطوا اذاّ ما لقيصر لقيصر وما للرب للرب,
فلم يقدروا ان يمسكوه بكلمة قدام الشعب,
وتعجبوا من جوابه, وسكتوا. (لوقا20/22-26)
هذه النصوص الثلاثة تدل على ان يسوع لم يستجب لرغبة اليهود بإظهار صفته التي يقدم بها نفسه باعتباره المسيح المنتظر الذي سيحكم العالم ولا يكون لملكه نهاية كما هي صفة المسيح في أسفار العهد القديم وبدلاً من ذلك يطلب منهم ان يستمروا بالخضوع للرومان بإعطاء الجزية لقيصر, فهو من هذه الأجوبة يشير إلى انه ليس هو المسيح, وهذه الصفة تعتبر صفة بسيطة مقارنة بما تصفه به الكنائس باعتباره الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد!
وحتى هذه الصفة فهو ينقضها من جذورها بقوله قال لهم لماذا تجربونني, فشعر بمكرهم وقال لهم لماذا تجربونني, فهذه الأقوال لا تدل على انه هو من خلق السموات والأرض, لأنه لو كان كذلك لأجابهم بكل وضوح بانه لا يجوز إعطاء الجزية لقيصر لأن قيصر كان يعبد الأوثان وكان يستعبد اليهود, وهذا يتناقض مع الشريعة التي نزلت على أنبياء اليهود والتي يفترض اذا كانت صفته صحيحة انه هو من انزلها!
ولكن اليهود لم ييأسوا من محاولة الإيمان به ولكنهم قبل الإيمان به يريدون التأكد من انه هو المسيح المنتظر وخاصة انه يقوم بعمل بعض المعجزات التي لا يعملها إنسان عادي فانتهزوا فرصة قيامه بإحدى المعجزات وهي إطعام آلاف الناس بقليل الطعام فقاموا بمحاولة لتشجيعه على إظهار انه هو المسيح وتنصيبه ملكاً عليهم كما في النص التالي:
- فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم,
وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون ان يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً الى الجبل وحده. (يوحنا6/14-15)
ولكن يسوع كما هو حاله دائماً يرفض الاستجابة لليهود بأن يصرح انه المسيح, وهذا لا يدل على انه كان يشعر انه المسيح, فضلاً عن الصفة التي تصفه بها الكنائس باعتباره الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد, وإلا لو كان يشعر بهذه الصفات ما الذي يدفعه للانصراف من أتباعه والذهاب للجبل وحده؟
ممن كان يخاف الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد من ان يعلن نفسه ملكاً على عشرة آلاف كيلو متر مربع اذا كان هو من خلق السموات والارض والتي يقول العلماء ان مساحتها تتجاوز الخيال العقلي والقياس المادي اذ ان المسافة بين بعضها البعض تتجاوز مليارات السنين الضوئية والسنة الضوئية تساوي مسيرة الضوء لمدة سنة والضوء يسير بالثانية الواحدة مائة وخمسون ألف كيلو متراً؟!
ولكن محاولات رؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة لا تتوقف فيكتب لوقا قصة ذلك الرجل الذي يطلب من يسوع ان يطلب من أخيه ان يقاسمه الميراث فماذا سيكون جواب يسوع الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما تقول الكنائس المختلفة؟
لنقرأ هذا النص:
- وقال له واحد من الجمع يا معلم قل لأخي ان يقاسمني الميراث,
فقال له يا إنسان من أقامني عليكما قاضياً أو مقسماً. (لوقا12/13-14)
في الحقيقة ان الانسان ليصاب بالدهشة عندما يستمع لرؤساء الكنائس وهم يتحدثون عن يسوع باعتباره الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ويستحضرون عشرات النصوص من العهد القديم للتدليل على ذلك عندما يقرأ هذا النص, اذ ان يسوع في هذا النص لوقا يقول ان يسوع ليس قاضياً وفي هذا القول قضاء على أي قول يقول ان ليسوع علاقة بالذات الإلهية سوى علاقة العبودية, لان أسفار العهد القديم تصرح وتقول بأعلى صوتها ان الرب هو القاضي فقول يسوع انه ليس قاضياً يدل على انه لا علاقة له بالرب سوى العبودية فقط كما في النصوص التالية:
- نحمدك يا رب, نحمدك واسمك قريب, يحدثون بعجائبك, لأني أُعين ميعاداً, أنا بالمستقيمات اقضي,
ولكن الرب هو القاضي هذا يضعه وهذا يرفعه,
وكل قرون الأشرار اعضب, قرون الصّديق تنتصب. (مزامير75/1-9)
- يقضي الرب بيني وبينك, فيكون الرب الديّان ويقضي بيني وبينك ويرى ويحاكم محاكمتي وينقذني من يدك. (صموئيل الاول24/12-15)
- الرب القاضي اليوم بين بني اسرائيل وبني عمون. (قضاة11/27)
كما نقرأ فإن هذه النصوص وغيرها تقول ان الرب هو القاضي, فقول يسوع انه ليس قاضياً يدل بكل وضوح على انه لا علاقة له بالرب سوى العبودية, فهذه المحاولة فشلت كما فشلت المحاولات السابقة.
