عرفت النسخة اليمنية من ربيع الثورات في " العالم العربي" تطورات لافتة خلال الأيام الأخيرة، و يبدو أن المشهد هناك يتجه نحو مزيد من التوتر في ظل لعبة شد الحبل بين النظام المتمسك بالسلطة و المعارضة التي تطالب برحيله، و تحشد الآلاف من المتظاهرين كل يوم في صنعاء و عدن و صعدة و غيرها من مدن اليمن.
حراك الشارع اليمني ظل سلميا حتى الآن، على الرغم من بعض فترات الإقتتال التي تواجه خلالها المحسوبون على بني الأحمر مع قوات الأمن اليمنية. و هي المواجهات التي بلغت مستوى تصعيديا خطيرا خلال شهر يونيو الماضي عندما تعرض الرئيس لمحاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة، وهو منذ ذلك الوقت يحكم البلد من سرير النقاهة في السعودية. لكن التدخل العنيف لقوات الأمن خلال الأيام القليلة الماضية و سقوط العشرات من المتظاهرين بسبب ذلك، خلط الأوراق من جديد و وضع البلد على حافة الإنفجار. فعلى الرغم من أن النظام اليمني يقرأ ما يجري بنفس اللغة التي اعتدنا عليها في كل الدول التي عرفت حراكات مماثلة، و ذلك من خلال اتهامات جاهزة تعتبر المتظاهرين انقلابيين ومتآمرين على أمن البلاد، فإن التصعيد الأخير الذي صدر عن قوات النظام يكشف عن المأزق الذي يعيشه علي عبد الله صالح. و اللجوء إلى العنف ضد المتظاهرين برحيل النظام هو في كل الحالات دليل على تخبط دوائر صناعة القرار السياسي، و تغليب المنطق الأمني يعد مؤشرا على استشعار النظام للخطر و دنو نهايته. لكن من الواضح أن هذه النهاية ستتلون بدماء الكثيرين من أبناء اليمن. و ذلك هو قدر الشعوب التواقة إلى الحرية.
العنف لغة يتقنها النظام الرسمي العربي بشكل جيد، و الحالة اليمنية لا يمكن أن تشكل الإستثناء في هذا الباب. غير أن خصوصيات المجتمع اليمني تجعل المستقبل مفتوحا على المجهول. إذ يبدو أن الرئيس صالح يستخدم القبلية كورقة سياسية مهمة في مواجهة الحراك الشعبي. فالقوات التابعة للرئيس تبرر عملياتها العسكرية بالتصدي لمحاولة انقلابية على الحكم يقودها زعماء قبيلة " حاشد"، وهي إحدى القبائل الأكثر نفوذا و قوة. و بهذا المعنى فإن النظام القائم يحاول أن يفقد هذا الحراك المستمر منذ شهور شرعيته الشعبية، و يلعب على أوتار العواطف و المشاعر العشائرية و تأجيجها من أجل تحويل الأنظار عن المطالب المرتفعة برحيله. و بالنظر إلى تركيبة المجتمع اليمني الذي يدين بولاء شديد للإنتماءات القبلية، فإن البلد مؤهل بقوة للوقوع في فخ حرب أهلية شاملة في حالة نجاح النظام في استثارة النعرات القبلية و تحويل الثورة عن مسارها السلمي. و إذا بلغت الأوضاع هذا الحد فإن المستفيد الوحيد من ذلك سيكون هو النظام نفسه، لأنه سيجد مزيدا من الذرائع التي تمكنه من ربح الوقت و الإستمرار في تعنته.
ربما كانت المبادرة الخليجية (الرامية إلى انتقال تدريجي للسلطة عبر تسليم الرئيس مهامه لنائبه) عقبة أمام تحقيق نجاح سريع للثورة في اليمن. فقد تعامل الشارع اليمني عموما بإيجابية مع تلك المبادرة، رغم أنها لا ترقى إلى مستوى التطلعات. لكن الواضح الآن هو أن علي عبد الله صالح لم يتعلم الدروس من محنة وآلام الحروق التي يعاني منها، بل يريد أن تطال تلك الحروق مجموع الجسد اليمني. وبعد ذلك فليأت الطوفان. محمد مغوتي.23/09/2011.
التعليقات (0)