ولكن رؤساء الكهنة والفريسيين لا يصيبهم اليأس في محاولاتهم الكشف عن حقيقة يسوع لأنهم كانوا توّاقين للخروج من تحت الاحتلال الروماني, فنجدهم يقومون بمحاولة أُخرى كما في النص التالي:
- ثم حضر أيضاً إلى الهيكل في الصبح وجاء إليه جميع الشعب فجلس يعلمهم, وقدّم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أُمسكت في زنا, ولما أقاموها في الوسط قالوا له يا معلم هذه المرأة أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل, وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه تُرجم فماذا تقول أنت,
قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه,
وأما يسوع فانحنى الى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض,
ولما استمروا يسألونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر, ثم انحنى أيضاً إلى أسفل وكان يكتب على الأرض. (يوحنا8/1-9)
في هذه المحاولة كما هي عادة يسوع يرفض ان يعطي للكتبة والفريسيين أي علامة تدل على انه هو المسيح فضلاً عن انه الاقنوم الثاني, لأنه برفضه أن يقول حكم الشريعة على المرأة الزانية يدل على انه ليس هو المسيح المنتظر لان ذاك عندما يأتي سيحكم بالشريعة ويسوع يرفض حتى أن ينطق بحكم الشريعة!
وأما تعقيب يوحنا الذي كتبه بإشراف الروح المقدس كما تقول الكنائس, بقوله قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه, فهو يدل على خوف يسوع من التصريح بحكم الزنا في شريعة موسى التي هي بحسب تصور الكنائس عن يسوع هو من انزلها, فكيف يخاف يسوع من التصريح بالشريعة التي أنزلها, لو كان هو من أنزلها؟!
وممن يخاف يسوع لو كان هو حقاً الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد؟!
هل يخاف من بيلاطس أو من قيصر أو من الناس كافة أو من كل مخلوقات السموات والأرض وهو كما تقول الكنائس ان هذه كلها من مخلوقاته وانه خلقها من العدم, لو كان هذا القول صحيحاً فلماذا يخاف يسوع من الشكوى عليه؟!
ان العهد القديم يحدثنا في عدة مواضع ان الانبياء والصالحين لا يخافون من أي شيء اذا كان الرب معهم فكيف يخاف يسوع وهو الذي تقول الكنائس انه الاقنوم الثاني!
وانا سأكتفي بذكر نص واحد من المزامير التي كثيراً ما تستشهد بها الكنائس والاناجيل بنصوصها على انها تتحدث عن يسوع للتدليل على ان من كان الرب معه فلا معنى لخوفه فكيف يخاف يسوع الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما تقول قوانين ايمان الكنائس لو كان هذا القول حقاً.
- الرب نوري وخلاصي ممن أخاف,
الرب حصن حياتي ممن أرتعب,
ان نزل عليّ جيش لا يخاف قلبي. (مزامير27/1-3)
ولما لم يُجب يسوع بشكل واضح عن إمكانية تطبيقه للشريعة حتى بالكلام فقط مما يعني انه ليس المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم, نجد انه كانت هناك محاولة أُخرى منهم لمعرفة ان كان هو المسيح أم لا, فسألوه متى تأتي مملكة الرب لعله بهذا يعطيهم إشارة ولو ليست واضحة على انه المسيح المنتظر كما في النص التالي:
- ولما سأله الفريسيون متى تأتي مملكة الإله,
أجابهم وقال لا تأتي مملكة الإله بمراقبة, ولا يقولون هو ذا ههنا أو هو ذا هناك لان ها مملكة الإله داخلكم. (لوقا17/20-21)
والسؤال والجواب كما نرى لا يزيد اليهود إلا حيرة في يسوع لأنه قال لهم ان مملكة الرب داخلكم!
فكيف يؤمن اليهود بيسوع انه هو المسيح وهم يقرءون ان المسيح يكون ملكاً ويحكم بالشريعة ويزيل الظلم عنهم ولا يكون لحكمه نهاية وهو في جوابه لهم يقول ان مملكة الرب في داخلكم!
وكيف سيسيطر المسيح على العالم ولا يكون لملكه نهاية, واليهود مع ان مملكة الرب في داخلهم يدفعون الجزية للرومان كما كان يسوع صاحب المملكة يدفع الجزية, وكل من يحاول ان يحكم بالشريعة فإما ان يقطع رأسه كما حدث مع يوحنا المعمدان أو يخلط الوالي دمائهم بذبائحهم التي يحضرونها حسب الشريعة كما حدث مع الجليليين!
والغريب أن الكنائس المختلفة تستشهد بعشرات النصوص التي تتحدث عن المسيح المنتظر والملك وابن داؤد وتقول إن تلك النصوص تتحدث عن يسوع وهو الذي عاش ومات ولم يحكم دقيقة واحدة وكان دافعاً الجزية للوثنيين.
كما نجد أن اليهود قاموا بمحاولة أخرى للكشف عن حقيقة يسوع كما في النص التالي:
- وقالوا أليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأمه, فكيف يقول هذا اني نزلت من السماء, فأجاب يسوع وقال لهم لا تتذمروا فيما بينكم, لا يقدر أحد أن يُقبل اليّ ان لم يجتذبه الأب الذي أرسلني وأنا أُقيمه في اليوم الأخير. (يوحنا6/42-44)
كما نلاحظ فإن يسوع لم يعترض على قول اليهود انه ابن يوسف وانهم يعرفون أباه وأمه, وعدم الاعتراض يدل على أمرين, الأول أن يسوع يُقرّ انه ابن يوسف من الناحية الجسدية وان كل ما كتب عن ولادته المعجزة ليس صحيحاً.
والثاني أن يسوع ليس هو المسيح لان يسوع نفسه قال إن المسيح ليس ابن داؤد وبالتالي فهو ليس ابن يوسف, فإقرار يسوع انه ابن يوسف يعني انه ليس المسيح!
- وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً ماذا تظنون في المسيح ابن من هو, قالوا له ابن داؤد, قال لهم فكيف يدعوه داؤد بالروح رباً قائلاً قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك,
فان كان داؤد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه,
فلم يستطع أحد ان يجيبه بكلمة, ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد ان يسأله بتة. (متّى22/41-46)
- ثم أجاب يسوع وقال وهو يعلم في الهيكل كيف يقول الكتبة ان المسيح ابن داؤد, لان داؤد نفسه قال بالروح المقدس قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك, فداؤد نفسه يدعوه رباً, فمن أين هو ابنه وكان الجمع يسمعه بسرور.(مرقس12/35-37)
وأما محاولة كتبة الأناجيل والكنائس الاستشهاد بهذه النصوص على ان يسوع هو رب داؤد فإقرار يسوع انه ابن يوسف وبالتالي ابن داؤد يدل على انه ليس هو المقصود في المزمور ونسبته الى داؤد قام بذكرها لوقا في إنجيله بكل وضوح مما يدل على ان يسوع ابن داؤد وبالتالي ليس رباً له؟!
ولكن على الرغم من فشل هذه المحاولات الا ان رؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة استمروا في محاولاتهم للتحقق ان كان يسوع هو المسيح أم لا, كما في النص التالي:
- قال لهم يسوع أيضاً أنا أمضي وستطلبونني وتموتون في خطيتكم,
حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا, فقال اليهود ألعله يقتل نفسه حتى يقول حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا,
فقال لهم أنتم من أسفل وأما انا فمن فوق, أنتم من هذا العالم وأما أنا فلست من هذا العالم, فقلت لكم انكم تموتون في خطاياكم لأنكم ان لم تؤمنوا أني أنا هو تموتون في خطاياكم,
فقالوا له من أنت,
فقال لهم يسوع أنا من البدء ما أُكلمكم أيضاً به,
ان لي أشياء كثيرة أتكلم بها من نحوكم, ولكن الذي أرسلني هو حق,
وأنا ما سمعته منه فهذا أقوله للعالم,
ولم يفهموا أنه كان يقول لهم عن الأب,
فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الانسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل شيئاً من نفسي, بل أتكلم بهذا كما علمني أبي,
والذي أرسلني هو معي ولم يتركني الأب وحدي لأني في كل حين أفعل ما يرضيه.
(يوحنا8/21-29)
في هذه المحاولة نرى نقاشاً وتعقيبات تثير أكثر من علامة استفهام على أصل النص وصفة يسوع بإعتباره الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد.
فنقرأ ان يسوع بعد ان قال انه من فوق وان اليهود من أسفل وانهم ان لم يؤمنوا انه هو هو فانهم سيموتون في خطاياهم, وهذا ما حفز اليهود لسؤاله عن نفسه لعل في هذه المرة أن ينجحوا في معرفة ان كان هو المسيح أم لا, وخاصة انه يتحدث عن نفسه انه ليس من هذا العالم وانه من فوق, ولم يعر اليهود هذا الاستهزاء بهم أي اهتمام بقوله انهم من تحت, فليس مهماً عندهم ان كانوا من فوق أو من تحت, المهم ان يتخلصوا من الاضطهاد الذي يعيشوا في ظلاله تحت الحكم الروماني, فهذا موقف مناسب لكي يصرح بصفته فقالوا له من انت؟
فكان جواب يسوع لهم:
فقال لهم يسوع أنا من البدء ما أُكلمكم أيضاً به,
وهذا الجواب أظنه أشد وقعاً على نفوسهم المتعبة من الاحتلال الروماني من عدم الجواب!
ماذا يعني بقوله انه هو ما أكلمكم به؟
ان استعراض كل الاناجيل فقرة فقرة وكلمة كلمة لا تشير الى انه صرح بصفته سواء كمسيح أو كأقنوم, والنصوص التي استعرضتها هنا تكفي للقول انه لم يكن يعلن لهم عن صفته.
فماذا يعني بقوله أنا من البدء ما أُكلمكم أيضاً به؟
ثم يكمل كلامه فيقول ان الذي أرسلني هو حق وانا ما سمعته منه فهذا أقوله للعالم. وهذا الكلام ليس هو ما يبحث عنه اليهود فهم يعلمون ان مرسل الرسل هو حق وانه أرسل لهم عشرات الرسل والأنبياء, وهنا يأتي تعقيب يوحنا على هذه الجملة التي تشير الى ان يسوع يعتبر نفسه مرسل من الرب فيكتب قائلاً ولم يفهموا أنه كان يقول لهم عن الأب, كيف لم يفهموا انه يتكلم عن الأب؟!
فإذا لم يكن أب يسوع هو من أرسل موسى والمئات من أنبياء بني إسرائيل فهذا يعني إن أب يسوع هو غير الرب الذي أرسل الأنبياء إلى بني إسرائيل وإذا كان الرب الذي أنزل التوراة على موسى وأوحى بأسفار العهد القديم لأنبيائهم هو غير أب يسوع فهذا يعني ان ما تتحدث قوانين ايمان الكنائس عنه ليس هو الرب الذي انزل التوراة وأرسل الأنبياء فلماذا كل هذه النصوص التي أخذها كتبة الأناجيل ومنهم يوحنا من توراة رب إسرائيل واستشهدوا بها على ان يسوع قد جاء ذكره في العهد القديم؟!
واذا قالت الكنائس ان رب اسرائيل هو أب يسوع فهذا يعني ان الجملة التي كتبها يوحنا بان اليهود لم يفهموا انه كان يقول عن الأب جملة خاطئة!
ثم يكمل يوحنا كلامه فيقول:
- فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الانسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل شيئاً من نفسي.
اذاً يوحنا يقول ان اليهود الذين لم يفهموا انه يتكلم عن الأب سيفهمون انه هو هو عندما يرفعوه وهو يشير الى عملية الصلب, وهذا الكلام لا يدل على ان قائله يعلم الغيب ولا ان له علاقة بالذات الإلهية إلا علاقة العبودية, لان كل من يقرأ الأناجيل يعلم ان ليس اليهود وحدهم لم يفهموا ان يسوع هو هو بل إن تلاميذ يسوع لم يفهموا ان يسوع هو هو!
لان التلاميذ هربوا عند إلقاء القبض على يسوع كما انهم لم يصدقوا انه قام من القبر كما تخبرنا الأناجيل, وكما نرى فان يسوع لم يجب بشكل واضح عن سؤال اليهود له من أنت.
ولكن محاولات اليهود وزعمائهم لا تتوقف فنجدهم يقومون بمحاولة أخرى للكشف عن حقيقة يسوع ان كان هو المسيح أم لا, كما في النص التالي:
- وكان عيد التجديد في أورشليم وكان شتاء, وكان يسوع يتمشّى في الهيكل في رواق سليمان,
فاحتاط به اليهود وقالوا له الى متى تعلق أنفسنا,
إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً,
أجابهم يسوع إني قلت لكم ولستم تؤمنون,
الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي,
ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم. (يوحنا10/22-26)
إن هذه الفقرات تؤكد أن اليهود كانوا حريصين على الكشف عن حقيقة يسوع ان كان هو المسيح المنتظر أم لا, وهنا نجدهم يقولون له الى متى تعلق أنفسنا فان كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً, وهذا يدل على حرصهم الشديد على معرفة الحقيقة كما تشير الى ان يسوع لم يكن يصرح بصفته تلك للناس, ولكننا نجد هنا ان يوحنا يكتب على لسان يسوع انه قال لهم انه المسيح ولكنهم لا يؤمنون!
ونسي يوحنا ان عشرات النصوص ذكرت ان يسوع لم يكن يصرح انه المسيح, لا بل انه كان يوصيهم ان لا يقولوا لأحد انه المسيح وفي أحياناً اخرى كان ينتهرهم, وهذه بعض النصوص:
- حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد انه يسوع المسيح. (متّى16/20)
- وفي الطريق سأل تلاميذه قائلاً لهم من يقول الناس اني أنا,
فأجابوا يوحنا المعمدان, وآخرون إيليا, وآخرون واحد من الأنبياء,
فقال لهم وانتم من تقولون اني إنا,
فأجاب بطرس وقال له أنت المسيح,
فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه. (مرقس8/27-30)
- وابتدأ يعلمهم ان ابن الانسان ينبغي ان يتألم كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة, ويقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم,
وقال القول علانية,
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره,
فالتفت يسوع وأبصر تلاميذه فانتهر بطرس قائلاً اذهب عني يا شيطان, لأنك لا تهتم بما للرب لكن بما للناس. (مرقس8/31-33)
- فسألهم قائلاً من تقول الجموع اني انا,
فأجابوا وقالوا يوحنا المعمدان, وآخرون إيليا, وآخرون نبياً من القدماء قام, فقال لهم وانتم من تقولون اني انا,
فأجاب بطرس وقال مسيح الرب,
فانتهرهم وأوصى أن لا يقولوا ذلك لأحد,
قائلاً انه ينبغي أن ابن الإنسان يتألم كثيراً ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة, ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم. (لوقا9/18-22)
- فقال لهم وانتم من تقولون إني أنا فأجاب بطرس وقال أنت مسيح الرب,
فانتهرهم وأوصى أن لا يقولوا ذلك لأحد. (لوقا9/20-22)
- حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد انه يسوع المسيح. (متّى16/20)
وهنا قد تحاول الكنائس التذكير بان يسوع قد صرح بأنه المسيح في مواضع أخرى.
وانا سأذكر احد هذه النصوص القليلة التي صرّح بها يسوع انه المسيح كما ذكرها يوحنا في انجيله.
- قالت له المرأة أنا أعلم أن مسيّا الذي يقال له المسيح يأتي,
فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء,
قال لها يسوع أنا الذي أكلمك هو. (يوحنا4/25-26)
في هذا النص نقرأ ان يسوع يُصرّح للمرأة انه هو المسيح وهذا النص جزء من قصة المرأة السامرية التي التقى بها يسوع عند بئر ماء كما كتب يوحنا في انجيله عندما ذهب الى السامرة مع ان الاناجيل الاخرى تذكر انه منع تلاميذه من الذهاب الى السامرة والدخول الى مدنهم ودعوتهم!
وما يثير الشكوك حول هذه الفقرات هو قول المرأة عن صفة المسيح انه متى جاء فانه يخبرهم بكل شيء, وكنت قد أظهرت ان يسوع لم يتنبأ بشيء وكان صحيحاً! ولهذا سأستعرض القصة التي جاءت في سياقها هذه الفقرات لنعلم ان كانت هذه الفقرات تدل على صدق قائلها أم لا.
- فجاءت امرأة من السامرة لتستقي ماء,
فقال لها يسوع أعطيني لأشرب,
فقالت له كيف تطلب منى لتشرب وأنت يهوديّ وأنا امرأة سامرية,
أجاب يسوع وقال لها لو كنت تعلمين عَطيّة الرب ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماءً حيّاً,
قالت له المرأة يا سيد لا دلْوَ لك والبئر عميقة, فمن أين لك الماء,
ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر وشرب منها هو وبنوه ومواشيه,
أجاب يسوع وقال لها كل من يشرب من هذا الماء يعطش ايضاً,
ولكن من يشرب من الماء الذي أٌعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد,
بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية,
قالت له المرأة يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا اعطش ولا آتي إلى هنا لاستقي. (يوحنا4/7-15)
في هذه الفقرات يقول يسوع ان عنده الماء الحيّ وان من يشرب منه فلن يعطش الى الابد وان هذا الماء يتحول الى ينبوع ينبع الى حياة أبدية. ونقرأ جواب المرأة على هذا الكلام بقولها يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي الى هنا لأستقي.
ولكن يسوع بدلاً من أن يعطي تلك المرأة ذلك الماء الحيّ الذي من يشربه فلن يعطش الى الابد يطلب منها طلباً غريباً, مع العلم ان يسوع نفسه مات على الصليب وهو عطشان ولم يظهر عليه أثر الماء الحيّ الذي يَعِد به الناس ومنهم هذه المرأة السامرية كما تذكر الاناجيل!
- قال لها يسوع اذهبي وادعي زوجك وتعالي الى ههنا,
أجابت المرأة وقالت ليس لي زوج,
قال لها يسوع حسناً قلت ليس لي زوج, لانه كان لك خمسة أزواج والذي لك الان ليس هو زوجك, هذا قلت بالصدق,
قالت له المرأة يا سيد أرى انك نبي, .....
- قالت له المرأة أنا أعلم أن مسيّا الذي يقال له المسيح يأتي,
فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء,
قال لها يسوع أنا الذي أكلمك هو. (يوحنا4/25-26)
في هذه الفقرات نجد ان يوحنا بعد ان كتب ان يسوع يعلم الغيب, وذلك باخبار المرأة انه كان لها خمسة أزواج, قد انتقل للحديث عن ان المرأة وأنها قالت ليسوع أرى انك نبي, وهنا لا أريد التعليق على موقف هذه المرأة التي اعتبرت يسوع نبي وليس أحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد, ولكن الملاحظ ان يوحنا نسي طلب المرأة السابق وهو طلب اعطائها الماء الحي حتى لا تعطش ولا تأتي الى البئر لتستقي, وكيف يكتب يوحنا ان يسوع أعطى المرأة من الماء الحي الذي عنده والذي من شرب منه فانه لن يعطش الى الابد والاناجيل تكتب ان يسوع مات على الصليب عطشاناً!
وبعد هذا نجد ان المرأة ذهبت الى المدينة كما في النص:
- فتركت المرأة جرّتها ومضت الى المدينة وقالت للناس هلموا انظروا انساناً قال لي كل ما فعلت, ألعل هذا هو المسيح, فخرجوا من المدينة وأتوا اليه. (يوحنا4/28-30)
فالمرأة تقول ان يسوع أخبرها بكل ما فعلت, ولكن الحقيقة ان يسوع لم يقل لها سوى انها كانت متزوجة بخمسة اشخاص سابقاً وانها الان تعيش مع صديق لها, ولم يكتب لنا يوحنا ان المرأة قالت لاهل المدينة ان يسوع عنده الماء الحي, لان يسوع لم يُعطها الماء الحيّ وهو نفسه مات على الصليب عطشاناً!
ثم نرى ردة فعل أهل تلك المدينة على قول المرأة لهم ان يسوع أخبرها انه كان لها خمسة أزواج:
- فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام تلك المرأة التي كانت تشهد أنه قال لي كل ما فعلت,
فلما جاء اليه السامريون سألوه أن يمكث عندهم,
فمكث هناك يومين, فآمن أكثر جداً بسبب كلامه,
وقالوا للمرأة اننا لسنا بعد نؤمن بسبب كلامك نؤمن, لاننا نحن قد سمعنا ونعلم ان هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم. (يوحنا4/39-42)
كما نقرأ فإن الكثير من السامريين آمنوا لأن تلك المرأة أخبرتهم ان يسوع قال لها انه كان لها خمسة أزواج! وبقي معهم يومان فآمن به كثيرون جداً ليس بسبب قول يسوع لتلك المرأة انه كان لها خمسة أزواج بل لانهم قالوا قد سمعنا ونعلم ان هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم.
ماذا سمعوا وماذا علموا لم يكتب لنا يوحنا أي كلمة عن الذي سمعوه وعلموه سوى انهم قالوا ان هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم؟!
أنا هنا لا اريد التشكيك بما قاله يوحنا في هذ الفقرات ولنوافق الكنائس ان يوحنا كتب هذه القصة بسوق من الروح المقدس, ولكن لنكمل ما كتبه يوحنا عن هذه القصة:
- وبعد اليومين خرج من هناك ومضى الى الجليل, لان يسوع شهد أن ليس لنبي كرامة في وطنه,
فلما جاء الى الجليل قبله الجليليون اذ كانوا قد عاينوا كل ما فعل في أورشليم في العيد.
(يوحنا4/43-45)
هذه الفقرات هي التي ختم بها يوحنا قصة الماء الحيّ الذي عند يسوع والذي من شرب منه فانه لن يعطش الى الابد, وهي القصة التي قد تستشهد بها الكنائس بان يسوع كان يصرح بصفته المسيح مخلص العالم.
ولكن هذه النهاية أظن ان الكنائس تتمنى لو ان يوحنا لم يكتبها أو لو ان الروح المقدس الذي تقول انه كان مشرفاً على كتابة الاناجيل قد نبّه يوحنا على ما فيها من أخطاء تظهر لأي انسان, سواء كان جاهلاً أو متعلماً, لان هذه الفقرة تظهر ان يسوع من السامرة وليس من الجليل لان قول يوحنا على لسان يسوع انه شهد أن ليس لنبي كرامة في وطنه يدل على انه من السامرة, والأناجيل تقول ان يسوع ليس من السامرة بل من الجليل, فكيف يقول انه خرج من السامرة وذهب الى الجليل وشهد تلك الشهادة؟
ناهيك عن ان هذه الشهادة تنقض أهم الأسس التي قام عليها قانون ايمان الكنائس بالقول ان يسوع هو الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد, فكيف يصف نفسه انه نبي؟!
وهذا يذكرنا بقوله انه ذاهب الى أورشليم كل يموت هناك لانه لا يمكن ان يهلك نبي خارجاً عن أورشليم, فهو يصف نفسه انه نبي مع خطأ في المعلومات لأنه يوجد عشرات الانبياء هلكوا خارجاً عن أورشليم وأشهرهم موسى أعظم انبياء العهد القديم؟!
بعد هذا التفصيل نعود لرؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة فنقول انهم بعد كل هذه المحاولات قاموا بمحاولة جديدة لمعرفة ان كان يسوع هو المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم أم لا.
ولكن هذه المحاولة كانت بطريقة مختلفة عن سابقاتها وهي حدثت بعد دخوله الى أورشليم وهو راكباً على حمارة وجحش كما كتب متّى, وراكباً على جحش فقط كما كتب مرقس ولوقا يوحنا, ففي هذه المحاولة كانوا يريدون ان يتأكدوا فقط من المصدر الذي عنده والذي يدعوه للقيام بهذه الدعوة فاذا كان هذا المصدر أو السلطان من الرب فهم على استعداد لاتباعه, لنقرأ النص التالي:
- ولما جاء الى الهيكل تقدم اليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وهو يعلم قائلين بأي سلطان تفعل هذا ومن أعطاك هذا السلطان,
فأجاب يسوع وقال لهم وأنا أيضاً أسألكم كلمة واحدة فان قلتم لي عنها أقول لكم أنا أيضاً بأي سلطان أفعل هذا, معمودية يوحنا من أين كانت, من السماء أم من الناس,
ففكروا في أنفسهم قائلين ان قلنا من السماء يقول لنا فلماذا لم تؤمنوا,
وان قلنا من الناس نخاف من الشعب,
لان يوحنا عند الجميع مثل نبي,
فأجابوا يسوع وقالوا لا نعلم,
فقال لهم هو أيضاً ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا. (متّى21/23-27) و(مرقس11/27-33) و(لوقا20/1-8)
في هذا النص يحاول رؤساء الكهنة التحقق من مصدر القوة والسلطان التي يعمل بها تلك المعجزات والتي يتخذها دليلاً على دعوته بقرب مملكة الإله, ولكن يسوع الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما تقول الكنائس يلجأ الى وسيلة ليست مقبولة من انسان عادي فكيف بمن هذا صفته فيسألهم عن معمودية يوحنا من أين كانت.
ويكتب لنا كتبة الاناجيل ان اليهود لم يجيبوا, مع انهم كتبوا في نصوص أُخرى ان جميع اليهود ذهبوا الى عبر الاردن وتعمدوا من يوحنا!
والجواب من رؤساء الكهنة لا يتطلب منهم أي عناء أو كذب لان يوحنا المعمدان كان قد قتل قبل عدة سنوات بحسب الاناجيل فما الذي يخيفهم من يوحنا المعمدان وهو ميت ولا يخافوا من الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما تقول الكنائس؟
وما هي المشكلة عند رؤساء الكهنة وعند اليهود, لا بل عند الناس كافة, القول ان معمودية يوحنا من السماء, فيوحنا كما تذكر الاناجيل لم يكن له شريعة خاصة به, لا بل انه كما بينت سابقاً قتل لانه كان يريد تطبيق شريعة موسى على هيرودس!
فهذا الابتعاد عن الاجابة على سؤالهم لا يدل على ان يسوع كان يؤمن انه هو المسيح فضلاً عن ان يكون أحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد!
وكانت آخر محاولة ظاهرة للكشف عن حقيقة يسوع بادعائه انه هو المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم بعد إلقاء القبض عليه وقبل تسليمه لبيلاطس.
- فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالرب الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الرب,
قال له يسوع أنت قلت, وأيضاً أقول لكم من ألآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء,
فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلاً قد جدّف, ما حاجتنا بعد إلى شهود. (متّى26/63-65)
- فسأله رئيس الكهنة وقال له أأنت المسيح ابن المبارك,
فقال يسوع أنا هو, وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء,
فمزق رئيس الكهنة ثيابه وقال ما حاجتنا بعد إلى شهود, قد سمعتم التجاديف. (مرقس14/61-64)
- ولما كان النهار اجتمعت مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة وأصعدوه الى مجمعهم قائلين ان كنت انت المسيح فقل لنا,
فقال لهم ان قلت لكم لا تصدقون وان سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني, منذ الآن يكون ابن الانسان جالساً عن يمين قوة الرب,
فقال الجميع أفأنت ابن الرب, فقال لهم انتم تقولون اني أنا هو. (لوقا22/66-70)
- فسأل رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه,
أجابه يسوع أنا كلمت العالم علانية, أنا علمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائماً, وفي الخفاء لم أتكلم بشيء,
ولماذا تسألني أنا, اسأل الذين قد سمعوا ماذا كلمتهم, هو ذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا,
ولما قال هذا لطم يسوع واحد من الجند من الخدام كان واقفاً قائلاً أهكذا تكلم رئيس الكهنة,
أجابه يسوع ان كنت قد تكلمت رديّاً فاشهد على الرديّ وان حسناً فلماذا تضربني,
وكان حنّان قد أرسله موثقاً الى قيافا رئيس الكهنة. (يوحنا18/19-24)
هذه النصوص استطيع ان اعتبر انها لم تكن محاكمة ليسوع بقدر ما كانت آخر محاولة من رؤساء الكهنة والفريسيين للكشف عن حقيقة يسوع قبل تسليمه لبيلاطس.
وهذه النصوص تحمل في ثناياها أخطاء عديدة منها:
أول تلك الأخطاء هو قول يسوع انه من الآن أو منذ الآن أو سوف دون تحديد الوقت عند مرقس تبصرون ابن الانسان جالساً عن يمين القوة كما كتب متّى ومرقس وجالساً عن يمين قوة الرب كما كتب لوقا دون ذكر تبصرون, وآتياً على سحاب السماء كما كتب متّى, وآتياً في سحاب السماء كما كتب مرقس, ولم يذكر لوقا المجيء لا على السحاب ولا في السحاب وأما يوحنا فلم يذكر شيئاً من هذا كله!
فهذه الفقرات التي كتبها كتبة الاناجيل على لسان يسوع يعلم كل انسان خلال العشرين قرناً الماضية انها لم تقع ولم تحدث ولم يبصره رؤساء الكهنة جالساً عن يمين القوة أو عن يمين قوة الرب كما انهم لم يبصروه آتياً على سحاب السماء ولا في سحاب السماء!
وهو ما يثير الشكوك في صحة هذه الأقوال التي تنسب ليسوع لأننا نعلم ان وعود الرب متحققة وغير متخلفة عن وقتها ولو بدقيقة واحدة, كما حدث مع انبياء بني اسرائيل عندما كانوا يتنبئون فان الأحداث كانت تقع كما قالوا, ولكن كتبة الاناجيل هنا يكتبون نبوءات يقولون فيها ان الاقنوم الثاني هو الذي تنبأ بها ولكنها لم تقع ولا يمكن ان تقع حتى لو جاء يسوع على سحاب السماء أو في سحاب السماء لان رؤساء الكهنة لن يبصروه لأنهم ماتوا وشبعوا موتاً منذ أكثر من تسعة عشر قرنا!
والخطأ الثاني في هذه النصوص هو قول يسوع: فقال لهم ان قلت لكم لا تصدقون وان سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني, ففي هذا القول نقض لما تقوله الكنائس عن يسوع انه ما جاء الا لرفع خطيئة آدم التي أورثها لذريته, فلو كان ما تقوله الكنائس عنه صحيحاً لما رغب في اطلاق سراحه.
نقطة أخيرة وان كانت لا تعتبر خطأ الا انه يمكن وصفها بالمصيبة وهي تعقيب يوحنا على لطم الجندي ليسوع, الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما تقول الكنائس, وكان حنّان قد أرسله موثقاً الى قيافا رئيس الكهنة, نجد هنا ان يوحنا يريد ان يقول لأتباع الكنائس الطيبين انه لو لم يكن يسوع موثقاً لكان ردّ على اللطمة التي لطمها له الجندي, وهو هنا ينسى نفسه ولست أدري أين كان الروح المقدس ويوحنا يكتب هذه الجملة! لأن يوحنا وهو يكتب هذا التعقيب يشعرنا وكأنه يكتب عن انسان عادي وليس عن الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد, فهو وان كان يريد ان يدافع عن يسوع لانه لم يردّ على من لطمه إلا انه كذلك يوحي لنا ان يسوع الاقنوم الثاني يستطيع شرذمة من الناس ان يوثقوه وان يقوم احد الجنود بلطمه, ولا يستطيع ان يرد عليه لانه كان موثقاً!
هل هذه الصفات يمكن ان تكون صفات من خلق السموات والارض؟
نعم, يستطيع يوحنا والكنائس المختلفة كذلك ان يقولوا ما شاءوا عن يسوع ولكن ليس في استطاعتهم ان يقولوا ان هذه الصفات هي صفات من خلق السموات والارض, نعم, يستطيعون ان يقولوا ما شاءوا ويؤمنوا بما يشاءون ولكن عليهم قبل هذا ان يعلموا ان هذه الاقانيم الثلاثة سواء كانت مجتمعة في واحد أو كانت متفرقة فانها بالتأكيد لا علاقة لها بمن خلق السموات والارض لان من خلق السموات والارض لمجرد ظهوره في حلم لأحد سواء كان ملكاً أو انساناً عادياً فان الرعب يدب في قلب ذلك الانسان ويفعل ما يطلبه منه الرب دون الحاجة الى فك الوثاق أو غيرها من التصرفات التي لا تدل على قدرة من يقوم بها, فيوحنا كما كتب في دفاعه عن يسوع لانه لم يرد على اللطمة يهدم بهذا القول قوانين ايمان الكنائس بخصوص ان الاقانيم الثلاثة لها علاقة بمن خلق السموات والارض.
بعد استعراض معظم المحاولات التي قام بها رؤساء الكهنة والفريسيون والكتبة للكشف عن حقيقة يسوع باعتباره المسيح الذي كتبت عنه أسفار العهد القديم وفشلهم في محاولاتهم كلها لان يسوع لم يكن يصرح انه هو المسيح كما سبق وظهر لنا, والغريب ان هذه المحاولات بدأت قبل بدء يسوع بتبشيره أو كرازته وانتهت قبل صلبه بساعات قليلة وكان من نتيجة ذلك حدوث منازعات وخلافات بين يسوع وبين هؤلاء, ولتسهيل عملية البحث جمعت معظم تلك المنازعات والخلافات وأسميتها حالة العلاقات السيئة.
التعليقات (0)